«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تموت الكاتبات كمدا؟! (3)
من الذي صنع مأساة »مي زيادة« ؟!
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 04 - 2016

في كتابه النقدي المهم »الغربال«،والذي قدم له الكاتب عباس محمود العقاد ،والصادر عام 1923 عن المطبعة العصرية ،كتب الشاعر والأديب المهجري ميخائيل نعيمة: (عندما تتحفنا »مي « بقصيدة منثورة نتلوها ونطرب ،وعندما تفاجئنا ببحثا نتقادي دقيق نطالعه ونعجب ،لكنها عندما تعرّب لنا رواية من الطبقة الثانية أو الثالثة بين الروايات نطالعها ونسكت ،وعندما تتفلسف لنا في »غاية الحياة « نضيع معها بين جبال من المفردات السمينة والعبارات المنمقة ولا ندري أنسكت أم نصرخ).
ورغم أن ميخائيل نعيمة كان من مواطنيها ،ومهاجرا مثلها ،ولكن إلي بلاد أخري ، فمي هاجرت واستقرت في مصر ، ونعيمة هاجر واستقر في أميركا،إلا أنه كتب عنها باللهجة الساخرة أو التهكمية التي لاحظناها في السطور السابقة ،وهو هنا كان يجري قراءة لترجمتها لكتاب »بتسامات ودموع ،أو الحب الألماني« »للكاتب مكس مولر ،وكذلك يقدّم نقدا لكتابها »غاية الحياة« ، والذي ألقت بعضه كمحاضرات في الجامعة المصرية ،وبعد انتقادات حادة وجهها نعيمة للكتاب ولميّ ذاتها كتب يقول: »لا شك عندي أن السيدات اللواتي سمعن خطاب مي في الجامعة المصرية صفقن له تصفيقا حادا أكثر من موقف واحد،ومما لا شك فيه كذلك أنهن انطلقن إلي بيوتهن معجبات بحلاوة الخطاب وبراعة الخطيبة ،إنما غير عالمات عن غاية الحياة أكثر مما كن يعلمن حين دخلن قاعة الخطابة ،وذلك لأن الخطيبة انصرفت إلي نحت ألفاظها وصقل عباراتها أكثر مما انصرفت إلي ربط أفكارها وتسلسل براهينها ،فكانت مقودة بقوالبها اللغوية أكثر منها بتحاليلها الفلسفية ،فجاء ماقالته طليا، جميلا ،منمقا كتمثال من رخام ،أما روح ذلك التمثال فظلت مدفونة في قلبه الحجري«.
هنا حاول ميخائل نعيمة تجريد »مي« من قيمتها ،ومن الكامن خلف أفكارها ، ليحصرها في تنميق العبارة ،وطلاوة التعبير ، وقشابة الألفاظ ، غير مدرك أنه يقع في الأخطاء ذاتها ،ففي الفقرة التي اقتبسناها في البداية ، يصف المفردات »السمينة« ،وهو بالتأكيد يقصد أن يقول »الثمينة«، ولكنه وقع في غواية الاستماع التي ضللته ،دون أن يكون له سابق معرفة بالصفة ،وهي مكتوبة أمامه في صحيفة هنا أوهناك.
وربما لاحظ العقاد بعض ذلك في مقدمته للكتاب ، فقد عاب علي »نعيمة« انتقاده لطلاوة اللغة ،وحلاوة اللفظ ، فيقول العقاد عن »نعيمة«: (وزبدة الخلاف أن المؤلف يحسب العناية باللفظ فضولا ويري أن الكاتب أو الشاعر في حل من الخطأ مادام الغرض الذي يرمي إليه مفهوما أو اللفظ الذي يؤدي به معناه مفيدا).
كان هذا هو أوّل أشكال المؤاخذة حول ما تكتبه » مي« في الصحف والمجلات ،وما تلقيه من محاضرات في أماكن مختلفة ،مثل الجامعة المصرية ،أو الاتحاد النسائي ،أو جمعية الشابات المسيحية ،ولكننا سنلاحظماعدا ذلك أنها كانت تنال قدرا كبيرا من التبجيل والإطراء والاحترام ،وذلك من رواد ندوتها الأسبوعية ، وتجلّي ذلك في القصائد المستترة والمعلنة في شخصها ،والرسائل التي كانت تصلها من قامات ذات صيت واسع في الحياة الثقافية والفكرية والسياسية المصرية ، مثل عباس العقاد وأحمد لطفي السيد وأنطون الجميل وداود بركات ومصطفي صادق الرافعي وغيرهم .
