حدث السيد محمد الشادي قال: كنت قد تركت الخدمة وأنا عميد لم ابلغ الخمسين، ومن أصحاب البنيان المتين، وقد زهقت من مراتي، التي أخذت خلقة حماتي، كما انها تعاني هشاشة العظام، ولم تعد تسمع الكلام.. ففكرت مع اصحابي الباشاوات، أصحاب الجاه والمعاشات، في عمل لا يخلو من البريستيج، فجلسنا نتشاور في الامر، فقال دفعتي تامر عبدالبر، أذهب وكلم الملاك في العمارة، وقل لهم بفصيح العبارة، انك خير من يصلح للرئاسة، لأنك من اصحاب السلطة والكياسة، فقد فعلتها قبلك بسنتين، فأصبحت مليء السمع والعين، يتقرب لي الصغير والكبير، ويوصل البواب زواري الي الاسانسير، ويوميا يغسل سيارتي الشاهين، ولا يسرق منها البنزين، ويقف بدلا مني في طابور العيش ولا يسألني عن البقشيش، بل ان زوجتي قللت من الزن والنقار، وتركتني أنام إلي نصف النهار، بعد أن كانت تبهدلني اذا لم أستيقظ قبلها، وهي ذاهبة إلي شغلها فقلت له: الله عليك لا تجدد اوجاعي وأحزاني، فأنا أسكن في الدور الثاني، وليس عندي اسانسير ولابواب، وأنا وزوجتي كما العزاب، لا ألمسها الا في الخناقات، وأدعو عليها بالمزيد من النكبات، وأتمني مماتها قبل مماتي، حتي لا تسطو علي معاشي وعلاواتي، وتتزوج عرفيا بالفلوس، وتلعن عشرتي كل خميس، فابحث لي عن شغلة تبعد عني وجهها، ولا تجعلني اخالط أمثالها، فهرش تامر جبهته، وأرخي كرافتته، وقال لي: مشكلك والله مشكل عويص، ولا يحله اجعص جعيص، فدعني أفكر عدة أيام، وكل شيء سيكون تمام التمام، حتي تحافظ علي مركزك الكبير. ولا تكون مثل دفعتنا عبدالصبور، فقلت ملهوفاً : وماذا فعل عبدالصبور؟ فقال بقلب كسير، لقد اشتري بالمكافأة محلي الفسيح، وجعله كوافيرا للنتف والتسريح، زاعما أن لا شيء يعلو علي الفلوس والنسوان، وتكفينا السنوات الطويلة من الحرمان. ودائما ما ينشد في وجوه لائميه هذه الابيات اللهم اجعله من أصحاب العاهات: إلام اللوم يا صحبي إلاما وهل نتف النساء غدا حراما أزين مرأة مثل الغورللا فتصبح مزة مثل الحمامة وأنتف حرمة كالشيخ شعرا فتغدو في النعومة كالغلاما وألمس جلدهن البض حتي كرهت كراهة الفقر المداما هجرت حليلتي غيظا وقهرا وقد أضحت عجوزا مثل ماما. وما هذا الا من قلة أدبه، وحقارة نسبه ووالله لو قدرت لعلقته من قدميه في الكراكون، وحلقت شنبه وصدره بغير صابون، حتي يصبح كما الحرمة الدكر يقول للرجال بغنج »عاوز ايه ياعمر« فقلت له أنني ياصاح لاتهمني الفلوس، ولكني أبغي البعد عن ذكر الجاموس، التي ترقد بجواري علي السرير، وتجعلني أحسد الأطرش والضرير، ولو اشتغلت سكيوريتي في عمارة، فهذا افضل من معاشرة تلك الحمارة، فقاطعني تامر وقد بان عليه الغضب، اري انك قد خرجت علي حدود الأدب، هل تريد ان تفضحنا مثلما فعل دفعتنا حسين اللحلوح، فقلت بصوت مبحوح، وماذا فعل بحق السماء؟ فقال انه الآن مدير أمن برج الشيماء وهو يجلس طوال النهار بجوار البواب، يعلمه القراءة والحساب، ويسجل موعد دخول وخروج السكان، حتي اتهموه بالهبل والجنان، وليت الامر انتهي عند هذه الافعال، بل أصبح يلعب الكرة في الشارع مع العيال، حتي شنكله مرة الباك اليمين، وهو الثقيل التخين، فظل في الجبس ثلاثة شهور، يقرأ علي الدكة »اخبار الحوادث« و»الدستور«.. ويبحلق في الجونلات والفساتين، ويتمحك في البنات والنساوين، وليت الامر انتهي عند هذا الحد، فقلت وقد أوشكت علي البكاء، وما الذي جد، فقال بصوت حزين، لقد اصبح يجلس علي الدكة بالرتب والنياشين، ويشتري في الاكياس البلاستيك العرق السوداني، ويمز بالجرجير والفول السوداني، حتي أصبحت سيرتنا علي كل لسان.. وأصبح هو الدليل والعنوان، حتي فكرنا في قتله او أسره. واخفاء ما يدل علي اثره، قبل ان يجلب علينا العار، ويطلع في نشرة الاخبار، او ينتقل الي البرج المجاور، ويطلقون عليه برج المساخر، لانهم حولوا الجراج كباريه.. وجعلوا مديره واحدا..»ابن ايه«. وهو أقدم منا بدفعتين، ويملك في البرج شقتين وقد هرش احوال حسين اللحلوح، وكيف انه قفل وبحبوح، فقرر ضمه الي بطانته، لاستغلال طوله وبدانته، لتخويف الزبائن المراهقين، وضرب الشضلية والمرشدين، وما ان علمنا بالامر، حتي ارسلنا له أقدمنا زكي عمرو، ليحذره، من مغبة تلك الافعال، ويهدده بخطف زوجاته والعيال، وفي هذا أنشأ عميدنا عمرو هذا القصيدة المليئة بالوعد والوعيد، فأنشد لا فُض فوه، ولا عاش من يشنوه: أكرر قولتي سرا وجهرا وأطعن في العدا بطنا وصدرا وأشجب من يحوز الميكروباسا ويعمل شركة للنقل سرا ومن يملك لوار للزبالة ويزعم انه بيها وحراً ولكن السفيه بلا لباس وأحقر من عوام القوم سعرا يقول بأنه باشاء .فشكرا. علي من يملأ البيداء شخرا وما ان علم »ابن الايه« بمضمون القصيدة،. حتي بعث إلينا ببنات كالقصيدة، كي يصرفونا عما كنا ننتويه، فاستطعن اغواء عميدنا عمرو الدهل، فور أن قلن له مساء الفل، وهكذا فقدنا اقدمنا رتبة، واعلانا همة، ولم يبق لي سواك، فلا تكن مثل الأخرين، وحافظ علي هيبتك، ولا تنس رتبتك. ثم سلم وانصرف، وقد بان عليه الغضب والقرف، وبقيت انا كالمسطول بغير حشيش، وقد كرهت أن اعيش، لكنه بعد اسبوع من الغياب ، قابلني بالحضن قائلا: مبروك ستكون مديراً بهيئة الكتاب.