صعود التيار الاسلامي وفوز احزابه بنسبة مرتفعة في الانتخابات تنذر بأن البرلمان القادم سيكون ذا أغلبية إسلامية. اثار الجدل والتخوفات في صفوف التيار الليبرالي والعلماني حول حرية الفكر والابداع ومستقبل الثقافة في مصر لا سيما بعد هجوم بعض رموز التيار السلفي علي الابداع ووصف أدب نجيب محفوظ بالادب الماجن. ورفض الحضارة المصرية القديمة والمطالبة بتغطية كل التماثيل بالشمع لطمس ملامحها .. والتساؤل الذي يطرح نفسها بقوة هنا هو: هل صحيح أن حرية الابداع مطلقة ؟. وأيضا هل تخوفات التيار الليبرالي من وضع قيود علي الابداع أو فرض وصايا علي الفكر في محلها؟. أكد الروائي ابراهيم عبد المجيد. أن المشهد السياسي والثقافي يعاني من بروز أصوات متشددة ضد الابداع والفكر والرأي. موضحا أن المثقفين لديهم تخوفات مشروعة حول حرية الفكر والثقافة والمخاطر التي قد يتعرض لها الابداع في مصر بسبب صعود التيار الإسلامي. وقال ان الوجه المتشدد للتيار المتأسلم لم تفلح محاولات تجميله أو اخفائه وانما كشفته مواقف المتحدثين باسمه ورفضهم لحرية الفكر والابداع. مضيفا أن الثورة قامت لتغيير الواقع البأس والمجحف الذي صنعه النظام الديكتاتوري البائد عبر منهج منظم لافقار المجتمع وتجهيله وتفريخ التيارات المتطرفة والمتشددة التي تعادي الفكر الحر والتحديث وتريد ان تفرض علي المجتمع نمطا مرفوضا يقولب الناس والعقول ولا يسمح بإحداث اي تقدم. أفكار الاستنارة أوضح أن معركة مصر الحقيقية مع الرواسب والعوامل التي تجر المجتمع الي قاع التخلف والظلامية. مبينا أنه يجب أن يكون الكتاب والمثقفون في الطليعة التي تصر علي طرح افكار الاستنارة والتقدم والتغيير وتحقيق اهداف الثورة من خلال كتاباتهم وابداعاتهم المعبرة عن وسطية الشعب المصري وتسامحه وانفتاحه علي الافكار والاتجاهات والمعارف ورفضه للفكر الوافد الدخيل الذي يكرس للتعصب والمغالاة وينزع الي التشدد. وانتقد محاولات التيار الديني استغلال المنابر والفضائيات لنشر فكر التشدد واصطناع القضايا الثانوية لضمان السيطرة علي العقول. موضحا أن الشعب المصري قادر علي الفرز ومقاومة ورفض المد المتطرف والاستبداد باسم الدين. وفرض اولوياته في العدل والمساواة والحرية. ورفض أن يستمر التيار الديني في الدفاع عن قضايا الحجاب ومنع الاختلاط. في الوقت الذي يستمر في تجاهل ما يعاني منه الوطن من امراض اجتماعية واقتصادية خطيرة لا يمكن مواجهتها بالتشدد والتطرف. وقال ان الازهر الشريف والمؤسسات التعليمية والثقافية عليها مسئولية كبيرة في الدفاع عن حق الانسان المصري في العيش الكريم والحرية الفكرية والابداعية. مخاوف مشروعة وعبر الروائي فؤاد قنديل عن خوفه ازاء موقف الاسلاميين من الإبداع. موضحا أن الخوف والقلق له أسباب واقعية معقولة لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها ولعل ما يخرج من بعض رموز التيار السلفي من تصريحات تصف أدب نجيب محفوظ بأنه يحض علي الرذيلة ويدور حول الدعارة وأوكار المخدرات تجعل هذا القلق والخوف في محله. ورفض الهجوم علي التيار الاسلامي واتهامه بتدمير البلد أو مسئوليته عن حالة التخلف وتراجع الوعي لدي المواطن. وقال ان فوز التيار الاسلامي في الانتخابات فاتحة خير سوف تثمر عن تحولات في الواقع المصري خاصة