لم تصدق عينيها عندما رأت أبواب جروبي مفتوحة الساعة الثامنة والنصف صباحا وهي القادمة من المنصورة في هذا الصباح الباكر، أخيرا وجدت مكانا تأوي إليه حتي يحين الوقت.. لقد وجدت مساجد وسط البلد التي مرت بها مغلقة.. مسجد وزارة الأوقاف ومسجد عمر مكرم والزوايا الأخري في الشوارع الخلفية. كيف إذن سيتجمع المتظاهرون؟ شعرت بالغيظ.. كل هذا الهدوء في شوارع من المفترض أن تكون مشتعلة بالغضب.. ولاتواجد فيها إلا لسيارات الشرطة التي تمر من أمام جروبي بالعشرات. لقد منحها القدر هدية كبري عندما توقف الاتصال بين شبكات المحمول. هذا يعني أن أحدا لن يتمكن من الوصول إليها. تعجبت لماذا فتح جروبي أبوابه في هذا الوقت؟ ولكن عجبها تلاشي عندما رأت المكان يمتليء باللون الاسود لرتب من الشرطة يحتسون جميعا القهوة ويتابعون الاخبار في القنوات الفضائية. في الحادية عشرة والنصف بدأ السواد ينسحب بالتدرج لتحل محله ألوان متعددة. كانت تفكر.. لقد سيطرت الشرطة علي جميع الشوارع فمن أين إذن سيدخل الناس؟ لا أمل إلا أن تنشق الأرض وتخرجهم.. وقد كان.. لقد خرجوا من رحم الأرض فجأة.. آلاف تهز الجدران بصرخة واحدة: الشعب يريد أسقاط النظام. لم تكن تحلم.. سحبتها يد امتدت لها من بين أبواب مطعم القزاز.. منحها شخص ما قطعة بصل تتشممها لتزيل آثار الغاز المسيل للدموع. شعرت بحلقها يحترق وعينيها تلتهب ودموعها تنهمر بغزارة، أخذت تسعل لتطرد من صدرها الغاز الحارق، امتدت يد تصب في كفها الكولا وتأمرها بأن تغسل بها وجهها، أفاقت علي وجوه تحمل نفس تقاسيم وجهها. .. كيف حالك الآن؟ منذ ثماني سنوات وهي تشعر بالوحدة.. الآن فقط تشعر بأن مئات من الأذرع تحيط بها وتطوقها في صدرها الكبير.. قامت لتنضم إلي الجموع.. وجدت منفذا إلي شارع التحرير ثم بدأت تعاود الهتاف من جديد. في دائرة مغلقة كانت تدور حول سيارات شرطة تطوق الجماهير من شارع لآخر.. تقذفهم بالغازات لتمنعهم من الوصول إلي ميدان التحرير فيتفرقون في الشوارع الخلفية يستنشقون هواء نقيا ثم يعاودون التجمع من جديد. مثل فيلم رديء لعصابات شوارع كانت وكانوا هم.. ومثل فيلم رديء أيضا لأفلام السبعينيات كانت وكان هو. لم تيأس عندما سمعت قرار منع التجول.. ربما زادها ذلك إصرارا هي التي تسعي لإسقاط نظام استبد ثلاثين عاما بشعب.. كيف تتهاون أمام نظام استبد بها ثماني سنوات علي وجه الخصوص؟ بجوار دبابة في مدخل شارع طلعت حرب وقفت تتأمل وجه جندي أسمر.. حاولت أن تتذكر أين رأت تلك الملامح من قبل؟