رئيس جامعة سوهاج: نولي طلابنا من ذوي الهمم رعاية متكاملة    اسعار اللحوم اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 فى أسواق ومجازر المنيا    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 7 ديسمبر 2025    «الاستثمار»: دليل إرشادي للحافز الاستثماري النقدي لدعم المشروعات الصناعية    قرار صيني بشأن الذهب.. كيف تفاعلت الأسعار في مصر؟    مصر تنضم لمركز المعرفة للتأمين الصحي الشامل لدعم السياسات الوطنية الصحية    وزير الخارجية: المشروعات الكندية إضافة للجهود الوطنية في مجالات التنمية    الاحتلال الإسرائيلي يواصل نسف مبانٍ في خان يونس    الكرملين يشيد بتعديل استراتيجية الأمن القومي الأمريكية حول روسيا    حريق هائل في مدينة كريمنشوك الأوكرانية جراء هجوم روسي عنيف| فيديو    ارتفاع عدد قتلى حريق بملهى ليلي إلى 25 بينهم 4 سائحين بالهند    مفاجأة.. سلوت يدرس استبعاد محمد صلاح من قائمة مباراة ليفربول وإنتر ميلان    كأس العرب| «سوريا وفلسطين» صراع على الصدارة..وفرصة أخيرة لقطر وتونس    محمد السيد يحرز ذهبية كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بعد الفوز على لاعب إسرائيل    تعرف علي تشكيل ريال مدريد المتوقع أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني    «الأرصاد»: انخفاض في درجات الحرارة.. والعظمى بالقاهرة 20 درجة    توضيح هام من محافظة الجيزة بشأن الكثافات المرورية باتجاه منزل البحر الأعظم    استدرجها داخل مزرعة وأشعل فيها النيران.. الإعدام لقاتل زوجته بنجع حمادي    محافظ القليوبية يتابع حادث سقوط 8 عمال نتيجة انهيار شدة خشبية    حريق محدود داخل مستشفى ديروط الجديدة بأسيوط دون إصابات    عرض عربي أول ناجح لفلسطين 36 بمهرجان البحر الأحمر السينمائي    روجينا تبدأ تصوير «حد أقصى» في أول تعاون مع ابنتها مايا زكي رمضان 2026    كبار وأطفال بلا مأوى.. التدخل السريع يتعامل مع 519 بلاغًا خلال نوفمبر    «كنت منسجما وأنا أسمعه».. الشيخ حسن عبد النبي يشيد بمتسابق دولة التلاوة    ارتفاع التضخم السنوي في الكويت إلى 2.39% خلال شهر أغسطس    انطلاق جولة الإعادة للانتخابات البرلمانية للمصريين في اليونان    نظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    23 ديسمبر، انطلاق المؤتمر الدولي الأول لتجارة عين شمس "الابتكار والتكنولوجيا المالية"    مواعيد مباريات اليوم الأحد 7-12-2025 والقنوات الناقلة لها    حضر التلاميذ وغاب المدرسون، استياء بين أولياء الأمور بسبب غلق أبواب مدرسة بمطروح    نائب ينتقد التعليم في سؤال برلماني بسبب مشكلات نظام التقييم    نعوم تشومسكي، المفكر الذي واجه إمبراطوريات السياسة ورفض النازية والليبرالية المتوحشة    الخشت: تجديد الخطاب الديني ضرورة لحماية المجتمعات من التطرف والإلحاد    وزير الصحة: وضع تصور شامل للمبادرات الرئاسية والبرامج الاستثمار فى البشر    طريقة عمل طاجن الفراخ بالبرتقال، وصفة سهلة التحضير ومغذية    مقتل 9 وإصابة 7 في حوادث على طريق سريع في شينجيانج الصينية    رئيس جامعة حلوان: منتدى اتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية منصة لتبادل الخبرات    كان معاه 20900 جنيه.. "اهل مصر" تنشر اعترافات أحد سماسرة الأصوات بقنا    أسعار الدولار اليوم في البنوك اليوم الثلاثاء 7ديسمبر 2025    الجيشان الصينى والروسى يجريان ثالث تدريب مشترك لاعتراض الصواريخ    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    نظر محاكمة 9 متهمين بقضية خلية داعش عين شمس اليوم    حصيلة أهداف كأس العرب 2025 بعد الجولة