تحية للشهداء.. اليوم الدراسى الاول في سوريا منذ اندلعت الأحداث في سوريا آذار الماضي، لا أذكر أني قرأت أو لفت اهتمامي مقال يتعلق بنشاط ثقافي أيا كان نوعه، ولا قرأت أي عمل أدبي قصة أو رواية أو شعر، إذا لم يكن علي صلة ما بالحدث السياسي الراهن، أو يساعدني علي تشكيل رؤية لما يحصل في الشارع السوري والعربي، ولا أنكر أني جاهدت لقراءة روايات صدرت حديثا لكتاب أصدقاء شاءت الصدف أن يكون موعد صدورها خلال هذه الفترة . دون أن يكون لموضوعها أي علاقة بما يجري، ولم انجح في اجتياز أكثر من عشر صفحات فيها، إذ كانت تواجهني صعوبة كبيرة في التركيز، ليتبين لي من خلال مناقشة ذلك مع عدد من الأصدقاء أن مشكلة التركيز تواجه الكثيرين. إذ أن وقائع الربيع العربي ودمويتها سرقت اهتمام المثقف المعني أولا وأخيراً بالإنسان وقضاياه. أذكر أن صديقاً في موقع الفيس بوك نشر قصة عاطفية قصيرة علي صفحته وأشار فيها إلي عدد من الأصدقاء، حينها وبعدما قرأتها شعرت بخيبة أمل، إذ بقيت حتي السطر الأخير أبحث فيها عن فكرة لها علاقة بالثورة فلم أجد، فجاملته بتعليق مختصر بأنها قصة جيدة، وهكذا فعل عدد من الأصدقاء الآخرين، إلا أن أحدنا وكان الأكثر شجاعة بيننا عبر عن استيائه من كتابة قصة عن الغرام والهيام والتغزل بعيون الحبيبة، بينما الناس تقتل في الشوارع، والمضحك أن ذلك التعليق فتح الباب لتدفق التعليقات الموبخة لكاتب القصة، واتهامه باللامبالاة. طبعا هذا لا يعني أن قصص الحب والقضايا الإنسانية البعيدة عن السياسة ممنوعة أو غير مستحبة في ظرف حرج كالذي تعيشه بلادنا، لكنها بالتأكيد ستبدو ترفاً، لمن يقلقه انتشار العسكر في الشوارع والساحات في طول البلاد وعرضها، كما سيكون من اللامبالاة الذهاب إلي أي عرض مسرحي أو سينمائي بعيد عما يجري من قتل يومي. فالحاصل اليوم علي الساحة العربية عموما عدا عن أنه هشّم الكثير من المقولات الجاهزة التي تكرست في خطابنا منذ هزيمة 1967، وأعاد الاعتبار لغضب الشارع، فإنه يعيد تشكيل الواقع من جديد ومن ضمنه الفعل الثقافي، وبالتالي فإن أي فعل ثقافي بعيد عن هذا المناخ يأتي باهتاً خارجاً . عن السياق بلا جاذبية دون أن ينفي ذلك أهميته، لكن راهناً لاشيء أكثر أهمية من الدم المسفوك فيما نحن مستلبون لحالة من الدهشة والترقب والانفعال المتواصل علي وقع تسابق الأحداث بضراوة؛ أحداث يصنعها أبطال كانوا لغاية انطلاق شرارة بو عزيزي في تونس، كتلاً بشرية ساكنة علي هامش الحياة، أقصي ما تحلم به المشاركة بدور كومبارس في مسرحية الأنظمة التي احتكرت الفعل العام بكل معانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلا أنه ومنذ تفتحت زهور الربيع العربي في ساحة التحرير في مصر صار الهامش هو المتن، وتقدم الكومبارس نحو المسرح واحتل الصدارة، وفي سوريا صار بطلا يكتب عنوان مستقبله الحر بريشة غمسها بدمائه. والمثقف بدوره والذي كان يحتل المتن قفز إلي الهامش مأخوذاً بهول ما يحصل، فالحلم الذي أمضي عمره في رسم ملامحه، تجسد وصار واقعاً يشق طريقه بعيداً عن رؤياه ونظرياته.. وهو بالكاد يتمكن الآن من الإمساك بتلابيب الحدث فتراه منغمساً في كتابة المقالات في سعي دؤوب للبقاء داخل الحدث اللاهث عبر الزمن. ومن المبكر الحديث عن نتاج ثقافي يولد من عمق الحدث السوري، لأنه مازال في طور التفاعل، عدا قصائد وقصص ومقالات فكرية تنشر في الصحف الخارجية أو علي صفحات الفيس بوك في حين أن النشاط الثقافي المستمر داخل البلاد والذي في غالبيته نشاط رسمي مازال مستمرا علي وقع زمن ما قبل الثورة في اغترابه عن الواقع، هذا عدا عن تقلص حجمه إلي الحد الأدني بسبب الأوضاع الأمنية. أما النشاط غير الرسمي المستقل والذي ينأي عن الثورة أيضا لأسباب أمنية لها علاقة بالخوف من إعلان موقف واضح وصريح، فقد تأثر بالوضع الاقتصادي والعقوبات التي فرضت علي البلاد، وهو اليوم في غرفة الإنعاش بانتظار بيان الخيط الأبيض من الأسود . إثر العودة المظفرة للسياسة إلي الشارع بعد عقود طويلة من الاحتكار. اليوم نعيش لحظة ولادة واقع عربي جديد وخطاب ثقافي جديد ومثقفين جدد امتلأت صدورهم بأوكسجين الحرية ولم يطلقوا بعد صرخة الحياة الأولي وقبل أن تدوي هذه الصرخة لا يمكننا التنظير حول الشأن الثقافي في بلدان الربيع العربي.