ضحي عاصي كاتبة مصرية من مواليد المنصورة درست الطب في موسكو وتجيد الروسية والفرنسية والإنجليزية وتنتمي إلي جيل الألفية الثالثة ويشغلها الهم الإنساني في كتاباتها، أصدرت مجموعتين قصصيتين هما: "فنجان قهوة" (2007) عن دار "شرقيات"، و"سعادة السوبر ماركت" (2009) عن دار "ميريت"، روزاليوسف التقتها وكان هذا الحوار: كيف كانت بدايتك مع الكتابة؟ - حبي للقراءة بكل روافدها بدأ منذ نعومة أظفاري، دفعني هذا الحب لتذوق الكتابة بكل أنواعها، فقرأت كل ما طالته يداي، وجاء تدويني لكل ما يداهم عقلي من خواطر خطوة مصاحبة لقراءاتي، مما ساعد علي نمو موهبتي القصصية، ازدادت هوايتي صقلا بعد التحاقي بالدراسة في الخارج، حيث سافرت إلي روسيا لدراسة الطب، فانتقلت من طور الهاوية إلي الاحتراف الحقيقي، بفضل مساندة كل من حولي من أهل وأصدقاء وأساتذة، مثلت لي الدعم النفسي والمعنوي والمحفز الحقيقي لمواصلة الكتابة. لماذا اخترت القصة القصيرة لتحمل إبداعاتك؟ - طوال عمري ومنذ الطفولة يداهمني القلق، حيث فتحت عيني علي هموم أكبر من عمري، وقررت الشكاية للورقة دون أن أعرف تفسيرا، لذلك اكتشفت مدي إخلاص الورقة والقلم، فقررت أن أكتب القصة التي فيها شيء من المتعة بقدر ما فيها من الألم. وأري القصة القصيرة فنًا صعبًا مقارنة بالأجناس الأدبية الأخري التي تقوم علي الاستسهال، فالقصة فن شديد التكثيف ليست بالشيء السهل وتحتاج إلي الكثير من التدريب والممارسة للوصول إلي مستوي كتابة قصصية راقية. هل تستمدين قصصك من الواقع أم الخيال؟ - لا يمكن أن تكون القصة مستمدة من الواقع بحذافيرها وفي نفس الوقت لا يمكن أن تكون خيالا محضا وبالتالي لا يمكن فصل الأدب عن الخيال بشكل تام. ما القضايا التي تشغلك في كتاباتك؟ - في بداية كتاباتي كانت أول محفزاتي الكتابية الحب والمشاعر الإنسانية الرقيقة، كما أوليت اهتماما للحوار بين الرجل والمرأة، لكن هذه المشاعر الرقيقة لم تكن تخلو من العتاب والهجر والفراق، لكن علي نهج لوم الأحبة، فأنا امرأة كلاسيكية ورومانسية الطابع، ولكن في مجموعتي القصصية الأخيرة يشغلني الهم الإنساني فالإنسان أولا وأخيرا، والكتابة منه وإليه، فالكتابة ليست خيارا بقدر ما هي حتمية. كيف تصفين نفسك وأنت تحلقين في فضاء الكتابة؟ - أنا دائمة التفاعل مع كل من حولي، وأتأثر بأي مشهد إنساني أو حدث أو حديث يلامس مشاعري، فما أشعر بذاتي إلا وقد أمسكت قلمي لأكتب ما يجول في خاطري، مفرغة شحناتي العاطفية والانفعالية علي الورق، حتي أنتهي من كتابة قصتي بالكامل، وأحيانا كثيرة لا أستطيع حتي ولو كتابة كلمة واحدة، حيث يستعصي علي الإلهام ويغيب لأيام أو يمتد غيابه لعدة أشهر. تجربة السفر إلي الخارج ماذا علمتك؟ - لقد صادقت القلم منذ فترة مبكرة من حياتي وفرض علي حبي للدراسة مغادرة مصر إلي موسكو لدراسة الطب، وأتقنت اللغة الروسية تحدثا وكتابة، وأعمل مرشدة سياحية للأفواج الروس التي تأتي إلي مصر، كما أتقنت الفرنسية والإنجليزية، وتعرفت علي ثقافات مغايرة وصداقات جديدة ونشأ بداخلي الإحساس بالغربة وعدم الشعور بالأمان والاستقرار. ضمير "الأنا" له حضور قوي في قصصك .. لماذا؟ - كما ذكرت من قبل، معظم أحوالي أثناء الكتابة تكون انفعالية لا شعورية، أي غير موجهة، حيث أتفاعل مع الحدث كأنه وقع معي، فأنا لا أصف حال الآخر، وإنما أصف إحساسي بما تفاعلت معه، فأسلوبي يعتمد علي تفاعلي مع ما أراه، ومن ثم أكتبه بإحساسي الخاص، كما أن ضمير الأنا يسهل كثيرا من اندماج القارئ مع النص القصصي المكتوب، فيشعر هو الآخر أن هذا النص هو نصه الخاص. ما معني أن تكوني قاصة في الألفية الثالثة؟ - مطلوب من كل قاص أو قاصة أو المبدع عموما أن يكتب نصا كونيا، لأننا نعيش في عصر السماوات المفتوحة والزمن متسارع بطريقة مذهلة، ويجب كتابة نصوص تحاور تجارب الآخر وتنهل منها، وتحتفظ في الوقت نفسه بأشيائها الخاصة والممتعة وهذا لا يتوفر إلا في القصة القصيرة. متي تشعرين بالألم؟ - عندما أجد نفسي عاجزة عن تحمل ما تتحمله من إزعاجات بسيطة، وعندما تطل عليها الفكرة الأولي فتنتشلها من ذاتها، وتفرض عليها أن تفعل شيئا واحدا، وأن تلبي النداء عندما تشعر بالعجز عن التفكير بالمنطق المعتاد. حريتك في الكتابة أين تقف؟ - تجربتي في الكتابة لها حدود وسقف أقف تحته ولا أتجاوزه يتمثل في احترام خصوصية وثقافة المتلقي العربي بشكل عام، ودائما ما أري الواقع وأحلم بتبديله للأفضل، فأنا أرصد الواقع بالدرجة الأولي في قصصي ويأتي الحلم في قصصي كرسم للواقع الافتراضي المراد تحقيقه كتخيل الفنان لمشهد أو صورة ما يعمل علي رسمها لكني أرسمها بريشة قلمي بكلمات شعرية. من هو الرجل في قصصك.. ومن أي زاوية ينظر للمرأة؟ - الرجل هو الرجل في المجموع والمجتمع، في القرية والمدينة، هو الطفل الذي كان، الطفل الذي ما إن تلده المرأة حتي تأخذ في تعليمه، كيف يستهين بها ويهمشها وينظر للمرأة باعتبارها ناقصة عقل. كيف تنظرين إلي تقسيم الأدب إلي أدب رجالي وأدب نسوي؟ - لا يمكن تقسيم الأدب إلي ذكوري وأنثوي، أو موجه للرجل فيكتب كذا، وموجه للمرأة فتكتب كذا، فهذه تفرقة عنصرية غير مبررة من قبل واضعيها، فالأدب هو الأدب في النهاية، مهما اختلف جنس كاتبه أو قارئه ولكن هذا لا ينكر الاختلاف الواضح في المواضيع المطروقة، وطرق طرح هذه المواضيع، وأري أن هذا الاختلاف منطقي للغاية تبعا للاختلاف النفسي والفسيولوجي لكلا الطرفين مما له الأثر علي اختيار المواضيع وكيفية الطرح والتعرض له، فالمرأة أقدر علي تفهم مشاعر ومواقف المرأة مع الإشارة إلي أن وجود المرأة لا ينفي وجود الرجل. ماذا أعطتك الكتابة؟ - تجربة الكتابة والنشر جعلتني أري العالم بمنظار آخر بعيدا عن ثنائية الأبيض والأسود حررتني إلي حد ما من مفاهيمي البسيطة عن الناس والمجتمع، وجعلتني أؤمن بالعدل والجمال والمحبة.