مفاجأة كبري فجرتها الأوقاف في ردها علي اتهامات حواس بالمسئولية عن سرقة منبر قاني باي حيث أكدت الأوقاف أن المنبر المسروق كان في مخازن السلطان حسن التابعة للآثار! وجاء بالبيان الرسمي الصادر عن الأوقاف: "قامت الآثار بأخذ مفاتيح المسجد خوفاً علي عهدة الآثار من الضياع وهي التي تقوم بفتح المسجد وغلقه للترميم، والمفاتيح بحوزة مشرف الآثار المسئول عن المسجد". كما أكد البيان أن المسجد لم تقم به الشعائر الدينية منذ أن تم إغلاقه بمعرفة الآثار "ومنبر المسجد كان بمخازن السلطان حسن التابعة للآثار وهي التي تقوم بفتح وإغلاق هذا المخزن، و الوزارة تشرف فقط علي صحن مسجد السلطان حسن". فرج فضة رئيس قطاع الآثار الإسلامية نفي بيان الأوقاف وقال إن أي شيء ينقل بأوراق رسمية، وكل الشواهد والأوراق تؤكد أن المنبر كان في المسجد، والمسئولية من وجهة نظرة تقع كاملة علي الأوقاف. رئيس القطاع فوجئ حين أبلغوه بسرقة المنبر من المسجد، صحيح أنهم أبلغوه قبل شهرين من الآن، لكن السرقة ربما تكون قد حدثت قبل ذلك، هو لا يستطيع أن يحدد الوقت بالتحديد، لكنه بمجرد علمه أبلغ حواس ووزير الثقافة والأخير بدوره أرسل مذكرة للدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف، يطالبه فيها بفتح التحقيق مع المسئولين عن سرقة المنبر الأثري. فضة حرص علي أن يطمئنا أيضا "المنبر صغير" يقول فضة ويؤكد أن التحقيقات لاتزال جارية، والأيام القادمة ربما- تكشف عن شيء. ورغم أن المسجد يتبع الأوقاف فإن المجلس الأعلي للآثار _بحسب فرج فضه- قرر المشاركة في عملية التأمين، حيث يشارك المجلس في اللجنة التي ستشكلها وزارة الأوقاف لتحديد شركة الأمن التي ستتولي الحراسة "واتفقنا علي تحمل جزء من مصاريف التأمين والحراسة، رغم أن المساجد تابعة للأوقاف". - لماذا تحملوا الأوقاف وحدها المسئولية كل مرة؟ سألت د.زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار، وأجاب:لأن كل المساجد الأثرية تتبع الأوقاف ومسئوليتنا تنتهي عند حدود الترميم والملاحظة لنتأكد من عدم العبث بالعناصر المعمارية أو الأثرية في المبني، فنحن في النهاية نتعامل معه كمبني أثري. - إذا كان الأمر كذلك لماذا أحلت مجموعة من موظفي الآثار للتحقيق؟ لأنهم تأخروا في إبلاغي بالسرقة. - فقط؟! نعم. فهم لا دخل لهم بالسرقة، أنا أتحدث هنا عن إجراءات، ومن الناحية القانونية أمامي الآن نص قرار وزير الأوقاف والذي يعترف فيه صراحة بمسئوليته عن هذا المسجد، وأمامي أيضا نص القرار رقم 2014 لسنة 2008 والذي يعترف فيه وزير الأوقاف صراحة بمسئوليته عن تكوين لجنة للاتفاق مع شركة أمن لحراسة المساجد الإسلامية، لكن لم يحدث أي شيء. أنا لا أريد أن ألقي بالمسئولية علي طرف آخر غيري _يضيف حواس- فليس لديّ ما أخفيه أو أخاف منه والمسألة في النهاية خسارة كبيرة نتحملها سويا، لكن لا يمكن أن نغفل أن هناك تقصيراً، وفي هذه الحالة يجب