الثانية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 7 ديسمبر    إنقاذ شخص من الغرق في نهر النيل بالجيزة    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    "ولنا في الخيال حب" يفاجئ شباك التذاكر... ويُحوِّل الرومانسية الهادئة إلى ظاهرة جماهيرية ب23 مليون جنيه    رانيا علواني: ما حدث في واقعة الطفل يوسف تقصير.. والسيفتي أولى من أي شيء    تحذيرهام: «علاج الأنيميا قبل الحمل ضرورة لحماية طفلك»    «الصحة» توضح: لماذا يزداد جفاف العين بالشتاء؟.. ونصائح بسيطة لحماية عينيك    محسن صالح: توقيت فرح أحمد حمدى غلط.. والزواج يحتاج ابتعاد 6 أشهر عن الملاعب    مصدر أمني ينفي إضراب نزلاء مركز إصلاح وتأهيل عن الطعام لتعرضهم للانتهاكاتً    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    نقيب المسعفين: السيارة وصلت السباح يوسف خلال 4 دقائق للمستشفى    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب اللبناني سليم نصيب:
أم كلثوم مفتاح فهم المجتمعات العربية
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 11 - 2011

لم يكن سليم نصيب اسما معروفا علي الساحة الثقافية المصرية، ربما قدم صدور الترجمة العربية من روايته عن أم كلثوم الصادرة بالفرنسية بعنوان "أم" والتي قام بترجمتها الشاعر الراحل بسام حجار وصدرت بعنوان "كان صرحا من خيال" واصدرتها دار "العين" بعد طبعة لبنانية محدودة، بعض المعلومات عن سليم، الكاتب اللبناني الذي يعيش في فرنسا منذ اواخر الستينيات، ويكتب بالفرنسية، لكن تلك المعلومات لم تقدم بشكل كاف سليم، الذي قدمته روايته الرائعة، حيث اتخذت شكل مذكرات أحمد رامي لتحكي قصة حب رامي لكوكب الشرق وايضا قصة مصر في الخلفية. لسليم رواية اخري مترجمة الي العربية وهي "العشيق الفلسطيني" والتي تحكي عن علاقة غرامية بين الثري الفلسطيني ألبير فرعون، وبين جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل، لكن ايضا صدرت الرواية في طبعة لبنانية محدودة لم تعرف طريقها للساحة المصرية بعد.
سليم كان في زيارة لمصر مؤخرا، كي يكتب عن مصر بعد الثورة، كان يعمل علي انجاز رواية عن بيروت في 1978 وفاجأته موجة الثورات العربية، فتوقف، وجاء ليشاهد كيف تحركت الامور والي اين وصلت، والتقيناه اثناء الزيارة لنتعرف عليه اكثر وعن عالمه الروائي الغائب عنا.
ربما يبدو السؤال تقليديا بعض الشيء... لكن بداية دعنا نتعرف عليك ، متي غادرت إلي فرنسا..
سافرت من بيروت الي باريس 1969، وعندما بدأت الحرب الأهلية رجعت إلي لبنان مرة أخري في 1976 ولكن كصحفي لمجلة "ليبراسيون" التي لا أزال أعمل بها حتي الآن، ومرة أخري عام 1980 وظللت كمراسل حتي 1985، وبعدها قررت أن أعمل مراسلا في بلدان أخري، فذهبت إلي جنوب أفريقيا، واليونان، ولكن احسست بعدم الحماس حيث كنت مشغولا طوال الوقت بشئون العالم العربي.
الصحافة وداعا
بعد اعوام من ممارسة مهنة الصحافة بشكل يومي قرر سليم ان يتوقف عن العمل كصحفي، اذ شعر ان ما يكتب في الصحافة زائل بمعني ما، بالاضافة الي ان السياق العام هو ما يحدد اهمية ما يكتب من عدمه، خاصة انه خلال عمله الصحفي اهتم كثيرا بالكتابة عن القضية الفلسطينية، وايضا عن مراحل الحرب الاهلية في لبنان ولكن بعد فترة: "تقريبا ما بين 1990 و 1991 قررت التوقف عن العمل الصحفي وبدأت ممارسة كتابة الرواية، ولكن لم تنقطع علاقتي بالصحافة بشكل نهائي فعندما أنجذب إلي موضوع معين أكتب عنه للصحافة، فمثلا عندما بدأت حرب الخليج اجريت اتفاقا مع "ليبراسيون" اني سأكتب بشكل يومي عن الحرب كما تنقلها "الجزيرة"، كنت اريد ابرز وجهة نظر أخري حيال ما يجري...
