سبعة شارع مراد، الجيزة، لفترة طويلة ظل هذا المكان عنوانا لنشاط الاشتراكيين في مصر. المكان ليس ضخماً، مجرد شقة ملحقة بعمارة تملكها مني مختار وورثتها عن أبيها المناضل الناصري علي مختار، قامت بتأجيرها في البداية لحركة معا، للدراسات النسوية، ثم للاشتراكيين الثوريين. قبلها كانت مجموعة من المناضلين الاشتراكيين يسعون لتنظيم نشاطهم في مقر يدعي "مركز الدراسات الاشتراكية". امتلكوا مقراً في شارع القصر العيني ولكنهم تركوه بعد أن شعر بعض الجيران بالضيق، وامتلكوا شقة في شارع ناهية ببولاق الدكرور ولم تناسبهم. كان المكان الجديد بالجيزة أكثر من مناسب لهم، ولحسن الحظ فقد تحمست صاحبته لتأجيره لهم بإيجار أقل بكثير مما يستحقه. الغرفة الأولي التي تصادف الداخل، علي يمينه، هي المكتبة. دولابان خشبيان ضخمان تمتلئ رفوفهما بالكتب. الأرفف جديدة. منذ أشهر كانت الكتب كلها مكدسة فوق بعضها البعض. ولكن يبدو أن ثمة وعياً الآن داخل المركز لتطوير عمل المكتبة التي تأسست عام 1997 مع تأسس المركز حزب الفقراء هو أغني الأحزاب، كما يقول لينين، ويقتبس كلماته هشام فؤاد المسئول عن المكتبة بالمركز. يبدو متحفظا إزاء استخدام كلمة "مكتبة المركز"، فالكتب الموجودة هي كتب مثقفين ومتعاطفين مع نشاط المركز والأفكار الاشتراكية، مثل صنع الله إبراهيم، أحمد الخميسي، عرب لطفي، مني مختار وغيرهم. أخذت الكتب تتزايد، حتي بدأت المكتبة تتحول إلي نشاط قائم بذاته. في فترة معينة حاول أعضاء المركز تطبيق نظام الإعارة والاطلاع الحر في المكتبة. هذه الفترة امتدت من 2000 _ 2003. يتذكر هشام أنها تزامنت مع الانتفاضات المتوالية، انتفاضة الأقصي والانتفاضة المصرية ضد الغزو علي العراق، وبالتالي تزايدت فعاليات المركز وتزايد معها عدد المهتمين بالحضور والاطلاع. ولكن هذا النظام فشل، بسبب عدم تفرغ أعضاء المركز بالأساس، وكانت الكتب تختفي. ويزيد الطين بلة أنه لم يكن هناك نظام عقوبات أو غرامات، كما لم يكن هناك نظام فهرسة صارم يوضح الكتب الغائبة والكتب الموجودة. ولكن هذا سيتغير في العام القادم كما يؤكد، ستكون هناك مساحة للاطلاع علي الأقل ليومين أسبوعياً، كما سيشارك أشخاص في إدارة المكتبة، ولا يفترض أن يكونوا من أعضاء المركز فقط وإنما من عموم المهتمين والمتحمسين: "جاءتنا مبادرات كثيرة في الفترة السابقة من أجل تنظيم المكتبة وفهرستها، ولكن يبدو أنه كان هناك تقصير منا، يكمن في عدم استيعاب تلك المبادرات ودفعها للأمام." الكتب ليست بالضرورة اشتراكية، بجانب "رأس المال" لكارل ماركس، وأعمال لينين، هناك كتب من عالم المعرفة وكتب لها علاقة بالمرأة والأقباط، وأعمال أدبية، رواية "العار" لتسليمة نسرين مثلاً. يضيف هشام: يجب ألا ننسي أن النظرية الاشتراكية هي بالأساس نظرية علمية وليست عقيدة جامدة"، وبالتالي فالمكتبة يجب أن تستوعب جميع الأعمال، وأن تقدم "خلاصة الفكر التقدمي والإنساني للشريحة التي يتوجه لها المركز." المكتبة قائمة كما ذكر علي تبرعات المتعاطفين، ولكن بالإضافة لها، فأحيانا ما كان الأعضاء يسعون لشراء كتب بعينها لأهميتها، مثل كتاب "نقد الأساطير الصهيونية" لجون روز، وكتب عبد الوهاب المسيري. كتب المسيري لا تتواجد في المكتبة حالياً، هي لدي أحد الأعضاء بانتظار تأهيل المكتبة للعمل العام. مثل كتب اخري كثيرة لدي الاعضاء مساحتها مجتمعة ستغطي ثلاثة دواليب كاملة، كما يؤكد هشام. المركز، بجانب نشاط المكتبة، يقوم بإصدار الكتب والمجلات والكراسات. ينشر شهريا مجلة "أوراق اشتراكية" وجريدة "الاشتراكي"، كما قام بنشر كتابين يعنيان بنشر ثقافة المقاومة، الأول يضم رسومات ناجي العلي، وكان يباع بخمسة جنيهات، والثاني من أشعار المقاومة لسميح القاسم ودرويش والأبنودي، وكان يباع بثلاثة جنيهات. نفد هذان الكتابان، ربما بسبب سعرهما الرخيص وربما لكونهما كتابان أدبيان بعيدان عن جفاف التحليل الاقتصادي. في أثناء إصدار بعض الكتب كانوا أعضاء المركز يتعرضون لبعض الضغوط، ليست مضايقات. يضيف هشام، سأبالغ لو قلت أنها مضايقات، ولكنها ضغوط تأتي بالأساس من المطابع التي ترفض من البداية طباعة كتبنا، "لأنها تتحدث في السياسة"، أو مطابع تقبل فيتم الضغط عليها كي لا تتعاون معنا في المرات التالية.