لم يبدأ الاهتمام بأدب الأطفال، بشكل واضح وجلي، إلا بعد عصر النهضة في أوروبا، وقبل هذا كانت إشارات مختلفة ومنجمة في كتب متنوعة تعني بأدب الأطفال، تُروي مشافهة، أو علي شكل أحجيات وحكايات وقصص تناقلتها الألسن وتداولتها بشكل أو بآخر. أما في العالم العربي، فإن الكتابة الموجهة إلي الطفل، قد واجهت صعوبات كثيرة، منها علي وجه عام تأخرها عن الظهور، فقد أشارت بعض الدراسات إلي ظهور هذه الكتابة في أواخر القرن التاسع عشر، وقد تأثر الكثير منها بما وصلنا من الكتابات الغربية بشكل عام. ورغم هذا التأخر في الظهور إلا أن أدب الأطفال قد ظهر في العالم العربي بالصورة التي ما يزال يكرسها ابتداء من نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينات من القرن الماضي. وقد استجاب هذا الظهور لمرحلتين نراهما فارقتين: المرحلة الأولي: وهي مرحلة البحث عن الجودة عبر ترجمة الكثير من المؤلفات الفرنسية والإنجليزية، ومحاولة تبييئها علي نحو تربوي يتمشي والبيئة العربية. وكانت هذه المرحلة تراهن علي خلق الدهشة لدي المتلقي، وذلك بتقديم إبداع مستخلص ومستأصل من بيئة غير عربية، وبأساليب بسيطة جدا. المرحلة الثانية: وهي مرحلة إبراز الذات بظهور كتابة عربية محلية في فنون عديدة قصة ومسرح وشعر ومجلات... وقد عمدت هذه المرحلة إلي تكييف النصوص الدينية والتراثية العربية بأساليب مبسطة، والاشتغال علي الموروث من زاوية اختزاله عبر استدعاء رموزه وأعلامه. ومن نتائج المرحلتين بروز المكتبات الخاصة بالأطفال، وأيضا دور النشر المتخصصة بأدب الطفل. والمغرب كباقي الدول العربية بدأ يهتم بأدب الأطفال حديثا، من خلال كتابات متنوعة ومختلفة أرساها كتاب معروفون سواء في مجال الكتابة الموجهة إلي الطفل، أو من خلال كتاباتهم الإبداعية. في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت الكتابة الموجهة إلي الأطفال تستجيب لهذه الفئة وللساحة الكتابية التي كانت تتغذي في بدايتها من أدب الأطفال المشرقي، الذي كان يفد إلي المكتبات المغربية من خلال مجلات ونصوص مختلفة، ونمثل هنا بمجلة مزمار، والعربي الصغير، ومجلتي، وماجد...إلخ. ونسجل كون هذه الكتابة احتضنتها في البداية جريدة العلم سنة 1947، التي أفردت حيزا تحت عنوان "صحيفة الأطفال". وأمام هذه الدينامية الكتابية الموجهة إلي الطفل أصبح من المعقول جدا طرح إشكالية الكتابة لهذه الفئة بكل ما يحمله المفهوم من متطلبات، وشروط، ومبادئ، باعتبار هذه الكتابة مَهمة شاقة تواجه المبدعين المتخصصين في أدب الأطفال وغير المتخصصين، ومن ثم جاء اهتمامنا بإشكالية الكتابة الموجهة إلي الطفل، وكيف يمكن جعلها كتابة ممتعة تستجيب لطبيعة الإدراك والنمو اللغوي عند الطفل منذ مرحلة ما قبل الكتابة إلي مرحلة الكتابة. ما نسجله كون بداية الكتابة للطفل كانت قصصية بامتياز، وكان هدفها تسلية الطفل وتنمية خياله. تحضرنا في هذا المقام اقتباسات الكاتب الفرنسي لا فونتين من كتاب كليلة ودمنة، والنسج علي منواله من قبل أدباء عرب أمثال أحمد شوقي. وتوالت الإبداعات من قبل ثلة من الكتاب العرب؛ كامل الكيلاني، وعطية الأبراشي، ومحمد سعيد العريان، ومصطفي دردير، وأحمد شيت، ومن الكتاب المغاربة، نذكر علي سبيل التمثيل لا الحصر: عبد السلام البقالي، والبكري السباعي، وعبد الرحيم المؤدن، وعبد الحميد الغرباوي، ومحمد الملياري، ومحمد مسلك، وعبد الكريم غلاب، والعربي بن جلون، وزاهرة الخديوي، وغيرهم. راهن تحديد وضبط مفهوم أدب الأطفال سواء عربيا أم غربيا، علي الطفل باعتباره المتلقي الوحيد ومحور العملية التأليفية، فكانت المادة المقدمة له قديما هي الأساطير التي بُنيت عليها القصص المروية شفويا، وبعد ذلك تقدمت القصص لتصبح لها تأثير علي الطفل، خاصة في بعدها الكتابي البصري. لقد كان وراء هذه الطفرة الموجهة إلي