«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي اللبناني أمين معلوف:
لجأت للرواية التاريخية هرباً من الواقع المأسوي
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 03 - 2012

هناك ظروف تتمني فيها لو أن الوقت يتوقف ليستوعب ما تريد أن تفعله. ذلك كان شعوري وأنا أحاور الروائي اللبناني أمين معلوف... كانت ساعة مخطوفة من الجدول المزدحم الذي أعدته مؤسسة العويس الثقافية للاحتفاء بالفائزين لدورتها هذا العام، كان عليّ الاكتفاء بالأسئلة الأكثر أهمية من قائمة طويلة كنت أبحث عن إجابات لها عند صاحب »الحروب الصليبية كما رآها العرب«، و»ليون الأفريقي«، و»سمرقند«، و»صخرة طانيوس«، وغيرها من أعمال صنعت له مكانة خاصة علي خريطة الأدب العالمي، وقبلاً في قلوب قرائه الذين ينتشرون عبر قارات الأرض.
تعكس شخصية أمين معلوف إلي حد بعيد أفكار كتبه ورواياته، يبدو هو نفسه وكأنه إحدي شخصيات أعماله، يحمل الكثير من ملامحها، لديه قدرة مدهشة علي التواصل مع الآخرين مهما كانوا، وأياً كانت درجة ثقافتهم ومعرفتهم، خلال اليومين الذين قضيناهما في دبي لفت انتباهي كيف يتصرف مع الآخرين... ينصت باهتمام لكل من يحدثه، ومن بينهم جمهور عادي جاء لمشاهدته والتقاط صور تذكارية معه، صوته خفيض لكنك تسمعه واضحاً وقوياً، ينحني انحناءة بسيطة لكل من يأتي للسلام عليه، ورغم أن شكله »خواجة« كما وصفته سيدة مصرية مقيمة في الإمارات تبدو في الخمسينات من عمرها، لكنه أيضاً قريب من القلب كما قالت له، قرب جعلها تفيض بالدعاء له بالخير في مقابل طيبته وحبه للناس...
يعيش أمين معلوف في باريس منذ العام 1976، وأصبح أحد أعضاء الأكاديمية الفرنسية، وهي واحدة من أهم مؤسسات الدولة الفرنسية، ويكتب بلغتها ويري كثير من النقاد أنه من أعاد للأدب الفرنسي مكانته في الأعوام الأخيرة، لكن ومع تلك العلاقة القوية بالفرنسية، الثقافة واللغة، لن تسمع منه إن كنت تتبادل معه الحوار بالعربية كلمة أجنبية، خلال حواري معه كان قادراً علي التعبير عن أفكاره بسهولة، لم يكن مضطراً لأن يقول كلمة ما أجنبية ويتوقف ليبحث عن معني لها بالعربية، باستثناء مصطلح وحيد تلفظ به لعدم وجود معني واضح له بالعربية. غالباً قرر معلوف منذ البداية أنه لن يتخلي عن اللغة العربية بكل ما يعنيه ذلك من الحفاظ علي إرثه الحضاري في هذه الناحية، وفي الوقت نفسه سيجيد الفرنسية حتي يصبح واحداً من الساهرين علي العناية بها في أكاديميتها، لذلك قلت في البداية أنه مثل شخصياته في أعماله الروائية، يجد متعة في الانتماءات المتعددة، وفي الحفاظ علي تلك الانتماءات حية وقادرة علي أن توفر له مساحة في الشرق والغرب، ميزة اكتسبها مبكراً من »لبنانيته« التي عاش تنوعها وثراءها قبل أن تنهار مع الحرب الأهلية وهي اللحظة التي ترك فيها لبنان، وميزة اكتسبها أيضاً من أسرته الأصغر التي تشكلت من أب لبناني وأم مصرية. »كل من انتماءاتي يربطني بعدد كبير من الأشخاص« مثلما يقول في كتابه »الهويات القاتلة«.
