" أمكنة".. مغامرة علاء خالد تدخل عامها العاشر. مغامرة مستقلة غير مدعومة من أحد، لا يمتلك أصحابها سوي الرغبة في التميز والتجريب والخروج من أسر المؤسسات الرسمية الخانقة. هكذا تأسست مجلة "أمكنة" منذ عشر سنوات. فكرة بدأت بثلاثة أشخاص: الشاعر علاء خالد وزوجته المصوّرة الفوتغرافية سلوي رشاد، والشاعر مهاب نصر(لايزال يشارك في التحرير حتي بعد سفره خارج مصر). في الأعداد العشرة التي صدرت من المجلة (بمعدل عدد كل عام) اعتماد علي الحكاية، ولكنها حكايات من نوع خاص، عن الناس العاديين، المهمشين، الذين لايملكون مكانا يروون من خلاله حكاياتهم. إنه التاريخ من "أسفل". التاريخ غير الرسمي، الذي لا تكتبه السلطة، ربما لهذا اختار علاء خالد عنوان "عشر سنوات من الحكايات" عنوانا للاحتفالية التي نظمتها مكتبة الإسكندرية. عشر سنوات كاملة استغرقها علاء في التفكير بحثا عن "طريقة" للخروج من عزلة المثقف، بعيدة عن النمطية، تحديدا بعد حرب الخليج الأولي، العديد من المجلات في تلك الفترة توقفت "أصوات وإضاءة" المعبرتان عن جماعتين أدبيتين من جيل السبعينيات، المجلات الموجودة ركزت اهتمامها في الدفاع أو ترسيخ أنواع أدبية مثل مجلتي "الكتابة الأخري" و"الجراد"، وكانت الكتابة تنحو نحو التجريب والتنظير الشكليين،أي أن النصوص كانت تتحرك في إطار شعري أكثر من أي شيء آخر. أما في الوطن العربي فكان اهتمام المجلات منصبا علي "نقد أفكار التنوير" وهي أفكار وصلت حسب تعبير علاء خالد إلي "سقف محدد" لأن الواقع بعيد عن هذه التصورات "المثالية". للخروج من هذا المأزق كان البحث عن "حس كتابي مختلف". حس "يقترب من هذا الواقع" ويبحث في "الهامش"... أو أن يتسع الإطار ليمنح مصداقية التنوع للنص والحياة معا. حسب عبارة علاء "إعادة ترتيب إحساسنا بالفن". وجد علاء في بعض النصوص المترجمة في مجلتي "الكرمل" و "مواقف" هذا الحس الكتابي المختلف، وكان المدخل الأساسي للمجلة الحوار "مع ناس عادية" وهي فكرة وجد علاء فيما بعد أن مجلة الطليعة استخدمتها عبر تقديم حوارات سياسية مع أشخاص عاديين. هذا الشكل الكتابي قدّم حلولا لمشكلة "كيف يوجد الصوت الآخر؟.. كيف يحضر بلغته ؟". ثم كانت فكرة "الرحلة.. التي تبحث عن هذا الصوت المختلف؟".. هكذا صدرت المجلة.. اهتمامها الأساسي ثقافة المكان :" ثقافته وتاريخه، الناس الذين صنعوا هذا التاريخ سواء بإرادتهم أو بحكم تواجدهم به، والخصوصية الفنية لهذا المكان، التي تكونت من ممارسات عادية لم يكن مقصودا بها الفن من قبل ، ولكنها أصبحت فنا الآن بحكم الظروف الجديدة". عندما ذهب خالد إلي " السوق الفرنساوي" في الإسكندرية لإجراء حوارات مع أفراد هذا السوق..