وللأسف أن الذين كالوا لها المديح تلو المديح ، تخلّوا عنها بيسر وسهولة فيما بعد ،وكان تقدير بعضهم ،ملازما لكونها فتاة جميلة ولبقة ومتحدثة وسيدة مجتمع ، فاختصروها في أنها سيدة صالون ،أو منتدي ثقافي ، وكذلك وضعوها في محل عشق وهيام طوال الوقت ، ثم بعد رحيلها ، حولوها إلي قصة مثيرة تشبه القصص البوليسية ،وقلصوا حياتها في مجرد معشوقة ،أو صاحبة صالون في حياتها ، وبعد رحيلها أصبحت عند البعض مجنونة ،وغير متزنة.
ولم يكن هذا الأمر يخص كتابا ومبدعين ومثقفين رجعيين شامتين ،بل العكس ، فشارك في صناعة صورتها هذه كتّاب ومفكرون لهم إسهامات بالغة الأهمية في صياغة الوجدان المصري ، وعلي رأسهم المفكر سلامة موسي، الذي ذهبنا لتنصيبه أحد آباء الفكر المصري الحديث ، وهو لم يثبت علي وجهة نظر واحدة تجاه »مي« بل كان حديثه يختلف بين الحين والآخر ، ففي عام 1924 صدر لمي كتاب »بين الجزر والمدّ« عن دار الهلال ،وقدّم له سلامة ،ويبدو أن ذلك بحكم انتمائه في الدار ، فكتب ضمن ماكتب : » فهي تساير الشباب في رغبته في تجديد اللغة والميل إلي التطور والإقلاع عن الجمود ،وتسايره أيضا في نزعته إلي الإصلاح الاجتماعي أو الاشتراكي الذي كان سببا في نهوض أوروبا في الثلاثين السنة الماضية «، ويسترسل سلامة موسي في توصيف وضعية مي بين أقرانها الرجال الكتّاب، بل إنه يغالي عندما يبدي أسفا أشبه بالغبطة كما يكتب ،فهو يغبطها لذكائها وسعة ثقافتها ،ويطالبها بألا يقتصر دورها علي التنوير والإفادة ،بل يتعدي ذلك إلي إيجاد القدوة التي يقتدي بها الناشئ ويحمل منها ذلك المصباح المقدس، ويمتدحها لمجرد أنها تدافع عن اللغة العربية ،رغم أنها مسيحية ، فيكتب بالنص :» وإنه لمن أوضح البراهين علي صحة نهضتنا أن نجد آنسة مسيحية مثل مي تدافع عن العرب واللغة العربية كما يري القارئ في إحدي مقالات هذا الكتاب«.
ورغم هذا التقديم المشرق ،والتقريظ الواضح ،إلا أن سلامة موسي ، قال كلاما مسيئا أشدّ الإساءة إلي مي ،وهو كلام لا يعتمد علي نظرة علمية ،ولكنه حديث مرسل وظالم ، ويعطي انطباعا عنها شديد الرداءة، فبعد رحيلها في 19 أكتوبر عام 1941،كتب في مجلته
» لمجلة الجديدة« بتاريخ 9نوفمبر 1941 يقول بأنها لم تكن جريئة ، ولكنها كانت تمالئ المسلمين ،وكانت تخشي أن تنتقدهم لكي لا ينتقدوها ،أي أنه يهاجمها من النقطة نفسها التي كان يعتبرها مشرقة ومضيئة ، فيكتب كلاما عجيبا ،إذ يقول :«كلنا يتحدث غير ما» نكتب ،وكلنا أحرار في أحاديثنا جامدون في كتاباتنا ،ولكن مي كانت آنسة ، وقد فاتتها فرصة الزواج ،وكانت مسيحية ، فكانت لهذا السبب تخشي أقلام المعارضين لها بأكثر مما نخشي نحن « ،يستطرد في جلدها ،ولم يكن قد مرّ علي رحيلها سوي بضعة أيام ، والأكثر من ذلك ففي كتابه »تربية سلامة موسي «،شوّه صورتها بشكل أكثر اتساعا ،ورغم أن الطبعة الأولي للكتاب الذي صدر عام 1948 لم تتضمن حديثه هذا عن مي ، ولكن الطبعة الثانية التي جاءت قبل رحيله بشهور ، نشر ذكريات جديدة عن مي ،كان قد كتبها عام 1957 ،وزعم أنها أصيبت بلوثة حقيقية ،وأصبحت مجنونة بالفعل ، ويكتب بقسوة شديدة :» وعرفت بعد ذلك أن مرضها تفاقم ،وأنها التزمت مسكنها لا تخرج نحو عشرة أيام ،وصامت عن الطعام ،وكانت قد فقدت كل ما بقي لها من وجدان وتعقل ،فكانت تبول وتتبرز في أنحاء المسكن وعلي الفراش وسائر الأثاث ،وماتت جوعا وإن لم تحس أنها جائعة«!!!
