أراد مبارك ان تكون كرة القدم أداة هيمنة ، وصناعة هوية مرتبطة به ، و اعتمد علي أن الكرة افيون الشعوب ، وأنها وسيلة إلهاء عن القضايا الكبيرة. لم يرن تليفون حسن شحاتة.الرئيس اختفي في غمضة عين. نزهته إلي شرم الشيخ طالت قليلا ، وستدوم ، وفي زنزانته الطبية، لا يستطيع متابعة اخبار المنتخب، فهي سر من أسرار سلطته، وسلطته سقطت ، و هو تجاوز مرحلتين :الإنكار والغضب ، وقريب من الاستسلام بأنه سقط ، ولم يعد رئيسا ، ولم يعد فريق الكرة، أداته الفريدة في حكم شعبه ، وصنع انتصاراته... حسن شحاته وحيدا يواجه مصير نهاية طريقة " والله زمان ياسلاحي" في عصر سيادة برشلونة ، واختراعها لكرة قدم جديدة . حسن شحاتة جنرال طيب في الكرة ، موهوب في عبور المنعطفات الخطيرة بقوة الشحن المعنوي التي ترفع الادرينالين و تصنع من اللاعب المصري حالة فريدة ، يتحول في لحظات الخطر إلي فنان ومبدع ، وسريعا يفقد كل شيء ويتحول الي بطة كسولة تربية بيوت. المواهب الكبيرة تضيع في هذا الثقب ، الذي صنعه الجنرال الكبير في القصر ، وجند من أجله جنرالات في كل مكان ، من الحكومة الي المنتخب ، كلها اقطاعيات تدار لخدمة وجود واستمرار مالك البلاد والعباد. مبارك لم يكن الوحيد ، لكنه الناجح في تحويل منتخب الكرة الي جيش الانتصارات، التي تصنع وطنية ترتبط باسمه، وأحلام عائلته وشهوتها في الحكم ، انتقلت إلي ملاعب الكرة، وخطط الابن الشرير إلي استعراض للنصر من أم درمان حينما يخطف المنتخب بطاقة المونديال من الجزائريين. الاستعراض فشل ، وكان بديلا عنه صنع تراجيديا وطنية ، بدأت من عند محمد فؤاد ، ولم تنته عند تهدج صوت علاء في تليفونات إلي المذيعين. كانها كانت معركة حربية، وهي بالفعل معركة في وعي جديد علي مبارك وأولاده ، وعي الانتصار، أو إمكانياته بعد أن تحولت كرة القدم من لعبة إلي صناعة كاملة . أراد مبارك ان تكون كرة القدم أداة هيمنة ، وصناعة هوية مرتبطة به ، و اعتمد علي أن الكرة افيون الشعوب ، وأنها وسيلة إلهاء عن القضايا الكبيرة. وكان هذا وعي قديم ، لأن هناك جمهوراً جديداً دخل الملعب، جمهوراً جديداً تماما من طبقة وسطي. لم تسيطر عليهم حالة اليأس الجماعي تماما. ولا فقدوا خيوط الأمل .. تعلموا تعليما جيدا إلي حد كبير..ويشعرون بإمكانياتهم ويرون أن من حقهم أن ينتموا إلي بلد يمكنه الانتصار ...إلي فرصة أفضل. شعور غير معلن عنه ..ظهر فجأة كأنه غريزة مكبوتة أو حلم مهجور. لا تهمهم لعبة الكرة .ولم تحرّكهم مؤسسات الدولة. تشغلهم فكرة النصر ....ظهر الجمهور الجديد في ملاعب الكرة...يبحث عن طاقة جماعية تتفجر في احتفال صاخب..مشحون بمشاعر انتماء غريبة علي تكوينه وتربيته كمشروع شخص أناني لا تشغله أية أمور أبعد من مستقبله المالي. لم يصل كل هذا إلي الشكل السياسي. لأنه وريث أجيال مرعوبة من السياسة .ربما تكون العاطفة الغامضة عدوي أساساً من السياسة ..من كسر الحواجز التي تمنع الالتقاء في الشوارع: كرنفالات أو مظاهرات.الحركة السياسية كسرت احتكار الشارع والسيطرة علي أماكن اللقاء الجماعية. وجمهور الكرة حولها إلي منطقة أخري خاصة بالسعادة المجانية القادمة من اللعب والمهارة.. في هذه المنطقة يتحول نجوم كرة القدم أبطالاً للبهجة...للانتصار علي حالة الاكتئاب الجماعي..الورطة العاطفية للجمهور الجديد، شاركت في صنع الثورة بشكل ملفت للنظر. وهذا هو الفرق بين حسن شحاته و الألتراس. [email protected]