عباس: كلمة الرئيس السيسي في ذكرى تحرير سيناء تجسد قوة مصر وشعبها وقواتها المسلحة    إنفوجراف.. إنجاز تاريخي للتعليم العالي في سيناء    سفير قطر بالقاهرة يهنئ مصر قيادة وشعبا بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    أسعار الذهب في مصر تميل إلي الهبوط مع انخفاض الطلب بالأسواق    محافظ القليوبية يتفقد أعمال النظافة بمدينتي الخصوص وشبرا الخيمة    النور مش هيقطع في بيتك بعد النهارده.. اعرف سعر جهاز مانع انقطاع الكهرباء    ياسمين فؤاد تترأس مع وزيرة ألمانية جلسة النظام العالمي لتمويل المناخ    مصرع وإصابة 36 شخصا إثر اندلاع حريق كبير في فندق شرقي الهند    أخبار الأهلي: شوبير يكشف عن مفاجأة في قائمة الأهلي أمام مازيمبي    فودين عن بيلينجهام: لم أر أحدا في عمره بهذا النضج    القبض على مسن أنهى حياة زوجته بقرية البياضية في المنيا    خبيرة أبراج تبشر "المائيين"    شكرًا لكل شهيد ضحى بروحه.. خالد سليم يحتفل بعيد تحرير سيناء    «هيئة الدواء» توضح طرق انتقال العدوى بمرض الملاريا    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    مواجهة اتحاد جدة تشهد عودة ميتروفيتش لصفوف الهلال    تفاصيل اليوم الأول للبطولة العربية العسكرية للفروسية للألعاب الأولمبية| صور    الهلال الأحمر الفلسطيني يحذر من انتشار كبير للأمراض المعدية في غزة    الداخلية: نواصل جهود مكافحة جرائم السرقات وملاحقة وضبط مرتكبيها    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي للفصل الدراسي الثاني 2024 محافظة القاهرة    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    الأردن يدين سماح الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى    بنات ألفة لهند صبرى ورسائل الشيخ دراز يفوزان بجوائز لجان تحكيم مهرجان أسوان    عقب سحب «تنظيم الجنازات».. «إمام»: أدعم العمل الصحفي بعيداً عن إجراءات قد تُفهم على أنها تقييد للحريات    شقو يكتسح شباك تذاكر أفلام السينما.. بطولة عمرو يوسف وأمينة خليل    محافظ الفيوم يشهد الجلسة الختامية لورشة عمل مناقشة مخرجات إعداد الخطة الاستراتيجية للمحافظة 2030    أمريكا تطالب إسرائيل بتقديم تفاصيل حول تقارير المقابر الجماعية بغزة    بيلاروسيا: في حال تعرّض بيلاروسيا لهجوم فإن مينسك وموسكو ستردّان بكل أنواع الأسلحة    صرف صحي الإسكندرية تستقبل وفدا أردنيا للوقوف على الإدارة المستدامة    سقوط عصابة تخصصت في سرقة الدراجات النارية بالقاهرة    مصرع عامل تعرض لصعق كهربائي بأكتوبر    انطلاق فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية بمدينة مصر للألعاب    شوشة: كل الخدمات في رفح الجديدة بالمجان ولا يشملها سعر الوحدة السكنية    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    رئيس المنصورة: أتمنى أن يحظى الفريق بدعم كبير.. ونأمل في الصعود للممتاز    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    بكام يا أخضر.. سعر صرف الدولار اليوم الخميس 25 أبريل 2024    «الصحة»: فحص 6 ملايين و389 طفلا ضمن مبادرة الكشف المبكر عن فقدان السمع    انطلاق القافلة الطبية المجانية حياة