ورغم أنه قال عنها في مقدمته لكتاب »بين الجزر والمد« بأنها كانت تسعي لنشر الفكر الاشتراكي وتناضل من أجله ،إلا أنه في تلك الذكريات العجيبة يقول :»كانت مي تكتب أحيانا كما لو كانت هاوية فقط تتصيد المعني الأنيق وتتخير الكلمة الحلوة ،وتقنع بذلك ، ولو أنها قد دعت إلي حرية المرأة في مصر أو إلي المذهب الاشتراكي لوجدت في الكفاح لهذه الدعوة ..ولكن مي كانت معذورة في إحجامها عن الكفاح إذ كانت تعرف أنها لو دعت إلي تحرير المرأة في مصر وكافحت لتحقيق ذلك لوجدت نفورا عظيما لأنها لم تكن مصرية ولم تكن مسلمة«!!!
ومن الأكيد أن سلامة موسي وآخرين كانوا مصرّين علي حبس مي زيادة في أقفاص هم الذين صنعوها بأنفسهم ،وبخيالاتهم ، فلو اعتني سلامة موسي بقراءة كتبها الثلاثة عن عائشة التيمورية ،ثم عن باحثة البادية ، ثم عن الشاعرة وردة اليازجي ، سيدرك جيدا الجهد الذي بذلته في صياغة أول خطاب نقدي لأدب المرأة في العالم العربي ، وقد لاحظت ذلك وأخضعته لدرس نقدي شامل الناقدة المحترمة الدكتورة ألفت كمال الروبي ، واعتبرت أن دراسات مي عن الشاعرات الثلاث ، بمثابة الفتح النقدي الكبير لخطاب المرأة في القرن العشرين ، وجدير بالذكر أن كتاب »باحثة البادية« صدر عام 1920، وكتابها عن عائشة التيمورية صدر عدة مرات ، وكتابها عن وردة اليازجي صدر عام 1924، وصدر الكتابان »باحثة البادية« و»عائشة التيمورية« عام 1999عن دار الهلال، بمقدمة للكاتبة الكبيرة صافيناز كاظم ، ولكن جاء كتاب «باحثة البادية للأسف ناقصا ،حيث إن المقدمة التي كتبها وأنصفها بقوة يعقوب صروف ، لم نجد لها أثرا في هذه الطبعة الجديدة ،وهي مقدمة في غاية الأهمية ، حيث يرسم صرّوف صورة رائعة وإيجابية لمي زيادة عام 1920، والظروف التي كلفّها فيها بكتابة أبحاث الكتاب لتنشرها في مجلته »المقتطف «، وربما تكون تلك المقدمة ،هي إحدي الدفاعات والقراءات الفريدة والأصح لدور مي في ذلك الوقت ، كما أن الكتاب حذفت منه عدة مراسلات بين مي وباحثة البادية ،ونأمل في إعادة الطبعة الأصلية والكاملة من جديد.
وفي هذه الطبعة الجديدة ،أشارت صافيناز إلي المراسلات التي كانت بين مي وأدباء عصرها مثل العقاد وجبران خليل جبران ،ولكنها لاحظت بأسف شديد أن تركيز كثيرين علي هذه المراسلات، وكأنها هي النشاط الأدبي والحياتي الوحيد لهذه الأديبة الجادة، واستطردت :» وكأنها لم تكن سوي تلك العاشقة أو المعشوقة ،وهذا يرجع إلي الأقلام التي تجاوزت في تحليلها لتلك المراسلات الحدود الواقعية إلي خيالات الظن المؤدية إلي دروب الكذب والزور والبهتان«.
وتلك الملاحظة كانت قد ساقتها كذلك الدكتورة ألفت الروبي في بحث لها عن كتاب »عائشة التيمورية«، واستهلت ألفت بحثها بأن مي زيادة ارتبط اسمها بصالونها الأدبي الذي جاء نشاطه بين عامي 1913 حتي 1933 ،وكان يحضره عدد كبير من نجوم المجتمع الثقافي والسياسي والأدبي آنذاك ،لذلك تكتب ألفت الروبي: »طغت شخصية مي بوصفها شخصية نسائية نادرة في تلك الفترة المبكرة من عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين ، ومن ثم شغل كثير ممن كتبوا عنها بكل ماهو شخصي حقيقي أو متوهم فكتبوا عن الرجال الذين حولها ،أو عرفتهم من بعيد ، ووقعوا في حبها ،كما كتبوا عن محنتها الأخيرة التي انتهت بوفاتها«.
