أكملت مجلة "أمكنة" حقبتها الأولي.. المجلة المعنية بثقافة المكان احتفلت بمرور عشر سنوات علي صدور عددها الأول. المناسبة جميلة، وتستحق التوقف والتأمل.. مجلة "أمكنة" وُلدت في مناخ ثقافي بائس شهد غياباً شبه تام للمجلات المتخصصة.. الشبيهة بأصوات وإضاءة والكتابة الأخري والكتابة السوداء والجراد وقبل كل ذلك جاليري 68، حتي مجلات الماستر التي كانت تصدر في الأقاليم بدأت في الانزواء والتراجع ولم تتبق سوي مطبوعات مؤسسات وزارة الثقافة وأغلبها هزيل ولا يُقدّم الثقافة الجادة الرفيعة. أمكنة لا تشبه كل هذه المجلات في كونها تختص بثقافة المكان في حين تُركّز الأخري علي الأدب ومجالاته، ولكننا نتحدّث عن ظاهرة عامة سيطرت علي الواقع الثقافي. لهذا السبب فإن الإصرار علي إصدارها بما تحتاجه من مجهود ضخم في الإعداد والتحرير، بالإضافة إلي تحمل القائمين عليها تكاليف طباعتها يستحق الثناء.. كان ثمة أهداف محددة للمجلة وخطوط عامة ورؤية عميقة بدأت تتشكل منذ العدد الأول.. فرغم أنها صدرت من الإسكندرية إلا أنها لم تتعامل بمنطق الدورية المحلية لأن هذا يعني الترسيخ لفكرة الصراع بين الأجنبي والوطني، (كما يقول مؤسسها علاء خالد) بينما انتهاك الحدود، لا رسمها بدقة، هو هم المجلة و هيئة تحريرها. رسّخت "أمكنة" لنوع صحفي هو الريبورتاج الأدبي الذي يكاد أن يندثر في وقتنا الراهن، وهو ما حفظ لها نوعاً من الثقل. كان الهم ألا تتحول إلي مطبوعة خفيفة يتم التخلص منها عقب قراءتها، ولكن الاحتفاظ بها في المكتبات باعتبارها وثيقة ومرجعاً يمكن العودة إليه كلما احتاج الأمر.. بهذا الشكل تمت صياغة الملفات، الفلاح والنيل والحدود والصحراء والبطل والخيال وتحولات المدن.. لم تكن رؤية عابرة ولكن تأمل عميق لمعني هذه المسميات مادياً وروحياً. نعم .. رسّخت مجلة أمكنة لفكرة أنّ للمكان حضوراً روحياً، كما أنها لم ترصده بمعزل عن الإنسان، وتجلّي هذا في الحوارات التي أجرتها المجلة ومنها الحوار مع سيد الضوي منشد السيرة الهلالية في أعماق الصعيد.. وارتباطاً بهذا لا بد من الإشارة إلي اللغة التي تسم المجلة وهي لغة رصينة ومع هذا لم تتجاهل العامية وبالأخص في حواراتها، ولكن حتي العامية لها طابع خاص رصين وغير مبتذل وينقل لهجة المتحدّث. العامية تبدو في سرد "أمكنة" أشبه بالمصابيح أو الومضات المضيئة. صاحب فكرة المجلة الأساسي هو الشاعر علاء خالد، ومعه زوجته مصورة الفوتوغرافيا سلوي رشاد التي لها إسهام أيضاً في توثيق المكان بصرياً، والشاعر مهاب نصر. آمن هؤلاء بضرورة توسيع قاعدة النقاشات لتخرج المطبوعة في أفضل شكل ورؤية، ولشهور طوال تم التحضير لها وكان للشاعر الراحل أسامة الدناصوري نصيب كبير من الاقتراحات.. واكتشفت المجلة أيضاً عدداً من الأسماء التي أصبح لها حضورها، سارة سويدان، وهبة الشيخ، ونرمين نزار، ورضوي الباروني، ومجاهد الطيب وعبد العزيز السباعي.. كما أنّ كثيرين من الكتّاب الآخرين بدوا مهتمين بالكتابة لها لإحساسهم بجديتها واختلافها. في هذا السياق لا بد من الإشادة بأمكنة والقائمين عليها، بالشد علي أيديهم وتحيتهم، لأنهم بحق أضافوا للواقع الثقافي، ولم يستسلموا لإحباطاته وما أكثرها.