كريمة بقرى الخير والنماء بمركز الفرافرة    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    حمزة العيلى عن تكريم الراحل أشرف عبد الغفور: ليلة في غاية الرقي    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    لبيب يرافق بعثة الزمالك استعداداً للسفر إلى غانا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    الين يهبط لأدنى مستوياته في 34 عاما أمام الدولار    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب اللبناني سليم نصيب:
أم كلثوم مفتاح فهم المجتمعات العربية
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 11 - 2011

لم يكن سليم نصيب اسما معروفا علي الساحة الثقافية المصرية، ربما قدم صدور الترجمة العربية من روايته عن أم كلثوم الصادرة بالفرنسية بعنوان "أم" والتي قام بترجمتها الشاعر الراحل بسام حجار وصدرت بعنوان "كان صرحا من خيال" واصدرتها دار "العين" بعد طبعة لبنانية محدودة، بعض المعلومات عن سليم، الكاتب اللبناني الذي يعيش في فرنسا منذ اواخر الستينيات، ويكتب بالفرنسية، لكن تلك المعلومات لم تقدم بشكل كاف سليم، الذي قدمته روايته الرائعة، حيث اتخذت شكل مذكرات أحمد رامي لتحكي قصة حب رامي لكوكب الشرق وايضا قصة مصر في الخلفية. لسليم رواية اخري مترجمة الي العربية وهي "العشيق الفلسطيني" والتي تحكي عن علاقة غرامية بين الثري الفلسطيني ألبير فرعون، وبين جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل، لكن ايضا صدرت الرواية في طبعة لبنانية محدودة لم تعرف طريقها للساحة المصرية بعد.
سليم كان في زيارة لمصر مؤخرا، كي يكتب عن مصر بعد الثورة، كان يعمل علي انجاز رواية عن بيروت في 1978 وفاجأته موجة الثورات العربية، فتوقف، وجاء ليشاهد كيف تحركت الامور والي اين وصلت، والتقيناه اثناء الزيارة لنتعرف عليه اكثر وعن عالمه الروائي الغائب عنا.
ربما يبدو السؤال تقليديا بعض الشيء... لكن بداية دعنا نتعرف عليك ، متي غادرت إلي فرنسا..
سافرت من بيروت الي باريس 1969، وعندما بدأت الحرب الأهلية رجعت إلي لبنان مرة أخري في 1976 ولكن كصحفي لمجلة "ليبراسيون" التي لا أزال أعمل بها حتي الآن، ومرة أخري عام 1980 وظللت كمراسل حتي 1985، وبعدها قررت أن أعمل مراسلا في بلدان أخري، فذهبت إلي جنوب أفريقيا، واليونان، ولكن احسست بعدم الحماس حيث كنت مشغولا طوال الوقت بشئون العالم العربي.
الصحافة وداعا
بعد اعوام من ممارسة مهنة الصحافة بشكل يومي قرر سليم ان يتوقف عن العمل كصحفي، اذ شعر ان ما يكتب في الصحافة زائل بمعني ما، بالاضافة الي ان السياق العام هو ما يحدد اهمية ما يكتب من عدمه، خاصة انه خلال عمله الصحفي اهتم كثيرا بالكتابة عن القضية الفلسطينية، وايضا عن مراحل الحرب الاهلية في لبنان ولكن بعد فترة: "تقريبا ما بين 1990 و 1991 قررت التوقف عن العمل الصحفي وبدأت ممارسة كتابة الرواية، ولكن لم تنقطع علاقتي بالصحافة بشكل نهائي فعندما أنجذب إلي موضوع معين أكتب عنه للصحافة، فمثلا عندما بدأت حرب الخليج اجريت اتفاقا مع "ليبراسيون" اني سأكتب بشكل يومي عن الحرب كما تنقلها "الجزيرة"، كنت اريد ابرز وجهة نظر أخري حيال ما يجري...
