أنا رجل مصنوع من الإسفنج، وأركب حصانًا مصنوعًا من السكر. أحب عروسًا بيضاء مصنوعة من السكر ترتدي فستانًا منقوشًا، وزينت كتفها بلوحة دائرية مزخرفة. العروس التي أحبها طويلة القامة، دقيقة الخصر، حادة الأنف ممتلئة الشفاة. يداعبني بؤبؤ عينها المختبئ بين شجيرات أهدابها الطويلة، فتقول لي نظرتها المختلسة أشياءً كثيرة ومحيرة في آن، تنادي: تعال تعال، ثم تضيف ساخرة: إن استطعت، تردف: أنت تستطيع، كجملة خبرية، ثم مستنكرة: أنت تستطيع؟! كجملة استفهامية، تريدني وتتحداني، ترجوني أن أذهب إليها ثم تهزأ من قدرتي علي ذلك. بيني وبين عروسي تلال عظيمة من الحُمُّصِيَّةِ والملبن والفولية والسمسمية، ناهيك عن قوافل الجمال الموزعة في كل مكان. أعرف أنه يوجد علي بعض الرفوف تحتي بعض العرائس الملاح المصنوعة من السكر أيضًا، لمحت بعضًا منهن عندما رأيت صاحب هذا المكان يضع إحداهن في كيس، ويعطيها لأحد مقابل أن يأخذ من هذا العابر وريقات ملونة يدسها صاحب المكان في جيبه في فرح وسرور، لكن علي أي حال لم أر عروسًا في مثل جمال عروسي. يا صاحب هذا المكان، يا من تمسك الإزميل وتشكل السكر، من علَّمك أن تنحت عروسًا كهذه، أيتها اليد التي تمسك الأزميل، هل تخبئين في راحتك حقولًا مزهرة كوجهها، وأنتِ أيتها العروس، هل تشعرين بسطوتك علي نفس رجل مصنوع من الإسفنج مثلي، هل أنا ضعيف أمامك لأني لست مصنوعًا من السكر، أم أن ملاحتك تعصف بأي مخلوق بصرف النظر إن كان مصنوعًا من السكر أو الإسفنج. تقفين شامخة فوق جبال الحلوي تبدين لي قريبة، لكنك بعيدة، المشكلة فقط أنه لا يمكنني الصعود فوق هذه الحلوي للوصول إليك، لا حل سوي أن أنتظر صاحب المكان ليقربني منك. يُخيل لي أحيانا أن هنا في هذا العالم كائنات غيري تمتلك الإرادة... تتحرك، تجري، تنتقل من مكان لآخر، لا أستطيع التكهن بذلك؛ فأنا الرجل الوحيد المصنوع من الإسفنج، تمنيت أن يوجد رجل آخر مصنوع من الإسفنج لأري إن كان مسلوب الإرادة مثلي أم أن المشكلة متعلقة بأني كائن إسفنجي. هذا الصباح حمل صاحب المكان حصاني، لفَّه في ورقة جريدة ووضعه في كيس، وأعطاه لرجل يصطحب معه طفلًا صغيرًا، دار نقاش بين الرجل وبين صاحب المكان حولي، أعني حول عدد الوريقات الملونة التي سيعطيها الأب لصاحب المكان لكي يأخذني ابنه ويضعني مع حصاني. سمعت كلامًا من قبيل: ثلاثين - عشرين _ نقسم البلد بلدين، وأثناء ذلك انتقلت بين يد صاحب المكان ويد الأب ويد الطفل، كانت لحظات قاسية مرت كالدهر، لم ألمح فيها حبيبتي، لم تكن في مجال رؤيتي، لمحت حدودًا لعالم جديد، قبيح عندما أمسكني الطفل وخرج أثناء حديث والده. أبصرت ضوءًا أعماني لثوانٍ، فتحت عينيَّ فرأيت أشباحًا لعابرين يمشون علي عجل، رأيت مركبات تسير بعجلات ضخمة تصدر أصواتًا مزعجة وتخرج من مؤخراتها أدخنة