رغم الغياب إلا أن الأثر الذي تركه اللباد، فينا جميعاً، لن ينتهي. لو بحثنا جميعاً في ذاكرتنا عن صور، سنجد بعضاً من أثر اللبّاد في ثقافتنا البصرية. الرجل الذي رحل عن 70 عاماً شغل نفسه بكيفية تقديم ثقافة بصرية لا تبعد عن هويتنا، لكنه في ظل بحثه الحثيث عن هويتنا البصرية الجمالية صاغ مشروعاً فنياً ضخماً منسوباً إليه. فن اللباد وأثره هو الموضوع الذي سنتناوله هنا.. المجالات المختلفة التي عمل بها وترك بكل منها بصمته الخاصة المركزة تجعل الحديث عنه صعباً، لن نستطيع إيفاء كل الجوانب التي عمل بها اللباد الكبير.. هو الجرافيكي، مصمم الأغلفة، الفنان، رسام الكاريكاتير ، المؤلف، الذي لا يعتمد علي الكلمة المطبوعة، بل يكتب أعماله بخط اليد وبالرسم وبالصورة أيضاً. كان التعبير الجمالي هو شاغله.. في السطور التالية نحاور عدداً من الكتاب ورسامي الكاريكاتير والفنانين.. حول تأثير اللبّاد علي "نظرنا". الفنان الذي كان يقدم نصاً موازياً في كل غلاف، نتذكر منها علي سبيل المثال "الكارثة التي تهددنا"، وصنعه لحيلة تتهم الجميع في التسبب بالكارثة بما فيهم اللباد نفسه، وارتباط كتاب إبراهيم أصلان بغلاف من إهدائه. إبراهيم أصلان: أيام حزينة عن محي يتكلم أصلان بحزن قائلاً :"الواحد صار يتلفت حوله فلا يجد إلا نثاراً قليلاً جدا من الأصدقاء. شئ يشعرك بالوحدة والبرودة والقسوة . . نحن نعيش أيام حزينة جاءت في سنة "غميقة"! محي اللباد قيمة فنية وإنسانية ضخمة. غيابه يمثل فراغاً كبيراً يصعب تعويضه علي كل المستويات. كان وطنيا، وصاحب مشروع ضخم، وإذا أردنا أن نتعرف علي قيمته الحقيقة علينا العودة لكتبه.. وهي كتب استثنائية وذات طابع متميز، قدرت وحاز بعضها الجوائز العالمية الكبيرة. فضلا أن محي كان يتميز بدرجة من النقاء والنزاهة.. هي درجة لا تتوافر إلا للقديسين. كان متوقفاً عن العمل بتصميم الغلاف، لكنه كان يصمم أغلفتي بدافع إنساني.. هكذا بدأ في عام 1992 بغلاف "وردية ليل"، وطبعة هيئة قصور الثقافة ل"عصافير النيل"، ثم دار الشروق بعدها. كان يرفض أن يتقاضي أي أجر. جميعها كانت بمثابة إهداء. علي اعتبار صداقتنا كنت أكلمه عن الجديد الذي أكتبه. رغم ذلك كان طوال السنوات الماضية يتابع كل ما أكتبه، وما أنشره في أماكن متفرقة. كان يعرف أن هذه النصوص المتفرقة ستتحول إلي كتاب في يوم من الأيام. المسألة استمرت لفترة طويلة ونتيجة لهذه المتابعة كان يعرف الحالة التي ألملمها علي مشاهد.. وحينما انتهي من الكتاب، أقول له أن "الكتاب الفلاني انتهي".. كنت أرسل نسخة الكتاب للقراءة كصديق، ثم أطلب من الدار أن يتصلوا به للاتفاق معه. لا أطلب أنا، كالعادة، بحيث يبقي الطلب من الدار، لأن هذا ما يليق بمحي اللباد. كل الأغلفة جميلة جدا، ومميزة، والكل يدرك هذا.. الغلاف الأخير تأخر فيه قليلا.. ربما بسبب المرض، لم نكن نعرف ما الذي يعاني منه الصديق الكبير.. هل هو ضيق في التنفس فقط؟ كان هذا مايشغلني، لكن جاء الغلاف مختلف. الغريب أن أرضية الغلاف اختارها الراحل من صفحات الوفيات.. كانت الأسماء مموهة. لم أكن أناقشه. ليس اللباد الفنان الكبير الذي أناقشه في تصميم غلاف كتابي.. أنا معتز جدا بهذه الطبعات. وحريص أن تظل لدي نسخ لهذه الأغلفة. رغم ذلك سأظل لآخر العمر مفتقداً للونس الذي كان يسببه لي. عادل السيوي: روحه أوسع رحيل اللباد خسارة كبيرة، فقد اهتم بفكرة الثقافة البصرية، وهو ما أصبح عملة نادرة في حياتنا الآن. الأسطي محيي الدين اللباد كان تجسيداً لفكرة الإجادة والإخلاص والإحاطة بالمهنة. مثله مثل الراحلين حسن سليمان والمعماري حسن فتحي. هذا الصنف النادر الذي يحترم مهنته ولا يخلط أوراقها ويعي جيدا ما تتطلبه من شروط إتقان وإحاطة. اللباد عرف مبكرا مجاله وهذا ما أعطاه الفرصة ليصنع طريقه الخاص بدون التخبط بين أنواع الفن التشكيلي المختلفة، فلقد حدد الرجل لنفسه مساحة صناعة الكتاب والإخراج الصحافي ليكون مساحة تحركه وإبداعه. وما ميز اللباد أنه قادم علي هذه المساحة من منطقة الثقافة والمعرفة لا من منطقة الحرفة، فاستطاع عبر هذه الخلفية الثقافية أن يمزج معرفته الفنية بأصول الحرفة ليصنع منتجه البصري المختلف تماماً. هذا ما مكنه من خلق إسهام في الثقافة البصرية، فاللباد حرر عين المتلقي المصري والعربي من الكلام واستطاع إمداد العين بمساحات بصرية جديدة ومختلفة من خلال إنتاجاته في »نَظَر« أو »كشكول الرسام« وغيرها من رسومه ومجلاته ورسومه للأطفال، حيث كان يدرب العين علي رؤية جديدة. لم يهتم فقط بصناعة الكتاب الذي تميز فيه، ولكن عقله كان يذهب إلي مجال أوسع. كل ذلك تجسد في منتج نوعي فريد يحمل شخصية اللباد الجادة والمخلصة بحيث اذا استدعيت هذه المعاني فسيكون اللباد من أوائل من يتواردون في ذهنك. ثمة إعجاب خاص أحمله للباد وهو تطويره فن الجرافيك اعتمادا علي عناصر محلية ومن تاريخنا الخاص، فتراه يستعمل مفردات وأشياء صغيرة نراها ونستعملها في حياتنا اليومية، مثل مشط، شفرة حلاقة، علبة كبريت، لكنه يضعها علي سطح محايد ليعيد تركيبها ويعيد معها تركيب عيوننا وطريقة رؤيتنا للاشياء، ليشبه بذلك الفنان المصري القديم أو الفنان العربي المسلم، عندما كان يعيد تركيب الأشياء مرة اخري، ليعطيها معني مختلفاً. خلق اللباد فنا خاصا به، ولم يكن مقلدا لفن البوب الأوروبي. محمد عبلة:الأستاذ يري التشكيلي محمد عبلة أن اللباد كان أستاذاً في كل المجالات التي عمل بها.. كانت لديه رغبة في التجديد، لأنه كان يتمتع بشعور داخلي يدفعه للبحث عن الأمانة الفنية. لم يكن يريد أن يقلد أحداً. أراد دائماً أن يكون مُبتكراً. كل أعماله كانت بهذه الروح الإبتكارية. لا أحد ينكر دوره في الإخراج الصحفي، وكذلك كانت بصمته في الفن موجودة، كمن عبَّد وسلك طريقاً خاصاً به. الكاريكاتير عنده لم يكن قفشة أو نكتة، بل هو كاريكاتور ذهني يدعو للتأمل. مبتكر في التكوين للرسمة. هو كان شيخ الطريقة في تصميم الأغلفة. سنحتاج لخمسة فنانين لنعوضه. يري عبلة أن الميزة الأساسية فيه كانت احترم المهنة، رغم تعددها، كان يتعامل معها بإعتبارها مهنة لها أصولها، ولا بد من احترامها.. كما كان كذلك باحثاً ، تكفي كتب "نظر" لتؤكد ذلك. اهتمام اللبّاد بكيفية تلقي الفنون البصرية، وكتابته عن الفن والفنانين الآخرين، كما يتسم بالثقافة، فهو لم يدخل مشروع فني إلا إذا كان ملماً بجوانبه