"وأحيط علم سيادتكم بأنه سبق وأرسلت لكم قبل ذلك، ولم يرد علي أحد.. برجاء سرعة الرد والبت في موضوعي" مواطن مصري هذه الرسالة التي لا تتجاوز كلماتها ال20 لم تكن موجه لحاكم أو وزير، الرسالة موجه "لأم العواجز" السيدة نفيسه، الرساله نفسها ملخص واف لحكم النظام السابق، الذي لم يكن يلتفت إلي مثل تلك الامور. لكن ضحي عاصي، أهتمت بتلك الرسائل، وخصصت لها كتابا بعنوان: "محاكمة مبارك بشهادة السيدة نفيسة". الكتاب عبارة عن رحلة لمؤلفته مع صندوق نذور السيدة نفيسة، فقد حضرت فتح الصندوق، وأطلعت علي الرسائل التي وضعت فيه بدلا من النقود، لتكتشف أن الصندوق ليس به فقط أموالا وذهبا، بل رسائل تنطق بشكوي راسليها من قسوة الحياة. الرسائل التي اتخذتها ضحي مضمونا لكتابها، تنوعت بين طلب فتح الرزق، طلب العمل، تيسير الزواج، طلب النجاح "بشرط الحصول علي مجموع كبير لا يقل عن 95٪ " الحفظ من الحسد، النصرة علي القوم الكافرين والشيطان والتخلص من السيئات والهداية إلي الطريق المستقيم، طلب الاستدلال علي عائلتي التي لا أعرفها: أبي وأمي، طلب الشفاء، طلب النصرة. هذه الرسائل- حسب تحليل المؤلفة- موجهة إلي المحكمة الباطنية، التي يؤمن البعض بأنها محكمة عادلة، تحكم بالعدل في كل شئون الحياة الخاصة بالأفراد، إذا ضاق بهم الحال في الدنيا، فإنهم يتوجهون إلي أعضاء هذه المحكمة للبت في مشاكلهم، وانتشرت هذه الأفكار فاشتهر الأمام الشافعي بأنه قاضي الشريعة، واشتهرت السيدة زينب بانها رئيسة الديوان. الرسائل رغم أنها تتخذ من صندوق نذور السيدة نفيسة مستقرا لها، إلا أنها تتوجه إلي الله تعالي لفك الكرب أو الشكوي من ظلم جائر، منها الرسالة التي يطلب مرسلها الانتقام من الذين سرقوا كلية ابنه:" بسم الله الرحمن الرحيم، انجدني يارب يا مشفع فيك نبينا محمد، أنا عبدك اتزليت واتهنت علشان باطلب بعدلك من اللي سرقوا ابني فتحوا بطنه وخدوا كليته وابني كان داخل المستشفي علي رجله، عيل وقع علي ضهره وسط العيال. يارب ابني نزل النص وبيروح مني أدامي أنا وأمه ويوم ما اشتكيت لعبادك قهروني. بحق جاهك وبحق السيدة نفيسة خدلي حقي وحق ابني اللي مستني إني آخد له حقه"، ورسالة أخري من إحدي السيدات تطلب فيها أن يبعد المرض عن أسرتها وتتوسل أن يرزقها بولد ستسميه علي اسم سيدنا محمد: " يارب بحق حبيبك النبي وأهل بيته ابعد عن أبويا المرض واسترها معاه واكرم أمي واديها اللي نفسها فيه واكرمها يارب وابعد عنا الشر، يارب بحق أهل بيتك يارب استرها معنا وارفعنا وابعد عنا المرض وكل مكروه وحبب فينا خلقك يارب. يارب اديني ومتحرمنيش اديني وقومني بالسلامة وفرح قلبي يارب فرح قلبي واديني وانصرني واديني ولد هسميه علي اسم حبيبك ونبيك المصطفي محمد. يارب انا مظلمتش حد ولا جيت علي حد يارب مين يكرهني ويحب يخرب علي انت وكيلي يارب انت وكيلي انتقم لي منه بمعرفتك انت كبير، استرها معنا وألف حمد وألف شكر ليك يا كريم". تعقد ضحي مقارنة بين كتابها وكتاب د. سيد عويس "ظاهرة إرسال الرسائل إلي الإمام الشافعي" الذي صدر عام 1965 موضحة أن أغلب رسائل كتاب د. عويس من الفلاحين والأميين وشديدي الفقر، لكن مرسلي الرسائل وزوار ضريح السيدة نفيسة معظمهم من المتعلمين تعليما جامعيا، ويشغلون مناصب مرموقة، أو طلبة المدارس الذين يأملون دخول الجامعة والحصول علي درجات عالية في الثانوية العامة، بالإضافة إلي أن الطلبات التي لها علاقة بالعمل عند د. عويس لم تتعد 1٪ وكان أغلبها شكاوي من مضايقات في العمل، فإن طلبات العمل عند السيدة نفيسة كانت تعني بالحصول علي عمل سواء كان في الحكومة أو في القطاع الخاص، أو ذكرت بصيغ أخري مثل ( فك ضيقته وافتح له باب الرزق) نسبتها 41٪، وإذا كانت طلبات الشفاء عند د. سيد عويس من أمراض مستعصية يئس أصحابها من علاجها فتوجهوا بالسؤال بالشفاء عند الأولياء، فعند السيدة نفيسة لم تكن معظم الطلبات في الواقع للشفاء بقدر ما كانت طلبات أن تقبل الدولة أن تعالج أصحاب الطلبات مجانا وقد ظهر من طلبات العلاج كيف كانت الشكوي تقدم للجهات المتخصصة في الدولة فلا تجد أي ردود. وتتوقف ضحي عند نقطة هامة خاصة بالفارق بين مرسلي رسائل الستينيات والرسائل التي جمعتها في 2008، فتقول: " إذا كانت الرسائل عند د. عويس أظهرت طبيعة مرسليها في تلك الفترة وهي السذاجة، فإن هذا لم يختلف كثيرا، ففي عام 2008 عصر التكنولوجيا والاتصالات هذا عسكري يكتب رقم قائده حتي تتصل به السيدة نفيسة، ولكن علي النقيض فإن كثيرا من الرسائل عند د. عويس كان أصحابها يشكون من تعرضهم للسب والسخرية من جيرانهم أو معارفهم، اختفت مثل هذه الرسائل فكانت رسائل اخري تعبر عن واقع مختلف، فإذا كانت الشكوي عند عويس شكوي سرقة دكر بط، أو بيضتين من علي السطح فإن الشكوي التي وجدت في صندوق النذور كانت سرقة كلية في أحد المستشفيات".