نشأت الديهي للمحافظين: كنتم فين والتعديات على النيل تحدث.. يجب إزالتها سواء عشة أو قصر    الري: أراضي طرح النهر تُمنح للأفراد بحق انتفاع وليس بعقود إيجار دائمة    متحدث اللجنة المصرية لإغاثة غزة: اكتبوا في التاريخ أن السيسي أكثر عربي وقف بجانبنا وكسر المجاعة وناصر قضيتننا    محمود مسلم: السيسي لم يتواصل مع قيادات إسرائيل منذ بدء حرب غزة.. ووصفهم ب«العدو» تطور خطير فى العلاقات    تتبقى فرصتان.. المغرب يتسبب في ضياع أولى هدايا تأهل مصر في كأس العالم للشباب    صادر له قرار هدم منذ 53 عامًا.. انهيار جزئي لعقار في جمرك الإسكندرية دون خسائر بشرية    مصرع 3 عناصر إجرامية شديدة الخطورة خلال مداهمة وكرهم ببني سويف    القائمة الأولية لمرشحي الأحزاب على المقاعد الفردية بمجلس النواب بالدقهلية    تواجد سام مرسي ومحمد شريف.. حلمي طولان يُعلن قائمة منتخب كأس العرب في معسكر أكتوبر    وزير السياحة: تحقيق طفرة في القطاع يتطلب توفير الطاقة الاستيعابية وتعزيز الربط مع الأسواق المستهدفة    نتنياهو: نسقت مع ترامب خطة قلبت الأوضاع في غزة    بعد غياب طويل.. صبري عبد المنعم يعود للظهور في مهرجان نقابة المهن التمثيلية    المحافظات ترفع الطوارئ لمواجهة ارتفاع منسوب مياه النيل: «الوضع مطمئن»    «الهيئة الوطنية» تُعلن موعد انتخابات النواب 2025 (الخريطة كاملة)    «الأوقاف» تُطلق البرنامج التثقيفى للطفل    إعلام عبرى: إسرائيل تبلغ أمريكا نيتها الإبقاء على وجودها داخل المنطقة العازلة    ترتيب الدوري الإنجليزي بعد فوز تشيلسي ضد ليفربول.. أرسنال يخطف الصدارة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مظاهرات حاشدة تطالب برحيل بنيامين نتنياهو.. ترامب: لن أتهاون مع أى تأخير من جانب حماس وسأعامل الجميع بإنصاف.. الفنان فضل شاكر يسلم نفسه للجيش اللبنانى    مصر تشيد بالدعم الفرنسي للمرشح المصري في «اليونسكو»    لأول مرة فى تاريخها.. اليابان تختار سيدة رئيسة للحكومة    بداية فصل جديد.. كيف تساعدك البنوك في إدارة حياتك بعد الستين؟    سعر الطماطم والخيار والخضار بالأسواق اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025    دوري أبطال أفريقيا.. قائمة بيراميدز في مواجهة الجيش الرواندي    بشير التابعى: مجلس الزمالك ليس صاحب قرار تعيين إدوارد ..و10 لاعبين لا يصلحون للفريق    غياب لامين يامال ورافينيا.. فليك يعلن قائمة برشلونة ضد إشبيلية في الدوري الإسباني    ثنائي المنتخب السعودي جاهز لمواجهة إندونيسيا    شريف فتحي يشارك في اجتماع غرفة المنشآت الفندقية بالأقصر    ضحايا فيضان المنوفية: ندفع 10 آلاف جنيه إيجارًا للفدان.. ولسنا مخالفين    قافلة عاجلة من «الهلال الأحمر» لإغاثة المتضررين من ارتفاع منسوب مياه النيل في المنوفية    أمطار واضطراب الملاحة.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم الأحد    سطو مسلح على محل فوري في كرداسة.. المتهمون ارتدوا أقنعة واستخدموا بندقيتين خرطوش (تفاصيل التحقيقات)    وزارة الداخلية تكشف حقيقة محاولة خطف طفلة في القليوبية    تغيرات مفاجئة ونشاط للرياح.. تفاصيل حالة الطقس حتى يوم الجمعة المقبل    أخبار × 24 ساعة.. قافلة إغاثية لمتضرري ارتفاع منسوب نهر النيل في المنوفية    تعرف على برجك اليوم 2025/10/5.. «الأسد»: تبدأ اليوم بطاقة عاطفية.. و«الحمل»: روح المغامرة داخلك مشتعلة    بعد الانتهاء من أعمال الترميم.. افتتاح تاريخي لمقبرة أمنحتب الثالث بالأقصر    رئيس قطاع الآثار: افتتاح مقبرة الملك أمنحتب الثالث فخر