ربما لهذا يكتسب الحوار مع معلوف وفي تلك اللحظات أهمية مضاعفة، فهو أحد الكتاب القادرين علي النفاذ إلي عمق ما يحدث حالياً في العالم العربي، وتعبيره عن فرحته بالحراك العربي والذي عبر عنه بمقالات وتصريحات مختلفة لم يتغير الآن مع سيطرة المد الديني علي تلك الثورات، وهو عكس ما كنت أتوقعه ربما عندما سألته عن ذلك، فهو وعلي حد ما قال لا يتشنج لانتصار فريق وهزيمة آخر في الانتخابات، وما يهمه أن تستمر الانتخابات وأن يستمر تداول السلطة، وأن يستمر الشعب في الضغط لعدم عودة التسلط مرة أخري، أما الفريق الذي لم يفز فإن عليه ببساطة تعديل رؤاه ومحاولة الوصول إلي الناس. لكن قبل أن نخوض في هذا كان لابد لنا أن نبدأ من الحدث الذي التقينا بسببه وهو فوزه بجائزة الانجاز العلمي والثقافي من مؤسسة العويس الثقافية...
بمناسبة الجائزة كيف تري علاقة المبدع بالجوائز؟
كثيرون يرون أنها تؤثر علي الإبداع بفرضها شروطاً علي المبدع، ربما يكون الأمر مختلفاً بشكل ما في الغرب إنما في العالم العربي الأمر ملتبس..
أعتقد أنه في كل مجال لا يمكن أن يتعامل الإنسان مع كل الأيام بنفس الطريقة، هناك لحظات متميزة، يجب أن نتوقف ونقول هذا مخصص لحدث ثقافي، قد لا يكون هذا اليوم أهم من أيام أخري لكن مهم أن تكون هناك لحظات متميزة ومن تلك اللحظات المتميزة لحظات توزيع الجوائز.
- في هذا الإطار سلمي الخضراء لها تصريح مؤخراً أثار ضجة، لا أعرف إن كنت سمعت به أم لا... هي قالت أن أمين معلوف أحق بالجائزة من نجيب محفوظ لأن إبداعه أكثر امتاعا للقاريء من محفوظ...
الحقيقة أنا من الذين كان عندهم سرور هائل يوم حصل نجيب محفوظ علي جائزة نوبل لأني أعتقد أن الأدب العربي بشكل عام، والأدب المصري بشكل خاص لم يكن له حتي ذلك التاريخ اعتراف دولي بمستوي قيمة ذلك الأدب. بالطبع من حق كل واحد التعبير عن إرادته وأذواقه في هذا المجال، والنقاش صحي. وشعوري أن الأدب هو في تنوعه، أن يكون هناك كتاب كثيرون يكتبون أشياء مختلفة، أفضل القول بأننا كلنا جزء من عالم الكتابة، وأهمية هذا العالم أن تكون فيه شخصيات وأساليب كتابة مختلفة، ونتغذي من التشابه ومن الاختلاف، ومن قراءاتنا لمن سبقنا.
- في كتابك "الهويات القاتلة" تصف وضع المهاجر بأنه واحد من اثنين إما أن يأخذ وضع المتحدي للثقافة الغربية أو يحاول الاندماج فيها... هل تري أن محاولاتك الثلاث لدخول الأكاديمية الفرنسية تدخل ضمن وضع المهاجر الذي وصفته بأنه يحاول الاندماج في مجتمعه الجديد؟
ربما. حين يكون الإنسان في باريس ويكتب بالفرنسية فإن الأكاديمية الفرنسية يكون لها مكانة معينة، ومن الطبيعي أن يفكر الإنسان بالانتماء إلي مؤسسة من هذا النوع، والمحاولات العديدة هذه تقاليد كذلك في الأكاديمية... فيكتور هوجو دخل في المحاولة الخامسة، ومن سوء حظ الأكاديمية أنها لم تقبل إيميل زولا رغم أنه حاول 23 مرة تقريباً...
- يعني نعتبره انجازا أنك التحقت بها من المحاولة الثالثة...