أن نحدد المتسبب الرئيسي، فالمسجد مغلق منذ فترة طويلة "حتي المفاتيح ليست معنا". حواس يري أنه إذا استمر الوضع هكذا، وفي حالة عدم وضع الأوقاف لنظام أمني صارم يحكم هذه المسألة فسيضطر إلي إغلاق جميع المساجد الأثرية "مشكلتي الأساسية مع المساجد أنها تستخدم، ومفتوحة طوال اليوم، بالتالي يجب أن تكون الأوقاف هي المسئولة عنها لأنها المسئولة عن إقامة الشعائر فيها، وإذا أردنا أن نحمي هذه المساجد فعلا فلا يوجد أمامي إلا أن أغلقها لأنني لا يمكنني أن أحميها وهي تابعه لغيري". وعلي العكس يري رئيس القطاع السابق د.عبد الله كامل أن رئيس قطاع الآثار الإسلامية هو المسئول الأول ويجب أن يحال للتحقيق فورا، ففي رأيه أن كل ما حدث نتيجة لغياب المتابعة الدقيقة، و نتيجة طبيعة للتغاضي عن محاسبة المسئول عند حدوث أول سرقة "لو كانوا أحالوا رئيس القطاع للتحقيق لم يكن ليحدث هذا كله، فهذا لم يكن يحدث حين كنت أنا المسئول لأنني كنت أتابع يوميا وأنزل إلي المواقع الأثرية لأراها بعيني، ومن أول يوم توليت فيه المسئولية جمعت كل مديري العموم وقلت إن أي تقصير سيحال صاحبه إلي التحقيق ثم النيابة فورا، أما الآن فلا أحد يهتم". يؤكد كامل أن مسئولية الآثار لا تقل عن مسئولية الأوقاف في حماية المساجد الأثرية، والمسئولية موزعة بينهما لأن كل ما هو أثري في المكان في عهدة الحارس التابع للمجلس الذي يسلم المسجد لمسئول وزارة الأوقاف ليقيم الشعائر، وكلاهما مسئول عن إغلاق المسجد وتأمينه كل يوم، يضيف كامل: وإذا كان الاثنان لا يقدران علي حراسة المكان فما الذي يمنع من وجود مفتش مقيم حتي موعد إغلاق المسجد.؟! المشكلة الأساسية -يضيف كامل- أن الأمين العام لا يحب الآثار الإسلامية، ولا تهمه، وهذا يعني أن هناك منظومة متكاملة معطلة تماما، وبذلك غابت المتابعة وغاب الحس الأثري، والحل كما قلت من قبل عدة مرات في وجود أمين عام للآثار الإسلامية والقبطية يفهم ويعي تماما أهمية هذه الآثار ويحبها، ويعمل معه رئيس قطاع مؤهل لحماية الأماكن. مسلسل ممل تتكرر حلقاته ذاتها كل مرة، الآثار تلقي بالمسئولية علي الأوقاف، والأخيرة تقول إن مسئوليتها تنحصر في إقامة الشعائر فقط، وبين هذا وذاك تضيع الآثار الإسلامية التي أصبحت "مهانة" علي حد وصف الدكتور محمد الكحلاوي أستاذ الآثار الإسلامية والأمين العام لاتحاد الأثريين العرب. الكحلاوي يؤكد أن ما حدث سيتكرر مرات ومرات، وأن الآثار الإسلامية ستظل هكذا حتي تعترف بها الهيئات المسئولة وحتي تلقي نفس العناية والانتباه الذي تأخذه الآثار الأخري. يقول الكحلاوي إن هناك ثلاثة جهات مسئولة عن المساجد الأثرية: وزارة الثقافة، والأوقاف، والمحليات لكنها مسئولية بالاسم فقط، وحين حدوث أي مشكلة كل طرف يلقي بالمسئولية علي الطرف الآخر "يعتمدون علي فضيلة النسيان، هم أكثر الناس محبة لتلك الفضيلة، فهم يعرفون جيدا أنه مع كل حادث جديد سيقولون الكلام نفسه، وسيمر الأمر دون عقاب..