التعليم العالي: مد التقديم لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة    محافظة القاهرة: تجهيز وإعداد المقار الانتخابية استعدادًا ل«الشيوخ»    خطوات التحويل الإلكتروني بين المدارس 2025 (الرابط والتفاصيل)    نقيب أطباء مصر يتفقد أرض النقابة وموقع النادي بمدينة قنا الجديدة    المشاط: برنامج مبادلة الديون المصري الألماني مثالًا ناجحًا لتعزيز التمويل من أجل التنمية    تتجاوز 900 ألف جنيه.. أسعار وأماكن ومميزات شقق الإسكان الأخضر    «الموت جوعًا في غزة».. الهلال الأحمر الفلسطيني يطلق نداء استغاثة للعالم    الكرملين: الموقف السائد في أوروبا بشأن توريد الأسلحة إلى أوكرانيا «خطير»    أحداث السويداء تسلط الضوء على تحالفات "قسد" والعشائر    بعد انسحاب تلا.. إعادة قرعة مجموعة بحري «أ» بدوري القسم الثاني «ب»    «يتواجد في إسبانيا».. تفاصيل مفاوضات الأهلي للتعاقد مع يزن النعيمات    نجم ريال مدريد يحذر الإدارة من رحيل فينسيوس جونيور ورودريجو    ليفربول يهزم ستوك سيتي بخماسية وديا    محمد حمدي: الإصابات منعتني من إظهار قدراتي مع الزمالك    مناهج جديدة.. قرارات عاجلة من وزير التعليم قبل بدء العام الدراسي الجديد 2025/2026    «ألقت بهما من أعلى كوبري مشاة».. المشدد 6 سنوات لربة منزل شرعت في قتل طفليها بالإسكندرية    تشييع جثمان 3 فتيات شقيقات من كفر الشيخ تعرضن للغرق أثناء الاستحمام في حوض مزرعة بالبحيرة    التفاصيل والصور الكاملة لحفل أحمد سعد وروبي بمهرجان «ليالي مراسي»    ريهام إبراهيم تقدم حفل افتتاح الدورة 18 من المهرجان القومي للمسرح    «حلالين المشاكل».. 3 أبراج لديها دائمًا حل لكل مشكلة    وزير الصحة: تعديل بعض أسعار الخدمات الطبية وتطوير الهيكل التنظيمي للتأمين الصحي    ضمن حملة «100 يوم صحة».. تقديم 5.47 مليون خدمة طبية مجانية في 4 أيام    شوبير يوضح الفارق بين إمام عاشور وأحمد فتوح في أزمة حفل راغب علامة    ب8600 جنيه شهريًا.. قسط أحدث سيارة لسوزوكي في مصر    مصر ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية وحركة 23 مارس    مايا دياب بإطلالة جريئة وتوجه رسالة لجمهورها    درة تنشر صورًا من أحدث جلسة تصوير.. والجمهور: أميرة من ديزني    لوسيد تطلق سيارتها Air Grand Touring الجديدة ب5.4 مليون جنيه.. صور    "رجع بظهره".. قطار يتخطى محطة بالخطأ في المنيا    ما يجب تناوله قبل التمرين لتعزيز الطاقة والأداء    بلدة تايوانية تشهد أسوأ أضرار جراء الأمطار منذ 50 عاما    مكتب نتنياهو: رئيس الوزراء يعاني من التهاب في الأمعاء    صراع إنجليزي على كولو مواني بعد تألقه مع يوفنتوس    رغم عدم إعلانها رسميًا.. الفلسطيني آدم كايد يظهر داخل الزمالك (صورة)    شعبة الأدوية: الشركات الأجنبية تقلص حجم إنتاجها في السوق المحلية.. وبعضها تستعد للتخارج    وزير الصناعة والنقل يتفقد 3 مصانع كبرى في مدينة العبور بمحافظة القليوبية    مجلس الوزراء: "حياة كريمة" تُغير وجه القرى المصرية.. شرايين التنمية تنبض في محافظة الشرقية    برلمانيون: الأجهزة الأمنية تواجه بكل حزم كافة المخططات الإرهابية    وداعا "للأمير النائم".. 