طالعت عدد "أخبار الأدب" السابق، وفوجئت بهذه الحرب الشعواء التي شنها أخونا "أحمد عبد اللطيف" علي تيار لا يريد أن يدخل في معمعة، بقدر ما يريد أن يجد له مكانا علي منضدة صنع القرار الثقافي في مصر، من غير أن يقصي الآخرين، ولو صلحت النوايا لاستشهد الرجل أحمد عبد اللطيف بمقولة جعلها تيار "هوية" رايته، التي يعلن بها عن نفسه، ألا وهي "نصف الحقيقة معي .. ونصفها معك .. وسويا نملك الحقيقة كلها"، هل يمكن أن تكون هذه العبارة دالة علي فكر إقصائي؟!، أو فكر يريد فرض القيود علي الإبداع؟!، إن كل أعضاء "هوية" مبدعون، فهل من المعقول أن يسارعوا بأنفسهم إلي لف حبل المشنقة حول رقبة حريتهم الخاصة في الإبداع؟! ولمصلحة من؟! تعالوا نواكب الفكر التآمري، ونسأل مرة أخري، لمصلحة من؟! ربما لمصلحة الإخوان!؟ أو لمصلحة السلفيين؟!، أنا بصفتي المنسق العام لهذا التيار في جنوب الصعيد أزعم أن "هوية" لا تسعي أبدا لمصلحة أي من هذين الفصيلين، وإنما لمصلحة الثقافة المصرية عموما، التي لن يظهر تفردها، الذي سيعيدها إلي واجهة الثقافة العالمية، إلا باستعادة هويتها الحقيقية، وترك المشارب التي ما زادتنا إلا عطشا، والثقافة المصرية الحقيقية مزيج من حضارات تكونت علي أرض مصر، أو جاءت غازية ثم هربت، أو استقرت فهضمتها العصارة المصرية، وأخرجت لنا ثقافة مميزة، أين هي الآن هذه الثقافة المصرية المميزة؟! ضاعت في خضم الإنبهار بثقافة الغرب، هذا الانبهار الذي يقوده الليبراليون، ويشتط به العلمانيون، وهنا أنا لا أدين الليبراليين، أو العلمانيين، وإنما أذكر حقائق مسطورة، ومعلومة، مع احترامي الكامل لهذين التيارين، بل وحرصي الشديد علي تواجدهما، وإيماني المطلق بحقهما في الدفاع عن فكريهما، طالما ينشدان الجمال، من غير صخب ، أو نية مبيتة لإقصاء من يخالف فكريهما، وأعود لأقول أن الثقافة المصرية ما عادت لها خصوصية، من يوم أن آمنا بالغرب مبدعا، وأنه لا إبداع إلا وراء بحر الروم، أو بعد محيط الظلمات، قطعا أنا لست ضد أن نتفاعل مع كل ثقافات العالم، لكني مع التفاعل الذي يحترم هويتي، ولا يعاملني من فوق، ولا يقول لي أنك صاحب حضارة متخلفة، وأنك لن تكون "لارجا"، أو تقدميا، إلا إذا أخضعت عقلك وقلبك وروحك لثقافات بلاد الثلج، كما أن هويتي المصرية فيها من العربية القاطع الأكبر، والإسلامية أكبر قاطع، لا يمكننا أن ننكر ذلك، وعلي من ينكر ذلك أن يتمشي قليلا في شارع "المعز" بمصر القديمة، هذه حضارة إسلامية مازالت تطل علينا بشموخ، ومن لا يستطيع أن يري، فعليه بالتمشي إلي أقرب عيادة طبيب عيون، هذا هدفنا الأصيل في "هوية"، والساطع جدا في مسماها، وهذا هو هدفها الذي ارتضيت علي أساسه أن أكون من أوائل الأعضاء المؤسسين لهذا التيار، لا لنا في تور الإخوان، ولا طحين السلفيين، بل نحن بالمرصاد لأي فكر إسلامي متطرف، ودليلنا هذه الوقفة التي وقفتها "هوية" ضد تصريحات عبد المنعم الشحات المهينة للأدب وللثقافة المصرية، فكرنا واضح مثل شمس الشروق، والضحي، والظهيرة، والعصاري، والغروب، فلماذا يحاول أخونا أحمد عبد اللطيف، ممثلا بالقطع عن طائفة تحذو حذوه، أن يظهر "هوية" علي أنها تيار إسلامي شحط محط، هدفه احتلال الثقافة المصرية، ومن ثم القبض علي الإبداع اللعين، وقطع رأسه، وتعليقها علي باب "زويلة"؟!