«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعمان عاشور: من الطفولة إلي الاحتراف
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 05 - 2011

نعمان عاشور »8191-7891« أحد الكبار في تاريخ المسرح العربي الحديث، وصاحب النقلة النوعية في طريقة تقديم وخلق شكل مسرحي يتناسب مع الوضوع الاجتماعي للجمهور، ويتماس مع قضاياه وتحولاته بلغة مسرحية يتضافر فيها البعد الإنساني مع إحكام الصياغة. عاش للمسرح، فاختار لسيرته الذاتية عنواناً دالاً هو »المسرح حياتي«، ظل شغوفاً به منذ طفولته المرفهة -وهو ابن الطبقة
كانت مسرحية »الناس اللي تحت« لحظة فارقة دقت فيها أجراس البداية لمسرح مصري خالص بعد أن عاش المسرح لسنوات طويلة يقتات من التجارب الغربية والاقتباسات التاريخية التي جاءت بلا أقنعة أو ظلال تلقي علي الواقع في لحظته الآنية، فكانت »الناس اللي تحت« أول مسرحية تتغلغل في تربة القضية الاجتماعية لتناقش بجرأة -مشاكل الطبقة الوسطي والطبقة الفقيرة، بلغة تحمل قدراً كبيراً من السخرية والكوميديا اللاذعة.
وربما جاءت المسرحية لتعكس التحولات الاجتماعية العاصفة بعد ثورة 2591.
وقد قدمت المسرحية لأول مرة فرقة المسرح الحر -التي كان نعمان عاشور مؤلفها الأول -عام 6591 من إخراج الراحل كمال ياسين.

كتب نعمان عاشور خمسة عشر نصاً مسرحياً بداية من »المغناطيس« عام 1591 مروراً ب»الناس اللي تحت« 6591، ثم »الناس اللي فوق« 7591، و»عيلة الدوغري« 3691، و»برج المدابغ« 4791، و»إثر حادث أليم« 5891. »وأبور الطحين« و»بلاد برة« و»بحلم يامصر« و»صنف الحريم«.
بالإضافة إلي عدة مسرحيات تنتمي إلي مسرحيات الفصل الواحد لعل من أشهرها »عفاريت الجبانة« التي كتبها إبان العدوان الثلاثي علي مصر عام 6591.
وفي هذه المسرحيات وغيرها ظهرت قدرة »نعمان عاشور« علي قراءة التاريخ القديم جيداً، بالإضافة إلي قراءته الواعية للحظة المعيشة، مما منحه زخماً في الرؤية جعل مسرحه يخرج من حالة »الدراما التاريخية« إلي »التأريخ بالدراما« -بمعني انه اتخذ من التاريخ قناعاً لعرض وهنا تكمن الفضاءات المتعددة لثقافته الموسوعية التي اتسمت بالرحابة نظراً لغزارة روافدها المعرفية.
وربما هذا ما جعل الناقد فاروق عبدالقادر يقول عنه:
»لقد استطاع نعمان للمرة الأولي -بهذه الثنائية- أن يجمع الناس حول خشبة المسرح، تدب فوقها شخصيات من لحم ودم، تصطرع حول هموم وقضايا حية وساخنة.

وهذا أيضاً ما أشار إليه أحمد بهاء الدين في مقال له بملجة روز اليوسف عن مسرحية »المغناطيس« قائلاً: »أما عن مسرحية المغناطيس نفسها فهي مسرحية جيدة والذين يطلبون في مصر اليوم مسرحاً كالمسرح الفرنسي مثلاً.. ليسوا جادين.. فالمسرح عندنا الآن يبدأ من نقطة الصفر.. بعد أن مضت علي مجده سنوات محت أثره من نفوس الناس .. وهو لذلك أحوج إلي النقد الدافع إلي الأمام«.
وبهاء الدين لايدافع عن المسرحية بقدر مايسجل أهميتها كبداية لإحياء الحركة المسرحية بغض النظر عن قيمتها الفنية.
وكتب الكاتب الصحفي محمد زكي عبدالقادر - في يومياته بالأخبار - عن نفس المسرحية قائلاً : موجودة في الحياة تصرفت علي المسرح كما تتصرف في الحياة، وهي شخصيات خفيفة الظل.. رقيقة الحركة.. وادعة التفكير.. متمردة علي القديم.. ولم أجد رصاصاً ولا ثقلاً ولا صراخاً.. ولكن وجدت قطعة من الحياة العادية منقولة علي المسرح، سحرها في صدقهما وتأثيرها المنبعث من آلامها وآمالها«.
وربما هذا أيضاً ما أشار إليه »نعمان عاشور« في سيرته الذاتية حين وصف عمله المسرحي بأنه يؤرخ للتطور الاجتماعي يرصده ويسجله ويرسم خطوط مساره«.. وذلك في معرض حديثه عن مسرحيته »الناس اللي فوق« و»الناس اللي تحت«..

ومن الملاحظ أن »نعمان عاشور« كان مغرماً بالجبرتي كمؤرخ وكحالة إنسانية متفردة ، فقد كان أول كتاب قرأه في مكتبة جده- وهو لم يزل طفلاً صغيراً هو »تاريخ الجبرتي« ، وقد حاول أكثر من مرة الكتابة عنه -بشكل درامي- ومنها محاولته في أول الستينيات لتقديم مسلسل إذاعي عنه مدته نصف ساعة، وفي هذا يقول:.
والمسرحية ليست كما يبدو من عنوانها تأريخاً للحملة الفرنسية علي مصر »8971-1081« -قدر ماهي نفاذ إلي أعماق الحالة الاجتماعية والعلاقات بين أبناء وطبقات الشعب المصري في تلك الفترة الفاصلة من تاريخ مصر الحديث.

هنا مجموعة من النصوص بالغة الروعة التي ضمها كتابه »حياتي في المسرح«، والتي يرصد فيها أهم المؤثرات الحياتية والإنسانية والثقافية علي تجربته الإبداعية.
ويأتي احتفاؤنا به -هنا- لكونه أحد الكتاب الذين أسسوا للمسرح المصري الحديث، وثانياً: لكونه أحد الذين مهدوا بكتاباتهم التربة المصرية للثورة الجديدة بمعني من المعاني، فهو أول من قدم مسرحاً اجتماعياً واقعياً يغوص في قاع الحياة المصرية بعلاقاتها وتفاصيلها العميقة، فصارت أعماله أيقونة فنية يتجدد بريقها كلما أطل صباح جديد علي الذاكرة.
