عرف المغرب تطورا سينمائيا مهما علي مستوي ارتفاع وثيرة الإنتاج وسَنِّ القوانين وانتظام التظاهرات السينمائية؛ إذ يعتبر الأول علي المستوي الجهوي والإقليمي، فالدولة تدعم مشاريع الأفلام وانعقاد المهرجانات وإحداث وتجديد ورقمنة القاعات السينمائية، وهو ينتج ما يزيد علي عشرين فيلما روائيا طويلا وما يربو علي ضعفها من الأفلام القصيرة كما أنه ينظم ما يتجاوز أربعين تظاهرة سينمائية يتراوح تصنيفها بين المهرجان والملتقي، ويعرف حركية نقدية نوعية علي مستوي إصدار الكتب النقدية والمقالات الأكاديمية المكتوبة بالعربية والفرنسية فضلا عن كونه يحتضن سنويا تصوير عشرات الأفلام الأجنبية بمختلف المناطق المغربية، وهو يتضمن نسيجا جمعويا ومهنيا منظما يساهم عبر الضغط الإيجابي في تطوير التجربة المغربية. عرفت هذه السنة تغييرا علي مستوي إدارة المركز السينمائي المغربي، وهو الأمر الذي جعل المعنيين بالقطاع والمهتمين ينتظرون من مديره الحالي كشف الخطوط العامة لسياسته، وذلك بعد سلسلة من لقاءاته مع الغرف والجمعيات والنقابات المهنية خاصة وأن الكثير من المهنيين يطرحون سؤال تبعية المركز الكلية لوزارة الاتصال فضلا عن عدم تصريحه بإستراتيجيته للرقي بالسينما وإخراجها من المشاكل التي تتخبط فيها، فالمركز يتوفر علي خزانة سينمائية لم يشغلها المدير السابق، وهي تنتظر بلورة خطة عملية لهيكلتها وتشغيلها كما أن المهنيين يصرحون بوجود بعض التعقيدات التي تخص الحصول علي رخص التصوير، وتأخر صرف منح الدعم فضلا عن مشكلة إغلاق القاعات السينمائية وتمركزها بمحور طنجةمراكش. بما أن السينما فن جماهيري لا تكتمل متعته دون قاعات سينمائية فإن المغاربة لا يستطيعون مشاهدة كل أو جل الأفلام السينمائية التي تدعمها الدولة والسبب يعود إلي إغلاق قاعات السينما، وغياب خطة بديلة لسد الفراغ مع العلم أن المغرب يتوفر علي شبكة كبيرة من دور الشباب والثقافة بالمدن الكبري والصغري رغم افتقار مرافقها إلي فضاءات تتوفر علي التجهيزات التي تضمن عرض الأفلام ولو في سياق ثقافي، وهنا تكمن المفارقة: فكيف يعقل أن نصرف علي أفلام لا تروج إلا في بعض المهرجانات وببعض المدن ولا تدخل ضمن دائرة العرض الثقافي؟ ألا يمكن أن تكون هذه الفضاءات العمومية مجالا حيويا يعوض القاعات السينمائية، ويساهم في جلب بعض المداخيل الرمزية من وراء عروض الأفلام علي أوسع نطاق؟ شهدت هذه السنة منع الدولة بشكل مباشر، ودون المرور عبر المساطر المتعارف عليها، لفيلم "الزين اللي فيك" للمخرج نبيل عيوش مما خلف سلسلة من النقاشات والإجراءات التي لم تنته إلي اليوم، وأهمها الشتائم التي تلقاها المخرج والممثلون بشكل مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكذا كتابات بعض رجال الدين والآراء التكفيرية التي راجت حول الفيلم فضلا عن الدعوي القضائية التي طالت المخرجة وبطلة الشريط التي تورطت مؤخرا بسبب قلة خبرتها في بعض التصريحات غير المحسوبة مما أعطي الفرصة لأعداء الفن بتعزيز مواقفهم التي لا تنفصل عما هو سياسوي خالص. إن الدرس الذي يستفاد جراء هذه الحادثة هو قدرة الفن عموما، والسينما خصوصا، علي إثارة النقاش حول بعض القضايا الحساسة في المجتمع، وامتلاكها