بشكل عام يمكن القول ان للصحافة مجموعة من الخصائص، فالخبر في حد ذاته ليس له أهمية، ولكي يصل الي اذهان الجمهور يجب ان يكون داخل سياق أو صورة، فاذا اختفي السياق، انتفت اهمية الخبر، علي سبيل المثال ذات يوم ألّف شخص لبناني اسمه أنطون سعادة كتاباً عن تجربته حيث قُتل ابنه في الحرب، واستطاع هو الوصول الي القاتل فقام باختطافه، وحبسه في قاع البيت وظل علي مدار عام يعذبه بشكل يومي، واثار الموضوع ضجة كبيرة ساعتها، وكان الامر مهما بالنسبة لي لكسر الصورة العامة التي بدأت في التكون ساعتها مع بداية ممارسة حزب الله والجهاد الاسلامي لخطف الاجانب. إن الاسلاميين هم الذين يمارسون الخطف، ولكن هنا كنا امام مسيحي يعترف بانه قام بممارسة الاختطاف. فالخبر في ذاته بلا سياق غير مهم، ولكن لحظة وضعه داخل صورة معينة يكتسب الخبر معناه".
أيضا صورة الفلسطينيين في أوروبا تتأرجح بين كونهم ارهابيين احيانا، او ضحايا ومساكين ولاجئين أحيانا أخري، من الذي يصنع كلتا الصورتين؟ تلعب الصحافة جزءا في صناعة هذه الصورة، وانا هنا لا اتكلم عن مؤامرة، ولكن حتي مع وجود من يعمل بكل اخلاص في سبيل قضية معينة في الصحافة حتما سيقع في هذا الفخ، فأنت طوال الوقت متأثر ويستحيل ان تضع نفسك خارج السياق.
عندما حدث الاحتياح الاسرائيلي للبنان في 1982 ذهبت الي بيروت وكتبت سلسلة من المقالات حول المدينة المحاصرة، وكانت هذه هي الصورة العامة لبيروت، مدينة محاصرة تتعرض لقصف يومي، وكنت اكتب حكايات الناس تحت الحصار، وأثارت هذه المقالات اهتماما واسعا في فرنسا نظرا لانه كانت هناك حالة من التعاطف مع ما يحدث في بيروت، ولكن عام 1985 عندما بدأت الحرب تأخذ منحي آخر وصارت قتالا داخليا بحتا تغير هذا السياق، هذه هي الصحافة، أنت حر بشكل ما، تكتب ما تشاء ولكنك في النهاية مقيد بالسياق الذي يحدد وزن ما تكتبه، وكان هذا احد اسباب ابتعادي عن الصحافة واتجاهي للرواية، فالرواية تظل محتفظة بما تود ان تقوله رغم مرور السنين، فمثلا كتبت رواية "أم كلثوم" في 1994 بعد مرور حوالي خمسة عشر عاما
مازالت الرواية كما هي، لم تتأثر بالسياق العام كما تتأثر الكتابة الصحفية. أيضا الصحافة هي مدرسة سيئة للأديب، لأن الصحفي طوال الوقت يريد تفسير كل التفاصيل كي يكون مفهوما من اكبر عدد ممكن، بينما الادب يعتمد علي الاحساس لا علي التفسير، فإذا كنت صحفيا وتود ان تكتب الأدب فيجب ان تنسي كل ما تعلمته كصحفي.