والناس تنسي، لكن التاريخ لن ينسي أبدا تلك الكنوز التي فرطنا فيها، ولن يرحم المتسبب أيا كان". ما يحدث لا يمكن أن يكون عشوائياً _يضيف الكحلاوي- هذه عصابة منظمة تعرف تماما ماذا تفعل ومتي، عصابة لديها من القدرة ما يمكنها من إخراج منبر كامل دون أن يلفت ذلك انتباه أحد! عصابة تعرف أنها لن تترك وراءها أثرا، وتعرف أيضا كيف سيتم التعامل مع الأمر بعد إعلان السرقة، كما تعرف بالطبع كيف "تصرف" هذه البضاعة النادرة. الأوقاف مجرد شماعة يصر د.محمد حسام إسماعيل أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة عين شمس ويؤكد أن دورها ينحصر فقط في إقامة الشعائر، وأن عملية التأمين مسئولية المجلس الأعلي للآثار، يؤمنها كما يؤمن كل الآثار الموجودة علي أرض مصر، ويتساءل إسماعيل: لماذا قامت الدنيا علي سرقة لوحة زهرة الخشخاش، ويحقق الآن من رئيس القطاع، في حين لم يُسأل أحد من الآثار عن ضياع المنابر؟ فالمنابر ليست أقل قيمة من اللوحة، إن لم تكن أهم، وهذا التخاذل بالإضافة لضعف الرقابة جرأ اللصوص علي الآثار الإسلامية: "وهذا خطير جداً لأن معظم هذه الآثار موجود في أكثر الأماكن كثافة سكانية وسرقتها تعني أن هناك تهاوناً كبيراً من الجميع، فكيف يسرق اللصوص منبراً كاملاً دون أن يوقفهم أحد، وكيف يفكك اللصوص زخارف المنابر الأثرية علي فترات ولا يلاحظهم أحد؟! والمفترض أن لكل منطقة حراساً ومفتشين وشرطة سياحة فأين كان هذا كله؟". بقي أن نقول إن "منبر قاني باي الرماح" الذي أضيف مؤخرا إلي مجموعة اللصوص يتبع مدرسة قاني باي الرماح التي أنشأها الأمير قاني باي قرا الرماح أمير أخور في سنة 908/1503م، وصنع من الخشب الهندي المطعم بالعاج. وما يحدث الآن نتيجة طبيعية لنتائج السرقات السابقة، فطوال عامين عجزت كل الأجهزة المعنية عن تحديد ولو خيط واحد يقود إلي تلك العصابة التي تخصصت في تفريغ الآثار الإسلامية من زخارفها وعناصرها المعمارية النادرة. وخلال فترة وجيزة فقدت مجموعة كبيرة من الآثار الإسلامية أجزاء أثرية نادرة ما بين حشوات المنابر أو أجزاء زخرفية من المسجد نفسه، وضم اللصوص إلي مجموعتهم: كل زخارف منبر مسجد الطنبغة المارداني بالدرب الأحمر، وجزءاً من زخارف جانم بهلوان، ولوحة أثرية من سبيل رقية دودو، وجزءاً من زخارف منبر مسجد الصالح طلائع، وريشتي منبر مسجد منجك اليوسفي بالقاهرة القديمة وبعض حشواته، وحشوة خشبية من الضلفة اليسري للباب الخشبي لمسجد الفكهاني الأثري، المطل علي حارة حوش قدم وهي عبارة عن حشوة مزخرفة بالحفر الغائر، وكل زخارف "كرسي المقرئ" بمسجد ومدرسة السلطان قايتباي المطعم بالصدف والعاج والحشوات الدقيقة وكان يجلس عليه قارئ القرآن يوم الجمعة، بالإضافة لشباك سبيل محمد علي. حتي أن النائب العام طالب بفتح تحقيق موسع حول هذه السرقات لكن للأسف لم تسفر التحقيقات عن شيء وتم حفظها ضد مجهول.