يا اللي عم تاكل أو تشرب وبأي مطعم كنت المستقبل مثل الماضي والحاضر هو أنت.. متجها للتحرير اسمع أغنية » لشو التغيير« لشربل وحانا والمجموعة. حكمة الأغنية السياسية تكمن في أن هناك أجيالا بعينها لا تقدر علي صناعة التغيير، أن الأجيال القادمة هي التي ستصنع التغيير، والسابقة لا تملك إلا أن تكون معهم.. هل تفهم عزيزي القارئ الآن دلالة العودة للميدان؟ موعد عند المُجمع السبت- فجر الأحد سيارات الإسعاف بدأت في التواجد مساء الاثنين، قبلها لم تكن موجودة في محيط الميدان، لكن اقتحام مستشفي الميدان، من جانب قوات الشرطة، جعل دخول الإسعاف أمرا لا مفر منه، هكذا استقرت السيارات داخل محيط الميدان قرب عمر مكرم، مساء الاثنين فجر الثلاثاء. عدد الشهداءي تزايد . الحقيقية تكمن داخل محمد محمود، الشارع الذي يحمل اسم رئيس وزراء مصر الملكية المعروف بالقبضة الحديدية كان ساحة حرب التحرير، إنها حرب القبضة الحديدية، إذا انسحب الثوار من هناك سيقط الميدان لهذا، الضرب هناك علي أشده، والمعارك بين الشعب والداخلية تتحول لحكايات خرافية عن بطولات قدمها العزل، وتفنن ضابطاً برتبة ملازم أول في التصويب علي أعين المتظاهرين. حكايات القنابل الجديدة ترعب القلوب، والكلام لا يقل عن كونها حربا كيماوية. سمة الميدان هذه المرة الصمت، لا كلام، الناس لا تهتف، ولا تنتج شعارات جديدة.. هي معركة واحدة تجري هناك في قلب القبضة الحديدية لمحمد محمود، ومحاولات التقدم لأمتار في عمق الشارع الهادئ تعد انتصاراً في الخارج، في ساحة الميدان، لكن الناس لا يهللون، الصمت يسيطر، هناك فقط أصوات ضرب من ناحية الداخلية، وأصوات الثوار، ليست هتافات، ولا كلمات، فقط هم يدقون علي أعمدة الإنارة، صوت بدائي يؤكد فقط أننا صامدون في ساحة المعركة. بين حين وآخر يحدث الكر والفر، الصفوف الأمامية للثوار تضعف كلما استنشقت الغاز الجديد فتتراجع، فيتراجع الميدان كله، تحدث نوبة تراجع، ولكن صيحة واحدة تقمع النوبة »اثبت«. علي جدار المجمع تتكاثر رسوم الجرافيتي.. هناك رسم بالأسود، مستطيل أسود كبير، داخله مانشيت: ورجعنا. داخل مستطيل السواد مرسوم جندي شرطة متأهب، يمسكه بعصاه الغليطة في حالة وعيد وتهديد. كر وفر الأحد- فجر الإثنين طبعا لا أحد يفهم ما يجري في مصر، ومن يتحدث واهم. الحقيقة تكمن في عمق معركة القبضة الحديدية، والتي غاب عنها الإعلام، وانشغلنا ببحث أسباب الاعتصام. الأحاديث في الطريق للتحرير، ما تسمعه وأنت ذاهب، أو خارج من الميدان، ينم عن عدم معرفة بما يجري. باعة المحلات، المارة، السكان، الزوار، كل هؤلاء يتابعون ما يجري علي الشاشات ولا يهتمون بالدخول لمعرفة ما يحدث بالداخل.. ربما تكون حالة من الترقب، ولكنها ليست حالة تجاهل. الجميع يتابع، ولكن الحركة لم تحدث بعد. هناك أحاديث أننا من بدأنا، أننا نلقي بالطوب، أننا نريد اقتحام الداخلية، أحاديث لا تتعرف بالموتي. من يقايض الحياة بالاستقرار لا يستحق الأولي. حالة الميدان هذا اليوم كانت بين الكر والفر، إخلاء وعودة، نوبات هرب، ثم عودة. التفاصيل تتوه، وتتعلق القلوب بعداد القتلي. حوار مع صديقي السلفي الإثنين التحول يحدثني صديقي السلفي عن خيانة النخبة، يلوم أحزاب السلفية، ويتساءل لماذا سرنا وراء الأحزاب؟ كنا في البداية نحارب من أجل الحفاظ علي المادة الثانية من الدستور، ولماذا افتتنوا بمتاع الدنيا هكذا؟! صديقي السلفي مُسيس، يعترف أنه طالب علم، ولكنه يعمل بالسياسة منذ سنوات. لكن أين القيادات مما حدث؟ كلام صديقي السلفي أكبر من عتاب علي قادة الحركة السلفية، الرجل الذي خرج من محمد محمود، يرفض محاولات دخول القوي السياسية للميدان، كفانا ألعاباً سياسية. يكشف الصديق أن معظم مرشحي التيارات السلفية في الانتخابات لا علاقة لهم بالسياسة، لم يمارسوا العمل السياسي من قبل، هم مجرد دمي في أيدي مشايخ الحركة! يتركني صديقي السلفي وأنا أستعيد أيام الميدان الأولي، الاعتصام الأول، قبل تقسيم الميدان لقوي وتيارات. عند مدخل طلعت حرب، علي الباب المنزلق لأحد المحال مغلقة كتب: لا للفاشية.. ابحث مع الشعب الاثنين - فجر الثلاثاء عودة روح الميدان، الناس تتزايد، وإذاعات ماسبيرو تتراجع عن أوصاف البلطجية، والكلام العبثي عن موعد الانتخابات. مرشحو مجلس الشعب يدخلون الميدان لتوزيع الأدوية، البطاطين، الوجبات. كيف حدث التحول؟ خلال أيام الاعتصام تزايد عدد المرفوضين من جمهورية الميدان. الجمهورية التي بلا رأس، طردت العديد من السياسيين، منعت المنصات، وكذلك اللافتات، هناك لافتة واحدة تطالب بمجلس رئاسي مدني. أما الشارع، وآراء الجالسين علي الكنبات، تلك الأصوات التي طالما طالبت بالاستقرار، وإخلاء الميدان مهما كانت مطالب الاعتصامات، تغير موقف أصحاب هذه الأصوات نسبياً، لأننا عدنا جميعا للمربع رقم صفر، أي سبب النزول يوم 25 يناير 2011، نحن نتكلم عن الداخلية كبلطجية. حتي يوم الاثنين، كان الميدان مترنحاً، الأبطال صامدون داخل عمق مغارة القبضة الحديدية، والكلام المرعب عن جديد الغاز، واحتياجات المستشفي الميداني. حول الميدان انتشر رسم جرافيتي لشخص مطلوب، كتب رسام مجهول ابحث مع الشعب ووضعت صورة أحد قناصة الداخلية، مع الاسم الثلاثي! الذي اقترب ورأي الثلاثاء- فجرالأربعاء عقب مليونية، توالت أنباء وقرارت المجلس العسكري. التسريبات التي بثت علي لسان »العوا« لم تهدئ الميدان، كانت هناك مسيرات تطوف بأعلام كبيرة لمصر، العلم يتجاوز امتداداه الأمتار العشرة، وربما أكثر، المسيرات هتفت ضد حكم العسكر. حينما بث خطاب المشير وفد إلي الميدان شباب جديد، لم يكونوا في الميدان من قبل، بدا أنهم مؤيدون للخطاب، تحول الميدان إلي حالة مناقشة، لكن فجأة تزايد الضرب في ساحة جديدة، تحول ميدان باب اللوق إلي ساحة حرب، النار في كل مكان، بالطبع دون توقف معارك القبضة الحديدية. كانت شوارع باب اللوق بلا إضاءة، المحلات مغلقة، والناس تجري هربا من القنابل، رائحة الغاز أسقطت عدداً من الثوار، هناك حالات إغماء بسبب القنابل الجديدة، كانت النهاية بغاز غير مرئي.. هكذا اكتمل ثالوث الغموض للسلطة الأيادي الخفية التي تحرك الأحداث، والجهات الخفية التي تطلق النار علي المتظاهرين من فوق سطح مبني الجامعة الأمريكية القديم، والغاز الخفي أيضاً. الثالوث وحد الناس ضد السلطة، والثوار لم يتراجعوا إلا عند الإصابة. لكنك حينما تقترب وتري ملحمة القبضة الحديدية، وباب اللوق، ستدهش من كم الخبرات الجديدة التي اكتسبها الثوار من كثرة الاحتكاك بالأمن، مثلا استخدام بخاخات الخميرة المخلوطة بالماء، للعلاج من آثار القنابل، الوقاية عبر أقنعة الغاز ونظارات الأمن الصناعي. حرب حقيقية لا يتوقف الأمن فيها عن تكسير إرادة المعتصمين، بينما يطور الثوار من خبراتهم.. هكذا تمت مقاومة الغاز الخفي بصناعة نيران صغيرة، دخان النار طرد الغاز. ختاماً : علي مين ..علي مين ؟ بتبيع الحب لمين؟ سؤال استنكاري من شريفة فاضل أعاد طرحه محمد منير، يصلح شعاراً للمرحلة.