، واستشهد أخونا بكلام ثلة من الأدباء، هم إخواننا علي الجانب المقابل، الذين بغوا علينا، وكأن هذا هو العدل الجديد، أحمد عبد اللطيف ضد الإقصاء الذي تحاول "هوية" ممارسته، لكن نظرية العدل الجديدة، تحتم عليه أن يكون مع الإقصاء الذي يمارسه هواة الليبرالية والعلمانية، وأنا أعرف أنني قلت الآن هواة الليبرالية، لأن الليبرالي المحترف رجل محترم، يعرف تماما أفكار الليبرالية، التي محورها الأجل الحرية الكاملة، لكن الهواة يقرؤون جيدا هذه الأفكار، وعند التطبيق هم بلداء تماما، وأعجب من حالهم، مكتبات منازلهم تئن من وطأة ما عليها من كتب، لكنهم لا يعملون ولا بأي سطر، مثلهم مثل الحمار يحمل أسفارا لا يقرؤها، وأنا هنا لا أشتمهم، كما أني لا أشتم الحمار، وإنما أستشهد بوصف قرآني بالغ البداعة لمن يقرؤون كتبا، ولا يعملون بالعلم الذي فيها، وهذا هو بالضبط الخلل الذي عاني منه أخونا أحمد عبد اللطيف، هو ليبرالي علي ما يبدو، ليبرالي هاو، يؤمن باللاإقصاء، ويمارس الإقصاء علنا، فجهز آراء الليبراليين سيد الوكيل، وأحمد أبو خنيجر، وسعيد الكفراوي، وإن كان خير فهو في صاحب الجمل الأحمر، وأقصد سيد الوكيل، فالرجل متخوف مما نتخوف منه نحن أيضا، وعرض ما يؤمن به من غير دعوة إلي الإقصاء، ومعه أيضا في مطالبته للوزير بعدم الرضوخ لمحاولات الإبتزاز، طبعا الإبتزاز الذي يمكن أن يمارسه أي تيار، ومعه في مطالبته للمثقفين بأن ينتبهوا لهذا المنعطف الخطير الذي تمر به الحالة الثقافية في مصر، لكن سيد الوكيل لم يدق طبولا للحرب، ولم يطالب بالإقصاء، ولكن طالب بالفهم، المصيبة أخونا أبو خنيجر، جاء يرشق الخنجر في قلب "هوية"، فرشقه في قلب نفسه، لأن ليبراليته ضحلة، فمن يقيم في جنوب الصعيد، لا يمكن أن يكون ليبراليا جيدا، لأن حرارة الشمس هناك لا تسمح للعقل بأن يفكر جيدا، فضلا عن أن يفهم، فانكشفت ليبراليته وبانت، ليبرالية فسيخ خالص،وظهرت إقصائيته، لأنه لم ينس أنه واحد من النظام القديم، نمي وترعرع في مراعيه، ما ترك مؤسسة يستفيد منها إلا وطرق أبوابها، نشر كتب، مؤتمرات، جوائز مشبوهة، فقال بلسانه الذي نمت خلاياه من خير النظام الفاسد، نفس الكلام الذي كان يقوله النظام الفاسد، حول الفزاعة الإسلامية إياها، اقرؤوا هذه "الإسلاميون ضد الأدب والفن"، وكأن مكتبته المملوءة كتبا، ليس بها كتاب واحد عن الفنون الإسلامية، التي يدرس روعتها أساطين الفن في البلاد التي يعبد أبو خنيجر أفكارها، طيب اقرؤوا هذه "ضد أن يكونوا في السلطة يقصد الإسلاميين لأنهم سيجعلونها دينية"، كلام عقيم، لا يقوله مثقف حقيقي، يمتلك رؤية تكشف له الزوايا التي تعلق في جدرانها مفاتيح الفهم، الرجل يقول كما يقول الناس، بقت مقْوَلة علي وزن مبْوَلة ، لكن فليقل، طالما المسألة لم تتعد القول، نحن الإسلاميين ليبراليين حقيقيين، نؤمن بحرية الكلام والفكر، لكن أن يتجاوز إلي حد التحريض علي الإقصاء، فهذا الذي لن نتواني عن مجابهته، ومن غير مطالبة منا بالإقصاء، قال