لا، ليس انجازا، هناك أناس "بيفوتوا" من المحاولة الأولي، هذه طقوس مؤسسة لديها تقاليد، وتضم شخصيات مختلفة، ولديها ظروف في مراحل معينة، ليست هذه "شغلة" أساسية، الشيء الصحيح هو أن الإنسان عندما يكون في مجتمع غير المجتمع الذي ولد فيه فإن علاقته بذلك المجتمع مسألة دقيقة، فيها رغبة في الاندماج، فيها رغبة في التميز، والاندماج والتميز يتوقفان جزئيا علي الشخص نفسه، وربما بالجزء الأكبر علي موقف المجتمع نفسه، يعني أحيانا يكون الشخص راغبا في الاندماج والمجتمع لا يقبله، وأحيانا لا يريد أن يندمج في حين أن المجتمع يرغب في جعله جزءا منه. نحن في فترة لا أقول أنها فريدة لكنها مرحلة غير مسبوقة بحجمها، بمعني أن عشرات وربما مئات الملايين من الناس يعيشون في مجتمعات غير التي ولدوا فيها، وعلاقة كل واحد بالمجتمع الذي يعيش فيه وكذلك بالمجتمع الذي أتي منه علاقة معقدة، طبعا أنا خصصت قسما من كتاباتي لهذا الموضوع بالذات... مسألة الهوية وكيفية التعامل معها، وليست لدي حلول، أنا أصف المشكلة لأنني أواجهها شخصيا ويواجهها آخرون، لكن ليس هناك حل واحد، كل فرد يمضي حياته كلها مع علاقة عاطفية مع المجتمع الذي أتي منه والمجتمع الذي يعيشه ضمنه، وهذا يستمر مدي الحياة.
- من الحسن بن محمد الوزان في "ليون الأفريقي"، وعمر الخيام في "سمرقند"، وماني في "حدائق النور" وعصيان كتبدار في "موانيء الشرق"... كلها شخصيات تدعو إلي التسامح في العلاقة مع النفس أو الآخر. هل تظن أن الإنسانية ما زال في إمكانها الترقي، أم أن الحقد وأنهار الدماء عبر التاريخ قد أفسدا بالفعل الطبيعة البشرية؟
التسامح مسألة صعبة للغاية، وكذلك التعايش، إنما لا خيار لنا إلا أن نحاول التعايش معا. أنت تسألني إن كانت الطبيعة البشرية تسمح بهذه العلاقة بين المجموعات المختلفة، وأنا أعتقد أن الطبيعة البشرية يمكنها أن تذهب في اتجاهات متباينة، لا أقول أن طبيعة الإنسان هي أن يتقبل الآخرين. هذا ليس صحيحا، أحيانا يتقبل وأحيانا بالعكس ينفر من الآخرين، أعتقد أن التعايش بين أناس مختلفين مسألة يجب أن نتعلمها، وهي تأتي مع الوقت ومع التربية، تأتي مع العمل الدائم واليومي لكي نتعلم الحياة مع الآخر، وبالتالي التعايش مسألة تبني ولا تأتي بالفطرة، هذه الفطرة يمكن أن تأخذ اتجاهات مختلفة، وربما رد الفعل التلقائي هو رفض الآخرين، لكن دور الثقافة ودور الحضارة أن تعلم الناس التعايش مع بعضهم.
- عملك يقوم بشكل أساسي علي التعمق في التاريخ والبحث في التحولات الحضارية التي رسمت صورة الشرق والغرب علي الصورة الحالية... هل تعتقد أنه في الإمكان تحقق نقطة التقاء يوماً؟
هل هذا ممكن؟ نعم، هل هذا سهل؟ لا. هل نسير اليوم في هذا الاتجاه؟ لست متأكداً إن كنا نسير في اتجاه التفاهم بين هذين العالمين، قد نكون نبتعد الآن، لكن شعوري هو أننا يجب أن نعمل في هذا الاتجاه لأن الصراع الدائم مرهق، مضن للجميع.
- بشكل شخصي عندما أقرأ رواياتك أشعر أن هناك محاولة للهروب من الواقع المأسوي إلي التاريخ...
شعورك صحيح.