ولكن ما أسباب سفرك من لبنان في البداية؟
كان تعليمي كله فرنسيا، وان شئت القول "استعماريا". ففرنسا هي الحضارة، والفرنسية لغة الثقافة، بينما لبنان لا يمثل شيئا، والعربية لا تقدم جديدا، وهكذا كان الحلم ان أعيش بفرنسا، فلما انهيت دراستي الجامعية وكانت عن الاقتصاد وعلم الاجتماع سافرت إلي هناك، وعندما وصلت مع بداية السبعينات كانت القضية الفلسطينية بدأت في الظهور بقوة، ولم يكن هناك من يفهم تفاصيل ما يحدث، وكانت الصحافة في احتياج لمن يمكنه أن يشرح هذه التفاصيل فبدأت بالعمل في الصحافة الفرنسية وتحديدا في "ليبراسيون". وكنت قبل مغادرة لبنان قد عملت في عدد من الصحف المكتوبة بالفرنسية، حول الشئون الطلابية بالجامعات اللبنانية.
ومتي قررت التوقف عن ممارسة الصحافة بشكل يومي والاتجاه إلي كتابة الرواية؟
لم يكن الموضوع بهذا الحسم، ولكن في 1990 افتتح احد الاصدقاء مجلة شهرية بعنوان "الصحيفة الأخري" وقال لي سأعطيك صفحتين اكتب فيهما ما تشاء عدا التحليلات السياسية، فكان امامي سؤال ماذا يمكن أن أكتب؟ وفي أي شكل كنت مثل الجميع اصرخ بأنه لو كانت لديّ الحرية لكنت فعلت كذا وكذا، ولكن وقتما تمنح الحرية، تصاب بالحيرة ازاء ما يمكن ان تقوم به. ولكن في النهاية توصلت إلي شكل أقرب الي القصة القصيرة، وغالبا كنت استقي مواضيعي من تفاصيل الحياة العربية، وبدأت في النشر، ومع الشهر الرابع اتصلت بي إحدي دور النشر لتسأل ان كان من الممكن نشر هذه القصص في كتاب، وهكذا كان كتابي الأول.
خلف الصورة
الأحداث العالمية، وتحديدا المرتبطة بالمنطقة العربية كانت دافعا لكتاب نصيب الثاني، إذ لم يكن فك ارتباطه الكامل بالصحافة، ومنحه الحدث الجاري الفرصة الذهاب الي مسرح احداثه ليعاينه بهدوء... "عندما وصل رفيق الحريري الي رئاسة الوزراء في لبنان للمرة الاولي مع بداية التسعينيات، قرر ازالة المباني المهدمة من وسط بيروت، من اجل "إعادة الإعمار" وهكذا كان كل تاريخ المدينة القديمة علي وشك الزوال، فاقترحت صديقة أن يتم دعوة عدد من كبار المصورين لزيارة بيروت وتصوير وسط البلد قبل ازالته، وبالفعل نجح المشروع ووافق حوالي سبعة من المصورين العالميين علي تصوير المدينة، واقترحت علي دار النشر التي كنت أعمل معها فكرة معينة كان ملخصها اني خلال عملي كصحفي كان دائما ما يتبعني مصور، وللمرة الاولي أود أن اقوم بالعملية بالعكس، بمعني ان اتبع انا المصورين، واكتب عما سيصورونه، ونري كيف تكون النتيجة، وبالفعل بدأت التجربة، بدون اي تخطيط مسبق من ناحيتي. وفي احد الايام كنت مع احد المصورين الفرنسيين الكبار المشاركين في الرحلة، وسقط فجأة في احدي البالوعات المفتوحة، حيث كانت كل اغطية البالوعات بمنطقة وسط البلد قد سرقت، وظل في الداخل حولي ثلاث ساعات لخلو المنطقة من المارة، الي ان عبر بائع مياه، واستطعنا اخراجه بحبل..
ومن هنا جاءت لي فكرة الكتاب وهي ان احد المارة في منطقة وسط البلد قد سقط في بالوعة مفتوحة ولم يستطع الخروج، وراح يتحرك بالداخل، وظل بالاسفل طيلة سنوات الحرب، المعارك دائرة بالاعلي، وهو بالاسفل، وهكذا كان الكتاب الثاني بعنوان "مجنون بيروت" الذي صدر في 1993 ".