كذلك أراد الكاتب والأديب طاهر الطناحي أن يقدّمها في كتابه »طياف من حياة مي « وراح يسرد كثيرا من لقاءاته معها ، تلك اللقاءات التي كانت بلا شهود ، وبالتالي نشر رسائل بينها وبين أحمد لطفي السيد ،وبينها وبين العقاد ، وجدير بالذكر هنا أنه لابد من التنويه عن أن عددا من الباحثين تحدثوا عن مرجع عنوانه »رسائل مي« صدر عام 1948للسيدة مادلين مرقش ،واعتبروا أنه عبارة عن رسائل مي زيادة ، وهذا المرجع ذكره الكاتب الكبير وديع فلسطين ضمن مراجعه في كتابه »مي زيادة وصالونها الأدبي، وذكرته الكاتبة وداد سكاكيني في كتابها مي في حياتها وآثارها، وذكره حسين عمر حمادة في كتابه أحاديث مي زيادة وأسرار غير متداولة عن حياتها ، وذكره كذلك خالد محمد غازي في كتابه »جنون امرأة«، وغير ذلك من كتابات أخري ،وللأسف عندما عثرت علي الكتاب ، وجدته عبارة عن رواية متخيلة ، تدور بين شخصية تدعي »مي«،وابنتها »سعاد«، ولو بذل أحد من الباحثين بعض الجهد في الاطلاع علي الكتاب ، لما انتشر هذا الكتاب كأحد المراجع المعتمدة عن مي زيادة ،وللأسف فما يخص ذلك الكتاب ، يخص معلومات كثيرة وردت في كتابات كتّاب وباحثين ،وعلي رأسهم الراحل طاهر الطناحي الذي صنع لنا حوارات متخيلة بينه وبين مي زيادة ،وكتب أنها ولدت عام 1895، رغم أن كل المراجع تقول بأنها ولدت عام 1886، وقال إن اسمها »مريم « رغم أن اسمها كان » ماري « بالإضافة إلي تلخيصها في مجرد معشوقة ،وصاحبة صالون.
ولأن »ميّ « لم تجد أحدا من الذين رافقوها في مسيرة الأدب والثقافة يدافعون عنها ،أو يكتبون الوجه الحقيقي لها ، جاء الذين تلوهم من أجيال لتثبت عندهم صورة مي ، صاحبة الصالون ،وصاحبة الوجه الأنثوي الذي عشقه الجميع ، ثم المجنونة في نهاية حياتها ، ولم تتورع بعض الكتب الموضوعة عنها وفي مسيرتها ،أن تتصدرها عناوين مثيرة ،كعناوين الروايات البوليسية.
وللأسف فإن كثيرا من رفاقها ،ورفاق رحلتها الثقافية ،أشاحوا عن رؤية مجهودها الفكري والأدبي ، ففي التأبين الذي أقامته السيدة هدي هانم شعراوي بعد رحيلها مباشرة ،نجدا أحد أقطاب الفكر والثقافة مثل طه حسين يقول :»..أريد أن أسجّل شيئين اثنين ،أحدهما أن الأدب العربي مدين »لميّ« لا بآثارها الأدبية التي أنتجتها ،ولكن بما هو أبعد من هذه الآثار وأعمق في حياتنا الأدبية الجديدة ،فميّ هي التي أسّست لأول مرة في تاريخنا الحديث هذا الصالون الذي استؤنفت فيه الحياة الأدبية المشتركة بين الرجال والنساء بعد أن انقضت عصور بغداد والأندلس«.
ولم تحظ ميّ زيادة بأي كتابة عنها من الدكتور العميد علي وجه الإطلاق ، وفي هذا التأبين اعتذر عن أنه لم يجهّز شيئا عن ذلك ، ولا يستطيع أن يقول عنها سوي ذلك في هذا المقام الخاص ،وربما لم تحظ »كاتبات وأديبات «أخريات من السيد العميد ، إلا من كتبن بالفرنسية ، وهن السيدات قوت القلوب الدمرداشية ،وجان أرقش ، والسيدة صقيلي ،وقد نلن ثلاثتهن التقريظ المبالغ فيه ، رغم أنني أشك في قيمة بعض كتابتهن.
كذلك كتب العقاد في مقاله »رجال حول مي«باللغة نفسها ، تلك اللغة التي تستبعد النظر إلي ميّ ككاتبة ذات توجه فكري وأدبي خاص ، ولكنه انشغل بالأحاديث التي كانت تدور في صالونها ، وبعض الفكاهات التي كان يتداولها البعض بين الحين والآخر ، ولم تكن تلك الطرافات سوي حرف النظر عن عمد للقيمة العليا للكاتبة والشاعرة مي زيادة.
وهناك تجربة تكاد تكون مجهولة ،وصفحة شبه غائبة عن كافة الأبحاث التي كتبت عنها ، وهي ترؤسها للقسم النسوي في صحيفة »البلاغ الأسبوعية «، ولها في ذلك الشأن مقالات وأبحاث ومتابعات مهمة ،وأعتقد أن تلك التجربة لو جمعت في كتاب ، سوف تعطي صورة جديدة عن مي زيادة ، تلك الكاتبة العظيمة ،التي صنع رفاقها والذين كانوا حولها ،مأساتها بامتياز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.