الأمين العام للإنتوساي تشيد بدور مصر في تعزيز التعاون الدولي ومواجهة الأزمات    رئيس الوزراء يفتتح المؤتمر الدولي ال25 للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    نجاح المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي، السيسي: مصر ستظل دوما أرض السلام والتسامح    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية بمستهل تعاملات اليوم    29 أكتوبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    وزير التعليم العالي يشارك في مؤتمر Going Global بلندن ويجتمع مع الطلاب المصريين الدارسين بالمملكة المتحدة    ضبط محطتي وقود بأسيوط لتجميع وبيع أكثر من 11 طن سولار وبنزين في السوق السوداء    الباذنجان ب8 جنيهات.. أسعار الخضراوات والفاكهة بأسواق كفر الشيخ    عودة الساعة القديمة بدءًا من غد.. التوقيت الشتوي رسميًا وتأخير العقارب 60 دقيقة    أحمد زويل فى مجسم فنى على الطريق المؤدى للمتحف المصرى الكبير    تراجع أرباح مرسيدس بنحو الثلث في الربع الثالث من 2025    ميناء العريش يستعد لاستقبال السفينة الإماراتية العاشرة للمساعدات المقدمة لغزة    استمرار دخول المساعدات إلى غزة رغم الخروقات الإسرائيلية    بدء التصويت في الانتخابات البرلمانية المبكرة في هولندا    موعد مباراة الأهلي وبتروجت بالدوري.. والقنوات الماقلة    مواعيد مباريات الأربعاء 29 أكتوبر - بتروجت ضد الأهلي.. وليفربول يواجه كريستال بالاس    تشكيل الأهلي المتوقع أمام بتروجت في الدوري    «رونالدو ليس المشكلة».. جيسوس يكشف سبب الخسارة من الاتحاد    مرتجي: ضحيت بمنصب نائب الرئيس من أجل الأهلي    تحرير 1244 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    الأرصاد الجوية: طقس خريفى معتدل نهارا ومائل للبرودة ليلا على أغلب الأنحاء    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بالفيوم    التفاصيل الكاملة لمواعيد خطوط مترو الأنفاق والقطار الكهربائي مع بدء التوقيت الشتوي    ضبط قضايا إتجار بالدولار والعملات الأجنبية بقيمة 35 مليون جنيه في المحافظات خلال 24 ساعة    من عظمة الفراعنة إلى ذكاء المستقبل.. المتحف المصري الكبير يعكس عبقرية مصر الحديثة    الذكرى الأولى لرحيل حسن يوسف.. «ولد شقي» عاش للفن ومات بقلب مكسور    مواقيت الصلاة بمطروح اليوم الأربعاء 29 أكتوبر    نقيب القراء يرصد خطأين في التلاوة للقارئ أحمد نعينع شيخ عموم المقارئ    وكيل الصحة بقنا يحيل مشرفة التمريض النوبتجى و3 آخرين بمستشفى الصدر للتحقيق    طريقة عمل طاجن البطاطا بالمكسرات.. تحلية سريعة في 20 دقيقة    بالدموع والإيمان.. ربى حبشي تعلن عودة مرض السرطان على الهواء مباشرة    استشاري صحة نفسية: الأم المدخنة خلال الحمل تزيد احتمالية إصابة طفلها ب فرط الحركة    أمام قمة أبيك.. رئيس كوريا الجنوبية يحذر من تصاعد الإجراءات الحمائية    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    قوة إعصار ميليسا تنخفض للفئة الثالثة مع اقترابها من كوبا    بلد السلام    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    عاجل- 40 رئيسًا وملكًا ورئيس حكومة يشاركون في افتتاح المتحف المصري الكبير    نادى أدب أبنوب فى أسيوط ينظم احتفالية لمناقشة ديوان للعشق عزف منفرد    اليوم.. الأهلى يتحدى بتروجت من أجل "صدارة" الدوري    سوزي الأردنية تواجه أول حكم من المحكمة الاقتصادية    18 قتيلا فى غرق مركب مهاجرين قبالة ليبيا    حقيقة وجود تذاكر لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    خلاف أطفال يتحول إلى كارثة.. سيدتان تشعلان النار في منزل بعزبة الثلثمائة بالفيوم    جواهر تعود بحلم جديد.. تعاون فني لافت مع إيهاب عبد اللطيف في "فارس أحلامي" يكشف ملامح مرحلة مختلفة    د.حماد عبدالله يكتب: ومن الحب ما قتل !!    طائرات مسيرة أوكرانية تستهدف مستودع وقود في منطقة أوليانوفسك الروسية    دعاء الفجر | اللهم اجعل لي نصيبًا من الخير واصرف عني كل شر    أحمد عيد عبدالملك: الزمالك تأثر برحيل مصطفى شلبي    «زي النهارده».. حل جماعة الإخوان المسلمين 29 أكتوبر 1954    «زي النهارده».. العدوان الثلاثي على مصر 29 أكتوبر 1956    في الشغل محبوبين ودمهم خفيف.. 3 أبراج عندهم ذكاء اجتماعي    رسميًا.. موعد امتحان 4474 وظيفة معلم مساعد رياض أطفال بالأزهر الشريف (الرابط المباشر)    تدريب طلاب إعلام المنصورة داخل مبنى ماسبيرو لمدة شهر كامل    الحظ المالي والمهني في صفك.. حظ برج القوس اليوم 29 أكتوبر    لمسة كلب أعادت لها الحياة.. معجزة إيقاظ امرأة من غيبوبة بعد 3 سكتات قلبية    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم العربي يجتمع حول الطيب صالح في الدورة الثانية لجائزته
