بعد ثورة 25 يناير المجيدة، أمل كثير من المثقفين حدوث تغييرات جذرية في دور وأداء المؤسسة الثقافية التي هي وزارة الثقافة، والتي مهمتها الأولي، وبما تمتلكه من امكانات، هي صناعة ثقافة ثقيلة تعين الوطن علي نهضة حقيقية وتجعل الثقافة ضالعة في تنمية حقيقية من خلال وعي جديد ورؤية جديدة للوطن والمواطنة. لذلك ومنذ بدايات الثورة سارع عدد من المثقفين بتقديم جملة من الاقتراحات تتعلق بأداء وزارة الثقافة، وخصوصا المجلس الأعلي للثقافة من حيث دوره ومهماته وتوصيفه الوظيفي، وكذا سياساته، ولقد تجاوب رئيس المجلس الأعلي للثقافة وقتها مع هذه المقترحات وهو الأديب عزالدين شكري، ودارت معه مناقشات موسعة علي مدي شهرين شارك فيها جماعة ثقافية جادة ومهمومة بالتغيير الثقافي من أمثال التشكيليين عادل السيوي وفاتن النواووي والمسرحية عبير علي والطبيبة المطربة فيروز كراوية وكاتبة هذه السطور وعشرات غيرهم، المعبرين عن تلاوين الثقافة في مصر، وكان من أبرز المقترحات التي ألح عليها الجميع هو ضرورة عقد مؤتمر موسع لمثقفي مصر ومبدعيها للنقاش والتداول في أحوال الثقافة المصرية الآن وبعد الثورة. لقد ذهبت وزارة عماد أبو غازي دون عقد هذا المؤتمر وجاءت وزارة شاكر عبد الحميد، لتكون المفاجأة هي عقد مؤتمر دولي قبيل وخلال عيد القيامة المجيد (عيد مسيحي)، وعيد شم النسيم (عيد قومي)، حيث يكون الجميع في اجازات وارتباطات عائلية كالتي تكون خلال عيد الفطر أو عيد الأضحي المبارك. تزامن التوقيت مع ترشيح الفلولي المباركي عمر سليمان، وما واكب هذا الترشيح من ضجة اعلامية وتصوير له في كل مكان مع الشرطة العسكرية، وقد أثار توقيت المؤتمر المواكب لذلك الشكوك والريبة وبات ما يدور في الصدور وصرخت به مشروعا: هل لهذا المؤتمر الثقافي علاقة بترشيح عمر سليمان؟ ولقد نفي السيد وزير الثقافة وهو رجل يعد جزءا من نسيج المجتمع الثقافي وله مصداقيته أية علاقة بين المؤتمر وترشيح عمر سليمان وكذلك أكد د.طارق النعمان مسئول اللجان والشعب بالمجلس، فصدقهما الجميع. ولكن يظل النقاش حول دور وزارة الثقافة وأدائها بعد الثورة مفتوحا، وخصوصا بعد انتهاء هذا المؤتمر وما دار فيه وكذلك منهجية عمله، ابتداء من تشكيل اللجنة العلمية المعدة له والأسس التي شكلت عليها. فمن أهم مشكلات وزارة الثقافة هو غياب المعايير الواضحة عموما، فمثلا ما هي معايير اختيار أعضاء لجان المجلس الأعلي للثقافة، وما هي معايير اختيار رؤساء القطاعات بالوزارة؟، وما هي معايير اختيار رئيس المجلس الأعلي للترجمة؟، ولماذا رئيس العلاقات الثقافية الخارجية هو أستاذ بكلية الهندسة وليس أستاذا بكلية الطب أو الزراعة؟ وهل تم اختيار هذا العدد من لواءات الجيش للعمل بوزارة الثقافة بعد ثبوت كفاءتهم الثقافية علي خطوط النار؟ لقد كان التصور أن يتمحور المؤتمر المتعلق بالثورة والثقافة حول مهمات الثقافة ودورها بعد الثورة، ولكن فوجيء الجميع بمؤتمر أكاديمي في رؤيته، عصفوري في أدائه، أي أنه نوع من مؤتمرات فض المجالس أو طق حنك كما يقول الشوام وهو ذات المنهج المتبع في مؤتمرات الوزارة زمن جابر عصفور، فالأكاديميا ضيقة الأفق والتي تجاوزتها ثورة يناير كثيرا كانت هي المهيمنة علي المؤتمر. كان الظن أن المؤتمر حتي ومن وجهة نظر الأكاديميا سوف يتناول المهمات الثقافية الجديدة بعد الثورة، وفحص المنتوج الثقافي الكبير المتمخض عن الثورة، ولكن فوجيء الجميع، بكلام نظري طالما لم يقدم ولم يؤخر قبل الثورة وبعدها لعجائز الثقافة (بالمعني الفكري وليس العمري)، بل كانت هناك أوراق