أشرنا في المقال السابق الي حلم (الهروب) الذي سيطر علي فاطمة في رواية (الخباء)، كما سيطر علي (هند) بطلة رواية (نقرات الظباء) وهما الروايتان السابقتان لميرال، وقد استقرت الرغبة في الهروب في وعي (هند) بطلة (بروكلين هايتس)، وبما أن الهروب، أو مجرد السفر، لم يكن متاحا لهند في صغرها، حاولت ان تعبر عنه ببعض التصرفات الطفولية، كأن تخرج من البيت، لتجلس بجوار شجرة التوت، وتنال عقوبتها الفورية علي هذا التصرف (بقرصة في فخذها)، ومن ثم انتقلت رغبة السفر والهروب إلي منطقة الحلم، وتجسد ذلك في رغبتها الوظيفية بعد الكبر في أن تعمل (مضيفة طيران). وهذه الرغبة التي سيطرت علي هند، ارتبطت بملاحظات اقرب الناس إليها، جدتها الملقبة بلقب (الضيفة) اذ كانت تنظر في كف هند، ثم تقول لها: (سكة أبوزيد)، أي أن حياتها ستصبح هججا وغربة دائمة مثل (قصة أبوزيد)، وقد تحولت رغبة هند في الهروب بعد سفرها الي امريكا الي الهروب من ذاكرتها المليئة بوقائع الحصار والقيود والخيانات. ومن يقرأ الرواية، سوف يشغله سؤال ملح عن أسباب هذه الرغبة العميقة التي سيطرت علي هند في الهروب، الذي يبدو انه سؤال ملح عن أسباب هذه الرغبة العميقة التي سيطرت علي هند في الهروب، الذي يبدو انه تحول إلي (هجرة دائمة)، ومتن السرد سوف يقدم مجموعة من الأسباب القديمة التي صاحبت هند في مسيرتها قبل الزواج، وهي اسباب يمكن اعتبارها اسبابا غير مباشرة، كما سيقدم السرد اسبابا اخري طارئة جاءت بعد الزواج، وهي ما يمكن القول انها الأسباب الحقيقية. والحق ان الأسباب الأولي لها حضور كثيف في اعمال ميرال الطحاوي الروائية السابقة، وقد تجسدت هذه الأسباب في رمز (الباب المغلق)، وخلف هذا الباب عانت هند من العقاب الجسدي، ومن توتر علاقتها بأمها، حتي ان السرد وصف هذه العلاقة بانها اصبحت (جحيما) وفي الوقت نفسه كشف السرد عن معاناة الأم من قسوة زوجها، ومن بعض الأقوال التي كانت تأتيها عن علاقاته النسائية. تقول الدراسات النفسية: ان الانسان قد يتوحد بمن يحبه حبا كبيرا، او يكرهه كرها كبيرا ايضا، وهنا يمكن ان نلحظ توحد هند بأمها، نلاحظه في الشبه الجسدي، وما يتبع هذا الجسد من اوجاع ثم ترديد هند علي ابنها نفس التعبيرات التي توجه إليها من امها، وقد وصل التوحد ذروته بعد ان دخلت هند مرحلة (الغيرة والوساوس) وهي المرحلة التي سبق ان دخلتها الأم، وهنا نتنبه الي الأسباب المباشرة التي تتعلق بخيانات زوج هند، ومن ثم كان قرار الرحيل.