لنتجه جنوباً

»إنني لست ريشة في مهب الريح ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور وله هدف" هكذا يقول الطيب صالح (الذي رحل في 18 فبراير 2009) في رائعته "موسم الهجرة إلي الشمال". تحولت هذه المقولة إلي شعار يتصدر الحدث الثقافي الذي أقيم في الخرطوم عاصمة السودان في منتصف شهر فبراير وهو جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثانية." وعلي غرار التوجه العالمي مؤخرا من حيث قيام الكيانات الاقتصادية الكبري بدعم الأنشطة الثقافية قامت شركة "زين "للاتصالات بدعم هذا الحدث بشكل كامل. اللافت للنظر أن المشاكل المعتادة في هذا الشكل من الدعم والتمويل اختفت من ساحة فعاليات الجائزة، فمجلس أمناء الجائزة الذي يرأسه الدكتور محمد علي شمو يتمتع باستقلالية كاملة سواء في التنظيم أو الرؤية أو تشكيل لجان التحكيم في ثلاثة أفرع: الرواية والقصة القصيرة والترجمة (التي حلت محل النقد الأدبي). تتمتع هذه الجائزة بالطبع بالعديد من نقاط القوة، تكمن بداية في مسألة اسم الطيب صالح ومكانته في الأدب العربي، وثانيا في موقعها الجغرافي وهو السودان التي تجعلنا ندرك مدي ثراء الاتجاه جنوبا، وأيضا يعد إرساء فرع الترجمة من العربية إلي الانجليزية (في الرواية) من أهم نقاط القوة حيث اعتدنا الترجمة العكسية وانتظرنا دائما أن يقوم الآخر بترجمتنا. أما قيمة الجائزة الأولي فهي من أكثر ما يضفي أناقة علي هذه الجائزة ويبتعد بها عن الإسراف والفجاجة والمبالغة، فيكتسب اسم الطيب صالح قيمة ويصبح الهدف هو الحصول علي جائزة باسمه.
يبدو الطيب صالح الحاضر الغائب في هذا الحدث، فالجوائز قد أعلنت في الجلسة الختامية من اليوم الثاني في حين تكدس اليومان بجلسات بحثية وشهادات لمجموعة من كتاب العالم العربي.لم يتمكن متحدث واحد من الإفلات من أسر وطغيان الطيب صالح، فكانت الأبحاث تستلهمه أو تقرأ أعماله أو تموضع أعمالا أخري في منظمته الفكرية. بالإضافة لذلك كان من المتحدثين الكثيرون الذين عرفوا الطيب صالح عن قرب وتعرفوا علي أفكاره وأعادوا صياغتها للحضور. ظهرت أهم الأفكار الإشكالية في المناقشات التي دارت في المؤتمر عقب الكلمات فكان النقاش يقود من فكرة لفكرة وتبقي جميعها أفكارا غير محسومة مما يؤكد اشكاليتها. فواحدة من هذه الإشكاليات علي سبيل المثال كانت الكتابة باللغة العامية في العالم العربي والتي طرحها دكتور بشير عباس، والصعوبات التي يمكن أن تخلفها في مسألة الفهم الجلي للدلالات الثقافية، إلا أنه في الوقت ذاته تشكل اللغة العامية جزءا من الخصوصية المحلية وتضفي خصوصية وتمايزا علي الشخصيات الروائية. أما الإشكالية الثانية فكانت مسألة الكتابة بلغات أخري، وقد طرحت هذه الإشكالية في معرض الحديث عن الأدب الأفريقي. ازدادت الإشكالية صعوبة، علي سبيل المثال، عندما أعلن الدكتور خالد المبارك أن أي أدب (عربي) غير مكتوب باللغة العربية لا يصح اعتباره جزءا من الأدب العربي. لكن تبدو هذه الإشكالية وهي تصل إلي طريق مسدود عندما يطرح دكتور عبد الحميد بورايو مسألة الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية. كانت مشاهدة فرقة الفنون الشعبية السودانية التي قدمت لوحات راقصة بديعة من كافة أنحاء السودان دليلا علي الثراء والتنوع في أرض السودان الذي يحتمل بالتأكيد لغات أخري بالإضافة للعربية. أما أكثر الإشكاليات جدلا التي طرحت في كافة النقاشات بشكل مباشر أو غير مباشر فكانت مسألة القبلية. وبالرغم من أن نبذ الطيب صالح لمفهوم القبلية وإعلاءه من شأن كونه سودانيا يبقي مصدرا ملهما للتشكل الفكري تواصل فكرة القبلية الظهور بين الآن والآخر كأحد معوقات الإبداع في العالم العربي وكمدخل أحيانا لحكم القيمة.
