وقلت لنفسي تحملي للجلدة الأولي هو الذي سيحدد كل شيء لقد سبق أن ذكرت لك، أني وقبل أن أجلد، كنت قد قررت أن أصرخ، وأنا أجلد. وكنت قد ذكرت لك، أننا كنا، قد اتخذناقرارا بذلك وأنا أصارحك، بأن السبب الأول والرئيسي، للموقف الذي اتخذته، حيث اقتادوني إلي »العروسة«، لأخلع كل ما علي صدري من ثياب، وليربطوا ذراعي، ليتصرفوا في ظهري، من أسفل العنق، وحتي آخر الصدر، كما يشاءون، لم يكن، وفي ذلك اليوم بالذات، سببه القرار، الذي كنا قد اتخذناه والذي كنت شريكاً في اتخاذه، بل كان سببه الأول، هو كلمات أو عبارات هذا الرفيق، ربما يكون قد أحس، أني في حاجة، إلي أن يقول لي، الكلمات. ربما يكون ما فعله معي، وما قاله لي يرتبط بأنه سيكون الرقم الآخر، الذي يقودونه إلي »العروسة«، ليعري جسده، وليجد، مثلما فعلوا مع جميع الرفاق، الذين سبقونا. ربما يكون ما قاله لي نابعاً من حبه لي وأني كنت أحبه كرفيق وكان يحبني كرفيق. وخلعت كل ما كان يغطي ظهري. ومددت ذراعي، وربطوهما بذراعي العروسة، وأصبحت معدًا للجلد. كان جسدي هزيلا. وكانت ضلوع صدري، وضلوع ظهري أي العظام، تبدو وكأن لاشيء يغطيها. ونظر همت إلي وجهي، وكان قد تتبع خطواتي، وأنا أتجه إلي »العروسة« رأي هزال جسدي، ولكنه لم يصدر حكمه علي هذا الأساس. ربما يكون قد رأي علامات العناد والإصرار والاستهانة علي وجهي. وقلت لنفسي تحملي للجلدة الأولي هو الذي سيحدد كل شيء. وكان ما قررته مع نفسي صادقاً، مائة في المائة. لقد قررت ألا أصرخ، حتي ولو أدت الجولة الأولي، إلي أن تقسم جسدي إلي نصفين، الرأس والصدر سيلقي بهما خارج »العروسة« أي خارج الجزء الذي ربطوا فيه ذراعي. لقد قرأت في الصحف مرات عديدة، أن صخرة من جبل سقطت وقتلت عشرات الآدميين. كانت الجلدة الأولي في ثقل مثل هذه الصخرة. أحسست أن ثقلاً أكثر بكثير، من ثقل الجبل قد سقط علي صدري . وفي لحظة، أحسست بأني لم أعد قادراً علي التنفس، وبأن الحياة ستتوقف في جسدي، كنت قد قررت، أن لا اصرخ. وتحمل صدري ثقل الجبل وهو يضغط، علي ضلوع بارزة، أو عظام لايغطيها إلا جلد رقيق. لم أصرخ. الجلدة الأولي، وقوع الجبل، او الصخرة الضخمة علي ظهر إنسان. لقد حدث فعلا. كنت قد قررت ألا أصرخ. ونفذت القرار لم أصرخ ولم أخرج حتي آهة. كان همت قد أمر بجلدي 6 جلدات. وأصارحك ان الجلدة الثانية كانت شيئاً مختلفاً، أو شيئاً يمكن ان تقرر أن تتحمل عشر جلدات بعدها أو عشرين جلدة بعدها. كانوا يعدون دائماً ومع كل رفيق يجلد. وكل ما يوجد بين الصدر والظهر. الجلدة الأولي جعلته بعدا واحدا أو ضغطت الأبعاد الثلاثة وجعلتها شيئاً واحداً. لقد أحسست ولأول مرة في حياتي ان سمك صدري لايصل إلي سنتيمتر واحد. كل شيء في الأبعاد الثالثة قامت الجلدة الأولي، بمهمة ضغطة ليصبح واحداً، أو ليصبح أبعاداً ثلاثة تحولت إلي شيء واحد كتلة سوط الجلاد وقوة سوط الجلاد قد احالت صدري بأبعاده الثلاثة إلي شيء لايصل سمكه المليمتر الواحد. في تلك اللحظات التي تتعدي الثواني، كنت قد أحسست بأن الحياة قد توقفت في جسدي، وأني اصبحت فعلا في عداد الأموات، وبعد تلك اللحظات، ومع عملية الجلد، التي استمرت ونفذت، ست جلدات الأولي، التي كان همت قد قرر انها نصيبي من التعذيب، ومع ست الجلدات التالية، كان همت قد اتخذ قراراً ثانياً، أو حكماً ثانياً بها، مثلما تحكم علي سجين بالسجن خمس سنوات، ثم تعيده إلي قفص الاتهام وتحكم