في الجوانب الاقتصادية والانتاجية والعلمية. ويؤكد أن الاشكالية الحقيقية تتمثل في قلة وعي التيار الاسلامي بمعاني الثقافة ودورها في المجتمع. مضيفا أن رؤيتهم للثقافة محدودة وتحتاج لمراجعة واستمرارهم في التعامل مع الادب بهذه العقلية سوف يجلب اخطارا كبيرة علي مجالات الابداع الموسيقي والسينما والمسرح والغناء والشعر والرواية والفن التشكيلي. واستنكر محاولاتهم لفرض السيطرة علي الثقافة والفكر الابداعي. مشيرا الي أن هناك تصريحات مقبولة من جانب بعض انصار التيار الاسلامي تؤكد علي أنهم يحترمون الفن والادب ويقدرونه. ولكن الممارسة العملية تكشف أنها مجرد عبارات انشائية هدفها عدم تنفير الناخبين منهم حتي انتهاء الانتخابات وحصولهم علي الاغلبية وعندما تنتهي ستحدث المواجهة التي لن تكون في صالح الثقافة. حقيقة الإبداع يري الشاعر سعد عبد الرحمن. رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة. أنه من غير الانصاف اتهام التيار الاسلامي كله بمعاداة حرية الفكر والابداع. مؤكدا ضرورة التفرقة بين تصريحات فردية تنسب للبعض وممارسات منهجية تصادر حق الابداع يقوم بها تيار أو جهة حتي لو كانت منتخبة. وقال ان الهجوم علي الادب وتصويره علي انه ضد هوية المجتمع جهل بحقيقة الابداع. مشيرا الي أن الجماعة الثقافية مطالبة بالقيام بدورها التنويري والتصميم علي انجاز رسالتها المنحازة للقيم الرفيعة السامية. التي لم تكن ابدا محل منازعة بين ابناء الوطن. أضاف أن المجتمع يعيش لحظة فارقة لارساء الديمقراطية والتخلص من ارث الديكتاتورية التي كبلت الوطن بكل اطيافه. معتبرا أن الاختلافات والجدل أمر طبيعي في مرحلة التحول وهي علامة علي الرغبة في العبور الي المستقبل والامة متمسكة بحقها في التقدم في جميع المجالات ولن يستطيع أي تيار أن يوقف حركة التقدم والعودة بالمجتمع الي الخلف ومن يتحدي ارادة النهضة مصيره الخروج والانعزال عن الحياة. تشويه مرفوض اعترض الدكتور عبد الرحمن البر. مفتي جماعة الاخوان المسلمين وعميد كلية أصول الدين بجامعة الازهر. علي محاولات تشويه التيارات الاسلامية واتهامها بمعاداة الابداع وحرية الفكر. موضحا ان هناك من يتعمد الزج بالاسلاميين في كل القضايا واثارة البلبلة حول مواقفهم من القضايا المجتمعية والفكرية والثقافية لتخويف الناس واثارتهم ضدهم. وقال ان حكم الاسلام في الفن والثقافة واضح وينطلق من حقيقة أن كل ما ينمي وجدان الانسان ويرتقي بملكاته الاخلاقية والعقلية فهو مباح. مبينا انه لا يمكن لدولة أن تنهض وهي تعادي الفكر وتحارب الابداع. ويؤكد ان الامة كلها ترفض العري والاباحية وازدراء الأديان. مشيرا الي أن التطاول علي المقدسات يتنافي مع الثوابت. ونحتكم للقوانين للدفاع عن هويتنا وخصوصياتنا. قال الدكتور عماد عبد الغفور. رئيس حزب النور. ان التيار السلفي لا يعادي الثقافة والأدب وليس في اجندته ما ينتقص من الحريات الفكرية والابداعية طالما تستهدف الخير والارتقاء بالانسان المصري. مضيفا أن الاولية الي يركز عليها حزب النور هي القضاء علي جميع انواع الفساد واطلاق امكانيات الانسان المصري للابداع في جميع المجالات مع الحفاظ علي الهوية الإسلامية. أشار الي أن الاعلام يهاجم التيار السلفي وحزب النور بشراسة ويتصيد الكلمات