البيئة والوراثة
كانت مدينة ميت غمر التي ولدت فيها ولا تزال مركزاً هاماً من مراكز محافظة الدقهلية. تتوسط أربع عواصم رئيسية كبري من عواصم محافظات الدلتا. فهي تقع في قلب المربع الذي يصل بين الزقازيق شرقا وطنطا غرباً وبين المنصورة شمالا وبنها جنوبا. أنها والحال كذلك مدينة وسط تحمل كل مواصفات المدن ولكنها مدينة يغلب عليها الطابع الريفي الخالص.. إذ تحيطها القري من كل جانب. لكن لعل أبرز ما يميزها. أن النيل يلتف بها من الغرب بقدر ما تلتف بها ترعة الرياح التوفيقي من الشرق. ولهذا جمعت ميت غمر بين الكثير من المحاسن وفي مقدمتها روعة الطبيعة وجمال المنظر إلي جانب الصفة الحضارية كمدينة تجارية. والصفة الريفية التي تكتسبها مما يحيطها من القري. والكفور.. والنجوع.
وهكذا كانت البيئة التي نشأت فيها تجمع بين التحضر المدني والأصالة الريفية والجمال الطبيعي الساحر الخلاب.. وبذلك تعددت منطلقات خيالي من البداية.. وعشت ولازلت أعيش تتجاذبني هذه العوامل الثلاثة واقعية أبناء المدن ونشاطهم.. وقدرية أبناء الريف وخمولهم وطيبتهم.. وشاعرية أبناء الطبيعة وشطحاتهم.
فإذا انتقلنا من البيئة إلي الوراثة. وجدتني وقد جمعت بين نقيضين.. فأمي ريفية من بنات القري ولكنها من عائلة إقطاعية المنبت.. وأبي سليل عائلة مدنية خالصة من عائلات الطبقة الوسطي.. وكان جدي لأمي من بكاوات الريف الذين وزعت عليهم الأراضي علي عهد سعيد ثم عهد اسماعيل للارتكان عليهم في تكوين طبقة تخدم الأسرة العلوية وتثبيت سلطانها بعد ثبوت عجز السلالات التركية والشركسية في السيطرة بالقوة الجبرية علي جماهير الفلاحين في الريف. وقد سماهم الرافعي »كبار أعيان البلاد« كان يملك مئات الأفدنة ولكنه عرف بالانصراف عن السياسة وهواية الأدب والفن.
وكانت جدة والدي لأمه شقيقة هذا البيك أو الباشا في أواخر أيامه هي في نفس الوقت عمة والدتي. وهي التي قامت علي تربيته فأخذ عنها الكثير ولم يأخذ من عائلة والده إلا القليل.. ذلك أن جد أبي كان قاضيا شرعيا تخرج في الأزهر. ووالده عالما أزهريا لم يحترف مهنة وإنما عاش علي الثروة التي خلفها له القاضي.. ولهذا كان الناس في ميت غمر يطلقون علينا عائلة القاضي.. وقد عاش أبي وتربي في كنف جدته لأمه شقيقة الباشا الإقطاعي.
وأنا إنما أذكر هذه التفاصيل لأهميتها بالنسبة لتكوين أبي. لأنه كان أكثر من أثر علي حياتي في بدايتها.. ذلك أنه ورث الكثير من الميول الفنية لعائلة أمه ولم يأخذ من عائلة والده شيئا إلا ما خلفه له من ثروة أو مال.. وقد عاش بعد وفاة جدته لأمه في كنف خاله. إذ ماتت أمه من الصغر وكان هذا الخال أيضا صاحب ميول فنية غامرة إلي جانب اهتماماته السياسية.
ورث أبي حب الفن والهيام به من عائلة أمه. لكنه لما مات والده ورث عنه إلي جانب الثروة. مكتبة كبيرة عامرة تفتحت عليها عيني حين نقلوها إلي منزلنا من بيت جدي بعد وفاته.. وكان ذلك بالتحديد عام 4291 وأنا في السادسة من عمري تقريبا.. وأنا أذكر هذا التاريخ بكل وضوح وجلاء.. لأن هذه المكتبة التي كونت فراغ ثلاث حجرات واسعة من منزلنا الكبير.. كونت المهد الحقيقي لطفولتي.
الوسط العائلي
كان لي ثلاث عمات بنات لم يتزوجن بعد. وكانت أصغرهن رحمها الله.. لأنها ماتت من شهور.. لا تكبرني إلا بأعوام قليلة. وكن يعشن مع أبي في منزلنا.. وقد رتب لهن جدي في حياته - مدرسا خاصا هو فقيه الكتاب الذي تعلمت فيه.. ليعلمهن القراءة والكتابة ومباديء الحساب والقرآن الكريم. وكنت بوصفي الابن الأكبر لوالدي.. وللأسرة جميعها.. موضع راعيتهن وتدليلهن.. فإذا حضر الفقي.. كان لابد من وجودي معهم في كل الدروس.. وهكذا تعلمت القراءة والكتابة معهن أكثر مما تعلمتها في الكتاب. ولما مات جدي وانصرف والدي إلي محاولة حصر ثروته وإدارة تركته، وانشغلت أمي بأخي وأختي اللذين أنجبتهما بعدي تركتني لعماتي..
وكانت عماتي بحكم ما حصلن من تعليم وقدرة علي القراءة وبحكم كونهن فتيات لا يخرجن من المنزل.. فانصبت تسلياتهن علي اقتناء المجلات.. وبخاصة المجلات المصورة التي كانت تصدر في هذا الوقت. وأهمها علي حد ما أذكر.. مجلة اللطائف المصورة.. ومجلة الأولاد.. فإذا ما فرغن من قراءتها.. رحلت أجمعها وأحاول قراءتها بنفسي. وأن أنسي من هذه الفترة الصور العديدة التي كانت تنتشر عن قضية اغتيال السردار والقبض علي أولاد عنايت وهي من القضايا الوطنية السياسية الكبري التي وقعت عام 5291 مما لا يزال يلتهب به خيالي حتي اليوم. ومما جعلني أتعلق بالسياسة.. كما أذكر جنبا إلي جنب مع صورهم وهم علي حبل المشنقة.. مما أبكاني وأخافني وأرعبني ليالي عديدة.. صور قصص دان ودورا ومغامرات طرزان وملك الغابة التي كانت تملأ صفحات مجلة الأولاد. وهي مجلة للأطفال كانت تصدر في تلك الحقبة.