لمصر بعد 20 عامًا من الترميم    اللواء الدويرى: الجهاد الإسلامي حركة وطنية متوافقة مع الموقف المصري في المصالحة    هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    كيف نصل إلى الخشوع في الصلاة؟.. الدكتور يسري جبر يوضح    ياسمين الخطيب تهاجم الساخرين من فارق العمر في زواج رانيا يوسف: الدين لم يحرّم ذلك    لمتابعة الأداء ومستوى الخدمات.. حملات مرور ميدانية على الوحدات الصحية في إهناسيا ببني سويف    «الصحة» تطلق النسخة الخامسة من مؤتمر «قلب زايد» بمشاركة نخبة من خبراء أمراض القلب في مصر    «مدبولي»: أراضي طرح النهر لا يجوز التعدي عليها بالزراعة أو البناء (تفاصيل)    غدًا .. عرض 4 أفلام نادرة مرمَّمة توثّق لنصر أكتوبر المجيد    شريف العماري: الزواج السري يجعل الزوجة تعيش في حالة خوف واختباء من أبنائها ومعارفها    محافظ سوهاج يعتمد المرحلة الثالثة لقبول الطلاب بالصف الأول الثانوي للعام الدراسي الجديد    محافظ شمال سيناء يدعو المواطنين للاحتفال بذكرى انتصارات السادس من أكتوبر    المدير الرياضى للأهلى ل «الأخبار»: احتراف الشحات مرفوض وعبدالقادر يرحب بالتجديد    محافظ المنيا: الدولة تولي اهتماماً كبيراً بصحة المرأة ضمن المبادرات الرئاسية    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    ضبط عدد من قضايا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    "بداية أسطورية ل Kuruluş Osman 7" موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عثمان على قناة الفجر الجزائرية    استقبل تردد قناة صدى البلد دراما 2025 الجديد على نايل سات    مواقيت الصلاه اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    وكيل صحة سوهاج يتابع أعمال لجنة الكشف الطبي للمرشحين المحتملين لمجلس النواب    المتحف المصري بالتحرير يبرز دور الكهنة في العصر الفرعوني    اليوم.. مستقبل وطن يستقبل الأحزاب المشاركة بالقائمة الوطنية استعدادا للانتخابات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصف شمس صفراء:
ألعاب الحب والكتابة علي خلفية الحرب
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 09 - 2010

في روايتها الثانية "نصف شمس صفراء" تتحرك الروائية النيجيرية الشابة تشيماماندا نجوزي أديتشي في المسافة الفاصلة بين الرواية والتاريخ. عمل الروائي هنا يقترب من عمل المؤرخ، فالكاتبة كما أعلنت بنفسها من قبل تري الرواية باعتبارها روح التاريخ: "التاريخ يخبرك ماذا حدث، لكن الرواية الجيدة تخبرك كيف شعر الناس بما حدث، وتذّكرك أن ما حدث، قد حدث لأناس تربطك بهم صلات إنسانية مشتركة".
تشيماماندا المولودة عام 1977، والتي تحولت، بمجرد نشر روايتها الأولي "الخبيزة الأرجوانية" (تترجم أيضا الكركديه الأرجواني)، إلي ظاهرة لافتة في ساحة الأدب العالمي، تتناول في روايتها الثانية الحرب الأهلية النيجيرية المعروفة باسم حرب البيافرا. تلك الحرب التي تعتبرها موضوعاً شخصياً كونها كبرت في ظلالها. جداها قتلا فيها، أبوها تدمع عيناه حينما يتحدث عن فقده لوالده، وأمها لا تزال غير قادرة علي التحدث مطولا عن فقدها والدها في معسكر لاجئين.
تنتمي آديتشي لقبيلة الإيبو، التي حاولت الاستقلال عن نيجيريا عام 67 وأعلنت من طرف واحد قيام دولتها "بيافرا" وخاضت حربا لمدة ثلاث سنوات راح ضحيتها ثلاثة ملايين شخص، وتعرضت للحصار والمجاعة والإبادة العرقية. وتؤمن (آديتشي) أن النيجيريين لم يواجهوا حقائق الحرب. "إنها جزء من تاريخنا نخاف منه، لذا غطيناه إما بالصمت أو بالكليشيهات" كما تؤكد.