- بالنسبة إلي الحراك العربي أنت قلت أنه ليس علينا حصد الإيجابيات مبكراً... الآن كيف تري وضع الثورات العربية بعد سيطرة المد الديني عليها؟
أولاً أعتقد أن الشيء الأساسي الذي حصل هو ما سمي بكسر جدار الخوف، إنهاء مرحلة التسلط وعدم احترام آراء ومشاعر الشعوب، هذا كان من المفروض أن ينتهي، وربما علي هذا الصعيد حصل تقدم أساسي وسيترك أثراً، ما أعتقده أيضاً أن هذه نهاية مرحلة وبداية أخري، ولكن لا يمكننا الحكم علي المرحلة التي بدأت من نتائج "آخر كام شهر". بالنسبة لي المسألة اليوم هو أن تكون هناك مجتمعات فيها تداول أفكار، تداول للسلطة، فيها انتخابات حرة تجري في مواعيدها، فيها حرية تعبير، أنا لا أتشنج لأن فريقاً آخر ربح في الانتخابات...
- حتي مع الطبيعة الإقصائية للإسلاميين؟
التركيز الأساسي أن تستمر الانتخابات، أن يستمر تداول السلطة، العدو في هذه المسألة من يقول الآن نتوقف عن الانتخاب، ونتوقف عن تداول السلطة، وأن هنا يتوقف القطار، كل من يقول أننا سنواصل، أياً ما كانت أفكاره، من يريد أن يبقي علي اللعبة السياسية، علي حرية الأفكار وعلي حرية التعبير، هذا يسمح بأن تنمو قوي سياسية فكرية تلعب دوراً، وعلي تلك القوي أن تقنع المواطنين بقدراتها علي حل المشكلات، وبصواب أفكارها. إذا التركيز في رأيي يجب أن يكون في الحفاظ علي التداول في الأفكار والتداول في السلطة، هل الفئات السياسية المختلفة تلقائيا تريد تداول السلطة؟ ربما لا لكن هذا شيء يمكن علي الشعوب أن تفرضه علي كل القوي السياسية، أن تقول أننا نؤيد أو نعارض لكن لا أحد يوقف التداول أو يقول انتهي، ومن الآن فصاعدا هناك فريق واحد، هذا ما يمكن الحصول عليه اليوم، لا يمكن في رأيي أن نبدل موازين القوي، هي ما هي، هناك أناس وجدوا الأسلوب لإقناع مواطنيهم بالاقتراع لهم، هذا شيء يجب علينا جميعاً أن نحترمه، ومن كان رأيه غير رأي هؤلاء يجب عليه أن يكون مقنعا أكثر فيما يطرحه وفي الحلول التي يقدمها، لكن الأساس اليوم بعد كل مرحلة التسلط هو أن يكون هناك تداول بالسلطة، وألا نعود إلي مرحلة يستولي فيها أي فريق أو أي فرد علي السلطة ويأخذها من المواطنين الذين اكتسبوها بمعاركهم خلال العام والنصف الفائت.