20 عاما من الغيبوبة تنتهي بقصة خالدة في الصبر والإيمان    «المالية» تُخصص 5 مليارات جنيه لجهاز تنمية المشروعات    قناة "مصر قرآن كريم" تحيى ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا    ندوة لمناقشة كتاب "ثورة عبد الناصر" ووثائق ثورة يوليو للمؤرخ جمال شقرة.. الأربعاء 23 يوليو    نيويورك تايمز: روسيا حققت مكاسب كبيرة على الأرض فى أوكرانيا خلال يونيو    مصرع سيدة سقطت من الطابق الثامن في الإسكندرية.. ونجليها: ألقت بنفسها    توفى بعدها بدقائق.. تشييع جثامين أم ونجلها من كنيسة الأزهرى ببنى سويف.. صور    عاجل- السيسي يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية بحضور وزير الدفاع المصري    الشيخ أحمد خليل: البركة في السعي لا في التواكل    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    غلق 143 محلًا لمخالفة قرار ترشيد استهلاك الكهرباء    قرار وزاري برد الجنسية المصرية ل21 مواطنًا    ضم تخصصات جديدة، كل ما تريد معرفته عن تعديل قانون أعضاء المهن الطبية    زكى القاضى: إسرائيل لا تريد رؤية الفلسطينيين وتسعى لتفنيذ مخطط التهجير    حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    نتيجة الثانوية العامة 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام عبر موقع الوزارة (فور اعتمادها)    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    وزارة العمل تُعلن عن وظائف خالية برواتب مجزية    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيام سلوفاكية براتسلافا
شيء ما
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 10 - 2010

ثمة شيء، شيء كامن في كل مكان، ربما يسفر عن طبيعته منذ اللحظات الأولي، وربما يمضي الانسان عمراً محاولاً اكتشافه، هذا الشيء هو ما يمنح المكان خصوصية، ما يجعل الأقصر تختلف عن فينسيا، أو جهينة مغايرة لبراتسلافا، إنه ذلك الشيء الناتج عن التراكم البطيء للعناصر المرئية والخفية، منذ وصولي إلي براتسلافا وأنا أبحث عن أسباب الخصوصية، علي مقربة من الميدان الرئيسي في المنطقة القديمة حيث الخيام المنصوبة، المتجاورة بمناسبة اقتراب عيد الميلاد طبقا للتقويم الغربي، (الكريسماس)، ثمة برج يعلو بوابة من الحجر، سلافي الطابع، يتكون من ثلاثة أجزاء، مربع مستطيل تتخلله نوافذ ضيقة، يعلو البوابة الحجرية، اسمها سان ميتشيل، فوق أرضيتها رسمت دائرة حددت بالمعدن، تشير إلي الجهات الاربع الأصلية، علي كل جهة كتبت أسماء مدن، »القاهرة« داخل مثلث، علي الجانب الجنوبي الشرقي، تأملته طويلاً وبلغ من قوة الاسم وحضوره أنني شعرت كأني رأيت مدينتي.
الجزء الثامن من البرج ليس به نوافذ، إنما اربع ساعات لتحديد الوقت، كل منها تواجه جهة، يعلو البرج جوسق متدرج أخضر اللون، قاعدته بصلية الشكل وهذا ما يمنحه طابعا سلافياً، القباب السلافية مستوحاة من البصل.. يزداد نحافة كلما ارتفع إلي أعلي، البرج معلم، مهيمن علي الجزء القديم، يشرف علي ساحة صغيرة مبلطة بالحجر، يقف الشباب يشربون النبيذ الساخن المخلوط بالعسل، يعد مشروباً قومياً، اعتذرت لمرافقي عن تذوقه لأنني لا أشرب الخمر، الكل وقوف، الإعمار متقاربة، أناث وشباب، صحيح إن أهل سلوفاكيا متحفظون نسبياً لاشتغال معظمهم بالزراعة، غير أن التقاليد الأوروبية الحالية تطال المجتمع هنا، فيمكن لاثنين أن يعيشا معاً بدون زواج، وأن ينجبا، وأن تعترف الكنيسة ويعترف المجتمع بالطفل، المهم أن يأتي الطفل وليس المهم كيف جاء، بل إنني أسمع حكايات غريبة عن نساء يقررن الإنجاب، فيخرجن مع الاصدقاء إلي رحلة يتم خلالها التعارف الذي قد يحدث فيه لقاء جنسي عابر يتم خلاله الحمل، وفي ظروف أخري سمعت وقرأت عن بنوك تحتفظ بمني الذكور بحيث يكون تحت الطلب، ويتم تلقيح الأنثي التي تريد انجاب طفل بالجرعة المحفوظة من أب مجهول، هكذا يجيء الطفل يتيماً من الأب إلي العالم، تتطور العلاقات الانسانية وتتغير وتتجه إلي مسارات لا نقدر بطبيعة تربيتنا وعقائدنا أن نستوعبها، هكذا العالم الذي نعيش فيه.
