طالب المشاركون في مؤتمر الدراسات العبرية واليهودية "رؤي معرفية جديدة" بضروة التصدي للمزاعم التي يتبناها غير المتخصصين الذين يتناولون قضايا في مجال الفكر الديني والصراع العربي الإسرائيلي والصهيونية، مع ضرورة طرح خطاب أكاديمي يعالج مختلف قضايا الدراسات العبرية واليهودية علي نحو يضع في الاعتبار الآخر وعدم الانغلاق علي الذات.. كما أوصوا بأهمية استناد البحوث والدراسات العبرية واليهودية إلي المصادر الأصلية، وضرورة مواجهة المصطلحات الصهيونية بمصطلحات عربية قومية، حتي لا ندور في فلك المصطلحات الصهيونية، ونكون مجرد مرددين لها. وكان مؤتمر الدراسات العبرية واليهودية الذي نظمه قسم اللغة العبرية وآدابها بكلية الآداب جامعة عين شمس، واستمرت أعماله يومين، قد استهل فعالياته ببحث للدكتور إبراهيم البحراوي عن (عروبة القدس بين دعاوي مردخاي كيدار وحقائق التاريخ) أوضح فيها أن العقول الصهيونية تكرس كل الوسائل المتاحة لنفي عروبة القدس، وتزييف تاريخها منذ أنشئت، وذلك بهدف اختلاق ما يسمونه حق الملكية اليهودية لفلسطين.. مشيراً إلي تطور صور الادعاءات الصهيونية في هذا المجال، وأصبحت محل توارث من أجيال الباحثين والصهاينة. وضرب د. البحراوي مثالاً علي ذلك، عندما خصص د. مردخاي كيدار أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة بار إيلان وقته لإلقاء محاضرات عامة وأحاديث تليفزيونية، جعل محورها ادعاء الملكية التاريخية لفلسطين عامة والقدس خاصة، وللأسف الشديد تطوع باحث مصري بتبني أفكار مردخاي وترويجها علي أنها من بنات أفكاره، وهو ما اقتضي أن أتصدي لهما لكشف التزييف البين بناء علي حقائق التاريخ، وقال د. البحراوي إن هدفه من إثارة هذا الموضوع في المؤتمر هو تحفيز الباحثين الشبان لتقديم بحوث كاشفة لهذا التزييف أولاً بأول..وعن أثر الفكر اليهودي علي الثقافة الغربية المعاصرة وأبعاده السياسية والاجتماعية، جاءت مشاركة د. شهناز سمية بن الموفق (الجزائر)، أوضحت فيها أن اليهود هم روح الحضارة الغربية، كما لهم إسهامات كبيرة في تشكيل الثقافة الغربية..ومن جانبه تحدث د. عبدالخالق عبدالله (جامعة المنوفية) عن القومية والصهيونية ومعاداة السامية، مشيراً إلي قيام "تيودور هرتزل" وتلاميذه باختراع تاريخ قومي لليهود يستند علي الأساطير التوراتية، مؤكداً أن مصطلح السامية ليس صحيحاً، لأن الغرب- أيضاً- هم ساميون، وبشكل عام يقصد به كراهية اليهود، ونظرياً إن "معاداة السامية" مصطلح يناقض نفسه، فالعرب ساميون، بل ويعتبر العرب أكثر سامية من اليهود، الذين اختلطوا علي مر العصور مع غير اليهود.. وكانت مشاركة د. عطاء الله أحمد نشار (الجزائر) عن الاستيطان والفكر الصهيوني، أوضح فيها أن الصهيونية حركة أوروبية الجذور، فكراً وممارسة..لافتاً إلي أن الصهيونية تقدمت بمشروعها علي قاعدة الاسترجاع من منطلق أسطورة "شعب الله المختار"، "أرض الميعاد" ،"عودة الشعب المختار إلي وطنه".. وفي الممارسة العملية كان لابد لحركة من هذا النمط أن تعتمد أسلوب "التآمر" السياسي والدبلوماسي واستغلال التناقض بين القوي، لتمرير مشروعها ذي الطبيعة المزدوجة (اليهودية والإمبريالية). وكان ضمن فعاليات المؤتمر مشاركة علمية للدكتورة ميادة عبدالله شهاب عن أرض إسرائيل بين الحلم الصهيوني وواقع الفكر الديني اليهودي، أوضحت فيها أن أرض إسرائيل ظلت حلماً يراود كل يهودي، حتي جاءت الحركة الصهيونية مرتدية ثوب المخلص الذي سوف يجمع كل يهود العالم ويحملهم إلي تلك الأرض، إلا أنها اصطدمت بالفكر الديني اليهودي، الذي ناهضها بشدة وكشف عن حقيقة أنها ما جاءت إلا بدولة تسمي إسرائيل وليست (أرض إسرائيل) حلم اليهود، وأن الفرق بين مصطلح "الدولة" ومصطلح "الأرض" يلخص الصراع الذي نشأ بين الفكر السياسي متمثلاً في الحركة الصهيونية وبين الفكر الديني اليهودي متمثلاً في مصادره المختلفة. وقدم الباحث وائل عزالدين حمودي، دراسة حول ارتفاع نسبة التدين في الجيش الإسرائيلي، وأثره علي بنيته ومعاركه، أشار فيها إلي عدة عوامل ساعدت علي تزايد نسبة المتدينين داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ومنها آلية اختيار العسكريين، التي سمحت للمتدينين الذين يتميزون بمستوي تعليمي مرتفع، وإجادة اللغة العبرية مع وجود الدافع والرغبة في التجنيد بالوصول إلي المراكز القيادية، ولم يقتصر الانضمام إلي الخدمة العسكرية علي أبناء التيار الديني القومي الصهيوني، بل انضم "الحريديم" المتشددين، سواء من خلال وحدات خاصة بهم مثل نتساح يهودا أو من خلال الإطار العام للخدمة، وإن كان بشكل أقل من نظيره لدي التيار القومي.