وجد أن "كل فرد لديه حكاية. وكل حكاية لها طريقة في التناول. هذه الحكايات صادقة وواضحة، وفيها متعة التنوع والدهشة" واختار أن يتركها كما هي، بالعامية حيث لا فرق بين ما يُقال وما يُدوّن، لم تكن هناك مساحة بين "المنطوق والمدوّن. بالطبع هناك تدخل فني ومونتاج لكننا لم نضف حرفا ولم نتدخل في المادة بالتحوير أو التعديل" كما يقول خالد ومنذ هذا العدد: "بدأت فكرة الحوار مع الناس وربط ذلك بالصورة الفوتوغرافية، الحكاية هنا تحفظ خبرة شخصية، وهذا ما جعل الناس داخل المجلة وليس علي هامشها". يوضح علاء فكرته : "الحكاية تعني شيئاً ممتداً وله قابلية التداول، الحكاية تصنع شيئا آخر، أنها تفرد مساحة للمعلومة. كنت كفرد قبل هذا المشروع يائساً تماماً من المدينة، مع الخروج للناس والتحاور معه في أمكنة مختلفة استعدنا الثقة بالمستقبل". من عدد إلي آخر بدأت تترسّخ الأفكار الأساسية للمجلة.. حوارات تبحث عن الصوت الآخر، مقالات ذاتية، رحلات.. الصورة جزء رئيسي منها.."كأننا في رحلة" ولكن هذه الرحلة توصلنا إلي نتيجة غير متوقعة. الشكل نفسه "يقترح مضامين، لم يكن مخططا لها". ولكن ألا يخشي خالد من اتهام المجلة بالتمسك بأفكار حول الماضي؟ أفكار نوستالجيا؟ يجيب: " في غياب فكرة المستقبل، الكل يبحث عن مرجع، ربما نكون قد استبدلنا فكرة الحنين إلي الماضي بفكرة الحنين إلي المرجع، ربما لأنه لا يوجد أمل بمرجع جديد..وهذا يعطي إيهاماً بفكرة النوستالجيا". ولكن ثمة اتهام آخر بالحس الأنثربولوجي، ربما منذ العدد الأول كان علاء يدرك ذلك.. ولهذا كتب : " ربما الأنثروبولوجيا كانت لها نشأة استعمارية. ولكن هذا العلم أصبح له وجه آخر تجاوز السبب الذي نشأ من أجله، وهو الرحلة وراء ثقافتك وثقافة الآخرين. الفن والكتابة والرغبة في المعرفة جميعها كوّنت المكان الآخر الذي نري فيه أنفسنا وأحلامنا وماضينا. المهم الآن أن نحافظ علي أن تكون لنا حكاية". عندما تسأل علاء عن المشكلات التي يواجهها.. لا يكاد يتذكر، ليس هروبا ولكن "لأن أي عمل لابد أن يواجه مشكلات..المهم التغلب عليها". مشكلته الأساسية هي المقروئية " نطبع 1000 عدد من المجلة.. هي كمية قليلة وكأن طاقة الثقافة لا تستوعب سوي هذا العدد، كنت أتوقع أن ينفد العدد خلال أربعة أشهر ولكن لم يحدث هذا". علاء يري أن ذلك قد يرتبط بالثقافة ذاتها أو سوء الدعاية للمجلة للوصول إلي قطاعات أكبر. أساله عن التمويل؟ يجيب: "لا يوجد تمويل، بل هي مجهودات شخصية". يتذكر أن صندوق التنمية الثقافية كان يشتري 100 نسخة من كل عدد، ولكن توقف الشراء دون أي أسباب، فقط أخبروني أن وزير الثقافة رفض شراء المجلة بدون إبداء أسباب.. ولكن في الأعداد الأخيرة قدمت لنا دار الشروق إعلانا". مع تطور المجلة ظهرت فكرة كتاب "أمكنة" الذي صدر منها عددان ولكنها لم تستمر؟ يوضح علاء أسباب التوقف: "قلة الوقت وحدها سبب ذلك، إعداد المجلة يحتاج إلي وقت وجهد حقيقيين، ولكن ثمة أفكار للمستقبل نعمل عليها. أحد المهندسين عرض علينا عمل ويب سايت للمجلة، سنضع فيه كل الأعداد، كما نفكر أن تكون هناك أيقونة بعنوان "كتاب أمكنة" ننشر فيها كتابا ولكن إلكترونيا فقط"؟ ولكن ألم يخش علاء أن يحدث تأثير علي كتابته الشعرية والروائية بسبب الانشغال بالمجلة؟ يجيب: "في البداية كنت أخشي التوقف عن الكتابة، ولكن ما حدث عكس ذلك تماما، حدث تأثير إيجابي، المجلة واستطلاعاتها كانت تمرينا علي أساليب الكتابة التي مررت بها وهو ما انعكس علي الرواية، هناك تمرينٌ ما حصل تجاه اللغة كي لا تكون بسيطة وكي تكون شفافة، إنه تمرين خضته خلال سنوات المجلة العشر".