الكتاب: محاولة فاشلة للاعتداء على الموت المؤلف: شوقى عبدالأمىر الناشر: دار الجمل في إحدي إشراقاته يرصد الشاعر الراحل محمود درويش في قصيدته "لا أعرف الشخص الغريب" لحظة تراجيدية آسرة، جنازة ميت لا يعرفه، وما تكاد القصيدة تآسرنا بسحرية المفارقة وعبثية الموت حتي يجعلنا الشاعر نصدق، وبمكر المصادفة، أن الجسد المسجي "كلاهما" آخره فقط "عطب في القصيدة". لسنا هنا للحديث عن شعرية الموت في قصيدة محمود درويش، بقدر ما استوقفنا ديوان الشاعر العراقي شوقي عبدالأمير "محاولة فاشلة للاعتداء علي الموت"، كي نعيد تمثل المفارقة وسحريتها اللغوية، ونحن أمام شاعر اختصر اسمه في إصبع مبتور خط اسمه للاحتجاج. من جثة "لآ أحد" يعيد الشاعر شوقي عبدالأمير كتابة ما يشبه "أوتبيوغرافية شعرية" مليئة بسخرية ماكرة ومرة من التفاصيل والأمكنة والعدم. صدر ديوان "محاولة فاشلة للاعتداء علي الموت" عن دار الجمل، في طبعة أولي هذه السنة. القصائد مرفقة برسومات الفنان أحمد أمير. يتوزع الديوان سبعة قصائد لأسماء لا تنتسب بالتحديد، قصية علي التعريف (قيثارة)، وجه، سواد، أحفور، موسي، إضافة، بريد. ومن المبتدأ نلج كورالا لموسيقي "الموت" المؤسطر من تاريخ العراق. لكننا أمام "يد تكتب" قصائد لأنها تتذكر لا يد "تعزف" كي تمحو. لذلك الذاكرة تكتب تفاصيل جسد ظل علي الدوام يحتاج للمحو حتي يصدق النسيان. أبحث/ عن غيمة تستغفر،/ عن أطفال يلوحون كغبار، عبر الكوي والنوافذ/ عن مسافرين مثل نهر/ عن سيدة أقفلت نوافذ وباب قبرها ثم نامت،/ عن مسقط رأسي خارج الكوكب،/ عن جثة لا أحد..لأودع الجميع/ عن أصبع بثر لحظة الاحتجاج، ..لأكتب،/ شوقي عبدالأمير. يتوزع الديوان سبعة أبواب:(قيثارة، وجه، سواد، أحفور، موسي، إضافة، بريد). كل باب يحتوي علي قصائد اختيرت بتدرج كي تشكل مجسما هلاميا للموت الزاحف علي ما تبقي من تفاصيل الأشياء والكينونات. ينطلق الديوان من المقبرة كي ينتهي في مكان قصي حيث ينتهي. في ثلاثة أبواب كاملة {قيثارة وجه سواد} يعيد النص الشعري كتابة حواشي الموت من خلال سيرة الراحلين، يستعيد الشاعر سلالة المكان والشخوص فيما يشبه "السيري" "الشعري" وأمام هذا الجحيم من الغياب، يصبح الوطن (العراق) فقط ذاكرة للموتي بما فيها موطن الشاعر. الأبواب المتبقية (أحفور موسي إضافة بريد) تنوع موضوعاتها الرئيسية بحيث يمسي الموت: العدم. وهو التجلي الوحيد الممكن من عوالم تري، أو أسماء تحللت من مجازاتها، أو أمكنة فقدت قداسها أو ذاتا تمعن في الاغتراب. في النهاية، تمعن نصوص ديوان "محاولة فاشلة للاعتداء علي الموت" في تشكيل "سيرة الفجائعي" إذ هو التجلي الوحيد الممكن وسط الخراب الذي يزحف علي كل شيء. "الكلمات توابيت/ نحن مقابرها السائرة/" "لا شيء يري/ لا أنت تري/ لا رؤية للرؤية/ لا جهة للجهة/ لا أينا/ للأين" في الباب الثالث "سواد" (من أسماء العراق القديمة) يعيد الشاعر شوقي عبدالأمير كتابة جزء من صور منفلتة للوطن ولأناه ، ويكشف عن عنصر المحو الذي ينجلي من فعل التذكر. يتحول الوطن الي "جثة لا أحد" والآخرون قبور قام أصحابها بإقفالها ليناموا..أمام هذا المشهد الفجائعي، يعيد الشاعر كتابة جزء من تاريخه لنجد النصوص ترسم العدم فقط. هذا المنحي السوداوي له ما يبرره، مادامت قصائد الديوان ككل محكومة بهاجس هذه الرؤية حتي بيروت الموطن الافتراضي الثاني أثثه الفراغ. "الغرابة/ كلمة تعرف أنها ستدفن/ في أرض أخري/ غير النص" تنشغل قصائد ديوان "محاولة فاشلة للاعتداء علي الموت" للشاعر شوقي عبدالأمير بحياة ثانية، ليست افتراضا ما تشكله عوالم الشعر بل هي عوالم الغياب كاستعارة فاشلة في محاولة الشاعر خلق حياة ثانية أقل اغترابا وأقل تشظيا. حياة تستطيع الذات إعادة كتابة تاريخها الآسن، ورسم تفاصيل التذكر دون أن يكون المآل الانتهاء في غياهب الموت. في النهاية، وهذه المرة بتعبير محمود درويش، قد يكون الموت ترضية مناسبة ل"وجع الحياة". القصائد تغريبة الشاعر ضد المحو، لأنها تحقق سؤالا أنطولوجيا فعليا أفقه الحياة في اللغة، في القصيدة حيث اللانهائي وحيث يتأتي النجاح لأية محاولة".