- وكيف تري مواقف بعض المثقفين الرافضين لهذه الثورات، مثل أدونيس الذي عاداها لمنطلقاتها الدينية حسب زعمه، وسعدي يوسف الذي لم ير فيها إلا مؤامرة أميركية؟
لن أحكم علي مواقف معينة، كان هناك مثل من ذكرتهم، وآخرين مواقفهم تبدلت مع تبدل الظروف والأحداث، أنا لا أعتقد أن ما حدث مؤامرة من أي كان، أو أي دولة، أنا تابعت الأحداث وشعوري أنها انطلقت بالفعل من عمق المجتمعات سواء كان المجتمع المصري أو التونسي أو الليبي، والدول الأخري، بما فيها الدول الكبري كأميركا وسواها، حاولت أن تفهم ما يحدث، ثم حاولت التأثير علي ما يحدث بما يخدم مصالحها وهذا تصرف طبيعي. لكن أن تقول بأن ما حدث حركته دول أو قوي خارجية فهذا ليس شعوري شخصيا، شعوري أن ما حدث في الأصل نابع من عمق تلك المجتمعات وحين تحرك الناس تحركوا لأنهم وصلوا إلي حد أصبح الوضع فيه لا يطاق، و"طفح الكيل" كما يقال، وهذا هو أساس التحرك، وأيا كانت التقلبات التي حصلت ففي رأيي أن الشيء الإيجابي الذي تحقق هو إنهاء عهد التسلط. المسألة الدينية مسألة أساسية لا يمكن لأي إنسان أن يعتبرها مسألة ثانوية أو هامشية، هي مسألة يجب أن يفكر فيها المجتمع كله... بأفراده، بمثقفيه، بقواه السياسية، لإيجاد أفضل صيغة تتلاءم مع مشاعر الناس وتتلاءم مع ضرورات تقدم المجتمع، وهذه المهمة التاريخية ليست مهمة جيلي أنا فهو جيل بات قديما، إنما للأجيال القادمة، وهذه مسألة مهمة لابد من التعامل معها، لا يمكن أن تنفي هذه المشكلة أو تقول إذا كان الوضع هكذا فأنا أدير ظهري إليه وأمشي... هذا واقع حقيقي له مبررات وله تفسيرات وعلي مجتمعاتنا التعامل مع كل هذه المشكلات، سواء كانت المشكلة الدينية والطائفية في دول مثل سوريا والبحرين أو لبنان أو سواها، مشكلة التنمية، مشكلة المرأة، هذه قضايا أساسية يجب التعامل معها، ويجب أن نؤمن، وهذا الشيء الأساسي أعود لتكراره مرة أخري، أن
يكون هناك إطار سليم للنقاش، للحوار، يمكن الشعوب من التفكير في حلول، وفي صيغ للتعامل مع كل هذه المعطيات.
- في كلمتك التي ألقيتها بمناسبة حصولك علي جائزة أمير استورياس للأدب قلت أنه لابد من دور فاعل للثقافة في مواجهة الانحدار الأخلاقي... هل تري أن المثقف بالفعل مازال له الكلمة وخاصة في العالم العربي؟
يعني المثقف ليس دوره أنه واقف علي قمة الجبل والناس تستمع له، دور المثقف أن يدلي برأيه، بتصوره، ورأيه مسموع، ليس هناك مبرر يجبر الناس علي الاستماع له، لكن الناس يستمعون، يقولون نعم معه حق أو لا غلطان. وما أعتقده حاليا أن دور المثقفين في كل ما حصل ويحصل ليس غائبا وليس مهيمناً، هو دور محدد ولا أعتقد أنه يفترض أن يكون دورا أكبر من ذلك بكثير...
- إنما البعض يري بأن المثقف العربي ساعد علي تفشي الديكتاتوريات العربية بوقوفه إلي جانب النظام، وعليه فإن ليس له الحق في الكلام بل عليه أن يتعلم من الشعوب...
لا يوجد حزب اسمه حزب المثقفون، هناك مثقفون من كل الأنواع، هناك مثقفون تعاملوا مع السلطة وآخرون حاربوها، هناك مثقفون تم اضطهادهم وهناك مثقفون قتلوا وسجنوا، وآخرون اضطروا للهجرة وهناك مثقفون عندهم علاقات مع أحزاب من اليسار أو اليمين، من العلمانيين أو الدينيين، هم ليسوا حزباً، لا تستطيع القول أنهم كانوا تابعين للنظام الفلاني...
- إنما الفئة الأكثر تأثيرا هي التي كانت بجانب النظام، نضرب مثلا بجابر عصفور الذي استلم جائزة القذافي في حين رفضها جويتسلوا، أليس في هذا...
أنا أعرف الواقع المصري بدقة وبالأسماء، لكن من الأوضاع التي أعرفها في مصر أو لبنان أن المثقفين في كل الأحزاب ولهم كل المواقف الممكنة... من المتزلف إلي الشهيد، من البطل الذي لا يحيد شعرة عن قناعاته إلي الفاسد الذي يبيع قناعاته بأي منصب، ما في واحد يمكنه القول أن المثقفين هذا موقفهم...
