طول ما يزيد علي ربع القرن وأنا أدافع عن قضايا الرأي والفكر خاصة ضد تعنت وتشدد التيار الاسلامي في مصر، مما يجعلنا نتساءل عن مستقبل الإبداع في ظل حكم الإسلاميين وتربعهم علي كراسي الحكم في البلاد، ولنا من السوابق ما يساند هذا التخوف، من ذلك: - الشكوي التي قدمها البعض من محامي التيار الإسلامي إلي النائب العام يطلب مصادرة مؤلف ألف ليلة وليلة، وكان لنا شرف الدفاع عنها نائبا عن اتحاد الكتاب وصولا إلي براءتها. ألف ليلة وليلة التي طبقت الآفاق وتعدت البلاد لتصبح جزءا لايتجزأ من التراث العالمي، والتي عرفنا العالم من خلالها بحيث أصبحت تراثا ثابتا ثبوت الأهرامات، أو لكأنها الهرم الرابع في قدمها ورسوخها، فأصبحت بذلك بعيدة المنال لاتطال. - كذلك الدعوي التي قام برفعها بعض محامي التيار الاسلامي بمجلس الدولة بطلب مصادرة وإغلاق مجلة إبداع لنشرها قصيدة اتهمت بالكفر، وقضت محكمة أول درجة بغلق الصحيفة، وكان لنا شرف الدفاع عنها بالنيابة عن اتحاد الكتاب منضمين للهيئة العامة للكتاب أمام المحكمة الإدارية العليا التي أوقفت تنفيذ الحكم وعادت إبداع للظهور أبدع مما كان. - من ذلك أيضا ملاحقة البعض من رموز التيار السلفي للبعض من رموز الثقافة في مصر بدعاوي يتهمونهم بمخالفة الثوابت الدينية، نذكر من هؤلاء الأدباء: الدكاترة والأساتذة: جابر عصفور وأحمد مجاهد وجمال الغيطاني وأحمد عبدالمعطي حجازي وعلاء الأسواني وأمين الديب، وكنت منضما إليهم في دفاعاتهم نائبا عن اتحاد الكتاب، منهم من حظي بالبراءة بعد أن ذاق (حلاوة) السجون، ومنهم من مازالت قضاياه منظورة مثل علاء الأسواني، ومنهم من حكم عليه بالغرامة المشددة مثل الدكتور جابر عصفور، والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، أما الأديبان أحمد مجاهد وجمال الغيطاني، فقد حفظ التحقيق قبلهما ببراءة ألف ليلة وليلة، بعد أن اتهما بنشرها.. أغرب ما في الأمر أنه في الوقت الذي كان نظام مبارك يلاحق أعضاء التيار الإسلامي ويضعهم في السجون، كانوا هم يلاحقون الكتاب بسيل لاينقطع من الشكاوي والقضايا عن إبدائهم لآرائهم، فما بالك وقد وصلوا - أو كادوا- إلي أعلي كراسي الحكم والسلطة في البلاد، وانفرادهم بوضع الدستور والقوانين؟ السبب الرئيسي الذي مكن المتشددين من التيار الإسلامي من ملاحقة المبدعين، يرجع إلي ترسانة القوانين التي وضعها وكرسها النظام السابق لكبت الحريات برغم أن الدستور أطلقها في مواده 47 و 48 و 49 (والتي ظلت شعارات دون تطبيق): - من تلك القوانين المقيدة للحريات ما ورد بالباب الرابع عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، المواد من 171 حتي 201، التي وضعت منذ عهد الملك فاروق، والتي وردت تحت مسمي: الجرائم التي تقع بواسطة الصحف، وغيرها، جري تشديدها علي مر السنين ما بين صدور بحث شمل التحريم جميع وسائل التعبير عن الفكر من قول أو فعل أو كتابة أو تصوير أو إيماء، يمكن أن يدخل تحت دائرة التجريم. - كذلك ما حوته العديد من القوانين المساعدة مثل قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 الذي جرم شتي وسائل النشر مع اقتراض مسئولية الطابع والناشر والمؤلف أو الكاتب ورئيس التحرير. - وكذلك ما ورد بقانون الشرطة الذي عدل بالقانون رقم 20/1998 الذي شدد العقوبة عن نشر الضابط لمؤلفه بدون إذن وجعلها الحبس بدلا من الجزاء الإداري، وأن يصدر الإذن كتابيا ومن وزير الداخلية شخصيا، الأمر الذي لم يحدث للوزير أن أصدره في حياته حتي لحظة إقالته، وقد تم هذا التعديل في أعقاب محاكمة العميد شرطة حمدي البطران عن نشر كتابه: يوميات ضابط في الأرياف، ونجح دفاعنا من الحصول علي حكم ببراءته من العديد من التهم التي نسبت إليه، قبل تطبيق القانون الجديد، وإلا كان مصيره الحبس. - أضف إلي ذلك الخلل الوارد في القانون رقم 24 لسنة 1998 الذي عدل من شروط منح جوائز الدولة: وبرغم أن ست مواد من مجموع مواده البالغة اثنتي عشرة قد نصت علي ضرورة أن تقوم لجان الفحص بفحص الأعمال المقدمة خاصة في جائزة التفوق، وتقدم تقاريرها المفصلة إلي المجلس الأعلي للثقافة ليسترشد بها في منح الجوائز، إلا أن تلك اللجان لم تقم بأي من تلك التقارير مما أثبته تقرير مفوض الدولة الصادر في الدعوي رقم 15420/50ق قضاء إداري (المرفوعة منا)، والذي انتهي إلي أن لجان الفحص لم تقم بعملها، مما يعد مخالفة للقانون والانحراف في استعمال السلطة، فإذا ما أضفنا إلي ذلك القصور في تشكيل المجلس الأعلي للثقافة ونصفه من المعينين بحكم وظائفهم البعيدة كل البعد عن الأدب والإبداع، إذا لتبين لنا مقدار الخلل في منح تلك الجوائز. - فإذا ما أضفنا لذلك العوار الذي شاب قانون اتحاد الكتاب رقم 65/1975 والذي نصت مادته الأولي علي أن: تنشأ في جمهورية مصر العربية نقابة تسمي اتحاد الكتاب، فجاء القانون مسخا غير واضح المعالم ما بين النقابة واتحاد الجمعيات الأهلية، وعلي ما احتوته نصوصه من غموض وقصور. المسئولية الملقاة علي عاتق مجلس الشعب بأغلبية تياره الإسلامي، تجاه الإبداع والمبدعين عظيمة وخطيرة فإما أن نكون أو لانكون، إما أن يساير أعضاؤه الزمان والمكان، فنصبح جزءا من الثقافة العالمية، أو ننغلق ننفصل ونذبل ويموت الفكر ويندثر الإبداع..