الهوس الحالي بحجم الرواية لا يخص الروائيين المصريين فحسب! ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية مؤخراً أن ثمة قلقاً يسود حالياً في الأوساط الأدبية الإنجليزية حول عودة الروايات بالغة الطول المتخمة بالصفحات، حتي أن الجريدة نبهت الأدباء إلي ما أطلقت عليه "مراقبة أوزانهم"، فقد ظهرت علي رفوف المكتبات ثلاث روايات جديدة هي "صانع الزاوية" لنيك هاركواي عن دار نشر هاينمان، وبلغ عدد صفحاتها 576، كتعبير فج في تلك الأيام العجاف بحد وصف الجريدة - عن حصر الخيال الروائي في زيادة وزن الكتاب بغض النظر عن جودته من عدمه، ورواية "كابيتال" لجون لانكستر عن دار نشر فابر آند فابر والتي وصلت إلي 577 صفحة بالضبط، ورواية "انتعاش الريادة" لبنجامين وود عن دار نشر إس آند إس و التي وصلت إلي 420 صفحة. حتي رواية "النقاء" لأندرو ميللر الفائزة بجائزة كوستا والصادرة عن دار نشر سكيبتر، - كما تشير الجريدة - كانت هي الأخري مكتنزة بثلاثمائة وخمسين صفحة، فماذا حدث للأحجام الصغيرة؟ يمكننا إلقاء اللوم علي الكومبيوتر الذي يشجع علي الإسترسال في الكتابة، ثم تردد الأدباء في حذف أجزاء من أعمالهم، اعتماداً علي وجود مُراجع يقوم بتلك المهمة، إلا أن هناك أيضا تراجعاً في تصحيح بروفات الروايات الطويلة بسبب الاستعجال، مما يشير بإصبع الاتهام إلي ضغط السوق، خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو ربما كل تلك العوامل مجتمعة، كما يمكن إضافة الشك في وجود دوافع لدي الروائيين أن يصبحوا من الزاهدين و الاكتفاء بما"قل ودل". وتتناول الجريدة الظاهرة من الناحية التاريخية، فذلك الجنوح بالخيال الذي يقع بين 350 و5000 صفحة زائدة شيء جديد تماماً في عالم الأدب، فجراهام جرين كان نثره دائما يتقلص حتي العظام، حيث تعلم من حرفته كنائب مدير تحرير في نيويورك تايمز أن الأسلوب المترامي الأطراف تقل احتمالات ارتقائه إلي خبرة مهنية خلال النصف الأخير من القرن العشرين، كما أن الروايات التي يبلغ متوسط عدد كلماتها من75 إلي80 ألف كلمة وتقع في 200إلي250 صفحة تصبح الصورة داخلها معقدة. وبينما نخلع قبعاتنا لأدباء العصر الفيكتوري والعصور القديمة الأخري، فعلينا أن نقر أن بعض أفضل الأدباء الكلاسيكيين غاية في القصر، فبينما قامت الاحتفالية بالمئوية الثانية لتشارلز ديكنز بإعادة الحياة لروايتي "نيكولاس نيكلبي"، و"بيت كئيب" لديكنز واللتان بلغ طولهما 800 وألف صفحة علي التوالي، إلا أنها أعادت أيضاً إحياء روايته "كريسماس كارول" التي حصدت الإعجاب بإجماع ويبلغ طولها 160 صفحة. وبينما ترتبط كتابات هنري جيمس في أذهان الكثير من القراء بالوحوش الغريبة، مثلما في "أجنحة الحمامة"، و"الوعاء الذهبي"، و"الحقيقة"، و"تحفة السيد" نجد الكثير من القراء أشد انجذاباً إلي "لفة المسمار" البالغة 128 صفحة فقط وتدور حول الأشباح. والروائي روبرت لويس ستيفنسون صاحب سلسلة الكلاسيكيات القصيرة، ومنها "دكتور جيكل ومستر هايد"، و"جزيرة الكنز"، له عبارة شهيرة: "الفن الوحيد هو الحذف"، وكلما زاد بحثك عن الإيجاز عثرت علي ازدهار في الخيال، فمثلما نشيد برواية هيرمان ملفيل الطويلة "موبي ديك"، فهو أيضاً صاحب رواية "بارتيلبي سكريفز" الوجودية المفعمة بالإثارة، والتي لا تزيد صفحاتها عن المئة. وربما تكون أعظم رواية قصيرة علي الإطلاق هي "قلب الظلام" لكونراد، فهي غنية ووحشية وقد استغرق في كتابتها شهراً واحداً امتد بين ديسمبر ويناير 1898-1899 ويبلغ عدد كلماتها 38 ألف كلمة. وقد رسّخ إي إم فورستر غرور منطق الروايات في ملحوظة علي كتابه الشامل "كتب طويلة" كتب فيها: "نحن نسترسل عادة لأن القارئ يرغب في إقناع نفسه وآخرين أنه لم يضيع وقته".