ومن هنا نمت عندي هواية القراءة نموا باكرا قويا حتي أصبحت كالطعام والشراب في حياتي.. فكنت مع انقطاع ورود اللطائف المصورة ومجلة الأولاد.. أنصرف عن عماتي الثلاثة وأتركهن في مشاغلهن المنزلية إلي المكتبة التي خلفها جدي وأتي بها والدي إلي المنزل.
كانت المكتبة في الدور الأول من المنزل وتشغل ثلاث غرف كبيرة.. وتتكون من عدة دواليب زجاجية عريضة ومرتفعة طويلة.. تفوح منها رائحة النفتالين التي لم تفارق خياشيمي حتي اليوم. ويتكون كل دولاب من أربعة رفوف وفوق ضهر أحد الدواليب كانت هناك مجموعة من الكتب المغلفة بالجلد.. محفوظة في داخل أربعة صناديق من الخشب. هي عبارة عن نسخة خطية كاملة الأجزاء للقرآن الكريم. نسخها جدي لأبي بخط يده وكتب علي هامش صفحاتها.. أنها »وقف الله تعالي« ووهبها لمن يقرأها.. وهذه المجلدات الخطية لا تزال عندي إلي الآن من أبقي ما بقي من ماضي حياتي وتراث جدي.
أما المكتبة ذاتها فكانت تحوي العديد من الكتب.. أذكر منها مجموعات الأغاني للأصفهاني.. والأمالي لأبي علي القالي وسيرة ابن هشام وتفسير الطبري والبخاري والعقد الفريد وطبقات الشعراء.. ثم الجبرتي.. وعشرات من الكتب الأخري متراصة في مجموعات. وكتاب الجبرتي وهو من أربعة أجزاء.. كل جزئين في مجلد واحد. هو الكتاب الوحيد الذي لازلت أ حتفظ به منها.. والفضل في ذلك لزوج خالتي الذي استعاره من والدي ولم يرده له.. وبالتالي أفلت من صفقة أو شروة البيع التي انتهي إليه تاريخ المكتبة بعد سنوات قليلة من ارتيادي لها. هذا إلي جانب عدة صفحات علي شكل نوتة من نوت الكتابة مغطاة بالجلد.. وفيها بعض أبيات الشعر الذي كان يكتبه جدي.. ولمحات عن لقاءات تمت بينه وبين الشيخ محمد عبده.. كتبها بخط يده وباختصار واعتداد وفخر.
ولا أحب أن استطرد طويلا في ذكر هذه المكتبة ولكن الذي لا أنساه عنها.. إنني كنت أمضي أغلب أيامي في الصباح وقبل أن أتعلم لعب الكرة.. في قراءة ما بها من مجلدات لا أحسب أنها تركت أثرا كبيرا علي تفكيري.. فيما عدا تاريخ الجبرتي الذي قرأته بعد ذلك بسنوات ولأكثر من مرة حين تكرم زوج خالتي رحمه الله.. فرده إلي كأثر من الآثار الباقية لمكتبة جدي..
سأصير أديبا
في عام 0491 علي وجه التحديد وكنا في غمار الحرب العالمية الثانية. وكنت أثناءها في السنة الثانية في كلية
الآداب قسم اللغة الانجليزية.. بدأت أتعرف علي المادة الجديدة المثيرة التي ندرسها.. ويسمونها عادة الدراما.. كان جميع أساتذة القسم من المدرسين الانجليز وكنا ندرس إلي جانب »الدراما«.. مادة الشعر الرواية وعدد من المواد الأخري. ولم تكن عقليتي لغوية.. بمعني أن حصيلتي من القدرة علي استيعاب الإنجليزية كانت محدودة بالقياس إلي معظم الطلبة.. ولذا لم أكن ولازلت عاجزا عن إجادة الكتابة باللغة الانجليزية السليمة أو التحدث بها .. وسبب ذلك أصلا أنني لم أدخل قسم اللغة الانجيزي وفي ذهني أن أتخرج منه مدرسا في اللغة..
كان ذلك واضحا عندي منذ البداية.. إنما دفعني اليأس من اللاتيني إلي ذلك.. فقد جاء التحاقي بكلية الآداب أصلا من شدة تعلقي بالأدب.. ولهذا ترسب في وجداني - دائما ومن الدقيقة الأولي لدخول الكلية أنني لابد أن أخرج أديبا.. أما كيف سيكون ذلك أو كيف سيتحقق ذلك فلم يكن يشغلني كثيرا لولا رصيد ضخم من الاطمئنان الخفي والارتياح الكامن والثقة التي لا مصدر لها في أن هذا لابد أن يكون مصيري الحتمي في المستقبل.
ونعود إلي دراسة »الدراما« فأقول إنني لم أحفل بداية بما كنا ندرسه.. فيما عدا الشعر.. فرغم ضعف حصيلتي اللغوية إلا أنني كنت أقرأ بكثرة.. وسرعان ما وجدت في المقررات ما أشبع نهمي خاصة من الروايات والقصص.. ديكنز ولورنس وإدجار ألن بوفيلدنج والعديد من المؤلفين الآخرين وكنت لا أكتفي بما يقرر من رواياتهم علينا.. وإنما أقرأ لكل منهم إلي جانب روايته أو مجموعته المقررة العديد من الروايات والقصص الأخري التي يضمها رصيد إنتاجه الأدبي.. ولم أكن أقرأها كما تعودت أن أقرأ أرسين لوبين.. أو روايات الجيب مثلا.. وإنما أعيش فيها مع كل من يصادفني بلا أدني محاولة لمراجعة ما هو مكتوب عنها من دراسات نقدية. بل أكون فيها رأيي الشخصي وانطباعي وكأنها ألفت لي وحدي لأفهمها بطريقتي الخاصة هذه.. تماما كما كنت أفعل حين قرأت عودة الروح للحكيم والأيام لطه حسين.. وعديد من الأعمال الأدبية والروايات العربية الأخري.. زينب لهيكل، وسارة للعقاد وروايات المازني ومنها ابراهيم الكاتب.. وكل كتبه.. لأنني عشقت المازني وأدمنته.. فإذا ما اقترب موعد الامتحان سارعت إلي مذكرات زملائي أكاد أحفظها عن ظهر قلب لأتمكن من اجتياز الامتحان علي آخر العام فيما هو مقرر عليهم من الروايات أو الشعر أو لمجموعات القصص أو غيرها من المواد.. وكأنها مقررة عليهم وحدهم وليست من المواد التي لابد أن أدرسها لأمتحن فيها مثلهم ومعهم.