المنفتح أبو خنيجر "أنا مع أن نري المختلفين معهم لنحاورهم، أما فكرة وجودهم في المؤسسات فالموضوع في حاجة إلي مواجهة، إنهم يكافحون للوصول إلي الثقافة كما يفعلون في التعليم، وهي معركة لا يجب تأجيلها، وعلي المثقفين مواجهتها بشكل حاد، وليس هناك وقت للمهادنات"، وختم المُتَلَبْرِن من الليبرالية الكبير بكلمة مرعبة، لو قالها واحد من تيار "هوية" لكانت السماء انطبقت علي الأرض، ووضعت كل ذات حمل حملها، ورأينا الليبراليين سكاري، وما هم بسكاري، لكن وطأة الكلمة شديدة، قال "هي معركة حياة أو موت"، تعبير لا يليق إلا بظرف حربي، لا تحاوري أبدا، فأي تيار يقصي الآخر، وأي تيار هو الذي يشعل النار، وأي تيار هو الذي يمد يد التعاون، انتهينا من تعليقات أبو خنيجر الدموية. ندخل علي أستاذنا الكفراوي، وهو أستاذنا فعلا في الإبداع والكتابة، سأظل ما حييت أحمل جميلا له، وهو قدرته علي بث روح الإبداع فيما يكتب من قصص، فتعلمت هذه منه، لكني بكل أدب التلميذ أمام أستاذه، أعرض ما قاله بالحرف الواحد، "لست ضد أن يشاركوا في نشاط ثقافي يقصد الإسلاميين عموما، و"هوية" خصوصا يعين العقل المصري علي تجاوز واقعه الراهن، لكنني ضد أن تصادر كل الرؤي الأدبية والنقدية والإبداعية لصالح تيار واحد" لكن يعود أستاذنا الكفراوي فيندم علي ما قدم من رؤية معتدلة، ويتذكر أن ثمة حرب مطلوب منه أن يخوضها ضد التتار الإسلاميين، فيقول مجيبا عن سؤال مراوغ، من نوعية تلك الأسئلة التي تجبرك علي قول إجابة كاشفة لما في حقيقة نفسك، "ليس هناك أرض مشتركة بين اليسار والإسلاميين، الإسلاميون في الحقيقة تيار رافض للتيارات الأخري لكن كثيرا من الدهشة أصابني من كلام أمين المجلس الأعلي للثقافة، الدكتور سعيد توفيق، أو بالأحري من توجه طريقة كلامه نحو العنف والتهديد لتيار "هوية"، ولو أن هذا كان نهجه معنا منذ البداية، منذ أول لقاء جمعنا في مكتب وزير الثقافة، وبحضور الوزير نفسه، لما كنا استغربنا الأمر، وكنا سنفهم منذ البداية أن فكرتنا مستغلقة عنه، أو أن رأسه مستغلقة عن فهمنا، وكنا احترمنا الأمر، وبدأنا نحاول عرض فكرتنا عليه من جديد، عله يلين ويحن، لكن الرجل كان وديعا تماما، لطيفا للغاية، حبوبا جدا، حتي أنه كان يكرر كثيرا عبارة اندهشت لها أيما اندهاش، وبسببها خفت علي الثقافة في مصر، طالما أن رؤوسها يمكنهم أن يكرروا لأي تيار يأتي ليطلب طلبا ما، هذه العبارة العجيبة، "أنا تحت أمركم"، وكرر كثيرا، "اكتبوا تصوراتكم، ومستعد للتعامل معكم علي وجه السرعة"، حتي أن الوزير قال "أمامكم أسبوع أو عشرة أيام، جهزوا أفكاركم"، لكن سارع الرجل الوديع اللطيف الحبوب بالكلام "وليه اسبوع، أنا مستعد من بكره"، لكن جاء "بكرة"، وفشا الأمر، الذي ليس علي هوي الآخرين، فزمجروا، فارتد الأمين العام ارتدادة الخائف، وبدأ ينقذ الآن نفسه بترديد كلمة "أنا مش معاهم، والله أنا مش معاهم". ثم كانت عجيبة العجائب، لما قرأت كلام الرجل في حواره مع أخينا أحمد عبد اللطيف تاني في العدد السابق أيضا وكأنها بداية حملة ستقودها "أخبار الأدب" ضد "هوية"، لا لشيئ، إلا لأن المغرضين خدعوا عبلة الرويني