يجلس طفل صغير يحمل الكرة الأرضية ويتصفحها ككتاب بين يديه، بينما يفتح عيناه عن آخرهما فيما يعبر عن شعوره بالشغف نحو المعرفة .. كانت تلك الرسمة للفنان الكوبي ألفريدو مارتيرينا فيرناندز هي العمل الذي تصّدر كتالوج الملتقي الدولي للكاريكاتير في دورته الثالثة التي أقيمت مؤخرا بقصر الفنون. وقد خرج الملتقي هذا العام ليرسخ وجوده علي ساحة الفاعليات الفنية المصرية الدولية التي يشارك فيها عشرات الفنانين من مصر والخارج، حيث عرض الملتقي هذا العام 770 عملا فنيا، لنحو 320 فنانا، من 68 دولة عربية، وأجنبية، بزيادة 40 رساما و6 دول عن العام الماضي وهي كينيا وتنزانيا وزامبيا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، وذلك من أصل 560 رساما، من 81 دولة، تقدموا بقرابة 2982 عملا كاريكاتوريا. وقع الاختيار علي موضوع التعليم كموضوع رئيسي تتمحور حوله الأعمال الفنية إضافة إلي الموضوع الحر، وحملت تلك الدورة اسم الفنان عادل البطراوي الذي رحل عن عالمنا العام الماضي، كما كرم الملتقي اثنين من رموز فن الكاريكاتير في مصر، هما الفنان عبد العزيز تاج، والفنان محمد حاكم. وقد أكد الحشد المشارك في افتتاح الملتقي علي أهمية الحدث، حيث حضر الكاتب الصحفي حلمي النمنم وزير الثقافة المصري، وموريس باندرمان وزير ثقافة كوت ديفوار، إلي جانب الدكتورة كاميليا صبحي رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية، والدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية، والدكتورة نيفين الكيلاني رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، والسيد سالم الزمانان سفير دولة الكويت، والسيد لاوريانو رودريجز كاسترو سفير جمهورية كوبا، والسيد ألكسي تيفانيان المستشار الثقافي الروسي، والسيد بارك جاي المستشار الثقافي الكوري الجنوبي، والسيدة لاوتي سوتيجا المستشار الثقافي الإندونيسي. يشارك في تنظيم هذا الملتقي عدد من الجهات علي رأسها الجمعية المصرية للكاريكاتير، بالتعاون مع اتحاد منظمات رسامي الكاريكاتير ( فيكو )، وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية، وقطاع الفنون التشكيلية، وصندوق التنمية الثقافية، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وهيئة تنشيط السياحة. ويرأس الملتقي الفنان جمعة فرحات، وقوميسيرا الملتقي الفنان فوزي مرسي، والفنان عماد عبد المقصود، ويشارك في تنظيمه الفنانون سمير عبد الغني، حسن مصري، خضر حسن، عمر صديق . إن حكاية الملتقي هي حكاية نجاح عمرها ثلاث سنوات بدأت كما يرويها لنا الفنان فوزي مرسي قوميسير عام الملتقي قائلا : أصبح الملتقي الدولي للكاريكاتير أحد أهم أسباب صناعة البهجة في العالم العربي، ولعل المشاركات التي تصلنا من كافة أنحاء العالم دليل علي ذلك النجاح الهائل الذي حققه الملتقي منذ بدايته. وعن البداية يحكي فوزي قائلا: كان الملتقي الدولي للكاريكاتير حلما لكل فنان ، ثم فكرة راودت منظميه، ثم إذا به يتحول إلي واقع رائع، وقد كانت بداية الفكرة بعد النجاح غير المسبوق لمعرض الكاريكاتير "شخصيات وملامح" الذي أقيم في 30 أكتوبر 2013 بمركز مولانا آزاد الثقافي الهندي، وافتتحته الدكتورة كاميليا صبحي رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية وأعربت عن سعادتها بالمعرض، ولذا عندما طلبت منها تنظيم معرض دولي نستضيف فيه فنانين من مختلف دول العالم رحبت جدا بالفكرة، وبالفعل بدأنا خطوات التعاون بين القطاع مع الجمعية المصرية للكاريكاتير وتم توقيع برتوكول وقع عليه الفنان الكبير أحمد طوغان.. رحمه الله وبالفعل أقيم الملتقي الأول للكاريكاتير في إبريل 2014 حول موضوع "مصر بعيون رسامي الكاريكاتير " وشارك فيه نحو 250 فنان من أكثر من ستين دولة عرضوا أكثر من 500 عمل فني، وتم اختيار