- وعليه فمازال لهم دور؟
بالطبع، ضروري أن يكون هناك دور، لكن ربما نحتاج لأن نحدد أكثر واجبات المثقف، الواجبات الأخلاقية للمثقف، أن نفهم الناس أن التعامل مع السلطة وتملقها يفقد المثقف مصداقيته، لكن في الوقت نفسه ليس علي المثقف أن يكون دوماً معادياً للسلطة، المفروض أن يكون بموقف نقد ونقد إيجابي ومحاولة التأثير، وأن يقول للحاكم أشياء يجب أن يسمعها لا أن يقول له ما يريد أن يسمعه.
- في الفترة الأخيرة يبدو أنك ابتعدت قليلا عن العمل الروائي لصالح أنواع أخري من الفنون مثل الأوبرا... هل هي استراحة محارب كما يقولون أم أنك استنفدت الشكل الروائي في إيصال الأفكار التي تريد؟
سمها استراحة محارب إذا بتحب. هي فترة كان لدي فيها اهتمامات معينة، مثلاً بعد صدور آخر رواية وهي "رحلة بلدسار" عام 2000 عثرت بالصدفة علي وثائق العائلة وبالتالي أمضيت فترة طويلة في إعداد الكتاب الذي أصبح اسمه "بدايات" وهو ليس رواية لأنه مبني علي وثائق من أسرتي، إنما...
- سيرة ذاتية؟
سيرة ذاتية بمعني عائلية وليس شخصية، وإن كان أيضاً أقرب إلي رواية منه إلي أي شيء آخر، وهناك الأوبرا بالفعل، ولم أنشرها جميعاً بالمناسبة، كتبت أربعة أعمال نشرت منهم اثنتين، وهذا أخذ حيزاً من وقتي، وهناك أعمال نظرية مثل "خلل العالم"، يعني بالفعل بدا وكأني ابتعدت عن الرواية لكن أنا عندي رواية ستصدر نهاية هذا العام...
- ما عنوانها؟
لا أعرف بعد.
- وصفت اللغة العربية بأنها لغة النور والفرنسية بأنها لغة الظل...
ما قلته بالتحديد أنه حين كنت في لبنان كان تعاملي اليومي هو باللغة العربية، واللغة الفرنسية لم أكن أتحدث بها لا في البيت أو في الحياة اليومية، كان وجود الفرنسية هو وجود الظل، موجودة وأقرأ بها أحيانا لكنها لم تكن في حياتي اليومية ولا في العمل، كنت أعمل في صحيفة باللغة العربية وهي "النهار"، وقت انتقلت إلي فرنسا تغير الوضع وأصبحت الفرنسية هي اللغة اليومية، والمكان الوحيد الذي بقيت فيه العربية اللغة الأساسية هو البيت، بهذا المعني تغيرت العلاقة بيني وبين اللغات التي تعلمتها، والتغير الأساسي أتي حين انتقلت إلي باريس، عملت في الصحافة في باريس باللغة الفرنسية...
- هناك من يري أن اللغة العربية أصبحت عاجزة عن مواكبة العصر!
لا أعتقد هذا أبداً..
- يعني نحن ليس لدينا مؤسسة بأهمية الأكاديمية الفرنسية التي تسهر علي العناية باللغة ومدها بالمصطلحات الجديدة...
الأكاديمية الفرنسية شيء فريد، له تفسير في تاريخ بناء الدولة الفرنسية فهي دولة مركزية وكل شيء تريد أن تنشيء له مؤسسة، لكن هذه الأكاديمية لا يوجد لها مقابل باللغة الانكليزية مثلا ولا يعني هذا أن اللغة الانكليزية عاجزة عن أي شيء. أنا أعتقد أن الواحد يمكنه أن يعبر عن أي شيء باللغة العربية إذا كان علي الصعيد الأدبي والثقافي والعلمي، لكن أحيانا لابد أن يكون هناك شغل لمؤسسة ربما لتأمين المفردات ولتكريس مفردات معينة خاصة بالنسبة للتكنولوجيا الحديثة، ولكن لا أعتقد أبدا أن هناك أي نوع من العجز والنقص في اللغة العربية.