كتابة أدب الأطفال، وخاصة جنس القصة، هو تزايد الاهتمام التربوي في تأسيس المكتبات المدرسية ونوادي القراءة، ومجلات الحائط والإذاعة المدرسية، وأيضا اهتمام الجهات الرسمية وبعض المؤسسات الثقافية بدعم وتشجيع الكتاب والمؤلفين في مجال أدب الأطفال (اتحاد كتاب المغرب ووزارة الثقافة). اتخذ أدب الأطفال أشكالا عديدة، والمتتبع لما صدر في المغرب والعالم العربي سيجد بأن جنس القصة احتل صدارة من حيث التراكم والتفاعل الذي تحقق إنتاجيا وقرائيا. بل يمكن الاصطلاح علي القصة الموجهة إلي الطفل بالقصة البصرية التي تندرج ضمن ما يصطلح عليه بالأدب المرئيLa littérature visible، إذ تقدم للطفل قصصا عادية جدا مصحوبة بصور تمثل جميع حوادثها، وتكون هذه القصص المصورة مدعومة بكلمات قليلة واضحة ومألوفة، يستطيع من خلالها الطفل أن يفهم طبيعة القصة وأهدافها عبر وسيط بصري. وتعتمد هذه القصص المصورة علي الصور والرسومات فتوضع الصورة في جهة أو حيز وتوضع الكلمة أو الجملة، أو الفقرة مقابل الصورة أو تحتها أو بالموازاة معها. تصنع الصورة إذا في كتابة قصص الأطفال جوا واقعيا، وتساعد المتلقي الناشئ الاعتماد علي قدراته في تنمية الحس التحليلي لديه، وأيضا التفكير بالصور وإطالة النظر بين الحيزين الكتابي والبصري. إن القصة، علي سبيل التمثيل، في أدب الأطفال هي مجموعة من الأحداث الجزئية مرتبطة ومنظمة علي وجه خاص، وهذه الأحداث الجزئية تقع لشخصيات من المجتمع الإنساني أو حيوانات، أو جماد، ووقوع الأحداث الجزئية لا بد وأن يكون في فضاء معين. ثم يأتي الأسلوب الذي تسرد بواسطته الأحداث، وأيضا الموضوع الذي يكشف عن وجهة نظر الكاتب، ولا ننس الحبكة لأهميتها في كل عمل قصصي. أول ما يسأل عنه الطفل أثناء القراءة الحكبة باعتبارها الخطة والمدخل لفهم الأجواء العامة لأحداث القصة، ومن خلالها يلج الطفل عوالم الشخصيات ومعالمها. فالحبكة في الكتابة القصصية للطفل هي بمثابة الخيط الذي يمسك نسيج القصة وبنائها، ويجعل الطفل القارئ قادرا علي متابعة قراءة القصة أو سماعها ويجب الأخذ بعين الاعتبار بعض المبادئ لتوفير حبكة منسوجة بعناية ومهارة تخدم مقاصد الكتابة الموجهة إلي الطفل، وتستجيب لنسق بنائي متضام ومحبوك. تستتلزم قصص الأطفال، من منظورنا، بعض الضوابط حتي يتسني لها مسارا قرائيا سليما، يجعل قراءتها عند الطفل أشبه بمتعة اللعب، أو مشاهدة فيلم الكارتون، وتذكي لديه معرفة خاصة وتقنية محددة غالبا ما تستجيب لرغباته من فعل القراءة : أن ترتبط أحداث القصة وشخصياتها ارتباطا منطقيا، أن تتضمن القصة تخطيطا منسجما للأحداث والوقائع، أن تكون الأحداث مناسبة للموضوع الرئيس وخادمة له، أن تكون الحبكة الفنية قابلة للتصديق وبعيدة عن الغرابة، أن تكون القصة بجل مكوناتها جديدة ومسايرة وغير مستهلكة، تضمين قصة الطفل أحداثا قليلة دالة علي السبب والغاية، الارتقاء بفعل القراءة عند الطفل من خلال تطوير المسار الحكائي بخلق أجواء الصراع والتنافس...، مراعاة الجانب الإدراكي والتفاعلي والتواصلي للطفل، تنضاف إلي هذه النقط التي من شأنها جعل الطفل يتفاعل أكثر مع الكتابة القصصية الموجهة إليه بعض الخلفيات التي نراها أساسية هي الأخري، وتقترن بثلاث منافذ مهمة، هي: الموضوع السردي، التشخيص وصيغ الحكي، الشكل والسند والحجم. تطرح إشكالية الكتابة الموجهة للطفل صعوبات وإشكالات منهجية سواء علي صعيد القراءة أو الكتابة، ومما يضاعف هذه الإشكالية أن الساحة النقدية، شبه غائبة، بل إنها تزيد الوضع استشكالا بسبب التراكم الذي وصل إليه أدب الأطفال في المغرب دونما مسايرة نقدية، وهو تراكم مهم يستلزم إعادة النظر فيه وفي أشكاله. وما جاء في هذه الورقة لا يعدو أن يكون مساهمة في الاستجابة لشروط تحديد بعض إواليات الكتابة الموجهة إلي الطفل الذي يعد نصف الحاضر وكل المستقبل.