أم كلثوم والحداثة المحبطة
هكذا كانت الحياة تضع امام سليم مواضيع رواياته، كان فقط يتحرك ليجد ما يجذبه في انتظاره، فهو بحكم نشأته كانت عينه علي الغرب ثقافيا وفنيا وموسيقيا فقد كان مغرما بالبيتلز، وبوب ديلان، ونجوم الستينيات، وكانت أم كلثوم بالنسبة له صالحة لابيبه او لجده، ولكن لما عركته الحياة فعليا، وانشغل بالعمل السياسي وانفتح علي العالم العربي والقضية الفلسطينية تغير موقفه، واكتشف انه كان يتعامل مع نفسه بوصفه فرنسيا،ولم يكن هذا حقيقيا بالنسبة له. فغير موقفه المبدئي فلسفيا من ام كلثوم ومن الثقافة العربية بشكل عام.
" بعد نشر "مجنون بيروت"، وفي احدي السهرات، وضع احدهم أغنية لأم كلثوم، وانا لم اكن احب ام كلثوم، ابي كان يعشقها، وخلال السهرة اتجه إلي بعض الفرنسيين الذين يعرفون إجادتي للغة العربية وسألوني: ماذا تقول؟ فبدأت اترجم لهم كلمات الاغنية، وتنبهت إلي أن كلمات أم كلثوم ربما لا تعني الكثير بالنسبة لهم، فقلت لهم اذا استطاع احد تفسير العلاقة بين ام كلثوم وجمهورها، ساعتها سيستطيع فهم العالم العربي.
انتهت السهرة، وفي اليوم التالي كان لديّ موعد مع الناشر، الذي سألني عما أنوي كتابته بعد "مجنون بيروت"، فأجبته بنفس الاجابة التي قلتها للاصدقاء الفرنسيين عن ام كلثوم والعالم العربي، فوافق الناشر علي الفور. وبدأت مباشرة رحلة البحث والكتابة حيث ترددت علي مصر اكثر من مرة، واكتشفت احمد رامي، واكتشفت ان علاقة رامي بأم كلثوم هي العلاقة الاكثر رمزية التي يمكن ان تلخص وضع ام كلثوم في الثقافة العربية، فهو يحبها، وهي لا تحبه، فيكتب حبه ومعاناته شعرا، وهي تغني ما يكتبه، وهكذا تنقل الي العالم كله وجع رامي، والجميع يتوجع معها في الظاهر، ومعه في حقيقة الامر. وهكذا قررت ان احكي بصوت رامي.
المسألة الاخري التي دفعتني الي ام كلثوم، هي ان بداية ظهورها في العشرينيات كانت فترة آمال كبيرة فهناك ثورة انتجت وعودا وآمالا في الاستقلال ورحيل الانجليز، ورغبة في البناء والوصول بالبلاد الي المستقبل، وكان طه حسين ينادي بأن "الحداثة" تشبه شجرة لها فرعان: فرع غربي يعتمد علي ما توصل إليه الغرب، وفرع شرقي يعتمد علي تراثنا وحضارتنا وهكذا بالنسبة له يمكن أن توجد "حداثة شرقية"، فالحل ليس في الابتعاد عن الغرب او تقليده، ولكن في المزج بين مالدينا وما انجزه العالم وهكذا كانت اصوات النهضة تتعالي في كل المجالات، وحتي في الموسيقي فعقد مؤتمر موسيقي كبير في 1929 علي ما أظن من أجل الخروج بموسيقي عربية "حديثة"، وجاءت أم كلثوم لتصبح الجسر بين هذه الروح الراغبة في النهوض وبين الشعب، وذلك لأن صوتها كان مبهرا للجميع.
كان الحب كما تمثله أغاني أم كلثوم مثل السراب كلما تظن انك احطت به اختفي بعيدا، وهكذا كانت الحداثة بالنسبة للجماهير تبتعد كلما احسن الناس بالاقتراب منها، هناك رغبة بالوصول لكن هذا لا يحدث، المرة الاولي في العشرينيات، والمرة الثانية خلال عبد عبد الناصر، وفي المرتين انتهي الامل إلي سراب.