الشعر والدراما
الموقف كان يختلف بالنسبة للشعر والدراما لأني كنت أحرص علي حضور جميع الحصص الخاصة بهما.. أتابع قراءة الأساتذة الانجليز للنصوص وأسجل ما يقولون عنها وأحرص علي تتبعهم.. فإذا عدت إلي البيت وجدتني أقلدهم في قراءتها ثم اندفع إلي اقتناء المزيد عنهما.. فإذا كان مقررا علينا بعض قصائد بيرون.. لا أكتفي بما هو مقرر من بيرون وإنما أروح أبحث عن كل ما يمكن أن تقع عليه يدي من شعر بيرون أقرأه.. هو وشيللي وكيتس.. وإذا كان المقرر قصيدة لتينسون أو ورد ثورس.. فلم يكن يكفيني أقل من الديوان الكامل لكل منهما..
الطريف مع ذلك أنني أحيانا ما كنت أتي علي ديوان الشاعر في يوم وليلة أو في يومين.. فأجدني لم أفهم منه شيئا لضعف حصيلتي في اللغة الانجليزية.. فأعود من جديد لقراءته مستعينا بالقاموس.. وكان في ذلك فائدة كبري إذ كنت أخرج بحصيلة أخري جديدة من الألفاظ إلي جانب معرفة دقيقة وعميقة وأكيدة بالقصيدة ومعناها ومنبأها.. لكن الأهم.. تذوقي للشعر نفسه وفهمي لمضمونه وشغفي بكاتبه.. مما جعلني أبز حتي المتفوقين من زملائي في قدرتي علي استيعاب الشعر وهضمه وفهمي لمرامي الشاعر وأبعاد قصائده.
ولقد كان لذلك أثره إذ صادف عامها أن كان يدرس لنا مادتي الشعر والدراما معا.. أستاذ شاب جاء في نفس العام من أكسفورد هو المستر هاورث وكان شابا متحررا ومن أسرة عمالية ويعتنق الاشتراكية ويسخر دائما من الانجليز لأنه من الأصل الأيرلندي.. وقد بلغ من شدة تحرره أن ألغي المقر من الشعر علي منتصف العام، واستبعد تينسون وورد ثورس وكلاهما من غلاة شعراء الرومانتيكية وقرر أن يقرأ لنا ويدرس معنا قصيدة ملتون الشهيرة.. »الفردوس المفقود« واتبع في قراءتها وشرحها أسلوبا غريبا.. كان يقرأها لنا بنفسه بدلا من أن يكلف أحدا من الطلبة بقراءتها.. ثم يروح يشرح أبياتها مفصلا معانيها رابطا كل ذلك بمفاهيم سياسية واجتماعية واقتصادية جعلتني اكتشف في الشعر الذي أقرأه.. بل في كل ما كنا ندرسه من روايات وقصص ومسرحيات.. أغوارا جديدة مخالفة لما كنت أفهمه أو أدركه من قبل في شعر كولريدج أو كينس.. ولا أقول بيرون أو شيللي لأنه كان كثيرا ما يعرج علي شعرهما بالذات ليلصقه بشعر ملتون في متجهه العام كشعر ثوري نضالي علي حسب مفهومه اليوم.. لأنني أيامها إنما كنت أفهم الشعر برومانتيكية مطلقة لم تهتز بخيالي وفكري إلا بعد قراءة ملتون علي يد هذا الرجل.
وكان غريبا حين وضع لنا بحثا دراسيا لنكتبه عن ملتون علي نهاية العام.. أن أحصل علي أعلي درجة ويأتي الرجل ليقرأ ما كتبت علي بقية زملائي في الفصل.. مطريا أفكاري وفهمي لملتون ساخطا علي أسلوبي وأخطائي اللغوية والهجائية التي يندر أن يقع فيها إلا طلبة الدراسة الابتدائية. علي أن الرجل غفر لي ذلك تماما حين عاد في نفس الفترة من العام.. يحمل ورقة بحثي في الدراما ليقرأها بدورها علي طلبة »السكشن« كأبرز مثال علي أسوأ لغة وفي نفس الوقت علي أعمق فهم لمسرحيتي »دكتور فاوست« لكرستوفر مارلو.. ومسرحية »أنطوني وكيلوباترا« لشكسبير.. من بعدها دعاني الرجل إلي زيارته في بيته وتناول الشاي معه.. وربطتني به صداقة قوية.. لكنها صداقة لم تدم إلا بقيم العام ل أنهم سرعان ما أبعدوه عن مصر بحجة مخالفته لرئيس القسم.. وكان انجليزيا الذي ذكرت أنه أدخلني قسم اللغة الانجليزية.. وكانت مهمته أبعد من رئاسة القسم والتدريس فيه.. لأنه كان يحيل طلبة قسم اللغة الانجليزية جميعهم إلي أشياع للانجليز.. ومع أن علاقتي الوثيقة بالمستر هاورث لم تدم إلا شهورا قليلة علي نهاية العام إلا أنه ترك أو علي الأصح غرس في نفسي كراهيته للانجليز وإيمانه بالاشتراكية وتعصبه للحرية.
مندور
قد يحسن أن أرتد إلي الوراء قليلا.. فعلي ختام العام الثالث من حياتي في كلية الآداب.. وأنا في السنة الثانية وفدت بعثة من بعض تلاميذها القدامي الذين كانا يدرسون في باريس.. جاءوا بسبب الحرب.. ومع أنهم كانوا ينتمون إلي قسم اللغة العربية.. فقد خصصوا لتدريس الترجمة بقسم اللغة الإنجليزية.. وكان منهم الدكتور محمد مندور.. ويشأ حظي أن أكون في الفصل الذي يدرس فيه مندور الترجمة إلي جانب زميليه الدكتور علي حافظ والدكتور شعيره.. ومن الدقيقة الأولي بعد الحصة مباشرة وجدتني ألتف حول مندور بكل حرص وشغف وإعجاب وأتعرف عليه وأصادقه هو والدكتور علي حافظ.. وكان نوعا غريبا من الصداقة بالفعل.. صداقة التلميذ لأستاذه أو الأستاذ لتلميذه.
