1 عرفت هذه المدينة الدخانية مقهي فمقهي.. شارعا فشارعا رأيت فيها (اليشمك) الأسود والبراقعا وزرت أوكار البغاء واللصوصية! علي مقاعد المحطة الحديدية.. نمت علي حقائبي في الليلة الأولي (حين وجدت الفندق الليلي مأهولا؟) وانقشع الضباب في الفجر.. فكشف البيوت والمصانعا والسفن التي تسير في القناة، كالإوز.. والصائدين العائدين في الزوارق البخارية!
(رأيت عمال "السماد" يهبطون من قطار"المحجر" العتيق يعتصبون بالمناديل الترابية يدندنون بالمواويل الحزينة الجنوبية ويصبح الشارع.. دربا.. فزقاقا.. فمضيق فيدخلون في كهوف الشجن العميق وفي بحار الوهم: يصادون أسماك سليمان الخرافية!)
عرفت هذه المدينة؟ سكرت في حاناتها جرحت في مشاحناتها صاحبت موسيقارها العجوز في (تواشيح) الغناء رهنت فيها خاتمي.. لقاء وجبة العشاء وابتعت من "هيلانة" السجائر المهربة وفي "الكبانون" سبحت واشتهيت أن أموت عند قوس البحر والسماء! وسرت فوق الشعب الصخرية المدببة ألقط منها الصدف الأزرق والقواقعا وفي سكون الليل، في طريق "بور توفيق" بكيت حاجتي إلي صديق وفي أثير الشوق: كدت أن أصير.. ذبذبة! 2 والآن، وهي في ثياب الموت والفداء تحاصرها النيران.. وهي لا تلين أذكر مجلسي اللاهي.. علي مقاهي"الأربعين" بين رجالها الذين.. يقتسمون خبزها الدامي. وصمتها الحزين ويفتح الرصاص _ في صدورهم _ طريقنا إلي البقاء ويسقط الأطفال في حاراتها فتقبض الأيدي علي خيوط "طائراتها" وترتخي _ هامدة _ في بركة الدماء وتأكل الحرائق.. بيوتها البيضاء والحدائق.. ونحن هاهنا.. نعض في لجام الانتظار! نصغي إلي أنبائها.. ونحن نحشو فمنا ببيضة الإفطار! فتسقط الأيدي عن الأطباق والملاعق أسقط من طوابق القاهرة الشواهق أبصر في الشارع أوجه المهاجرين أعانق الحنين في عيونهم... والذكريات أعانق المحنة والثبات. ... ... ... هل تأكل الحرائق بيوتها البيضاء والحدائق بينا تظل هذه "القاهرة" الكبيرة آمنة.. قريرة؟! تضئ فيها الواجهات في الحوانيت، وترقص النساء.. علي عظام الشهداء؟!