يتيح الاتجاه جنوبا نحو السودان اكتشاف مناطق جديدة في الفكر الإنساني والتعرف علي مشهد ثقافي لا يصلنا منه الكثير في ظل الأوضاع السياسية المضطربة حاليا وفي ظل نظام سابق حاصر الصورة السودانية ونجح في تنميطها بل ومارس عليها أشد أنواع العنف (المذبحة التي وقعت في 30 ديسمبر2005)، وفي ظل تضليل إعلامي عالمي بالغ السوء. كان الاحتكاك بالمثقف السوداني في موطنه وجها لوجه له كبير الأثر في فهم ما يعنيه مصطلح "امتداد وادي النيل". كما تساهم أيضا الفنون بأشكالها المختلفة في توصيل الثقافة بشكل أعمق فقد أقيم معرض للفنون التشكيلية علي هامش المؤتمر كما قام كورال الأحفاد (كورال نسائي) بغناء قصيدة في الافتتاح وأخري في الختام والقصيدتان من تأليف خالد فتح الرحمن، بالإضافة لفرقة الفنون الشعبية التي ترقي لمصاف الفرق العالمية وتذكرنا بفرقة رضا في عصرها الذهبي. أما الطبيعة الجغرافية فهي مكمن الدهشة في هذه الرحلة، فالنيل لا تحجبه المباني والأسوار كما هو في القاهرة بل يعلن لك عن نفسه بكل هدوء وبراءة وبساطة فكانت نقطة اللقاء بين النيل الأزرق والنيل الأبيض وكأنها جزء آخر من أسوان.
أما الأهم في الاتجاه جنوبا فهو التعرف علي المشهد الثقافي والأدبي. فقد كان للطيب صالح الذي توفي في لندن ودفن في أم درمان نصيب في إلقاء الضوء علي أعماله لأسباب كثيرة لا تتسع المساحة لتفصيلها. الاتجاه جنوبا يكشف عن بيئة تموج بالكتابة الأدبية بكل أجناسها، ويكشف عن حركة نشر نشطة لا يصلنا منها شيء إلا بالصدفة، ويكشف أيضا عن قارئ سوداني نهم يتابع بدقة وبحرص وبذهن متقد. تبرز هنا مسألة توزيع الكتب، لندرك أننا نتابع النشر اللبناني علي سبيل المثال بشكل جيد مقارنة لمتابعتنا النشر السوداني. يحتاج الأمر إلي مزيد من قنوات التواصل الثقافي والأدبي سواء كان ذلك عبر مؤسسات رسمية أو مستقلة، مع ضرورة الاهتمام الإعلامي الثقافي بما يحدث علي الساحة الثقافية السودانية، لنولي وجوهنا شطر الجنوب قليلا، فهو الامتداد الفعلي لمصر. كما أن هذا التوجه جنوبا يلغي فكرة المركز والهامش والتي ضفرها الناقد مجذوب عيدروس- الأمين العام للجائزة- ببراعة في كلمته الختامية.
السودان... دعوة مرفوضة مسبقا من قبل العديد وهم لا يدركون مقدار ما يتسرب من بين أصابعهم، ولا يعلمون إلي أي مدي لديهم الكثير من القراء هناك. لنتوجه جنوبا لتتوازن البوصلة الثقافية قليلا ولنعدل الرؤية المائلة نحو مراكز صنعت من الوهم... السودان بنيت علي أصالة لها جذور ولها تاريخ ولها هدف. وليس هناك أفضل من الطيب صالح اسما يجمع حوله القادمين من مشرق العالم العربي ومن مغربه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.