وربما يكون هذا ما دفعها للتأريخ لحرب البيافرا في روايتها هذه التي صدرت طبعتها العربية مؤخرا في القاهرة عن سلسلة الجوائز بترجمة لفاطمة ناعوت.
تقترب "نصف شمس صفراء" في مستوي من مستوياتها من ال "Soap Opera"، حيث الخلافات والأحقاد العائلية المستحكمة، وقصص الحب المحكومة بالخيانة وسوء التفاهم والمستمرة رغماً عن ذلك، حيث السعي للتشويق، مع إعطاء كافة التفاصيل بدرجة لا تترك شيئا لخيال القارئ. غير أنها Soap Opera محكمة ومبذول فيها جهد بحثي كبير. فتشيماماندا نجوزي آديتشي كما تبدو عبر روايتها هذه كاتبة محترفة ومتمكنة تقنياً، تعرف كل ما يلزم لكتابة رواية جيدة، وقادرة علي شد القارئ لعالمها بسهولة، والأهم أنها تجيد تنظيم تنفسها في الكتابة، بحيث لا تأخذها الحماسة في فصل ثم تفتر قواها في الذي يليه.
تنظيم التنفس الكتابي هذا، يمكن الاستدلال عليه بالهدوء الذي يسم السرد، وبالانضباط العاطفي الذي تتسم به الكاتبة، وبالحكمة المتسربة من وراء الجمل، وهي حكمة تكاد تقترب من حكمة الشيوخ والعجائز، من هنا يمكننا فهم ما الذي عناه تشينوا أتشيبي، عرّاب آديتشي وأحد أشد المتحمسين لها، حين قال "عادة لا نقرن الحكمة بالمبتدئين، لكن ها هي كاتبة جديدة تمتلك مهارة رواة القصص القدامي، لقد جاءت آديتشي مكتملة".
عن الحب والخيانة
الحب والحرب هما الخطان المحددان ل"نصف شمس صفراء". مع بعض المجازفة وكثير من التسامح، يمكن اعتبار الرواية محاولة للإمساك بماهية الحب، لجهة انشغالها به ومحاولتها طرح التساؤلات حوله.
قصتا الحب في الرواية تبدآن من النظرة الأولي، فأولانا بمجرد أن رأت أودينيبو راحت تفكر في أقل الطرق إيلاما لفك ارتباطها بحبيبها الأول محمد الوسيم الثري المنتمي لقبيلة الهاوسا. وريتشارد ما أن يقابل كاينين شقيقة أولانا في إحدي الحفلات حتي يقع في غرامها، وينهي علاقته بصديقته ومواطنته الإنجليزية سوزان.
تصمد قصتا الحب أمام كل العوائق بما فيها الخيانة. حين يخون أودينيبو أولانا مع الخادمة التي تحمل منه وتنجب له طفلته بيبي، تثور أولانا وتشعر بالإهانة، إلا أنها تسامحه في النهاية، بل وتربي طفلته كابنتها. وبالمثل تواصل كاينين علاقتها بريتشارد الذي نام مع شقيقتها أولانا مكتفيةً فقط بمقاطعة شقيقتها لمدة، وتدمير مخطوط الكتاب الذي كان يكتبه حبيبها عقاباً له.
أولانا هي الجميلة بألف لام التعريف، يقع جميع الرجال تقريبا في حبها، حتي أن حبيبها السابق محمد يظل كملاك حارس يتابع حياتها من بعيد، ويظهر لمساعدتها حين تقتضي الحاجة ذلك. في بداية العنف ضد قبيلتها (الإيبو) وأثناء تواجدها في مدينته كادو، يوصلها إلي محطة القطارات بسيارته البورش بعد أن يجعلها ترتدي الحجاب كي تبدو كمسلمة، انقاذا لها من أبناء قبيلته (الهاوسا) الساعين لقتل الإيبو "الكفرة". وحينما يشتد الحصار علي الإيبو ودولتهم الوليدة بيافرا وتشتد المجاعة يصل أولانا طرد منه يحتوي علي ملابس نظيفة وشيكولاتة سويسرية وقوالب صابون لوكس، ومعه خطاب كتب فيه: "أفكر فيكِ دائما. تقدمت كثيرا في لعبة البولو. أنا بخير، وأعرف أنكِ وأودينيبو بخير أيضا. حاولي أن ترسلي كلمة رد".