فقالوا "هوية جماعة إسلامية فظيعة فظيعة"، وأنا المنسق العام لتيار "هوية" في جنوب الصعيد، ودائم الاتصال بعبلة لأني أحب "أخبار الأدب"، فكنت أتحاور معها دائما في كيفية النهوض بالجريدة التي وضعت جيلا كاملا علي خريطة الإبداع في مصر، الجيل الوحيد في كتابة القصة الذي برز أمام جيل الأساتذة، جيلنا التسعيني، أمام جيل الستينات، وهنا أسأل سؤال للأستاذة عبلة الرويني، هل شعرت يا أستاذة مرة واحدة من كلامي أنني إسلامي، هل طالبت مرة واحدة بتخصيص مساحة ما لشئ لا أعترف به من الأساس اسمه الأدب الإسلامي؟!!، الإجابة متروكة لها، لكني أعود للعنترية المفاجئة التي أبداها الدكتور سعيد توفيق علي صفحات "أخبار الأدب"، لقد قال الرجل الذي ظننته من تلك النوعية من الرجال الذين لايبدون إلا وجها واحدا، فاتضح لي العكس، "لقد وافقت أن يقدموا اسمين أو ثلاثة بعد أن اقترحوا ذلك، لكني سأنظر في هذه الأسماء، ولن يجبرني أحد علي فعل ما لا أرغب"، ثم ويا للهول، يقول "كما أنني لست خاضعا للتهديد"، يناقض الرجل كلام نفسه!! يقول "اقترحوا"، ثم يعود ويقول "لن يجبرني أحد"، فهل يمكن لهاتين الصيغتين أن تتفقا في جملة واحدة للتعبير عن حالة حوار واحدة، إما "هوية" تقترح، أو تضغط وتجبر، وبما أن الرجل أقر أن "هوية" اقترحت، فلماذا يحاول إظهار الصورة وكأنه الأسد الهصور الذي لن يقبل أن يجبره أحد علي شيء لا يرغب فيه، ثم إليكم بثالثة الأثافي، قال "لن يجبرني أحد علي فعل ما لا أرغب"، وكأن المجلس الأعلي ما زال باقيا عزبة خاصة لمن يتولي أمانته العامة !! فيرغب أو لا يرغب، وكأنه ليست هناك مقاييس للعمل العام غير رغبة سيادة المسئول، وكأنه لم تقم ثورة ضد هذا الفكر السلطوي النفعي، أقول للرجل، ليس بصفتي ممثلا لتيار "هوية"، ولكن بصفتي الأدبية ككاتب قصة ورواية، أننا نحن معاشر المثقفين والأدباء لن نقبل بعد الثورة أن يتعامل معنا مسئول مهما كان موقعه في السلم الوظيفي، وكأنه السيد الذي سيفرض ما يري علي العبيد المناكيد، لا، سنجبرك يا سيادة الأمين لتنحي نحو الطريق الصحيح، إذا رأيناك تتجه بالسيارة إلي المنحدر، وأول اتجاهك للمنحدر هذه الإجابة الهولاكية نسبة إلي هولاكو لما سألك أخونا أحمد عبد اللطيف عن رأيك في ما قالته "هوية" عن الفساد المستشري في وزارة الثقافة، وأجبت "نحن من نتصدي للفساد وليسوا هم، وأنا بدأت في فعل ذلك بالطبع". طيب يا معالي الأمين، يبدو أنك لم تعرف بعد حجم الفساد في المكان الذي توليت أمانته، وطالما أنك عنتري هولاكي قمبيزي اسكندراني رمسيسي، فاظهر لنا قدراتك الخارقة، التي ستمكنك وحدك من إزالة أكوام الفساد التي صارت في حجم الأهرامات، لكن لو لم تفعل فاعرف أنني أنا شخصيا سأطالب بمحاكمتك، وسأرفع عليك دعوي بالفساد، ولن أحرم من المستندات التي ستدينك وقتها، لن نظل أبدا خاضعين لفكر قديم، لا يؤمن بالمشاركة في التصدي للمشاكل، وإنما يؤمن بأنه الوحيد القادر علي إيجاد صيغة الحلول، وهو لا يملك صيغة ولا يحزنون، بل يزيد الطين بلة، لمّا يشارك في صنع الوقيعة بين تيارات لن يستطيع تجاهلها، لتكون النتيجة الحتمية، سقوط السيارة في المنحدر.