الوسائل التعبيرية والترويجية لإيصال خطاباتها إلي أكبر عدد ممكن من الناس في زمن التكنولوجيا الحالي، فقد شاهد عدد كبير من الناس النسخة المسربة من الفيلم عبر الانترنت. استطاع النقد السينمائي المغربي أن يلفت الانتباه إلي ديناميته وجديته، فقد صار يظهر في السنوات الأخيرة ما لا يقل عن عشرة كتب فردية وجماعية تهتم بقضايا السينما عموما، وأن يهتم بعض الأكاديميين بتأطير بحوث أكاديمية تعني بقضايا السينما المغربية كما أن الجمعية المغربية لنقاد السينما تصدر بشكل فصلي "المجلة المغربية للبحث السينمائي" وتصدر جمعية أصدقاء السينما بتطوان مجلة "وشمة" بشكل سنوي، ويكتب فيهما نقاد من المغرب والعالم العربي وبعض النقاد الأجانب الذين يكتبون باللغتين الفرنسية والإسبانية إلا أن الوضع الاعتباري للناقد السينمائي في حاجة إلي المزيد من الجهد قصد تحقيق استقلاليته التامة عن الجهات الداعمة لمشاريعه سيما وأن بعض الجهات تتعامل معه بشكل براغماتي. تصدرت الأفلام المغربية قائمة المداخيل، رغم بساطتها، خلال الدورة الثالثة من السنة؛ إذ احتل فيلم "الفَرُّوجْ" (الدِّيك) لصاحبه عبد الله توگونة المرتبة الأولي علي مستوي الأفلام المغربية والأجنبية بما مجموعه 96777 متفرجا، وتلاه فيلم "الحَمَّالة" لصاحبه سعيد الناصري بما قدره 93969 متفرجا، وتبعهما الجزء الخامس من فيلم "المهمة المستحيلة: الدولة المارقة" للمخرج الأمريكي كريستوفر ماك كاري بما عدده 82682 متفرجا، وقد وصل مجموع المتفرجين خلال هذه الدورة 857428 متفرجا. وقد يظهر من هذه الأرقام أن الجمهور العام يُقْبِلُ علي الفيلم المغربي "الكوميدي" رغم تفاهته في بعض الأحيان، ويعكس ضعف ذهاب المغاربة إلي السينما وانحصار المداخيل فهل يعود ذلك إلي انحصار قاعات العرض ببعض المدن الكبري أو مقاطعة الجمهور - مقارنة مع ارتفاع عدد سكان المدن الكبري - لنوعية الأفلام الرائجة؟ تنقضي السنة السينمائية المغربية ونحن علي وشك استقبال الدورة السابعة عشرة من المهرجان الوطني للفيلم الذي أصبح ينعقد بشكل منتظم كل سنة، بل وقد خضعت الأفلام الروائية الطويلة لفرز أولي قبل المشاركة فيه مما جاء تلبية لأصوات النقاد والمهتمين للتقليص من حجم الأفلام الرديئة التي تعرض بالمسابقة الرسمية، ولكن الحقيقة الساطعة أن السينما المغربية تعاني من أزمة إبداعية حقيقية تتجلي في ضعف السيناريو، وظهور قناصي الدعم، وعدم انسجام أعضاء لجنة الدعم، فهل يعقل أن ندعم فيلما يتحدث عن أوروبا (حالة فيلم "المتمردة" مثلا) ويصرف كل ميزانيته بالخارج؟ أليس الهدف من الدعم الحد من هشاشة القطاع والحد من بطالة التقنيين والممثلين المغاربة؟ حينما نقول إن المغرب بلد السينما، فليس في الأمر أية مزايدة لأنه استقبلها واحتضنها مبكرا حينما قَدِمَ إليه الأخوان لوميير لتجريب مُخْتَرَعِهِمَا العجيب، واستطاع بعض المخرجين العالميين أن يصوروا في المغرب وأن يستقبلهم في وقت الشدة كالممثل والمخرج المبدع أورسن ويلز الذي صور فيلمه "عطيل" (1952) بمدينة الصويرة، وقدمه لمهرجان كان باسم المغرب فنال عنه السعفة الذهبية كما أن مخرجين مغاربة أبدعوا وعبروا بواسطة الكاميرا عن الثقافة المغربية في كل تجلياتها.