لكنها بدلا من أن تشعر بالامتنان لاهتمام محمد، أغضبها خطابه لشعورها أنه أهان واقعها، حين أرسل لها شيكولاتة سويسرية، هي التي لا تجد حتي الملح واضطرت لبيع باروكتها، وتقف في الطابور للحصول علي الفتات من طعام الإغاثة الدولية. لم يكن لمحمد أن يعرف كل هذا، لكنها حنقت عليه لأن نسق حياته القديمة بقي كما هو دون أي منغصات حتي أنه كتب لها عن لعبه البولو.
شخصية محمد ومعها شخصية كاينين من الشخصيات القليلة المثيرة للخيال في رواية آديتشي، وربما يعود هذا إلي أنها تخلت وهي ترسمهما عن ولعها بقول كل شيء وشرح كل المبررات والدوافع، فتركت الكثير لخيال القارئ، كما أن الشخصيتين حمتا الرواية من الوقوع في فخ الدعاية الأيديولوجية المباشرة، فمحمد أمير الهاوسا المتحضر والمحب، جاء كنقطة مضيئة في محيط من الأعداء الهاوسا الدمويين ممن يبيدون الإيبو ويطلق عليهم آجوو (خادم أودينيبو) باستمرار لقب الهمج.
وكاينين سيدة الأعمال الشابة العملية والساخرة كانت الوحيدة تقريبا من الأبطال الخمسة التي رأت مبكراً الوجه الآخر لحركة استقلال بيافرا عن نيجيريا، والوجه الآخر لأوجيوكوا رئيس بيافرا ب"شعاراته الفارغة"، والذي اكتشف قادة جيشه بعد فوات الأوان أنه لا يملك أي أسلحة سرية، رغم ترديده دائما أن "لا قوة في أفريقيا السوداء بوسعها هزيمتنا". كأنما كان يخطط لهزيمة نيجيريا بقبضتي يديه كما تعلق كاينين مستهزئة.
تظل شخصية كاينين مغلفة بالغموض المغوي، لا نعرف تماما كيف وقعت في غرام ريتشارد بشخصيته الضعيفة المترددة المناقضة لشخصيتها، كما لا نعرف تحديدا طبيعة علاقتها بلواء الجيش مادو التي تبدو أكثر حميمية من الصداقة وأقل من الحب. كما أنها، كاينين، من تختفي في النهاية خلف خطوط العدو ويبقي مصيرها غامضاً مجهولاً كأنه السر الوحيد في نص يكاد يخلو من الأسرار.
الحرب كمرتكز للسرد
تمثل الحرب بؤرة الرواية ومركزها، ليس فقط باعتبارها نقطة التحول في حياة الشخصيات والمحرك للتغيرات في رؤي بعضهم للعالم من حولهم، إنما أيضاً باعتبارها المؤثر الفعلي في بناء العمل وفي حركة الزمن فيه. تقسّم آديتشي روايتها إلي أربعة أجزاء انطلاقاً من حرب البيافرا، الجزء الأول يدور في بداية الستينيات، أي قبل الحرب، حيث حياة الرفاهية، والنقاشات الطويلة بين أودينيبو ورفاقه الأكاديميين حول آثار الاستعمار، والحب، والفن والحياة. يبدأ هذا القسم ومعه الرواية بوصول آجوو المراهق للعمل لدي السيد أودينيبو، يليه عودة أولانا لنيجيريا من لندن، وانتقالها من منزل عائلتها في لاجوس للعيش في منزل حبيبها أودينيبو في نسوكا. هنا قصص الحب في بداياتها بعيداً عن شبح الخيانة والخلافات. والحرب لم تظهر في الأفق بعد حتي وإن كانت إرهاصاتها جلية. ثم ينتقل بنا الجزء الثاني مباشرة إلي نهاية الستينيات لندخل في جحيم الحرب وأهوالها من تطهير عرقي وعنف بالغ الدموية، وتأثير ذلك علي مصائر الشخصيات والعلاقات بينها. يدفعنا هذا للاعتقاد أن آديتشي ستمضي بالزمن قدماً، إلا أنها تعود في الجزء الثالث إلي بداية الستينيات مرة أخري، لتكمل من حيث توقفت في الجزء الأول، ولتملأ لقرائها الثغرات والفجوات التي لاحظوها في الجزء الثاني، إذ طوال الجزء الثاني سيتساءل القارئ عن الطفلة "بيبي"، أهي ابنة أولانا؟ أم ابنة أدوينيبو وحده؟ سيتساءل أيضاً عن سبب القطيعة المؤقتة بين أولا وشقيقتها كاينين قبل أن ترد أحداث الجزء الثالث علي تساؤلاته. في الجزء الرابع والأخير تعود آديتشي بشخصياتها إلي أواخر الستينيات وأواخر الحرب علي حد سواء. هذا التلاعب بخط الزمن لم يأت مجانياً أو استجابة فقط لمزاج الكاتبة، إنما بالأساس كان حيلة ذكية هدفها الوصول لأقصي درجة ممكنة من التشويق والاحتفاظ بانتباه القارئ حتي آخر لحظة.