وشاركت ام كلثوم في كلا الحلمين، وخاصة مشروع عبد الناصر، وغنت لهذا المشروع في انجازاته في السويس، وعند بناء السد العالي، وكان الحلم هو "التقدم" وجاء عام 1967 ليعلن انهيار الحلم. وعند انهياره تعرضت أم كلثوم لحملة هجوم ضارية وتم اتهامها بأنها "أفيون الشعب" وانها كانت احد اسباب الهزيمة عبر اغانيها المخملية. فقامت هي ساعتها بجولة في العالم العربي وتبرعت بعائد تلك الجولة للجيش من أجل النهوض مرة أخري.
برأيي ان الحلم الذي عاشته مصر سابقا، ولد الآن مرة اخري من ميدان التحرير، نفس الحلم بالنهوض والتقدم، وهذا هو ملخص الفيلم الذي يجري اعداده حاليا من الرواية حيث ينتهي الفيلم بميدان التحرير."
العلاقة المستحيلة
لم يخرج سليم بعدها من التاريخ بسهولة، فعلي الرغم من انه ليس مشغولا بالمطابقة بين الواقع التاريخي، وبين ما يكتب، ولكنه أحس بالراحة مع التاريخ حيث انه حر في تشكيل اشخاصه كما يريد، وايضا في البحث عن الجذور، ليتجه سليم بعدها نحو علاقة اكثر ضبابية واستحالة. فبعد ذلك كانت روايته عن جولدا مائير والتي كانت بعنوان "العشيق الفلسطيني"، وصدرت تقريبا في 2005 وتدور احداثها عن علاقة غرامية ما بين ثري فلسطيني اسمه "ألبير فرعون"، وجولدا مائير.
"بدأ خيط الرواية معي، عندما أخبرني احد اصدقائي وهو من ام فلسطينية واب لبناني، ان جده لامه كان عشيقاً لجولدا مائير عندما كان عمرها ثمانية وعشرين عاما، كان من اغنياء فلسطين وكان يرتاد حفلات علية القوم حيث تعرف علي جولدا هناك، وكانت الحكاية المشهورة داخل العائلة، أنه جعل زوجته واولاده يعيشون في بيروت، بينما عاش هو في حيفا كي يبقي بالقرب من جولدا، ولكني لم اصدق تلك القصة فيستحيل ان يقع فلسطيني في حب جولدا مائير، او ان تحب هي فلسطينيا حتي لو كان مسيحيا، وعندما حاولت ان اعرف من الصديق إن كان هناك شهود أحياء لهذه القصة، فأخبرني أن هناك احدي قريبات الجد وتعيش بالقاهرة، وكانت هي الوحيدة ضمن افراد العائلة المتعاطفة مع القصة حيث كانت تعيش بعيدا عن الاحداث المشتعلة بفلسطين، وكان هو يأتي اليها من حين لآخر كي يحكي لها عما يحدث.
وبالفعل سافرت الي القاهرة كي اقابلها كانت قد تجاوزت السبعين، وتعيش بجاردن سيتي، حكت لي بعضا من الحكاية، وسألتها ان كان لديها دليل مادي علي القصة، رسالة مثلا أو ماشابه، ولكن لم يكن لديها شيء. وبعدها قابلت بعض افراد عائلة جولدا مائير، وسألتهم ان كان لديهم معرفة بالقصة فنفوا ذلك تماما.
فتحدثت مع ناشري، اذ كنت اظن اني سأكتب قصة قد وقعت بالفعل، ولكن اذا رغبت استكمال المشروع فستكون قصة وهمية تماما، وحاولت تخيل كيف يمكن لشخصية صهيونية مثل جولدا مائير ان يكون لها حبيب فلسطيني، فعلي طول الرواية هناك حالة من عدم التأكد والضبابية. وأيضا اختلاق كامل للاحداث الداخلية، فالفترة التاريخية العامة مضبوطة ولكن ما يحدث في الداخل كان تأليفا".
غادر سليم القاهرة بعد لقائنا بأيام قليلة، بحصيلة حوارات ومشاهدات عن الثورة وما بعدها، ليعاود رؤية التاريخ مرة أخري من الموقع الجديد الذي أخذتنا إليه موجة الثورات العربية، التي بالتأكيد ستغير رؤية التاريخ الماضي، وكان آخر ما قاله سليم أنه متوقف الآن عن الرواية من أجل محاولة فهم اللحظة وإلي أين تقود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.