سكة سفر بين الشروق وبنجوين بدأت مؤخراً.. شراكة جديدة ستجمع بين ناشرين كبيرين في بريطانيا ومصر، بموجبها ستسافر الأعمال الأدبية الأبرز بين داري النشر.. البروتوكول الذي وقعه إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة الشروق، مع جون ماكنسون،رئيس مجلس إدارة بنجوين، سيمّكن الدارين من تبادل "كلاسيكيات بنجوين"، (وهي سلسلة تضم أكثر من 1200 عنوان من روائع الأدب العالمي)، وأعمال "غير" محددة من الأدب العربي، حيث لم تعلن دار الشروق عن العناوين التي سترشحها للترجمة، إلا في حدود الإشارة إلي نصوص تراثية مثل" كليلة ودمنة"لابن المقفع، "تخليص الأبريز في تلخيص باريز" لرفاعة رافع الطهطاوي، و"طوق الحمامة" لابن حزم، أو أعمال للمكرسين منهم توفيق الحكيم (يوميات نائب في الأرياف)، ونجيب محفوظ (ليالي ألف ليلة). وذلك حسب تصريحات رئيس مجلس إدارة دار الشروق في احتفالية توقيع بروتوكول الشراكة في القاعة الذهبية بقصر المنيل. عرفنا أن الدار البريطانية ستترجم 20 عنواناً من الأدب العربي كبداية، (لم يعلن إلا عن 5 منها فقط ).. إذاً هناك عشرون كتاباً ستبدأ ترجمتها مع بداية العام القادم، ومن المتوقع صدورها في منتصفه .. ماكنسون، من جانبه، يثق ثقة كاملة في اختيارات الشروق العشرين، مشيراً إلي أن الدار البريطانية ستعتمد علي خبرة الدار المصرية في ذلك.. حيث أن أغلب بروتوكولات الدار تتم حسب هذه الوصفة، أن يختار الشريك ما يمثل أدبه لبنجوين، حدث هذا مع آخر الشركاء وهو ناشر برازيلي. برر الناشر البريطاني ذلك بقوله "لأننا لسنا مؤهلين بالشكل الكافي لمثل هذه المهمة"..حسبما جاء في لقاء مصور مع ماكنسون لجريدة الشروق. الصفقة ستكون مفيدة بلا شك للقارئ العربي، الذي ستتاح له قراءة سلسلة من أهم السلاسل الأدبية في العالم، تحمل شعار البطريق الشهير، المعلم أكد ثقته الكاملة في السلسلة، حيث قال: "من خلال خبرة أربعين عاماً أتفق معظم الناشرين الذين قابلتهم علي أهمية هذه السلسلة"، لكن المشكلة الحقيقة تكمن في الأعمال العربية، التي ستصدر في الإنجليزية، حيث لا توجد لدينا سلسلة (مثل السلسلة التي تتخذ من البطريق رمزاً لها) .لا توجد سلسلة يمكننا أن نفاخر بها في حالة ترجمتها كاملة.. الحكاية ستكون خاضعة لمفاجآت سنراها خلال العام القادم مُشكلة في 20 عنواناً. الروائية وأستاذة الأدب الإنجليزي رضوي عاشور توقعت بحدوث مثل هذه المفاجأة، في كلمتها بحفل توقيع البروتوكول، حيث تحدثت عن تنوع الكتابات الواجب ترجمتها، من أدب رحلات إلي سير ونصوص أدبية هامة من التراث إلي جانب الأدب المعاصر، تخوفت صاحبة " الطنطورية" من تصدير الصورة النمطية للعربي، عبر أعمال محددة.. هكذا طالبت عاشور بتوخي الدقة!
بالطبع نحن لا نطالب بأن نكوِّن لجنة تضع العناوين أمام الدار المصرية لتختار الأدب العربي الأحق بالترجمة.. حيث أن المبادرة "شروق بنجون" تفوض الأولي في الاختيار، والدار "الخاصة" لها مطلق الحرية في اختيار ما ستقدمه من جانبها، لكن ما نطرحه هنا لا يمثل إلا تساؤلات لوضع يد القارئ علي المزايا التي ستحققها هذه الشراكة للأدب العربي.