بشكل عام يمكن القول ان للصحافة مجموعة من الخصائص، فالخبر في حد ذاته ليس له أهمية، ولكي يصل الي اذهان الجمهور يجب ان يكون داخل سياق أو صورة، فاذا اختفي السياق، انتفت اهمية الخبر، علي سبيل المثال ذات يوم ألّف شخص لبناني اسمه أنطون سعادة كتاباً عن تجربته حيث قُتل ابنه في الحرب، واستطاع هو الوصول الي القاتل فقام باختطافه، وحبسه في قاع البيت وظل علي مدار عام يعذبه بشكل يومي، واثار الموضوع ضجة كبيرة ساعتها، وكان الامر مهما بالنسبة لي لكسر الصورة العامة التي بدأت في التكون ساعتها مع بداية ممارسة حزب الله والجهاد الاسلامي لخطف الاجانب. إن الاسلاميين هم الذين يمارسون الخطف، ولكن هنا كنا امام مسيحي يعترف بانه قام بممارسة الاختطاف. فالخبر في ذاته بلا سياق غير مهم، ولكن لحظة وضعه داخل صورة معينة يكتسب الخبر معناه".
أيضا صورة الفلسطينيين في أوروبا تتأرجح بين كونهم ارهابيين احيانا، او ضحايا ومساكين ولاجئين أحيانا أخري، من الذي يصنع كلتا الصورتين؟ تلعب الصحافة جزءا في صناعة هذه الصورة، وانا هنا لا اتكلم عن مؤامرة، ولكن حتي مع وجود من يعمل بكل اخلاص في سبيل قضية معينة في الصحافة حتما سيقع في هذا الفخ، فأنت طوال الوقت متأثر ويستحيل ان تضع نفسك خارج السياق.
عندما حدث الاحتياح الاسرائيلي للبنان في 1982 ذهبت الي بيروت وكتبت سلسلة من المقالات حول المدينة المحاصرة، وكانت هذه هي الصورة العامة لبيروت، مدينة محاصرة تتعرض لقصف يومي، وكنت اكتب حكايات الناس تحت الحصار، وأثارت هذه المقالات اهتماما واسعا في فرنسا نظرا لانه كانت هناك حالة من التعاطف مع ما يحدث في بيروت، ولكن عام 1985 عندما بدأت الحرب تأخذ منحي آخر وصارت قتالا داخليا بحتا تغير هذا السياق، هذه هي الصحافة، أنت حر بشكل ما، تكتب ما تشاء ولكنك في النهاية مقيد بالسياق الذي يحدد وزن ما تكتبه، وكان هذا احد اسباب ابتعادي عن الصحافة واتجاهي للرواية، فالرواية تظل محتفظة بما تود ان تقوله رغم مرور السنين، فمثلا كتبت رواية "أم كلثوم" في 1994 بعد مرور حوالي خمسة عشر عاما
مازالت الرواية كما هي، لم تتأثر بالسياق العام كما تتأثر الكتابة الصحفية. أيضا الصحافة هي مدرسة سيئة للأديب، لأن الصحفي طوال الوقت يريد تفسير كل التفاصيل كي يكون مفهوما من اكبر عدد ممكن، بينما الادب يعتمد علي الاحساس لا علي التفسير، فإذا كنت صحفيا وتود ان تكتب الأدب فيجب ان تنسي كل ما تعلمته كصحفي.
ولكن ما أسباب سفرك من لبنان في البداية؟
كان تعليمي كله فرنسيا، وان شئت القول "استعماريا". ففرنسا هي الحضارة، والفرنسية لغة الثقافة، بينما لبنان لا يمثل شيئا، والعربية لا تقدم جديدا، وهكذا كان الحلم ان أعيش بفرنسا، فلما انهيت دراستي الجامعية وكانت عن الاقتصاد وعلم الاجتماع سافرت إلي هناك، وعندما وصلت مع بداية السبعينات كانت القضية الفلسطينية بدأت في الظهور بقوة، ولم يكن هناك من يفهم تفاصيل ما يحدث، وكانت الصحافة في احتياج لمن يمكنه أن يشرح هذه التفاصيل فبدأت بالعمل في الصحافة الفرنسية وتحديدا في "ليبراسيون". وكنت قبل مغادرة لبنان قد عملت في عدد من الصحف المكتوبة بالفرنسية، حول الشئون الطلابية بالجامعات اللبنانية.
