ننشر هذا الأسبوع عدة أراء عن صفحة»من الثقافةالعبرية« بين مؤيد ومعارض لها سواء ماتم إرساله لنا بشكل مباشرة أو ما تم نشره علي صفحة الجريدة بموقع »الفيسبوك« بداية لابد من الأخذ علمًا بأن فلسطين رقم غير قابل للقسمة. وفي لغتنا ومفرداتنا ليس ثمة من مكان ل(فلسطين 48) ولا (فلسطين 67) ولا (ضفة وقطاع) وما إلي ذلك من المصطلحات المواربة التي عادة ما يوظفها المطبعون والمهزومون والمستسلمون، ولكن ليس هم فقط. نحن لا نعترف بحدود "الشرق الأوسط" الذي أسسته الدوائر الاستعمارية الغربية في أثناء الحرب العالمية الأولي وأقرته علي نحو نهائي في مؤتمر "الصلح" في باريس عام 1921، والذي شكل اغتصاب فلسطين وطرد أهلها منها (أي: التطهير العرقي) وتحويلها إلي وطن قومي يهودي-صهيوني حجر الأساس فيه. ونحن ندعو إلي استبدال دولة فلسطينية ديمقراطية علمانية بالكيان الصهيوني العنصري المغتصب. ولذا فإننا غير معنيين ببنود "القانون الدولي" التي يشرع حروب الأقوياء الضعفاء وسرقة ثرواتهم ونهب بلادهم وتقسيمها وطردهم منها . . .إلخ، ولا بأي اتفاقيات أو معاهدات سرية كانت أو علنية تمس علي أي نحو كان من حقوقنا في أوطاننا. الآن إلي صلب موضوعنا: بقدر ما أثار استغرابنا قرار الزميل والأخ العزيز د جابر عصفور قيام المؤسسة التي يرأسها بترجمة "الأدب العبري" إلي العربية ونشرها، وما تبعه من مقالات مؤيدة صراحة أو ضمنًا لهذا القرار في أعداد سابقة من جريدة "أخبار الأدب"، فاجأنا الزميل والأخ العزيز جمال الغيطاني بقراره تخصيص قسم أسبوعي من الجريدة لنشر ما أسماه "الثقافة العبرية". نقول: فوجئنا، واستغربنا، بالأحري أفجعنا، هذا القرار لأنه يأتي خاتمة غير سارة للنقاش الذي بدأه د جابر عصفور عندما قرر العودة عن قراره السابق ونشر ترجمات عربية ل"أدب عبري"، مدركًا، وإن بطريق غير مباشر أنه عمل تطبيعي بامتياز عندما قال في صفحات هذه الجريدة "التطبيع ليس خيانة". والأمر الثاني الذي أثار غضبنا وحزننا أن قرار الجريدة تخصيص مكان أسبوعي لما يسمي ب"الثقافة العبرية" يأتي عقب دعوة الزميل جمال الغيطاني لمؤتمر يبحث التطبيع وتحديده. ولكن بدلاً من مبادرته للدعوة لهكذا مؤتمر فاجأنا بخطوته هذه، والتي نري أنها غير موفقة إطلاقًا وتصب في عكس التيار الذي وقف هو والزميل الدكتور جابر وزملاؤهما ذوو التاريخ الوطني العربي الناصع، المعادي للاستعمار والصهيونية علي نحو مطلق. إن هذه الخطوة خطيرة ولها تأثير سلبي للغاية في مسار نضال أمتنا من أجل التحرر والتقدم، ولذا من الضروري دراستها دراسة مستفيضة قبيل البدء بها. لقد كان ممكناً لكل من الزميلين د جابر عصفور وجمال الغيطاني المضي قدمًا في المؤتمر الذي دعيا إليه، وكان سيكتب له نجاح كبير إن توفرت فيه شروط محددة وأعد له علي نحو جدي. كما أن الموقعين المهمين لكلا الزميلين وانعقاده في مصر العزيزة علي قلب كل عربي، كانا سيقدمان له دفعة ونكهة خاصة. لقد سوغ الزميل جمال الغيطاني خطوته بأنه "من الضروري معرفة العدو". هذا كلام جميل عزيزي جمال، لكن إن كان سبب نشر "أدب" العدو هو لخدمة القضية الوطنية، فيحق لنا السؤال لم كل هذا التأخير؟ ألم يكن من الضروري عمل هذا منذ انطلاقة الجريدة. ولماذا تأتي هذه الخطوة بالتزامن مع قرار الزميل د جابر عصفور؟! ولماذا أتي هذا كله ضمن حملة الوزير فاروق حسني لتولي رآسة منظمة اليونيسكو؟! أمر آخر، لقد كتبتُ في مجلات ودوريات عربية عديدة أنني علي قناعة بأن قرار الزميلين لا يمكن النظر إليهما خارج إطار حملة وزير الثقافة السيد فاروق حسني للفوز برئاسة منظمة اليونيسكو، وقد بادر هو إلي هذا من خلال التراجع عن مطالبته بحرق كتب الأدب العبري _ وللعلم إننا ضد حرق أي كتاب، بل نفضل تحويل هكذا كتب إلي ورق لاستخدامات خاصة! إن القول ب"ضرورة معرفة الآخر" كلام عام ولا علاقة له بنشر "ثقافة" العدو. ألا يمكن القول إن زيارة فلسطين المغتصبة والجلوس مع العدو وعقد المؤتمرات المشتركة معه والدراسة في مؤسساته ودعوته لزيارة بلادنا وعرض منتجاته المادية والروحية تعد أيضًا من "ضرورات معرفة الآخر"؟! ملاحظة أخري: نظرًا لخطورة هذه الخطوة وتأثيرها السلبي في النضال ضد العدو المغتصب، ألم يكن الأمر يستحق أن تبادر الجريدة إلي طرح الفكرة للنقاش قبل البدء فيها؟! ألا تستحق فلسطين هذا؟! هذا كلام غير مقبول إطلاقًا. معرفة الآخر ضرورية، لكن من أجل هزيمته وليس لإدخاله إلي بيوتنا وغرف نومنا وجعل وجوده بيننا أمرًا طبيعيًا بل وأكثر من عادي. أمر آخر: كي نعرف العدو علينا تقديمه كما هو وليس كما يحب هو عن يظهر نفسه. لقد علق زميل لي من داخل فلسطين المغتصبة علي أول عددين تظهر فيهما "الثقافة العبرية" بأن وزارة خارجية العدو ما كانت لتقدم عرضًا أفضل للكتاب الصهاينة بمثل ما قُدم في "أخبار الأدب". قد يكون في كلام الزميل، وهو أديب وصحفي مطلع علي "الثقافة الصهيونية/العبرية" نوع من المبالغة ويحمل في ثناياه غضب وألم، إلا أنه يمكن إعادة صياغة ذلك بالسؤال: لماذا لا يطلب من الكتاب اليهود العرب المعادين للصهيونية، ومنهم علي سبيل المثال لا الذكر، سامي شطريت ورحيلا مزراحي وسمادر لافي وجدع جلادي وإيلا شوحط وعزرا أُحايون وغيرهم الكتابة عن الموضوع وهم أدري منا بكثير بالنفسية الإسرائيلية/الصهيونية والرسائل الخفية والضمنية التي تحملها كتب ما يسمي "الأدب العبري"؟ أنا لا أقلل هنا من مقدرتنا علي معرفة الآخر إن درسناه علي نحو علمي منهجي، لكن أليس بمقدور من أشرنا إلهم آنفًا عمل ذلك اعتمادًا علي خبرات طويلة ومعرفة مباشرة بالمجتمعات التي يعيشون فيها ومعها؟! نقطة أخري، ما سبب الكتابة عن "ثقافة" لا نريدها ولا نريد قراءتها لأنها عنصرية ومعادية للبشرية؟ هل نشر الأصدقاء في جنوب إفريقيا كتابات العنصريين الأوربيين من مهووسي خرافة تفوق ذوي البشرة البيضاء، أم حاربوا ذلك بكل من أوتوا من قوة؟! لا نريد الاستطالة أكثر ولذا ننهي مقالنا هذا بدعوة القائمين علي "أخبار الأدب" إلي وقف هذا الملحق فورًا، وفتح باب النقاش في ملف التطبيع من مختلف زواياه، ومن ضمن ذلك الدعوة إلي عقد مؤتمر لمناهضة التطبيع ومأسسته بما يخدم قضية استعادة بلادنا المغتصبة وتأسيسها دولة فلسطينية ديمقراطية علمانية مكان الكيان العنصري المغتصب. =إن الكيان الصهيوني يعيش مأزقاً وجودياً وقد وصل إلي حائط مسدود ولم يعد بإمكانه لا التقدم ولا التراجع، ولم يتم ذلك بسبب تنازلات الأنظمة العربية التي لانهاية لها، وإنما بسبب نضالات الأبطال والتصدي له في ساحات النضال والاستشهاد، وهو يعرف أنه وصل إلي نفس المرحلة التي وجد نظام بريتوريا العنصري المقبور فيها قبيل تحلله وتفككه في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولذا علينا اختيار الطريق التي تسارع في رحيله وليس مساعدته علي الاستمرار في عدوانه وغيه وقتله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.