نحترم بشدة مقال السيد زياد مني ووجهة نظره في موضوع تخصيص صفحة أسبوعية بجريدة "أخبار الأدب" بعنوان "من الثقافة العبرية"، ونتفق معه في كل الرؤية الخاصة باستعمار فلسطين وتقسيمها وبحتمية المقاومة. فقط نود لفت نظره إلي عدة أمور، والرد علي بعض تساؤلاته: أولاً، يتساءل الكاتب عن سبب لماذا التأخر في هذه الخطوة؟ نريد التذكير بأن أخبار الأدب منذ أعدادها الأولي كان تنشر باباً يحمل عنوان "حارة اليهود"، كما أنها لم تتوقف عن متابعة أخبار "الثقافة العبرية" سواء المترجم فيه عن العبرية مباشرة أو المترجم عن لغات وسيطة. ولتصحيح معلوماته، فتخصيص صفحة للثقافة العبرية بالطبع ليس متزامنا مع قرار جابر عصفور، وهذا بحساب زمني بسيط، فقرار جابر عصفور قد تم الإعلان عنه منذ أكثر من عام، بينما الباب تم الإعلان عنه منذ ثلاثة أشهر فحسب. ثانيا، يتساءل: ما سبب الكتابة عن "ثقافة" لا نريدها ولا نريد قراءتها لأنها عنصرية ومعادية للبشرية؟ الإجابة ببساطة هي معرفة هذه الثقافة، ومعرفة المزيد عن هذه الدولة التي لا تزال تمارس التشريد والعنصرية حتي اليوم، إلا لو كان هدف المعرفة غير مبرر بالنسبة له، ولو لم يقتنع بأن المعرفة قد تكون سلاحا قويا في أيدينا. بالطبع فمن حق الكاتب التشكك في النوايا _ التي لا يعلمها إلا الله - ولكنه لم يقدم لنا ما يؤكد شكوكه هذه في نوايا الصفحة . ثالثاً، يقول الكاتب: " معرفة الآخر ضرورية، لكن من أجل هزيمته وليس لإدخاله إلي بيوتنا وغرف نومنا وجعل وجوده بيننا أمرًا طبيعيًا بل وأكثر من عادي." وكنت أتمني لو شرح لنا كيف تقوم هذه الصفحة بإدخال العدو إلي بيتنا، أو السؤال الأهم، ما الشكل الأمثل لمعرفة العدو، إن لم يكن بالكتابة عن جميع جوانب حياته، العسكرية والثقافية والاجتماعية؟ في هذا الصدد، يستشهد مني بقول زميله بأن الصفحة تخدم الكتاب الصهاينة بأفضل مما تفعله وزارة الدفاع الإسرائيلية. وكنا نود لو شرح لنا كيف حدث هذا، وكيف أن الكتابة عن صراعات المؤرخين الجدد بحول تاريخ استعمار فلسطين، وعن الفنانين المقاطعين للعروض المسرحية الإسرائيلية بالضفة الغربية، وعن الاحتجاجات ضد طرد الجيش الإسرائيلي للبدو من قرية العراقيب بالنقب وتدمير القرية، وعن تلون كتاب اليسار الصهيوني، مثل دافيد جروسمان وعاموس عوز وغيرهم، وعن الصراع بين اليهود الشرقيين واليهود والغربيين، إلي آخره، كيف يمكن للكتابة عن كل هذه المواضيع أن تخدم الكتاب الصهاينة أفضل مما تفعله وزارة الخارجية الإسرائيلية؟ وكيف يمكنها أن تجعل دخول العدو إلي غرف نومنا أمرا طبيعيا وأكثر من عادي.الأمر الأخير، اقتراح السيد زياد مني بمشاركة الكتاب الإسرائيليين في الصفحة، مثل سامي شطريت وراحيلا مزراحي وسمادر لافي، (ليسوا مجرد يهوداً عرباً، أي أنهم إسرائيليون بوضوح، وبعضهم خدم في الجيش الإسرائيلي). وهو الأمر الذي يجعلنا في حيرة من رغبته بالضبط، هل يحتج علي الكتابة عن "الثقافة العبرية"، أم يحتج علي أن من يكتبون عنها هم عرب وليسوا يهودا إسرائيليين؟ كانت هذه هي النقطة الأكثر إثارة للدهشة في المقال.