كان علي حافظ ومندور يقطنان في شقة علوية من شقق التلاميذ في الجيزة ويعيشان معنا علي قهوة عبدالله التي تتوسط ميدانها وكأنهم ليسوا أساتذة وإنما تلاميذ مثلنا.. وبالفعل كان هذا وضعهم فقد كان الواحد منهم يتقاضي أجره من الجامعة بالحصة.. وكان أجر الحصة لا يزيد بعد الاستقطاعات عن ريال واحد.. إذا لم يكن قد أدرجت لهم بعد درجات بميزانية التدريس بالكلية.. وإنما دفع بهم طه حسين إلي هذا الوضع لتشغيلهم والأفادة من عودتهم بدلا من تعيينهم أو تحويلهم الي التدريس في مدارس الوزارة.. وكان طبيعيا
أن يكون معظم جلوسهم علي القهوة التي يمكن أن يأكلوا فيها الطعمية وسندوتشات الفول والسميط والجبن الرومي مع الشاي بالحليب
قهوة عبدالله
من بعد هذا التاريخ تحول ميدان الجيزة بقهوة عبدالله إلي مايشبه الحي اللاتيني في باريس. ولست أقول أن الفضل في ذلك يرجع لمندور رحمه الله..
فقد كانت القهوة دائما عامرة بالتلاميذ والأدباء.. لأنها قهوة بلدية رخيصة لايمكن أن يجلس عليها إلا الطلبة الفقراء علي عكس قهوة المثلث أوسان سوسي المواجهة لها في الجانب الآخر من الميدان والتي كان لايجلس إلا زعماء الطلبة من الحقوقيين والزراعيين وطلبة الهندسة وغيرهم من أبناء الأثرياء نوعا..
ولقهوة عبدالله هذه فضل ولها تاريخ طويل في خدمة الحركة الثقافية.. وهو تاريخ وعيته حتي السنوات الأولي من ثورة يوليو 2591.
كان منشأ تعلقي بمندور في الحقيقة.. الطريقة التي يترجم بها الشعر الانجليزي.. فقد بدأها بدراسة مستفيضة عن الشعراء.. ثم راح يحلل مرثية جراي الشهيرة فاستغرق عدة شهور من العام في ترجمتها بإشراكنا معه في كل بيت وماوراء معانيه وهكذا عثرت علي ماكنت أحسه من قراءة الشعر الإنجليزي ولا أستطيع التعبير عنه أو إدراكه الإدراك الكافي علي لسان مندور وفي تفسيراته وشروحه. وأثر علي في النهاية أن أجد أستاذا له نفس إدراك وفهم الأساتذة الانجليز الذين يدرسون لنا ولكنه يمتاز عنهم بأنه مصري مثلنا. فكان الذي اجتذبني إلي مندور حقيقة هو هذه الأرضية الثقافية الأوربية التي اكتسبها من بعثته الطويلة في فرنسا وانجلترا.. والتي كانت تنطق بها محاضراته وجلساته في ريفيته الشرقاوية الأصيلة ووجدت في نفسي الصدي الذي يغمرني وأنا بعد من الريف المجاور له في الدقهلية.. أو علي الأصح في الضفة المواجهة.. كنا بلديات كمايقال ولكن الذي جمعنا ليست مجرد الروح الريفية وإنما كان يعجبني في مندور دائما - وفرة معارفه وسعة أفقه وحيوية فكره المتطور الدقاق.. فلما شرع يكتب بعدها وأخرج دراسته الأولي عن الشعر المهموس (شعراء المهجر) ازددت إعجابا بأسلوبه كتابته وبساطة تعبيره إلي جانب عقليته المتطورة..
وإذا كنت قد أطلت في مندور رحمه الله فمرجع ذلك تأثيره في تلك الفترة. ثم ارتباطي المتصل به فيما سيأتي من سنوات..
لكني كنت أعيش أيامي أيضا وحتي بعد التخرج بعامين إلي نهاية الحرب العالمية الثانية عام 5491 في أجواء متعددة وصداقات شتي تتجمع كلها في الجيزة وتمتد إلي الدراسة في كلية الآداب.. وتتبلورحول قهوة عبدالله وفوق موائدها. فقد أتاحت لي الوظيفة بمرتبها المضمون كما أتاح لي وجودي مع العائلة.. أن أتابع حياتي وكأني لازلت طالبا في الكلية، فبعد الظهر.. أخرج من البيت ضامنا أنني أعيش في كنف العائلة.. فلا أعود إلا مع انتصاف - الليل.. أو عند الفجر تقريبا. أقضي معظم الليل في قهوة عبدالله التي لم تكن تغلق أبوابها أبدا علي مدار الليل والنهار..
وعلي امتداد حياتي في كلية الآداب كانت قد نمت صداقاتي مع العديد من الزملاء.. ولعل أعمق صداقة كانت تلك التي قامت بيني وبين الصديق رشدي صالح.. فقد دخلنا الكلية معا. وكنا في فصل واحد.. من البداية.. ثم سبقني هو بعد أن رسبت في اللاتيني. ومع ذلك لم نكن
وذات يوم لاقيت المرحوم عبدالوهاب يوسف وكان أيامها يشرف علي برامج التمثيليات بالإذاعة فلما أخبرته بأني أقرأ كتاب الجبرتي فطلب مني كتابة حلقة درامية عنه مدتها نصف ساعة، كنت أيامها شغوفاً بالجبرتي لاني حصلت من أحد أقاربي علي كتبه الأربعة في مجلدين صادرة من مطبعة بولاق العتيقة، وهي تلك التي توجد في مكتبة جدي وقرأتها وأنا مازلت طفلاً، وأدرجت التمثيلية ضمن البرامج الخاصة وأخرجت وأذيعت وكانت ناجحة«.
ومع ذلك كانت تطلعات »عاشور« نحو تقديم »الجبرتي« كشخصية درامية متعددة الأبعاد أكبر من تقديمها في حلقة إذاعية، لذلك ظل يراوده الحلم في تقديمه علي خشبة المسرح -حتي آخر لحظة من حياته.
وبالفعل استطاع أن ينجز قبل وفاته بأيام نصه المسرحي »حملة تفوت ولاشعب يموت« وهي المسرحية الوحيدة التي لم تر النور حتي الآن من أعمال »نعمان« علي المسرح.
»الشخصيات التي ظهرت في المغناطيس كلها شخصيات القضايا اللحظية.