سوداء، ثم لمحت حصانًا عجوزًا ضخمًا يجر بصعوبة عربة عليها طوب أحمر وأكياسٌ ورقية مقطوعة بداخلها مادة رمادية، يجلده رجل راكب علي العربة ويستحثه علي الركض. الغبار هو لون هذا العالم، سأموت إن خرجت وعشت فيه، أين أنتِ يا عروسي الجميلة، ساد صمت بين الرجلين، فيما أصابع الطفل مطبقة علي رقبتي حتي كدت أختنق، أخذني الأب من يد ابنه أعطاني لصاحب المكان، رماني صاحب المكان غاضبًا، فسقطت علي أعلي ربوة من النوجة ووجهي إلي الأرض. لمحت بطرف عيني قدمي حبيبتي وشممت رائحة السكر المنبعثة من بين أصابعها، أنا قريب منها لكني لا أراها .أي قسوة تلك، مهزوم أنا؟ أريد أن أراك، هل سأظل راقدًا علي بطني هكذا للأبد؟ متي يأتي صاحب المكان ليحركني حتي تكون في مرمي بصري. مرت شهور لا أعرف عددها وأنا علي وضعي هذا، لا يلتفت صاحب المكان إلي، ولا يحركني أو يقربني من حبيبتي. ذات غروب حضر شاب مع أمه وقال لصاحب المكان: _ عايزين علبة حلاوة. كبش صاحب المكان بكلتا يديه، فانهار جبل الحلوي وسَقَطْتُ من أعلي الربوة إلي السفح، لكني انقلبت علي ظهري، ودفنت في وسط الحلوي، قدمي اليسري علقت بمسمار علي الرف الذي تقف عليه حبيبتي، بيني وبين أن ألمس أناملها السكرية مكان يتسع لنملتين، بينما رأسي علي كومة الحلوي القريبة، ويغطي وجهي بعضها، فتحت عيني فأبصرت جزءًا من قطعة ملبن حمراء، وفي الجزء الآخر من الصورة لمحت عروسي واقفة علي الرف، لكنها لا تنظر لي، هل نسيتني؟ لماذا لم تعد تراني؟ ظللت أتأملها وقنعت بوضعي الجديد لأنني أراها فيه. مر أسبوع وأنا راقد علي ظهري، مستمتع بالنظر إليها، القرب أفضل من البعد علي أي حال، لكن لو لمست فقط قدمها، وبينما أنا هائم، أحسست بنملة تمر علي وجهي ثم رقبتي، وقفت النملة وأصدرت صافرة، فخرجت أعداد هائلة من النمل واعتلتني، أحسست بوقع خطواتهم العسكرية، كانوا يصفقون بإيقاع ثابت علي كل صافرة من قائدهم، يهتز جسدي لعبورهم، مروا علي صدري ثم بطني إلي ساقي اليسري المعلقة في المسمار، حتي وصلوا إلي حبيبتي، لمحت قائدهم يصعد علي وجهها الجميل ويبدأ في أكل أنفها، تبعه حوالي ثلاثمائة نملة في صفوف منتظمة متوازية، فيما زحف آخرون علي ذراعيها ونهدها وقدميها، وأخذوا يلتهمونها ويحملون حبيبات السكر لجحورهم. لا أعرف كم مر عليَّ من الوقت وأنا أري بطونهم تمتلئ من جسد حبيبتي، لا أعرف كم من ممالك وقصور بنوا من سكر نهديها، انتظرت أي عابر، أي رجل يريد أن يهدي فتاته عروسًا في المولد لينقذها، أن ينتبه صاحب المكان لها، دون جدوي. ظللت علي حالي، أراها تنقص مع الأيام والسنين حتي اختفت، رأيت شعوب النمل قد ظهرت لهم كروش كبيرة، خاضوا حروبًا ضد بعضهم البعض وضد كائنات أخري، ثم تبرزوا علي، بينما أنا لا أبرح مكاني أتساءل متي يتحرك صاحب المكان لينتقم لي ويقضي عليهم.