- كيف يمكننا تفسير العلاقة بين التاريخ والفعل الروائي في أعمالك في ضوء تأكيدك علي أنك تحترم الحقائق التاريخية، في الوقت نفسه فإن الفعل الروائي قائم في الأساس علي التخييل... كيف يمكنك الموازنة بين الفعلين؟
ليس دائما سهلاً. الأسلوب الذي اتبعته أن كل شيء له علاقة بأحداث تاريخية معينة لا أحورها، يعني إذا حكيت عن سقوط غرناطة لا أخترع سقوطاً آخر لها، أحاول أن أفهم كيف جري ذلك بالتحديد ولا أبتعد عنه في الرواية، وفي الوقت نفسه هناك مجال كبير جدا للخيال، علي الأقل بالنسبة لحياة الأبطال الفردية، يعني مثلا حسن الوزان في "ليون الأفريقي" كل ما يتعلق بحياته الفردية، بعائلته، بزواجه، هذا عمل روائي. فيما يتعلق بالأحداث أحترم أو أحاول أن احترم ما نعرفه تاريخيا عن تلك الأحداث، ليس لدي شعور بأن هناك تناقضاً فعلاً، الروائي ليس ملزماً بدقة التاريخ لكن أعتقد أنه ملزم أدبياً بعدم الكذب تاريخياً، يعني مفيش واحد يكتب رواية عن واترلوو ويعملها أن نابليون ربح إلا إذا قال أنه عاوز يعمل رواية "POLICAL FICTION" ليتخيل كيف كانت ستكون الأمور لو أن نابليون ربح المعركة. في هذه النقطة لدي شعور بالمسؤولية بأن القاريء إذا كان يقرأ عن مرحلة معينة فلابد أن يكون مطمئنا أن ما يقرأه ليس مناقضا للواقع، إذا طالب يقرأ كتابا مستوحي من مرحلة تاريخية معينة لابد أن يشعر أن الشيء الذي يروي عن تلك المرحلة مطابق لما كان يجري فيها، لكن هذا مختلف من كتاب لآخر، يعني مثلاً في "سمرقند" هناك رواية قديمة أنه كان هناك ثلاثة أصدقاء عمر الخيام، ونظام الملك، وحسن الصباغ، الأرجح أنهم لم يكونوا أصدقاء، هناك فارق في العمر والوسط الاجتماعي وغير ذلك، لكن الروائي يستلهم أسطورة من هذا النوع ولكن بين السطور لابد أن يقول أنها أسطورة.
- صرحت قبلاً أنك لست متابعاً جيداً للأدب العربي...
ولا الفرنسي علي فكرة، يعني أنا أقرأ أشياء لكن معظم الوقت لا أقرأ أشياء صدرت مؤخرا، أقرأ أشياء قديمة، أو لها علاقة بالعمل الذي أنجزه، أقرأ دراسات سياسية أو تاريخية، لكن ليس عندي هاجس أن أتابع ما ينشر في اللحظة.
- وكيف تري ترجمة الأدب العربي في باريس؟ أنا أعرف أنه ليس بالضرورة الجيد ما يتم ترجمته هناك.
أنا ما عندي القدرة أني أحكم بشكل شامل، ما أقوله أن هناك ترجمة الآن أكثر من ذي قبل ولكنها مع ذلك ليست كافية، هناك اهتمام بمتابعة ما يصدر في القاهرة أو بيروت وغيرها من العواصم العربية، وهناك دور نشر متيقظة لذلك أكثر مما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات أو خمسة عشر عاما، وهذا إيجابي، أن تصدر رواية بالعربية وخلال عام أو عام ونصف تكون قد صدرت بالفرنسية، لكن أتصور أنه لازم يكون أكثر وربما كذلك من المهم أن تنشر أعمال سابقة لم يتم الاهتمام بها في زمنها، ومن المهم أن تعود للتداول وأن تترجم ترجمات جديدة مع مقدمات ربما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.