ننفصل عن بعضنا كثيرا وإن اختلفت أمزجتنا أومشاربنا. فقد كان رشد يميل إلي أخذ نفسه بجدية وصرامة.. وكنت أنا أتمتع بحياتي بقدر ما أمتعها.. بمعني أنني رغم اهتماماتي الثقافية الجادة الدائبة التي لا أنقطع فيها عن القراءة والكتابة والنقش. إلا أني كنت أكثر خلطة واندماجاً مع الناس وفي خضم حياتهم وبلا قيود ولاحدود ولا التزام إلا مايربطني بهم من معيشة واحدة في غمار شوارع الجيزة وأزقتها وحواريها. وهي بيئة وإن اختلفت عن بيئة الجيزة وعابدين وغيرها من بيئات القاهرة الشعبية التي غرقت فيها سنوات.. إلا أنها لا تختلف كثيرا عن البيئة الريفية التي نشأت في أحضانها وأنا صبي في ميت غمر.. وتقطعت علاقتي برشدي صالح عامين كاملين بعد أن سبقني في التخرج.. فلم نكن نلتقي إلا لماما. غرق هو في البحث عن وظيفة. واشتغل بالفعل مذيعا في الراديو ثم انتقل للعيش في القاهرة بينما ظللت أنا قابعا في الجيزة..
والحق أن الجيزة ردت لي سابق صباي وعادت لتفتح آفاقي وأنا في أطوار نضجي الثقافي علي الكثير من الأغوار الحياة التي عشتها وعشقتها وهمت بها ولم ولن أزهد يوما فيها وهي حياة جموع الناس في أرضية القاع الاجتماعي الواسع للبيئة المصرية كلها.. وكمايهيم الشاعر بمغاني الطبيعة وورود الحدائق وأزهارها والأنهار والأطيار. فقد همت ومازلت وسأظل حتي آخر رمق من حياتي أهيم. بالبيئات الشعبية وأعيش مع ناسها.. لا عن رومانتيكية أوتدله أوارتباطات فكرية واهية. ولكن عن إيمان عميق جارف بأن هذا هوالبحر الذي لايمكن أن أسبح خارجه... ولست أدري كيف أستطيع أن أصور لكم ذلك لكن يكفي أن أشير إلي أني رغم ما أهلتني له ظروف حياتي من الارتباطات الاجتماعية. التي كانت تصل بي أحيانا إلي مايسمونه أعلي القمم أو الذروة الاجتماعية. إلا أني لاأحس بأني موجود فعلا إلا بين هؤلاء الناس. ولهذا أرتطم دائما بل أهرب هروبا واضحا من أن أعيش علي السطح، في الهيئات التي يرسو فوقها ركب الكبار من أصحاب المكانة والمركز والجاه والسلطان ولا أحسب لي زميلا أو صديقا وصل الي مكانة أوسلطة إلا وانقطعت علاقتي به بمجرد أن يصبح كذا أوكيت من مراتب الوظائف والمكانات..
ولعل منشأ ذلك طبيعتي الذاتية. فأنا لا أكاد أفرق بين الناس من ناحية أوضاعهم الاجتماعية أومكانتهم بحيث أني إذا تحدثت إلي وزير أوعظيم لما اختلف حديثي معه عن حديثي أو لقائي مع أي بائع بطاطة أوجرسون قهوة أوماسح أحذية فأنا لا عرف معني القيود الاجتماعية أبدا.. وربما كانت هذه هي العقبة التي حالت بيني وبين أن أكون أو أمشي أوأسير في ركاب أحد.. ولهذا اتحاشي الكبار ولا أحس بكياني إلا وأنا بين العاديين من بسطاء الناس.. لا عن شعور بالضعف أورغبة في التمايز أوتحقيق الذات بالانكفاء عليها.. وإنما عن إيمان عميق جارف وحب أكيد صارخ لهم حتي ولو أدي ذلك إلي الإضرار الكامل بي وبارتباطاتي الاجتماعية الأخري التي تتعلق بها أخطر مصالحي..
هذا الحب الفطريّ البدائي للطوائف العادية وجموع الناس من أبناء الشعب.. وهذا الركون الدائم إليهم بوصفهم أجدر الناس بالعشرة.. كان أرسخ مانضج- في كياني من الصغر. ولهذا فما أن داخلتني فكرة الاشتراكية وبمادئها حتي انسابت إلي كل كياني.. عاطفيا في البداية ثم فكريا مع التطور والنضج والمتابعة. ولذلك
كان تأثري بالاشتراكية تأثرا طبيعيا لم تداخله المظهرية الثقافية التي تدفع بالكثيرين إلي أن يصبحوا اشتراكيين..
قلت إنني تعرفت علي الاشتراكية من خلال الدراسة ولكني في تلك الفترة أخذت أتعرف علي الاشتراكية عن طريق القراءة والتجربة والانغمار في خضم الناس وحياتهم وفي مبدأ الأمر جاء ذلك عن إعجاب متزايد بالاتحاد السوفيتي إثر التضحيات والانتصارات التي أصمت آذان العالم ثم نهاية الحرب العالمية الثانية. وهكذا أخذت أقرأ كل ماتقع عليه يدي عن روسيا كما كانت تسمي وكان لي من سابق معرفتي وإعجابي بالأدب الروسي الكلاسيكي.. مادفعني إلي متابعته خاصة في أعمال جوركي ثم كتابات إلكسي تولستوي وإيليا أهرنبرج وشولوخوف.. وكانت مؤلفاتهم هي الغالبة علي كل مايردنا من كتب أجنبية.. وكانت كتبهم رخيصة ولم تكن قد حرمت أو صودرت بعد.. بل أن الانجليزكحلفاء للروس كانوا يشجعون تداولها..
وبقدر ماعم التيار اليساري أوروبا بأسرها بقدر ما زحفت إشعاعاته علينا. لا في مصر وحدها.. بل وفي العالم العربي كله.. وبدأت تردنا المجلات السياسية والكتب المترجمة العديدة من سوريا والعراق ولبنان.. وكانت كلها مصدرا كبيرا للارتباط بنما يلف الغرب من تيارات وافكار تقدمية.. وأذكرمن أهم أوقع قراءاتي في تلك الفترة. كتب جون شترانشي وهو من كتاب اليسار البارزين.. ثم أعمال العديدين من أدبا الغرب وعلي رأسهم وليم سارويان الأميركي. والحقيقة أني ماكنت أقع علي كتاب إلا ماقرأته.. خاصة تراجم الابطال ومنها ترجمات حياة لينين وستالين وكتابات اميل لودفيج عن زعماء الإصلاح الأوربي وكتابات أحمد أمين عن زعماء الإصلاح في مصر.. وغيرهما.. وغيرهما. من هنا نما عندي الشغف البالغ بقراءة سير كبار الزعماء والقادة العالميين وكان هذا اللون.. التراجم والسير. من أروج الألوان الأدبية وأكثرها شيوعا في تلك الأيام وإلي ذلك يرجع تعلقي بالكتابة عن الشخصيات التاريخية والأدبية..
