لايصدق الديكتاتور انه أزيح عن مقعد خلوده ، وهو ليس وحده ، هناك ألف متسابق علي موقع الديكتاتور ، وملايين العبيد يبحثون عن أب جديد مبارك لا ينام بدون حبوب منومة، كذلك كل سكان مزرعة طرة من عائلته وحاشيته ، مبارك مجهد نفسيا ، يشعر بخيانة الشعب ، وجمال ابنه يتمشي في باحة السجن مبتسما ، يسخر من تغير الاحوال ، وشقيقه يوغل في العزلة ، بينما يتناقل نجوم المزرعة التحسن الملحوظ لنسبة الكوليسترول في دماء ارادوها زرقاء. التلصص اذن ، ربما كان اقصي مامنحته الثورة لهواة جمع الفضائح ، يبحثون عنها في نفايات نظام قادته حكمة الديكتاتور واذنه المغلقة الي مصيره ، عصابة في سجن ، تستدعي دراما علي طريقة " ليالي الحلمية " ، جمهور واسع من الثورة تحولوا الي متفرجين من جديد ، يتابعون حلقات المسلسل اليومي من المزرعة الي شاشات وصحف انتعشت بجمهور يبحث عن فضيحة ،ويحاول التنصت علي الحوارات الدائرة بين الزنازين ، ماذا يقولون ، كيف ينظرون الي ماحدث؟ كيف يأكلون ؟ هل يرتدون بدلات الرياضة البيضاء وفق مقاسات جديدة ؟ مبارك صنع من الاقزام آلهة،خياله كان محدودا يري العالم من ثقب باب كابينة في سفينة غارقة ، احلامه لاتتعدي الطفو علي الماء ، ونظامه معدوم الكفاءة الا فيما يتعلق بالسيطرة والترويض. مبارك انقذ مصر من وجهة نظره ، وتركها صحراء وسطها منتجعات ، وفي قلبها برج عال ، تحميه اقزام بشهواتهم وقدرتهم علي نشر الخوف و الرعب ، ليتصور الشعب انهم الهة ، يحركون جيشا من الارواح الشريرة. مبارك حكم بخياله المريض، ليري الشعب عبيدا لا يعترفون بالجميل...ولا بخدماته ، وهذا سر الاكتئاب. لايصدق الديكتاتور انه ازيح عن مقعد خلوده ، وهو ليس وحده ، هناك الف متسابق علي موقع الديكتاتور ، وملايين العبيد يبحثون عن اب جديد ، يعبر بهم الطريق ويضربهم بيد من حديد ..نحن"شعب لا يحكم بدون العصا والكرباج " ، اجتهد كل ديكتاتور في ترسيخ العبودية ، اصبحت ثقافة سائدة ، لم تكسر سوي في " التحرير" حين قرر المصريون التخلي عن ثقافة تعبد الحاكم وتضعه بعيدا عن اللمس. الثورة ، ثقافية في الاساس ، كسرت عنق جمهورية الديكتاتور ، لكن جسمها مازال حيا ، يحاول ايقاظ ثقافة العبيد ، المنتظرين لديكتاتور جديد ، يتمنون، مجرد تمن، ان يكون عادلا . هل تستكمل الثورة ثقافتها المتمردة علي ميراث السنين ؟ هل تبني مصر الجديدة علي اساس الحرية ..؟ هل يكون الفرد حرا والشعب ليس قطيعا؟ هل ينتهي زمن التيارات الفاشية التي تتصور ان السياسة هي تربية الشعوب علي كتالوجها ؟ ماذا سنفعل مع تيارات تستحضر اشباح ماضيها المجيد ...بعد غياب الديكتاتور في زنزانته الطبية؟ مبارك في انتظار منوم ، وهواة الفضائح يتابعون مصير ابطال علي طريقة سليمان غانم و سليم البدري ، والشعب يريد العودة الي حضن الاب النائم في القصر ، وقناصة السلطة يبحثون عن خطة استرداد ما حررته الثورة الثقافية . وانا وانت نبحث عن الميدان من جديد .