لأن السرقات الخطيرة التي تمت للآثار الإسلامية مرت في صمت، لأن جهدا كافيا لم يبذل، فقد تكررت مرة أخري بخطة ومنهجية ودراية، منذ شهرين اختفي منبر قاني باي وهذا المنبر اعرفه كما اعرف راحة يدي، وصورته مفصلا في البرنامج التليفزيوني الذي قدمته علي قناة دريم »تجليات مصرية«، المنبر ضخم وفك الحشوات النادرة به يقتضي وجود أيد فنية، مدربة، بحيث تنهي السرقة في أسرع وقت، وتخرج بالغنيمة سالمة، وهذا يضع علامات استفهام حول هوية اللصوص، فإما أنها عصابة دولية محترفة تعرف الأساليب التقنية الخاصة بالسرقة أو عصابة محلية، وفي كل الأحوال لا يمكن أن تتم السرقة إلا بمساندة داخلية من بعض العاملين في مجال الآثار الإسلامية أنفسهم، أو القائمين علي حراسة الآثار من وزارة الأوقاف، وتوزع الاختصاص بين الآثار والأوقاف، إحدي الكوارث التي تؤدي إلي تنصل البيروقراطية المصرية من مسئولياتها، ولابد من تحديد الاختصاص بوضوح، وان كنت أميل إلي تحميل المسئولية للآثار، خاصة في الواقعة الأخيرة الخاصة بمسجد قاني باي الرماح، إذ ان المسجد كان مسلما وقتها لإجراء ترميمات به، والغريب أن المنبر سرق منذ شهرين، وتم اخفاء النبأ عن الصحف، بدلاً من صدور بيان يكشف السرقة ويوضح بالضبط ماذا تمت سرقته، ولكن السيد فرج فضة المسئول عن الآثار الإسلامية لم يفعل ذلك، إن اخفاء سرقة يعني تشجيع العصابة المنظمة علي تنفيذ السرقة التالية، وهذا يؤدي إلي تواطؤ غير مباشر مع المجرمين، تماما أشبه بمن يعتدي علي عذراء ويغتصبها، ويسكت أهلها خشية الفضيحة، عندئذ يهاجمها المغتصب مرة أخري وهو آمن، لقد رأيت مشاهد تدمي القلوب خلال العام المنصرم، منبر الطنبغا المارداني وقد فكت حشواته التي تتجاوز الثمانين، والتي تحتاج إلي أسبوع من العمل المتواصل، ان ذلك يضع علامات استفهام عديدة حول الجناة والمتعاونين معهم، لقد تحول المنبر الذي كان أحد تحف الفن الإسلامي في العالم إلي ما يشبه قفص الفراخ، اما كرسي المصحف الخاص بمسجد قايتباي، فلاقي نفس المصير، وهذا الكرسي النادر تمت سرقته مع انه كان في مكان لا يمكن الوصول إليه إلا بمساعدة من الداخل، داخل الآثار أو الأوقاف، كان في القبة المدفون فيها السلطان والتي لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال المسجد الذي يكون مغلقاً في المساء، هناك اهمال جسيم وتواطؤ لاشك فيه، وعدم الوصول إلي أولئك اللصوص ينذر باختفاء المزيد والأهم، ليس من الصعب استنتاج بعض الجهات التي تسعي لاقتناء هذه الآثار النادرة والتي لا مثيل لها، اما انهم بعض أعضاء المافيا الدولية، أو ذوي الصلة بدولة عربية تعلن منذ فترة عن انشاء أضخم متحف اسلامي في العالم، من أين ستجد القطع النادرة للعرض به؟ أو بعض الأثرياء الجدد الذين يريدون اقتناء قطع نادرة لتأكيد سلالاتهم المتوهمة، انني استطيع أن احدد القطع التي سوف تكون هدفا في العام الجديد، وهأنذا أحذر وأذكر وأنذر. كرسي المصحف في مسجد السلطان حسن كرسي المصحف في مسجد برقوق بالنحاسين منبر قجماس الاسحاقي والحشوات النادرة في الجدران. انتبهوا يا ذوي الحيثيات في الآثار أو الأوقاف أو الجهات الأمنية المعنية، من المؤسف أن نختتم العام ونستقبل آخر بالحديث عن السرقات، لكننا ازاء محاولة خطيرة لم يسبق لها مثيل لتجريد مصر من ذاكرتها. إقرأ توابع سرقة منبر قاني باي ص8