ولست بمستطيع أن أحصي الكتب والكتابات التي تفتحت عليها في تلك الفترة الغنية الوافرة.. ولكن يكفي أن أقرر أن الحياة الثقافية في القاهرة علي نهاية الحرب بين عامي 54،64 كانت تموج بالكثير من أوجه النشاط.. فهناك الي جانب الكتب والمؤلفات العديدة التي تركها جنود الخلفاء وراء ظهورهم في المكتبات.. الندوات الجلسات الأدبية.. ويكفي أن أذكر أن أيامها كانت تصدر مجلتي الثقافة والرسالة معا.. وتأتي من لبنان مجلات الأدب والثقافة الوطنية وغيرها..
ولم يكن يهتم بمثل هذا النشاط الأدبي معظم من عرفتهم وإنما اقتصر الاهتمام في القراءة أوالمتابعة علي الاستاذ السحرتي.. وكان السحرتي قد ترك ميت غمر وطلق المحاماة كمايقولون. وجاء يعمل في القاهرة في إحدي الوظائف الحكومية ليعيش في خضم نشاطها الثقافي فوجد فيها خير مرتع لنشاطه كواحد من أبرز مؤسسي مدرسة أبولو الشعرية وكناقد متابع للنظرات الأدبية الجديدة..
خاصة ماتعلق بالشعر والشعراء..
ولعل من الأفضل أن أحاول هنا رسم صورة من واقع حياتي لما كان عليه النشاط
الأدبي والثقافي في القاهرة.. وعلي الأخص في الجيزة أيا مذاك. كانت هناك كما أسلفت ندوة عبدالله.. ندوة القهوة.. وهي ندوة دائمة لاينقطع لروادها وجود.. وكان عمدتها الناقد الراحل المرحوم أنورالمعداوي.. وإلي جانبها كانت جلسات السحرتي علي كازينوهات البحر العديدة المنتشرة بمحاذاة - شاطيء النيل في الجيزة وأشهرها الكازينور.. ثم كانت جلسات المساء علي قهوة مرعي وهي قهوة بلدية أخري غير قهوة عبدالله تقع علي بداية المدخل المؤدي إلي نفق شارع الهرم.. وكان يحلو للدكتور القط قبل أن يسافر في بعثته إلي انجلترا أن يجلس عليها يشاركه في ذلك الأخ أمين مجاهد.. ثم المرحوم الدكتور محمد العلائي.. وكان أيامها لايزال يدرس في كلية الآداب والعلائي كفيف وساخر وأديب لماح كان صاحب رأي وفكر ومن غواة المناقشة والمناوشة والجدل العقلي المثير.. ثم كانت هناك بعد ذلك ندوة مندور في بيته.. وكان يحيطه فيها تلاميذه ومريدوه من الطلبة ومقالاته إذ كان أيامها قد بدأ يبرز بكتاباته النقدية عن شعراء المهجر ونظراته الجديدة المتطورة عن الأدب العربي القائم.. ثم ندوة قاهرية يعقدها الشاعر المفكر الأستاذ مفيد الشوباشي وكلها تكاد تكون ندوات خاصة وجلسات خاصة مقصورة علي الاصدقاء والمعارف. ولكنها كانت صورة أو صورا مصغرة للندوات الخاصة الأخري..
ثم باكورة طيبة للندوات العامة التي تفتحت علي الحياة الثقافية القاهرية في تلك الأيام..
المسرح الحر
لم يكن عام 4591 قد انصرم وكانت المغماطيس لاتزال تحظي بكل اهتمام بالرغم من العديد من التمثيليات التي أكتبها للاذاعة والقصص التي أنشرها في الصحف.. ولم أكن كما قلت قد انتابني أقل يأس من رفض الأستاذ دريني خشبه لها.. وكان لدي منها أكثر من نسخة مطبوعة علي الآلة الكاتبة.. كنت أوزعها علي الاصدقاء ليقرأوها ثم أستعيدها منهم.. وذات مرة كنت في الإذاعة.وجدت علي الغندور يمثل أحد الأدوار في تمثيلية من تمثيلياتي.. وعلي الغندور عضو في المسرح الحر.. وكان هو ومجموعة المسرح يمثلون الصف الثاني من خريجي معهد التمثيل الذين لم تتح لهم فرصة الإلتحاق والعمل بالفرقة الحكومية كسابقيهم.. وجري الحديث بيني وبينه وبين الصديق عباس صالح عن المغماطيس التي كان قد أثم ثراءتها فإذا به يتفق مع علي الغندور أن نزور الفرقة في مقرها.. وأقدم لهم النص.. كنت أعرف علي الغندور من قبل ذلك وهولايزال طالبا في معهد التمثيل وجاءت معرفتي به نتيجة لقراءته لبعض مقالات عن أبسن وتشيكوف في مجلة الأديب المصري.
وذات مساء وكنت أيامها لا أفترق عن لقاء عباس صالح توجهنا معا بالمغماطيس إلي مقر المسرح الحر في شارع شريف.. كانوا أيامها يجرون علي مسرحية اسمها - إن لم تخني الذاكرة - »كرباج أفندينا« من تأليف كمال هاشم المحامي..
ويعدون العدة لتقديم مسرحية أخري.. وبعد انتهاء البروفة جلسنا نقرأ المسرحية بحضور كمال هاشم ومحمد علي ماهر وغيرهم من أعضاء لجنة قراءة الفرقة.. وطالت جلستنا ونحن لانزال في الفصل الأول ففضلوا أن أتركها لهم لقراءتها.. ثم يقدموا هم تقريرهم عنها وأناقشها معهم وليكن ذلك بعد أسبوعين لا أكثر..
وبعد أسبوع توجهت في صحبة عباس صالح إلي مقر الفرقة بناء علي دعوة منهم والتقينا بمعظم الأعضاء لمناقشة رأيهم أوتقاريرهم عنها.. وكان أول اعتراض أثير أن المسرحية لايمكن اعتبارها مسرحية لأنها ليس فيها دراما..