ومتي قررت التوقف عن ممارسة الصحافة بشكل يومي والاتجاه إلي كتابة الرواية؟
لم يكن الموضوع بهذا الحسم، ولكن في 1990 افتتح احد الاصدقاء مجلة شهرية بعنوان "الصحيفة الأخري" وقال لي سأعطيك صفحتين اكتب فيهما ما تشاء عدا التحليلات السياسية، فكان امامي سؤال ماذا يمكن أن أكتب؟ وفي أي شكل كنت مثل الجميع اصرخ بأنه لو كانت لديّ الحرية لكنت فعلت كذا وكذا، ولكن وقتما تمنح الحرية، تصاب بالحيرة ازاء ما يمكن ان تقوم به. ولكن في النهاية توصلت إلي شكل أقرب الي القصة القصيرة، وغالبا كنت استقي مواضيعي من تفاصيل الحياة العربية، وبدأت في النشر، ومع الشهر الرابع اتصلت بي إحدي دور النشر لتسأل ان كان من الممكن نشر هذه القصص في كتاب، وهكذا كان كتابي الأول.
خلف الصورة
الأحداث العالمية، وتحديدا المرتبطة بالمنطقة العربية كانت دافعا لكتاب نصيب الثاني، إذ لم يكن فك ارتباطه الكامل بالصحافة، ومنحه الحدث الجاري الفرصة الذهاب الي مسرح احداثه ليعاينه بهدوء... "عندما وصل رفيق الحريري الي رئاسة الوزراء في لبنان للمرة الاولي مع بداية التسعينيات، قرر ازالة المباني المهدمة من وسط بيروت، من اجل "إعادة الإعمار" وهكذا كان كل تاريخ المدينة القديمة علي وشك الزوال، فاقترحت صديقة أن يتم دعوة عدد من كبار المصورين لزيارة بيروت وتصوير وسط البلد قبل ازالته، وبالفعل نجح المشروع ووافق حوالي سبعة من المصورين العالميين علي تصوير المدينة، واقترحت علي دار النشر التي كنت أعمل معها فكرة معينة كان ملخصها اني خلال عملي كصحفي كان دائما ما يتبعني مصور، وللمرة الاولي أود أن اقوم بالعملية بالعكس، بمعني ان اتبع انا المصورين، واكتب عما سيصورونه، ونري كيف تكون النتيجة، وبالفعل بدأت التجربة، بدون اي تخطيط مسبق من ناحيتي. وفي احد الايام كنت مع احد المصورين الفرنسيين الكبار المشاركين في الرحلة، وسقط فجأة في احدي البالوعات المفتوحة، حيث كانت كل اغطية البالوعات بمنطقة وسط البلد قد سرقت، وظل في الداخل حولي ثلاث ساعات لخلو المنطقة من المارة، الي ان عبر بائع مياه، واستطعنا اخراجه بحبل..
ومن هنا جاءت لي فكرة الكتاب وهي ان احد المارة في منطقة وسط البلد قد سقط في بالوعة مفتوحة ولم يستطع الخروج، وراح يتحرك بالداخل، وظل بالاسفل طيلة سنوات الحرب، المعارك دائرة بالاعلي، وهو بالاسفل، وهكذا كان الكتاب الثاني بعنوان "مجنون بيروت" الذي صدر في 1993 ".
أم كلثوم والحداثة المحبطة
هكذا كانت الحياة تضع امام سليم مواضيع رواياته، كان فقط يتحرك ليجد ما يجذبه في انتظاره، فهو بحكم نشأته كانت عينه علي الغرب ثقافيا وفنيا وموسيقيا فقد كان مغرما بالبيتلز، وبوب ديلان، ونجوم الستينيات، وكانت أم كلثوم بالنسبة له صالحة لابيبه او لجده، ولكن لما عركته الحياة فعليا، وانشغل بالعمل السياسي وانفتح علي العالم العربي والقضية الفلسطينية تغير موقفه، واكتشف انه كان يتعامل مع نفسه بوصفه فرنسيا،ولم يكن هذا حقيقيا بالنسبة له. فغير موقفه المبدئي فلسفيا من ام كلثوم ومن الثقافة العربية بشكل عام.