عليه بالسجن عشر سنوات، أي بإيقائه في السجن خمس سنوات أخري. نفس الشيء حدث مع همت في ذلك اليوم. كان يري ضلوع صدري البارزة، وكان يري عظام صدري البارزة، بعد أن عريتها من كل شيء. وكان يتوقع ان أصيح بعد الجلدة الأولي، وظل يتوقع أن يحدث ذلك، بعد الجلدة السادسة، ولم يكن يدرك أو يفهم أو يعي أو يعرف كمحترف في عمليات التعذيب، أو كمسخ هملر وغيره من محترفي التعذيب، النازيين، أن الجلدة الأولي، هي التي ستحدد كل شيء. لقد أمر بأن أجلد ست جلدات أخري، وهو لايدري، أني كنت أتلقي علي صدري الجلدات الست الأخري، مثل عمليات الاضطهاد أو التعذيب العادية التي تعودت أن أواجهها ومنذ سنين في حياتي.. لقد أمر همت بأن يغير الشاويش، الذي قام بعملية جلدي ست الجلدات الأولي، برغم أنه كما أعرف وكما يعرف قائد المعتقل، وكما يعرف هو أيضاً، كان أقوي وأقدر من يجعل الجلدة الواحدة وجبة كاملة للتعذيب. لقد استفز لأني لم أصرخ وقال للشاويش كلمات كثيرة تعبر عن خيبة ظنه فيه، لا أتذكرها الآن، ثم طلب من شاويش آخر، أن يتولي هو تنفيذ الحكم الجديد أو حكم شنق من صدر الحكم بشنقه ونفذه عليه. لم يكن همت يدرك قط، ولن يدرك أمثاله أبداً، أن إرادة الإنسان، أقوي من سوط الجلاد، وأقوي من حبل المشنقة، وأقوي من رصاص البنادق، وإلا لما وجد الإنسان، الذي يحمل البندقية أو المدفع، ويهب حياته، ليحمي حرية وسيادة وطنه وإلا لما وجد وبالمئات وبالألوف الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية ووهبوا حياتهم للدفاع عن حرية شعب آخر. هذا الإنسان. هذا الكائن الإلهي، هذا الوحش، هذا الكائن الشيطاني، هذا الكائن الإلهي، هذا الوحش، هذا الملاك، هذا الذي يحمل أرق وأرقي وأجمل وأسمي المشاعر. وهذا الذي مازال يوجد في صورة همت، وأمثاله من زبانية جهنم. هذا الذي مازالت تعيش في أعماقه، وتجري في شرايينه، كل الأحاسيس والمشاعر، التي عاشها منذ كان يعيش حياة الكهوف، وحتي وصل إلي القمر ومشي بقدميه علي أرضه. هذا الإنسان هذا الكائن الإلهي الجهنمي. همت وأنا وباقي الرفاق وأنت معنا أيضاً. لقد أصبحت المسألة أو المأساة أكثر وضوحاً بالنسبة إليَّ. لم تعد المشكلة أننا في حاجة إلي أن ندهش، حين نري أمام أعيننا، أكثر الأعمال وحشية وبربرية، ترتكب في القرن العشرين وبعد مرور حوالي ألفي عام علي ميلاد المسيح، الذي دعا للحب والإخاء، والذي أدان التعذيب، للدرجة التي طالبنا فيها، بأن ندير خدنا الأيسر، لمن ضربنا علي خدنا الأيمن، والذي قال لأتباعه ومريم المجدلية، تبلل قدميه بدموعها: من لم يرتكب منكم خطيئة فليرجمها بحجر، ولم يمد أحدا منهم يده، ويمسك بحجر ليرجمها به، لأن أحدا منهم، لم يكن في مقدوره، أن يكذب علي نفسه ، أمام المسيح. هذا الإنسان الذي خلق ومنذ آلاف السنين، وبأنامله وبذراعيه وبعينيه وبخياله وبعمله وبإدراكه العميق لكل مامضي وكل ماسيأتي، تلك الآثار، والأعمال الفنية، والاكتشافات العلمية، وكل أسس الحضارة، التي بناها، ومازلنا نعيش عليها، وبعد ألفي سنة، من رسالة المسيح وبعد آلاف سنين أخري من بناء الأهرامات وأعمال النحت العبقرية التي صنعتها أيدي وعبقريات بسطاء الناس أيام الفراعنة. هذا الإنسان الذي وصل إلي كل هذا السمو، كيف يمكن أن ينحدر إلي هذا المستوي من الحطة. كيف يصل إلي حد دفن آلاف الآدميين وهم أحياء، كما فعل التتار الامريكان في كوريا؟ كيف يصل إلي حد قتل أهالي قري بأكملها في فيتنام، كما فعل التتار الأمريكان في فيتنام. كيف يصل إلي حد إحراق الزرع في الأرض، كيف يصل إلي حد الاستمرار في صنع قنابل جهنمية، جرب استخدامها في هيروشيما وناجازاكي، وعرف أنها قادرة علي أن تفني كل مظاهر الحياة علي الأرض. الإنسان والنبات والحيوان، وكل كائن فيه أي نبض بالحياة. هذا الإنسان الذي مازال يطور أسلحة الدمار الشامل حتي وصل إلي أن أصبح في استطاعته، أن يدمر كل مظاهر الحياة علي وجه الأرض، وأن ما يملكه من هذه الأسلحة الجهنمية، يكفي لكي يفني حياة البشر وحياة كل كائن حي، ووجود كل مابناه الإنسان، وما أبدعه بعبقريته خمس مرات، بدلا من مرة واحدة، ومع ذلك مازال ينتج مثل هذه الأسلحة. هذا الإنسان، كم من آلاف السنين ستمضي، إلي أن تتطهر حياته، من كل هذه البشاعات، أوناسيس وفورد وروكفلر وروتشيلد وقائمة من الآدميين لاتتعدي المائة أو المائتين، هم المسئولون عن كل مايحدث. إنهم وراء همت، كان همت أمامي هوالعصا القصيرة التي يحملها. وكانوا هم وكما رأيتهم بوضوح، في تلك اللحظات الرهيبة، هم الذين يحركون العصا. كانت عملية إحراق كل ما نملك من ملابس وكتب وصور زوجات وصور أبناء تتم لحسابهم. وكانت عملية الجلد تتم لحسابهم أيضاً. كان الحكم الأول الذي صدر بجلدي ست جلدات صادراً منهم. وكان الحكم الثاني، الذي صدر بجلدي ست جلدات أخري صادرًا منهم أيضاً. كانوا يريدون أن أصرخ ولم يكن في استطاعتي ان أصرخ، وحتي لو حاولت أن أصرخ لم يكن من الممكن أن أفتح فمي لتخرج منه الصرخات. كنت قد أغلقته وكانت إرادة أخري غير إرادتي هي التي تتحكم في تنفيذ القرار الذي اتخذته والتزمت به قبل بدء عملية الجلد. وأنا الآن لا أسجل ماحدث في ذلك اليوم لمجرد التسجيل. لقد عشت الحدث وكنت طرفاً فيه ولم يحدث حتي الآن استدعاء القتيل ليدلي بشهادته ضد من قاموا بعملية جلده. أوناسيس وروكفلر وروتشيلد ومورجان ومئات غيرهم. كلهم مازالوا أحياء. وكلهم مازالوا يفرضون حمايتهم علي أمثال همت، الجرائم التي شاهدتها والتي كنت طرفا فيها والتي كان همت المدبر الأول لها والمنفذ الأول لها، تمت الحلقة الأولي منها منذ عشرين عاما في 4591) والحلقة الثانية منها منذ أكثر من عشر سنوات. ثلاثة عشر عاماً بالتحديد ومع ذلك لم يطلب همت للمحاكمة، وظل حراً طليقاً، وربما يكون قد مات، ويكون قد مات علي فراشه، وربما يكونون قد خرجوا بجثمانه في جنازة عسكرية تقديرا للخدمات التي أداها للدولة. همت اختفي. مات أو لم يمت. لقد اختفي ووجوده انتهي. وبالنسبة إليَّ،، اعتبرت أنه قتل بنعال الجنود، يوم خرج محني الرأس، أوفرَّ محني الرأس، من الحفل الذي كان يظن المضيف انه نجمه الأول، والذي اكتشف بعد ذلك،. أن مجرد وجوده، إهانة رفضها كل من كانوا في الحفل. أنا أسجل أمامك كل ما حدث لهدف آخر. أنا طرف في الموضوع. أنا القتيل الذي يكتب عن القاتل. أنا المجلود الذي يكتب عن الجلاد. أنا لست شاهد العيان، أنا الحدث نفسه. وأنا أحاول أن أجعل منك شاهد العيان لتدلي بشهادتك. أنا في حاجة إلي شهادتك. كل الرفاق، الذي عذبوا علي يد همت، وعلي أيدي غير همت، من الجلادين، في حاجة إلي شهادتك. أنا أقسم أمامك، أني حتي الآن، لم أسجل إلا الحق ولاشيء غير الحق، وأنا اطلب منك أن تدلي بشهادتك. لقد عذبت مرة أولي ومرة ثانية ومرة ثالثة ومرة رابعة ومرات عديدة أخري. انا أطالبك بأن تدلي بشهادتك حتي لاتعذب