الهند ضيف شرف هذه الدورة وخصصنا جزءا لأعمال فنان الكاريكاتير الهندي المرموق سودهير تايلانج الذي كان في زيارة لمصر آنذاك، والتقينا به في ورشة عمل تفاعلية، وهو فنان مرموق جدا ومع الأسف رحل أيضا عن عالمنا مؤخرا وقد حزنا جدا لخبر وفاته. يضيف فوزي: كان نجاح الملتقي بهذا الشكل المبهر حافزا لنا علي الاستمرار، وفي إبريل 2015 أقيم الملتقي الثاني واخترنا هذه المرة موضوع "الصحة" وتم اهداء هذه الدورة لروح الفنانان الكبيران مصطفي حسين وأحمد طوغان وكانت إيطاليا ضيف شرف هذه الدورة. وبدأنا التفكير في وجود فاعليات علي هامش الملتقي، وبالفعل نظمنا ندوة مع الفنانين الإيطاليين الذين تواجدوا في مصر. وفي حديثي مع الفنانة الايطالية مارلين ناردي عن الملتقي أخبرتني أنها لم تكن تتوقع أن يحقق الملتقي مثل هذا النجاح وكانت تعتقد أن عدد الاعمال المعروضة لن يتجاوز المائة عمل لكنها فوجئت بكم الأعمال وخاصة أن الملتقي بعد في بداياته. كذلك وبعد النجاح الكبير لهذه الدورة انتقل الملتقي لثلاث محافظات هي أسيوط والمنيا والإسكندرية. واستثمارا لهذا النجاح بدأنا الإعداد لهذه الدورة التي أقيمت خلال شهر مارس الماضي، وكنا قد أعلنا عن تفاصيل الملتقي في نوفمبر الماضي عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وتواصلنا مع أهم المواقع والتي تهتم بنشر أخبار مسابقات ومعارض الكاريكاتير، وقد اهتمت معظم مواقع الكاريكاتير العالمية بنشر تفاصيل الملتقي، فمثلا السنة الماضية عندما أعلنا عن الملتقي هناك مواقع لم تهتم بنشر الخبر لأن بعض المواقع يشترط وجود موقع رسمي للملتقي أو أي مسابقة علي الانترنت .. ولكن عندما أعلنا عن الملتقي الدولي الثالث للكاريكاتير جميع مواقع الكاريكاتير العالمية نشرت الخبر بلا استثناء . كذلك بدأنا في التواصل مع سفارات الدول والمراكز الثقافية لاختيار الفانيين ضيوف شرف الملتقي. وبالرغم من النجاح المبهر الذي يؤكد عليه الملتقي وتزايد أعداد الفنانين المشاركين، إلا أن هناك بعض العقبات التي تقف أمام الملتقي حيث يقول فوزي: أتمني أن يحدد لنا قطاع الفنون التشكيلية موعدا ثابتا كل عام لأن ذلك يعطينا وقتا أكبر للتحضير، والإعداد بشكل أكثر تنظيما، كما نتمني وجود راعيا، بحيث يمكننا أن نقيم مسابقة كبيرة كما يحدث في المعارض الفنية الكبري الآخري ونقدم جوائز قيمة. ويضيف فوزي : كذلك فإن واحدة من أهم المشكلات التي تقابلنا هو قلة أعداد الكتالوجات التي يطبعها القطاع والتي لا تتجاوز 500 نسخة، وهي لا تكفي نظرا لأننا نحرص علي إرسال نسخة لكل فنان مشارك، إضافة إلي الجمهور الضخم الذي يحضر إلي حفل الافتتاح وكل منهم يحرص علي أن يحصل علي الكتالوج، ولذا أتمني زيادة عدد النسخ المطبوعة وأيضا زيادة عدد الصفحات لأننا محددون ب 72 صفحة في حين تتجاوز الأعمال المعروضة 770 وبالتالي لن نستطيع نشر هذا العدد بالكتالوج ونكتفي فقط برسمة لكل فنان مشارك، ولكننا نهدف لأن يوثق الكتالوج كل تلك الأعمال الفنية العالمية فيما سيحسب لنا بلا شك. الغضب الضاحك اختار الفنان عماد عبد المقصود أن يبدأ حواره معي قائلا: "معا" مؤكدا أن تلك الكلمة تعبر خير ما تعبر عن الهدف من إقامة الملتقي الدولي للكاريكاتير والذي يكمل عامه الثالث بمزيد من التواصل والمشاركات الفنية والتبادل الثقافي وتقاسم الهموم والمشاكل والأفكار المطروحة من خلال أجواء المرح والبهجة السائدة في الأعمال الفنية المعروضة . ويضيف عماد : إذا كانت كل الآلهة الكائنة بالحضارات القديمة تحمل قسماتها الكثير مما يبعث علي الغضب والجدية ووجوها طالما كانت مكفهرة فإن الحضارة المصرية القديمة هي الوحيدة التي تجد من ضمن منظومة الآلهة لديها إلها للضحك والفكاهة "الإله بس" مما يدل علي ولع المصريين الشديد بهما حيث صور فنانوها العديد من