خواطر عديدة توالت عليّ وأنا أقف في تلك الساحة الصغيرة تحت بوابة سان ميتشيل أحد أبرز المعالم في براتسلافا، الوجوه تفيض بالأنس وبعضها تطفر منه السعادة، بينما التطلع والأمل والترقب من الأخري، تلك الملامح لا أعرف أصحابها، كما أنهم لايعرفون عني شيئا، ربما ينتبه بعضهم إلي ذلك الغريب المتأمل، لكن لايحدث اتصال بسبب انتفاء المعرفة وصعوبة الحوار لجهلي باللغة، عندئذ أصير موجوداً وغير موجود، موجود بالفعل، بالحضور، وغير موجود لأنني لا أعرف شيئا عن هؤلاء الذين أراهم، وأن كانت تلك الحالة يمكن أن تمر بالانسان في أماكن يعرفها ويألفها، غير أن هذا نادر.
شيئا فشيئا أستوعب المدينة، غير أنني لم أمسك بعد بما يمنحها تلك الخصوصية التي أرصدها، في الصباح الباكر خرجت إلي الشوارع المحيطة بالبيت، أنه الجزء القديم، لقد خطط في القرن الثامن عشر (1871) بتوجيه من الكاردينال جوزيب باتياني رأس الكنيسة الكاثوليكية وكان مجري الأصل، مازال القصر الكبير يطل علي الساحة بطرازه الذي يعود إلي عصر النهضة، القلب القديم للمدينة مدجج بالرموز الدينية الكاثوليكية التي بنيت زمن حكم أسرة الهابسبورج التي سيطرت علي النمسا والمجر وسلوفاكيا أيضاً، ربما كان القصد الكامن محو ذكري وصول الأتراك إلي هذه المنطقة، لقد وصلت جيوش الامبراطورية العثمانية بالفعل عام 3451 إلي براتسلافا، ولكن أرتدت عن أسوار العاصمة النمسوية فيينا، بعض المؤرخين يعتبرون ذلك بداية انكسار وانحسار الامبراطورية العثمانية، ربما كان ذلك صحيحاً من الناحية العسكرية، لكن الانكسار الحقيقي بدأ في رأيي عندما تغيرت سياسة الامبراطورية إلي الضم والاستعمار عبر البلاد الإسلامية، وليس اتجاهها غربا، بدأ ذلك بالتحديد عندما قرر سليم الأول الاتجاه بجيوشه إلي الشام واعلان الحرب ضد السلطنة المملوكية في مصر، ثم بدأت الوقائع بهزيمة الجيش المصري المملوكي في مرج دابق شمال حلب، ثم الزحف إلي القاهرة بعد أن أفتي له العلماء المنافقون بفتاوي عديدة تبرر غزو مصر البلد الاسلامي، أطرفها أن السلطان المملوكي سك نقوداً عليها اسم الجلالة وهذا يعرضها للتداول وملامسة أيدي غير المسلمين لها، من هنا حق اعلان الحرب عليه واحتلال مصر!
تذكرت ذلك مبتسماً وأنا أتجول في الميدان القديم خلال الصباح الباكر، في المواجهة دكاكين صغيرة تبيع العاديات والفرو ومطعم حديث، إلي جواره مقهي، أقتربت منه، المقهي مكسو بالخشب، اللون الغالب البني بدرجاته، كل ما فيه يمت إلي البني، المقاعد لها شكل خاص، كذا المناضد البيضاوية، الأرفف تصطف فوقها علب تعرض جميع أنواع الشيكولاتة في العالم اجتزت الباب، من البرد إلي الدفء رأيت نافورة شيكولاتة، قاعدة عريضة من المعدن ترتفع منها زهرة ضخمة تعلوها أدوار تصغر شيئا فشيئا تنطلق الشيكولاتة السائلة من ذروة النافورة لتنحدر متجهة إلي أسفل إلي القاعدة حيث تعاود الدورة من جديد، أجلس إلي المنضدة واضح أنني الزبون الأول، أتطلع إلي الميدان العتيق، يتأكد يقيني أن هذا مكان فريد لم أعرف له مثيلاً في أي بلد زرته، يخيل إلي أنني أمسكت بشيء خاص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.