أنت وحتي لايعذب أحد أبنائك. النظام الذي يعذب ويقتل باسم روكفلر أو مورجان أو روتشيلد أو أوناسيس يجب أن ينتهي. أنت مطالب، بأن تشارك في إنقاذ البشرية من هذا الإخطبوط، الذي يملك كل فرد فيه ثروة تعد بآلاف الملايين من الجنيهات، وليس بآلاف الملاليم، كما تجني أنت من ثمار لم تكن من ثمار عمل. كنت أعيش، أيام كنت أحيا بالطول والعرض والارتفاع والعمق. كان اليوم عندي، يوازي أحياناً عشرة أيام، في حياة إنسان عادي. ويوازي أحياناً شهراً كاملاً، ويصل في كثافته، إلي حد، أني كنت أحس في بعض الأيام، أني لم أعش يوما واحدا، بل عشت سنة كاملة، بالطول والعرض والعمق والارتفاع. بعض اللحظات عندي كانت تساوي عمراً كاملاً. طرقة واحدة علي الباب وبعد منتصف الليل أو في الفجر، كانت مثل اللحظات، التي يحكم بها علي متهم، مازال طليقاً، وكان يبيت في بيته، ومع أهله بالحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة. طرقة واحدة علي الباب، وفي الساعة التي يتوقف فيها نبض الحياة في الشوارع وفي البيوت، كانت عندي البداية للانتقال من حياة إلي حياة أخري ومن عالم إلي عالم آخر. وفي العالم الآخر عالم الزنازين والسجون والمعتقلات والسجانة والشاويشية وجرادل البول وجرادل الماء والطعام الذي كنت ترفضه،الذي عشته، وإلي عمرك الآخر الذي لم تعشه بعد. والتي فيها وجوه عاشت معك من قبل وعاشت معك بعد أن انتزعت، وأصبح تفصلك عنها الأبواب الغليظة والأسوار وفوهات البنادق، ووجوه أخري كنت نسيتها، وكنت تظن أنها مرت بحياتكم مرور إنسان تراه في الطريق، ولاتسترعي ملامح وجهه انتباهك ، ثم يعبرك ولا تراه مرة ثانية، وتعود وفي مثل تلك الليالي التي تصبح، وكأنها عمرك كله، تتذكر هذا الوجه، وتتذكر وجوها أخري، لم تكن تظن قط انك ستتذكرها مرة اخري. الشريط السينمائي الطويل الطويل جدا الذي سجل حياتك، وسجلها حركة حركة ونبضة نبضة كلمة كلمة وخفقة خفقة، والذي سجل الضحكات والدموع، وسجل مواقف القوة ومواقف الضعف، وسجل مواقف الأمل ومواقف اليأس، وسجل اللحظات التي كنت تتصرف فيها، أنت ورفاقك، وكان في مقدورك وفي مقدور رفاقك، ان تغيروا مجري الحياة، ومجري التاريخ، ليسير في اتجاه آخر. لحظات، كنت تنتقل فيها، إلي أماكن أخري، في عالمنا، وإلي قارات أخري في عالمنا. إلي مكان بالذات. أو عاصمة بالذات أو اسم إنسان بالذات أو حدث بالذات غيّر مجري التاريخ، في مساحة تبلع سدس الكرة الارضية إلي المسار الذي تريده لوطنك وللأوطان الأخري وللعالم كله.ن الاتحاد السوفييتي ولينين وثورة أكتوبر والحكم الجديد أوالنظام الجديد الذي فرض سلطته وسلطة العمال والفلاحين والكادحين،. لحظات تري فيها ومثل فيلم سينمائي اللوح المحفوظ أو الشريط السينمائي الذي سجل شريط حياتك، ولم يسجلها بمعزل عن كل ماحدث في وطنك، وفي العالم الواسع، الذي لم يقف ساكنا لحظة واحدة، والذي لم يتوقف عن الحركة لحظة واحدة. ليلة واحدة تعيش وباب زنزانة السجن مغلق عليك ومع ذلك تحسن خلالها أنك تري أمام عينيك عمرا كاملا وحياة كاملة. ليلة واحدة تقضيها وحيدا، وباب زنزانة السجن مغلق عليك، وأنت مستلقٍ علي فراشك، في ظلام دامس، ومع ذلك، فالشريط السينمائي يعرض أمامك، لتري حياتك نفسها، وتري الحياة كلها، وتري ثورة أكتوبر، ولينين، وكأنك عشتها هناك، وكأنك شاركت فيها. فصل من شهادة سجلها الكاتب في كتاب له بعنوان »عندما جلدوني في المعتقل«