خالد فهمى زار القاهرة الأسبوع الماضي البروفيسور تيموثي جارتون آش، أستاذ الدراسات الأوربية بجامعة أوكسفورد وصاحب المقال الأسبوعي الذي ينشر في جريدة الجارديان، وذلك للحديث عن مشروع طموح عن حرية الرأي أُطلق من جامعة أوكسفورد منذ شهرين. المشروع عبارة عن موقع علي الإنترنت بعنوان www.freespeechdebate.com وهو موقع يهدف إلي خلق نقاش عام حول مبدأ حرية الرأي. الموقع متاح بثلاثة عشر لغة، منها العربية، ويشمل حوارات صوتية ومرئية ومقروؤة حول مبدأ حرية الرأي. كما يشمل مناقشات حول قضايا إشكالية تتعلق بذلك المبدأ، منها مثلا قضية نجيب ساويرس الأخيرة المتعلقة باتهامه بإزدراء الأديان، وقضية المدون السعودي حمزة كاشغري المتهم بسب الرسول في مدونته. علي أن أهم ما يشمله هذا الموقع قائمة من عشرة مبادئ تتعلق بحرية الرأي وحدودها ودعوة للقراء أن يشتبكوا مع تلك المبادئ بالتعليق أو بالإضافة أو بالاعتراض. كالكثيرين من المثقفين الأوربيين المهمومين بالشأن الإسلامي وخاصة بمشكلات تعايش الأقليات المسلمة مع مجتمعاتها الأوربية، أظن أن جارتون آش كان متحمسا لطرح أفكاره في مصر والتعرف علي الحدود التي يمكن أن تمارس باسم الدين علي حرية الرأي، وبالتالي كان متحمسا بصفة خاصة لمناقشة المبدأ السابع علي موقعه الإلكتروني والذي يقول: "إننا نحترم المؤمن ولكن ليس بالضرورة المحتوي العقائدي لعقيدته." ولكن علي مدار أسبوع كامل كان جارتون آش قد تقابل مع كثير من المصريين واكتشف ما نعلمه جميعا، ألا وهو أن العائق الأساسي لعملية التحول الديمقراطي في مصر ليس الإسلاميين، بل العسكر. وبالتالي أصبح أكثر حماسا لمناقشة المبدأ العاشر في موقعه والذي يقول: "يجب أن يكون لنا الحق في مسائلة أي حدود توضع علي حرية الرأي بدعوي الحفاظ علي الأمن القومي أوالنظام أو الأخلاق العامة." ولمناقشة جارتون آش في أفكاره ولطرح المبادئ العشرة التي يشملها موقعه للنقاش العام عقد قسم التاريخ بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة ندوة عامة ودعي إليها ثلاثة من المدونين الناشطين والمهتمين بقضية حرية الرأي: نورا يونس، مدير تحرير الموقع الإليكتروني لجريدة "المصري اليوم"، وعمرو غربية، مدير برنامج حرية الدين والمعتقد في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وعمرو عزت الصحفي والباحث في نفس المنظمة الحقوقية. وكان من اللافت للنظر أن الناشطين الثلاثة لم يبدوا حماسا كبيرا للاشتباك مع جارتون آش ومع مبادئه العشرة. فبالمقابل كان ما يشغلهم هو التحولات السريعة التي تشهدها التكنولوجيا والحدود التي قد تضعها تلك التحولات علي ممارسة حرية الرأي. كما كانوا مهمومين بإمكانية تحول هذا المبادئ العامة إلي أحكام قانونية تحد من حرية التعبير وتكبل حرية الرأي. وفوق كل شئ كانوا يتساءلون عن ضرورة وجود مبادئ حاكمة لممارسة حرية الرأي ومتوجسين من التمسك بهذه المبادئ من باب الأصل، حتي ولو كانت تلك المبادئ إرشادية وغير ملزمة، مفضلين العمل "في الميدان" والدفاع عن حرية الرأي وعن غيرها من الحقوق علي أرض الواقع. وبصفتي منظم الندوة حاولت جاهدا حث الناشطين الثلاثة علي الاشتباك مع جارتون آش ومع موقعه، ليس احتراما للضيف فقط ولكن لأهمية ما يطرحه. فأنا أعتقد أننا في حاجة ماسة لفتح حوار مجتمعي حول حرية الرأي، وللتصدي بقوة لمحاولات وضع حدود عليها بدعوي الدفاع عن الأمن القومي. ففضيحة ملف "التمويل الأجنبي"، مثلا، توضح لنا كيف يمكن أن يستخدم الأمن القومي كذريعة للحد من عمل منظمات المجتمع المدني، وكيف يلزم علينا طرح تساؤلات صعبة لمعرفة خفايا تلك القضية، تساؤلات قد تراها بعض "الجهات السيادية" تمس الأمن القومي. ولكني اعترف أنني بعد أن استمعت للناشطين الثلاثة أدركت أننا ما زلنا في حالة ثورية، وأننا يجب أن ندع ثورتنا تلهمنا في كيفية صياغة مبادئنا لا أن نستلهم مبادئ الآخرين. أقول هذا ليس تغزلا في خصوصيتنا الثقافية، بل اعتزازا بثورتنا وبإنجازاتها العظيمة. وليس للمرة الأولي أجدني أراجع نفسي وأتعلم من شباب هذه الثورة وانبهر بذكائهم وحماسهم وثقتهم في أنفسهم. كيف للمرء ألا يتفاءل ومصر فيها هذا الشباب الرائع؟