والمواقف للطعن في الحزب ورموزه وسياسته وتخويف الشعب منه. لافتنا الي أن المنهج الذي يتمسك به الحزب قائم علي احترام الثقافات المختلفة والحضارات. وقبول كل ما هو مفيد ويشجع علي العطاء والانجاز الحضاري. انتقد الدكتور جابر قميحة. أستاذ الأدب الإسلامي بجامعة عين شمس والشاعر الكبير. المقولات التي يرددها التيار العلماني حول موقف الاسلام من حرية الابداع. مؤكدا أنها معركة مصطنعة في اهدافها وتوقيتها تضرب عرض الحائط بالموضوعية والعدل والعقل. والاعلام يلعب فيها دورا مشبوها لتفزيع الناس من الاسلام والتيار الاسلامي. وقال ان الاسلام انتصر للحرية وللقيم النفسية والاجتماعية والإنسانية. موضحا أن الادب يعبر عن هوية الامة ولا يسعي لهدم ثوابتها والعدوان علي القيم الفاضلة. وليس من المقبول تحت أي زعم الجور علي الحرية والقيم الإنسانية. واعتبر أن ما يردده انصار العلمانية من أن الربط بين الإبداع والدين جناية كبري مقولة فاسدة. مبينا أن زعمهم بأن الابداع ساحة خيال وشطط وتمرد. والدين ساحة عبادة وخضوع وسكينة. كما أن للدين قواعد تحكمه. ولكن الإبداع بلا قواعد إلا ما يقرره ضمير الإنسان نفسه مرفوض. مشيرا الي أن العلمانيين يخلطون بين الالتزام والالزام. فهم يقيمون الدنيا علي نوع من الابداع المتهتك ويدعون أن هذا هو الأدب الواقعي الحقيقي. وكان العقاد يقول: هو أدبي واقع أي ساقط لا واقعي. وقال ان الابداع الحقيقي لا يمكن أن يتسم بالشطط والتمرد علي قواعد الخلق والدين لانه خروج علي حدود العقل والخلق والنفس السوية. مضيفا أنه يجب أن تحكم الابداع ضوابط مثل أي معطي من معطيات الفكر والوجدان. والا تحول إلي فوضوية وتهتك وسقوط. وأشار الي أن الأديب المسلم أديب رسالي. لأنه في ابداعه ينطلق من التصور الاسلامي في التعامل الفني مع الحياة والكون والإنسان. موضحا انه تصور سوي نزيه لا مكان فيه للنقص. ولا الشذوذ ولا الهوي. وهو بذلك يتفق مع الفطرة الإنسانية بلا عوج ولا تخبط. وشدد علي أن الحرية بمفهومها الإنساني السوي لا يقف أمامها الإسلام. مبينا أن الدين الحنيف حرر الانسان من استعباد الآخرين. ومن عبودية الدنايا. والغايات الخسيسة. والتعبد لغير الله. ومنطق العقل والواقع يقرران أنه لا حرية بلا ضوابط. وإلا تحولت من حرية بانية إلي فوضوية مدمرة. ويقول ان الالتزام بالمفهوم الاسلامي لا يقيد حرية الأديب المسلم. بل علي العكس. يجعل كل ما قد خلق الله في الكون كلها موضوعات معروضة للأديب المسلم بلا حرج. ولا تحديد. ما دام يعالج موضوعاته من خلال تصور إسلامي شريف. مشيرا الي أن القرآن الكريم عرض للجنس في سورة يوسف. وللشذوذ في قصة لوط وقومه. وللنوازع والغرائز والعواطف الإنسانية في صورتيها السامية والهابطة. مبرزا ما يعكسه كل أولئك من دروس وعبر في سور متعددة. ونفي أن يكون هناك الزام علي الأديب المسلم بالمفهوم الجبري علي غرار ما كان سائدا في النظم الوضعية الديكتاتورية والوجودية. مؤكدا ان الأديب المسلم ينطلق من التصور الإسلامي في ابداعاته. والتزامه يعد جزءا لا يتجزأ من عملية الإلهام الفني. فهو جزء من نسيج التجربة التي هي لب الأدب. كما أن تشربه بالقيم الإسلامية عقيدة وأخلاقا وعلما وثقافة يجعل الالتزام هو الطابع الأساسي. بل الوحيد في مسلكه الخلقي والفني.