الجداريات والمنحوتات لبعض الوجوه والموضوعات الكاريكاتورية ذات المضامين السياسية والاجتماعية الساخرة.. وعن اختيار موضوع "التعليم" هذا العام يقول عماد : هذا الموضوع يحمل رسالة للمسئولين مفادها أنه دون الاهتمام بالتعليم لن تقوم لنا قائمة بين الأمم، وفيما يتصل بقضايا التعليم والثقافة طلت علينا العديد من الوجوه الكاريكاتورية ذات الصلة والحضور القوي علي المستوي الثقافي الإنساني مثل ملالا يوسف زاي وعلي مبارك باشا وتولستوي والحوار الفلسفي الذي يوضح الفارق الكبير بين الثقافة المتعددة المشارب وأحادية الفكر والرأي. وربما أصبحت الندوات التي ينظمها الملتقي واحدة من الفاعليات المهمة للتعرف علي الآخر ، فخلال هذا العام تحدث الفنان الكوري الجنوبي د. شيونج سان ليم، وهو أكبر وأشهر الباحثين في كل ما يتعلق بفن الكاريكاتير علي مستوي العالم، في ندوتين استضافهما المركز الثقافي الكوري عن تجربته الفريدة في إقامة أكاديمية لتدريس فن الكاريكاتير عام 1990 بمدينة داي جونج وكيف انتشرت فكرة إقامة الاكاديميات في كل ربوع كوريا، حيث توجد الآن أكثر من 300 أكاديمية لتدريس فن الكاريكاتير مما يدلل علي شغف الكوريين بذلك الفن. وخلال لقائه بالفنانين المصريين تحدث ليم أيضا عن تاريخ فن الكاريكاتير وحقبه المختلفة علي مدار تاريخ كوريا الجنوبية، وكيف ارتبطت موضوعاته بالأسطورة الشعبية والحكم والأمثال منذ نشأة العرق الكوري، وأشار إلي أهم موضوعات الكاريكاتير المتناولة في الصحف الكورية وعرض بعض الأعمال الكاريكاتيرية الكورية ذات الصلة بمصر، وتناول في حديثه فن الكوميكس وأشهر الفنانين الكوريين في هذا المجال والمسابقة الدولية التي ينظمها بمعهده. يضيف عماد: تطرق د. ليم لمشكلات رسامي الكاريكاتير والتي تكمن في عدم قدرتهم علي توظيف فنهم من أجل الكسب وعن كيفية تحويل فن الكاريكاتير إلي صناعة تدر عائدا ماديا وترويجا للفنان، ثم قام بطرح أحد الحلول من وجهة نظره وتتمثل في أن يلجأ الرسامون إلي توظيف قدراتهم في تصميم الشخصيات الكرتونية والتي تفيد في أفلام الكارتون والأفلام الدعائية ومجال الإعلان والعلامات التجارية، واستعرض بعض تجارب الفنانين الكوريين، مشيرا لأهم الشخصيات الكارتونية العالمية التي صممها كوريون، وربما كان أحد الأمور الهامة التي حدثت هذا العام هو توقيع بروتوكول تبادل ثقافي بين الجمعية المصرية للكاريكاتير والمركز الثقافي الكوري الجنوبي. أما الفنان الاندونيسي جون يونس فقد تحدث في ندوة استضافها قصر الفنون عن مؤهلاته العلمية كمصمم ديكور وكفنان كاريكاتير، والأعمال التي شارك بها في اليوم العالمي للمراحيض وأيضا اليوم العالمي للمياه وكيف تم تكريمه بوضعه ضمن أفضل رسامي الكاريكاتير المشاركين علي مستوي العالم .. وتطرق يونس لأهمية الكاريكاتير في معالجة القضايا التي تهم البشرية بوجه عام مستعرضا أعماله بهذا الصدد، وخلال المناقشات التي دارت في الندوة تحدث عن السقف السياسي المحدود والذي طرحت التساؤل بشأنه الفنانة هدي شاهين وكيف يؤثر علي فن الكاريكاتير .. وبسؤاله عن انطباعه عن القاهرة كرسام كاريكاتير، وعن ذلك المشهد الذي يحب أن يرسمه حال رجوعه عن مصر، أجاب إنه ذلك المزيج العجيب بين القديم والحديث وبين الأصالة والمعاصرة ، حتي في الحياة الاجتماعية فالباعة الجائلون مثلا يرتدون ملابس عصرية ويحملون الهواتف الجوالة وهكذا . ونظرا لمد فترة الملتقي أسبوعا إضافيا فقد أضفنا فاعلية بإقامة ورشة فنية عن رسم الوجوه الكاريكاتورية بين الفنانين المصريين والفنان الإندونيسي بمقر المركز الثقافي الاندونيسي بالدقي، وشارك فيها فنانين من الإمارات وإندونيسيا والعراق والسعودية والبحرين وتونس ولبنان، ولعل تلك الفاعليات المشتركة هي خير دليل علي كون الفن جسرا قويا من جسور الثقافة.