" بعد نشر "مجنون بيروت"، وفي احدي السهرات، وضع احدهم أغنية لأم كلثوم، وانا لم اكن احب ام كلثوم، ابي كان يعشقها، وخلال السهرة اتجه إلي بعض الفرنسيين الذين يعرفون إجادتي للغة العربية وسألوني: ماذا تقول؟ فبدأت اترجم لهم كلمات الاغنية، وتنبهت إلي أن كلمات أم كلثوم ربما لا تعني الكثير بالنسبة لهم، فقلت لهم اذا استطاع احد تفسير العلاقة بين ام كلثوم وجمهورها، ساعتها سيستطيع فهم العالم العربي.
انتهت السهرة، وفي اليوم التالي كان لديّ موعد مع الناشر، الذي سألني عما أنوي كتابته بعد "مجنون بيروت"، فأجبته بنفس الاجابة التي قلتها للاصدقاء الفرنسيين عن ام كلثوم والعالم العربي، فوافق الناشر علي الفور. وبدأت مباشرة رحلة البحث والكتابة حيث ترددت علي مصر اكثر من مرة، واكتشفت احمد رامي، واكتشفت ان علاقة رامي بأم كلثوم هي العلاقة الاكثر رمزية التي يمكن ان تلخص وضع ام كلثوم في الثقافة العربية، فهو يحبها، وهي لا تحبه، فيكتب حبه ومعاناته شعرا، وهي تغني ما يكتبه، وهكذا تنقل الي العالم كله وجع رامي، والجميع يتوجع معها في الظاهر، ومعه في حقيقة الامر. وهكذا قررت ان احكي بصوت رامي.
المسألة الاخري التي دفعتني الي ام كلثوم، هي ان بداية ظهورها في العشرينيات كانت فترة آمال كبيرة فهناك ثورة انتجت وعودا وآمالا في الاستقلال ورحيل الانجليز، ورغبة في البناء والوصول بالبلاد الي المستقبل، وكان طه حسين ينادي بأن "الحداثة" تشبه شجرة لها فرعان: فرع غربي يعتمد علي ما توصل إليه الغرب، وفرع شرقي يعتمد علي تراثنا وحضارتنا وهكذا بالنسبة له يمكن أن توجد "حداثة شرقية"، فالحل ليس في الابتعاد عن الغرب او تقليده، ولكن في المزج بين مالدينا وما انجزه العالم وهكذا كانت اصوات النهضة تتعالي في كل المجالات، وحتي في الموسيقي فعقد مؤتمر موسيقي كبير في 1929 علي ما أظن من أجل الخروج بموسيقي عربية "حديثة"، وجاءت أم كلثوم لتصبح الجسر بين هذه الروح الراغبة في النهوض وبين الشعب، وذلك لأن صوتها كان مبهرا للجميع.
كان الحب كما تمثله أغاني أم كلثوم مثل السراب كلما تظن انك احطت به اختفي بعيدا، وهكذا كانت الحداثة بالنسبة للجماهير تبتعد كلما احسن الناس بالاقتراب منها، هناك رغبة بالوصول لكن هذا لا يحدث، المرة الاولي في العشرينيات، والمرة الثانية خلال عبد عبد الناصر، وفي المرتين انتهي الامل إلي سراب.
وشاركت ام كلثوم في كلا الحلمين، وخاصة مشروع عبد الناصر، وغنت لهذا المشروع في انجازاته في السويس، وعند بناء السد العالي، وكان الحلم هو "التقدم" وجاء عام 1967 ليعلن انهيار الحلم. وعند انهياره تعرضت أم كلثوم لحملة هجوم ضارية وتم اتهامها بأنها "أفيون الشعب" وانها كانت احد اسباب الهزيمة عبر اغانيها المخملية. فقامت هي ساعتها بجولة في العالم العربي وتبرعت بعائد تلك الجولة للجيش من أجل النهوض مرة أخري.