وكان مقصدهم من هذه الدراما - كما كشفت عن ذلك المناقشات - أنه ليس فيها مقدمة ثم حبكة ثم تأزم ثم عقدة ثم انفراج..وهوالشيء الذي درسه معظمهم في معهد التمثيل.. ثم إلي جانب ذلك فإن المسرحية تحتاج بعض التعديلات.. واستبدال شخصيات بأخري وحذف شخصيات وتعديل صفحات كاملة من المشاهد وإلغاء بعض الحوار وكان معني ذلك إعادة كتابة المسرحية من جديد.. وسألوني رأيي فأجاب عباس صالح نيابة عني وحاول الدفاع عن المسرحية كماهي.. ،ولكني لم أطق فأخذت النص في يدي وقمت وحاولوا إجلاسي دون جدوي وإنما أجبتهم التي يطلبوانها لو صح وقبلتها فستنتج عنها مسرحية جديدة غير مسرحيتي المقدمة لهم. وليس هناك مايجبرني علي ذلك. وفي ليلتها بالذات كان أول لقاء لي مع توفيق الدقن.. كنت قد عرفته قبل ذلك من مشاهدتي له يقوم بدور ناجح في مسرحية سابقة لهم ولكني لم أكن قد تحدثت معه. وحاول توفيق أن يتدخل متحمسا للنص ولكنه لم يكن قد قرأه.. وإنما كان ماسمعه في ردودي عليهم ما أقنعه بأن كلامي كما أوضح لي بعد ذلك يدل علي دربة واسعة بالمسرح.. وموضوع المسرحية نفسه جديد وغير تقليدي..
وأخيرا أخرجت المغماطيس
وانصرم عام 4591 وعادت المغماطيس لتقبع من جديد في درج مكتبي يلفني إحساس طاغ بأن المسرحية لابد أن تظهر علي المسرح مهما طال الزمن، كان هذا هو إيماني الراسخ من اليوم الأول لكتابتها. حتي لقد عجزت عن كتابة مسرحية أخري بعدها في انتظار هذا اليوم المتوقع لتمثيلها. رغم مرور أربع سنوات كاملة علي كتابتها. وهذا طبع أوداء وبيل ظل يلازمني طوال السنين.. فإنني إذا كتبت مسرحية ولم تعرض أوأخر عرضها.. لا أحاول أبدا أن أكتب غيرها.
بعدها بشهور عديدة وعلي دخول صيف عام 5591 تلقيت مكالمة تليفونية من الآخ (الدكتور حاليا) إبراهيم سكر وكان من أعضاء المسرح الحر وقد تحمس للمسرحية أثناء قراءتها.. كان يطلب إلي أن يزورني في بيتي ليحاول إقناعي لابتعديل المغماطيس.. ولكن لمناقشتي فيها.. ورحبت طبعا بزيارته ولكن بعد أن أكدت له أنني لن أغير في المسرحية سطرا واحدا..
وزارني إبراهيم سكر وجلسنا نناقش النص علي أساس أنه معجب بموضوعه ويريد أن يخرجه بنفسه.. ودار نقاشنا حول نقطة واحدة أن المسرحية من أربعة فصول والمعتاد أن تقدم الفرقة بل المسرح عندنا عموما مسرحيات من ثلاثة فصول فقط لأن الجمهور لم يتعود إلا علي استراحتين ولايحتمل ثلاثة استراحات بين الفصول.. وكان إبراهيم سكر لبقا في مناقشته يحاول ما أمكن تحاشي ذكر إجراء أي تعديل فيما عدا لو أمكن اختصار الفصلين الثاني والثالث في فصل واحد.. وياحبذا وهي كلمة لا أنساها له.. إن أمكن زيادة عدد الزبائن الذين سيترددون علي عيادة المغماطيس (الدكتور الغريب) لأن في ذهنه أن يختار توفيق الدقن للقيام بدور الدكتور وعبدالمنعم مدبولي للقيام بدور عطوة، وكلاهما من أحسن ممثلي الفرقة.
كنت قد شاهدت للفرقة مسرحية »مراتي بنت جن« وهي أوبريت غنائي وزاد إعجابي بالدقن وتأثرت كثيرا بأداء مدبولي.. ولهذا لم أمانع في إعادة النظر في اقتراحات إبراهيم سكر ووعدته أن نلتقي بعد أسبوعين..
فتركني علي أساس أن أجري هذا الاختصار إذا اقتنعت بدمج الفصلين الثاني والثالث في فصل واحد.. ثم نقرأ المسرحية معا لكي يقدمها للفرقة جاهزة للعرض مباشرة في بورسعيد.. إذ أن الفرقة تعد العدة لرحلة هناك بالاتفاق مع بلدية المدينة كما هي عادتهم كل عام.. فإذا نجحت المسرحية هناك قامت الفرقة بتقديمها كمسرحية الافتتاح لموسمها الشتوي.. وهو واثق من نجاحها ومقتنع بها وبما فيها من عناصر درامية أبرزها الصراع.. الخ..
وفي البداية لم أقتنع اقتناعا شافيا بآراء الأخ سكر رغم إخلاصه الواضح.
ولكنني بعدها بأيام وجدتني أراجع قراءة النص بتدقيق وحرص.. اكتشفت أن المسرحية فعلا طويلة وفيها تشعبات واستطرادات لأنها تتضمن أكثر من موضوع.. لاسيما في الفصلين الثاني والثالث.. ولا أدري إذا كان هذا التبدل في نطراتي يرجع إلي مناقشتي مع إبراهيم سكرأو نتيجة مراجعتي المتأنية للنص أومن فراغي ورغبتي في الكتابة المسرحية التي انقطعت عنها بمجرد الانتهاء من نص المغماطيس ومنذ أكثر من أربع سنوات.. والذي حدث أنني أحسست برغبة في الكتابة جارفة. فلما بدأت
بالفصل الأول لم أستطع أن أغير فيه حرفا.. فتلوته بالفصل الثاني.. كان من الصعب علي أن أغير شيئا.. ولكني بمتابعة قراءة الفصل نفسه شعرت بوجود إمكانيات ضخمة مع ختامه لبعض مشاهد لقاء الدكتور غريب مع مرضاه من أبناء الحي، وبالفعل وجدتني أندفع لكتابة أكثر من مشهد ضاحك لعل أبرزها كان المشهد الذي أدخلت فيه سائق العربة الكارو علي الدكتور ليكشف له سبب اختفاء نقوده وهو يعبر تلال زينهم فلم يكن المشهد أكثر من نكتة سمعتها أيامها علي لسان جرسون في قهوة عبدالله بالجيزة فأحتلها إلي مشهد له رسمته وتركيبته الدرامية المنسقة مع سياق النص ومبناه ومعناه أيضاً.
بأن المسرحية لن تمثل إطلاقا لأن التعديلات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.