قلنا أن الشراكة ستكون مفيدة للقارئ العربي، لكن ما الذي سيقرأه هذا القارئ!؟ الشريك البريطاني سيتيح من إصداراته الكلاسيكية "الأوديسة" لهوميروس، "الأمير" لميكافيلي، "حلم ليلة صيف" لشكسبير،"قصة مدينتين" لديكنز، "أليس في بلاد العجائب" للويس كارول، "بجماليون" لبرنارد شو، و"عناقيد الغضب" لجون شتاينبك، العمل الأخير، علي سبيل المثال، سبق صدوره بترجمة لسعد زهران (الشروق)، ضمن مشروع »الكتاب العربي« لترجمة الأدب الأمريكي برعاية السفارة الأمريكية بالقاهرة.. هل ستعاود الدار نشر هذه الترجمة أم ستصدر ترجمة جديدة مثلا؟ هذا التساؤل يوّلد تساؤلاً آخر بالنسبة لبقية الأعمال حيث أن أغلب الكلاسيكيات المطروحة سبق نقلها إلي العربية، عبر مشاريع مختلفة، هل ستكون الإضافة في نوعية الترجمة، أو دقتها، أم أن الهدف منافسة الترجمات الموجودة في العربية؟! سؤال أخير، فيما يخص هذه النقطة، هل ستتم الترجمة دون تدخلات رقابية؟ أم أن المغري هو الحصول علي شعار البطريق (ترجمة عناقيد شتانبيك كانت عن نسخة بنجوين)، كما لو أنه صك شرعية للترجمة رغم أن أغلب العناوين متاحة أي بلا حقوق ملكية فكرية؟! أم أن الجديد سيكون صدور ترجمات رقمية لروائع الأدب؟! يلفت النظر فيما يخص التجربة اتفاق الناشرين علي توظيف الوسائط الجديدة في مشروع النشر المشترك الذي يجمعهما، فرغم أن أغلب العناوين المقترحة لتبادل الترجمة كلاسيكية (فيما يخص الأعمال الإنجليزية) أو تراثية أو مستوحاة من التراث(ليالي ألف ليلة)، أو ترجع إلي قاهرة الثلاثينيات (يوميات نائب مثلا) إلا أن هناك حلماً تشترك فيه الجهتان، "الشروق- بنجوين"، وهو الطبعات الرقمية، التي تحوي هوامش وصورا ولقطات مصورة.. نحن في انتظار شكل جديد من النشر في مصر إذن.. تجربة الدخول في الشكل الرقمي للكتاب كانت مغامرة "مُقلقة" حسبما بدا من حديث إبراهيم المعلم، في قصر المنيل، لكن يبدو أنها ستكون الإضافة الجديدة التي ستحققها الصفقة للقراء العرب للأدب الكلاسيكي. ما يشجع علي الإقدام علي هذه المغامرة أن الدار البريطانية حققت أرباحاً من خلال النشر الإليكتروني بالولايات المتحدة، وإن كانت الأرباح تشكل 10 ٪ فقط من سوق النشر الأمريكي!
فكرة أخيرة، تطرحها الشراكة، هل ستصدر الدار الكبيرة طبعات شعبية؟ خاصة أن الفكرة رعاها مؤسس الدار البريطانية العريقة، السير " ألن لين"، حينما أسس داره قبل 75 عاماً، كان المحرك الرئيسي لفكرته رغبته بتوافر الكتب الرفيعة في المستوي الأدبي بسعر رخيص أو بعبارة أخري "أن تكون الكتب في سعر علبة سجائر"..هكذا حافظتْ بنجوين علي تلك الوصية عبر تاريخها من خلال الطبعات الشعبية، ربما تتحق هذه الوصية في الطبعات المصرية من بنجوين.. وهو ما أكد عليه ماكنسون.. الشراكة، التي ولدت كل هذه الأسئلة، تعد ثاني شراكة عربية مع دار نشر أجنبية، بعد "بلومزبري - قطر"، في سوق لم يعتد فكرة النشر المتبادل بعد.. لهذا فإنها لا تزال مغامرة نأمل نجاحها في خدمة القارئ العربي والأجنبي كذلك.