برأيي ان الحلم الذي عاشته مصر سابقا، ولد الآن مرة اخري من ميدان التحرير، نفس الحلم بالنهوض والتقدم، وهذا هو ملخص الفيلم الذي يجري اعداده حاليا من الرواية حيث ينتهي الفيلم بميدان التحرير."
العلاقة المستحيلة
لم يخرج سليم بعدها من التاريخ بسهولة، فعلي الرغم من انه ليس مشغولا بالمطابقة بين الواقع التاريخي، وبين ما يكتب، ولكنه أحس بالراحة مع التاريخ حيث انه حر في تشكيل اشخاصه كما يريد، وايضا في البحث عن الجذور، ليتجه سليم بعدها نحو علاقة اكثر ضبابية واستحالة. فبعد ذلك كانت روايته عن جولدا مائير والتي كانت بعنوان "العشيق الفلسطيني"، وصدرت تقريبا في 2005 وتدور احداثها عن علاقة غرامية ما بين ثري فلسطيني اسمه "ألبير فرعون"، وجولدا مائير.
"بدأ خيط الرواية معي، عندما أخبرني احد اصدقائي وهو من ام فلسطينية واب لبناني، ان جده لامه كان عشيقاً لجولدا مائير عندما كان عمرها ثمانية وعشرين عاما، كان من اغنياء فلسطين وكان يرتاد حفلات علية القوم حيث تعرف علي جولدا هناك، وكانت الحكاية المشهورة داخل العائلة، أنه جعل زوجته واولاده يعيشون في بيروت، بينما عاش هو في حيفا كي يبقي بالقرب من جولدا، ولكني لم اصدق تلك القصة فيستحيل ان يقع فلسطيني في حب جولدا مائير، او ان تحب هي فلسطينيا حتي لو كان مسيحيا، وعندما حاولت ان اعرف من الصديق إن كان هناك شهود أحياء لهذه القصة، فأخبرني أن هناك احدي قريبات الجد وتعيش بالقاهرة، وكانت هي الوحيدة ضمن افراد العائلة المتعاطفة مع القصة حيث كانت تعيش بعيدا عن الاحداث المشتعلة بفلسطين، وكان هو يأتي اليها من حين لآخر كي يحكي لها عما يحدث.
وبالفعل سافرت الي القاهرة كي اقابلها كانت قد تجاوزت السبعين، وتعيش بجاردن سيتي، حكت لي بعضا من الحكاية، وسألتها ان كان لديها دليل مادي علي القصة، رسالة مثلا أو ماشابه، ولكن لم يكن لديها شيء. وبعدها قابلت بعض افراد عائلة جولدا مائير، وسألتهم ان كان لديهم معرفة بالقصة فنفوا ذلك تماما.
فتحدثت مع ناشري، اذ كنت اظن اني سأكتب قصة قد وقعت بالفعل، ولكن اذا رغبت استكمال المشروع فستكون قصة وهمية تماما، وحاولت تخيل كيف يمكن لشخصية صهيونية مثل جولدا مائير ان يكون لها حبيب فلسطيني، فعلي طول الرواية هناك حالة من عدم التأكد والضبابية. وأيضا اختلاق كامل للاحداث الداخلية، فالفترة التاريخية العامة مضبوطة ولكن ما يحدث في الداخل كان تأليفا".
غادر سليم القاهرة بعد لقائنا بأيام قليلة، بحصيلة حوارات ومشاهدات عن الثورة وما بعدها، ليعاود رؤية التاريخ مرة أخري من الموقع الجديد الذي أخذتنا إليه موجة الثورات العربية، التي بالتأكيد ستغير رؤية التاريخ الماضي، وكان آخر ما قاله سليم أنه متوقف الآن عن الرواية من أجل محاولة فهم اللحظة وإلي أين تقود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.