لمنظري الثقافة المزمنين خلال العهد البائد من أمثال السيد ياسين، وهؤلاء طالما زيفوا وعي الناس بنظريات وأفكار كرسها جابر عصفور وبطانته بطرق شتي وبكلام مكرور عن الحداثة وما بعد الحداثة وكتابة الجسد فغيبوا الحقائق وأتاحوا الفرص لتقدم وانتشار ثقافة غيبية متخلفة تعبر عن احتقار العقل واحتقار النساء، لدرجة أن تخرج علي الملأ وعلي شاشة التليفزيون امرأة تقول وهي عضو مجلس شعب أنه يجب علي الزوج اغتصاب زوجته، اذا ما منعته عن نفسها. عموماكان من المؤسف ومن المضحك أن يؤتي بأمثال هؤلاء ليتحدثوا عن الثقافة والثورة وهم الذين ساعدوا بتواطئهم وسكوتهم عن الحق عصابة الرئيس المخلوع علي سرقة وتجريف مصر بما لم يشهد بمثله من قبل عبر تاريخها الحديث والقديم أيضا. ولقد غاب سؤال الجدوي الثقافية عن هذا المؤتمر وهو سؤال مشروع وجدي بعد ثورة يناير، والذي يجب أن يكون مسبوقا بأي فعل ثقافي تحديدا من قبل وزارة الثقافة، فما جدوي انعقاد مؤتمر علي هذا النحو والتي كانت احدي أوراقه المقدمة من باحثة أسبانية عن معني كلمة ثورة باللغة العربية وهو ما يستطيع أي تلميذ بالمرحلة الاعدادية أن يفعله بعد رد الكلمة الي أصلها الثلاثي والبحث عنه في قواميسنا العربية؟، الشحيحة التي لم يزد عليها كثيرا منذ القرون الوسطي، وما جدوي البحث عن الثورات العربية والمقدمة من أستاذة لم تذق طعم ميدان التحرير في مصر أو شارع الحبيب بورقيبة في تونس وقت الثورة؟ ثم أن يقول أستاذ تاريخ كالدكتور محمد عفيفي أن سقوط حائط برلين ألهم الثورات العربية، »فتلك التي أهتم منها وأنصب« كما يقول فطحل شعري هو النابغة الذبياني. هل أحد لا يعرف محمد هاشم؟ الناشر الذي دعم الثورة قلبا وقالبا وكانت دار نشره بؤرة للثائرين والتي حاولت أجهزة أمن الدولة الكيل له بسبب دعمه للثوار؟، لماذا لم يستدع هذا الرجل للإدلاء بشهادته؟ وكثيرون غيره كانت تتوجب شهادتهم في مؤتمر يتعلق بالثقافة والثورة؟. وماذا عن الموسيقي والفن التشكيلي؟! أليس من أهم ما دعم الثورة وساندها؟ لقد تصاعدت أثناء انعقاد المؤتمر أغنيات ثورة يوليو وتحديدا أغنيات من نوع احنا الشعب واخترناك من قلب الشعب لعبدالحليم حافظ (تواكب ذلك مع ترشيح عمر سليمان) أليس من الأجدي أن يستمع الناس الي أغنيات طالما تغني بها الميدان مع عزة بلبع ورامي عصام صاحب أغنية الحمار، أو أغنية يا بلادي.. أنا بحبك يا بلادي، أو أغنيات علي الحجار ومحمد منير الرائعة وكلها أعمال انبثقت من قلب الثورة وعبرت عنها، أليس كان من المجدي استدعاء بعض فناني الثورة ليدلوا بشهادتهم عن الفن الموسيقي خلال الثورة، مثلما كان من المجدي استدعاء بعض فناني الجرافيتي في شارع محمد محمود أو فنان مثل صلاح عناني الذي رسم بانر كبير للثورة وعلقه بميدان التحرير بالاضافة الي المنصة الخطابية التي طالما تكلم من خلالها الي الناس طوال أيام الثورة؟ عموما هذا الكلام هو قليل من كثير وجزء من كل، ولا يستهدف الانتقاص من جهد القائمين علي المؤتمر ولا التشكيك في مصداقيتهم الوطنية، ابتداء من اللجنة العلمية وأعضائها الذين لهم التقدير وانتهاء بوزير الثقافة الذي هو جزء من الجماعة الثقافية وفريقه الذي يحاول التغيير ممثلا في سعيد توفيق وطارق النعمان وأشرف عامر وغيرهم، ولكن يجب القول بأنه لا يمكن النسج علي المنوال القديم ذاته، ولا يمكن ألا يلحق التغيير الجذري الثقافة تصورا وفعلا وأداء، ولن تقبل الثقافة الآن، إلا اذا كانت معبرة عن اللحظة الثورية الراهنة بكل أمواجها العالية العاتية، المكتسحة لكل بغيض ثقافي شهده الماضي.