اللعبة الأخري في "نصف شمس صفراء" هي أنها بمثابة كتاب داخل كتاب، إلا أن هذه اللعبة لم تكن متقنة تمام الإتقان، إذ تختم الكاتبة بعض فصولها بمقاطع من كتاب عنوانه "العالم كان صامتاً حينما كنا نموت" ، وهي مقاطع مغرقة في التنظير السياسي المباشر للحرب وخلفياتها ودور إنجلترا في زرع الشقاق بين الإثنيات المختلفة في نيجيريا وافريقيا بشكل عام، هذه المقاطع كانت ستصبح أكثر تبريراً لو قللت آديتشي من الحوارات السياسية المباشرة بين شخصيات الرواية. ولعل ما زاد من الإحساس بنتوء هذه التنظيرات هو الوعد الذي حمله المقطع الأول من كتاب "العالم كان صامتاً حينما كنا نموت"، وهو مقطع لمسودة مشهد عنيف وغير مفهوم لأول وهلة عن امرأة جلست صامتة علي أرضية قطار تهدهد ثمرة قرع مغطاة علي حجرها، وقد اختلطت بقع الدماء بنسيج ثوبها، ليكتشف المجاورون لها أن القرعة تحوي رأس طفلتها المقتولة. وهو المشهد الذي سنصادفه مكتوباً في نسيج الرواية في الجزء الثاني منها، حيث قابلت أولانا المرأة التي تحمل رأس طفلتها المقطوع أثناء هروبها من كادو إلي نسوكا مع بداية اندلاع الحرب. المقاطع التالية من الكتاب كلها ليست روائية إنما فقرات تقريرية تشرح للقارئ خلفيات الحرب وتفاصيلها، وموقف العالم منها. سنعرف مع مواصلة القراءة أن "العالم كان صامتاً حينما كنا نموت" هو العنوان الذي اختاره ريتشارد لكتاب يكتبه، ومن هنا سنستنتج أن آديتشي تقترحه كمؤلف مفترض لروايتها، إلا أننا مع آخر جمل الرواية سنعرف أن الكاتب المفترض هو آجوو خادم أولانا وأودينيبو، حيث تكتب آديتشي: "كتب آجوو إهداءه أخيرا: إلي سيدي، رجلي الطيب".
إذ نعاود قراءة المقاطع الستة من كتاب ريتشارد/ آجوو، نكتشف أن آجوو يتحدث عن طرف آخر بضمير الغائب هو ريتشارد: "تخبره أولانا بهذه الحكاية وهو يدون التفاصيل.."، "يكتب عن الموت جوعا. الموت جوعا كان سلاح النيجيريين في الحرب". ونكتشف أن آجوو كأنما كتب الرواية استناداً إلي المخطوط الذي كتبه ريتشارد ولم يكمله، لأن خادمه هاريسون دفنه في الحديقة حين بدأت الحرب واضطروا جميعاً لمغادرة نسوكا.
عبر هذه الرواية تقدم آديتشي نفسها كناطقة بلسان عرقها وقبيلتها، كمؤرخة تؤرخ، من وجهة نظر قبيلة الإيبو، لصفحة مسكوت عنها في تاريخ نيجيريا وأفريقيا. وهو أمر لا تنكره في حواراتها الصحفية التي تؤكد فيها أيضاً علي أنها لا تكتب رواية أيديولوجية، ولا تهتم أبداً بكل البروباجاندا التبسيطية.
الكتاب: نصف شمس صفراء
المؤلف: تشيماماندا نجوزي أديتشي
المترجم: فاطمة ناعوت
الناشر: سلسلة الجوائز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.