لأسباب كثيرة، أتوقف أمام قصص الأطفال، أبحث بين الحكايات عن ثلاثة أصوات؛ صوت أمي، وصوت أبلة فضيلة، وصوت أبلة أنوار أمينة مكتبة مدرستي الإبتدائية. الموجودة في الغالب لا تنصفني الذاكرة، نسيت الكثير جداً إلا الحكايات التي تركت بداخلي أثراً. الآن، لم يبق معي سوي صوت أمي، التي استعين بها، لاستعيد طفولتي، والحكايات، خصوصاً تلك التي اضطرت إلي تأليفها كي تعلمني شيئاً. منذ أيام، حملت معي قصة - وطلبت منها أن تحكيها لي كما اعتدتُ - اسمها "الفار الفرفور وزجاجة الماء المسحور"، اقتنيتها من مكتبة الهيئة العامة للكتاب، الموجودة في شارع شاملبيون بجوار دار القضاء العالي، بعدما لمحتُ عبارة فيها غمرتني بالمرح، وهي: "آه يا واد يا قط يا أبو القطاقيط". قرأت أمي القصة سريعاً، وبدت مُنزعجة، لكنها لم تقل شيئاً، وسردت الحكاية مباشرة، بلا "كان يا ماكان"، وبلا أي محاولة لتقمص دور أبطال القصة، التي تحكي عن فأر رفض أن يتناول الطعام الذي أعدته له أمه، وأراد أن يأكل البسطرمة من الشارع، وعندما فشلت أمه في اقناعه، خرج غاضباً.. وأقسم بألا يعود إلي البيت إلا إذا أكل البسطرمة، وبعدما أحس الفأر بالإرهاق، جلس تحت شجرة ليستريح، فوجد بجواره قطعة من اللحم، وزجاجة مياه، تجعل من ينظر إليها يسارع بأن يشرب منها. وبالفعل قرر الفأر أن يشرب أولاً، ثم يأكل، وبعد أن شرب غاب عن الوعي تماماً. وبعد قليل، مر القط، الذي كان جائعاً هو الآخر، ففرح بالوليمة التي وجدها؛ فأر وقطعة لحم وزجاجة سحرته أيضاً، وجعلته يلقي نفس مصير الفأر. ثم مر الكلب الذي وقع في الفخ نفسه. وأخيراً الدب. لم يستطع أي من الأربعة النجاة من سحر الزجاجة، فكلما فاق أحدهم، يشرب منها ويغيب عن الوعي. إلي أن جاء فلاح، ووجدهم يرقدون بجوار بعضهم البعض، وبالقرب منهم قطعة اللحم والزجاجة، فقال: "لابد أنهم أكلوا وشربوا من هذا الطعام، وماتوا"، فراح يحفر حفرة عميقة، وألقي قطعة اللحم والزجاجة فيها، ثم ألقي بالفأر والقط والكلب والدب في نفس الحفرة، وأهال عليهم التراب. هكذا بكل بساطة. كان الموت عقابهم. توقفت أمي عن الحكي. وساد بيننا صمت كئيب. أخذتُ القصة منها لأعرف اسم المؤلف، وهو أحمد توفيق، الذي أراد أن يخوّف الأطفال بشكل مباشر، فكتب: "كان هذا جزاء الفأر الذي لم يستمع إلي نصيحة أمه، وجزاء القط والكلب والدب الذي لم يستمع أي منهم لنصيحة عقله". عدتُ ثانية إلي نفس المكان -مكتبة الهيئة- لأري المزيد من القصص التي تثير الفزع. إلي الدور الأرضي اتجهت، لا أحدموجوداً سواي أنا والمناضد التي توفرها الهيئة علي أمل أن يأتي أطفال يطلعون علي إصداراتهم. بقيت لأكثر من ثلاث ساعات، أتصفح القصص - التي تكسوها الأتربة - علي ضوء خافت، وتكاد رأسي تصطدم بالسقف. وعرفت لِمَ هذا المكان مهجوراً. غالبية القصص قديمة، ليست المشكلة في ذلك بالطبع، إنما فيما تعكسه هذه القصص من فجوة زمنية، بين المؤلفين وبين طفل اليوم، الذي صار بإمكانه أن يطوف العالم من خلال "التابلت"، وأن يعرف كل ما نجاهد نحن في إخفائه. تجاوزت كل القصص التي لا تجذب الانتباه، ورصدت بعضا من تلك التي تقدم القيم والنصائح من خلال العنف، علي سبيل المثال قصة (الأعضاء الثائرة)، موجهة للأطفال من عمر 9 إلي 14 سنة، وصدرت عام 2008، للدكتورة نعمات إبراهيم. غلاف هذه القصة - التي رسمها عبد الرحمن بكر - كاف بأن يجعلك تنفر منها، فهي تصور طفلاً في حالة من الهلع، لأن لسانه وأذنيه ثائرون ضده، ويهددونه بألا يتعاملوا معه مرة آخري، إذ تحكي عن طفل يُدعي حسام. مدلل. عدواني. دائم الشغب؛ يلعب بالكرة في الطريق العام، ويضرب القطة بوسي، ويقطف الورود. وفي يوم، وقع حسام في إحدي برك الطين، فذهب إلي أمه، التي عاقبته، ولم تقدم له العشاء، وحين خلد للنوم، حلم بأن أعضاء جسده تنهره، لأنه لم يحسن استخدامها، وعلي لسان هذه الأعضاء عرضت الكاتبة بعضا من المعلومات عن فائدة كل منها بسرد يشوبه الملل، وبعبارات تنقل رعب حسام إلي الطفل الذي يقرأ، مثل: "لن أغفر له ما فعله بي" و"ضجت الأعضاء بالتهليل" و"انتفض انتفاضة شديدة".. بجانب كل هذا الفزع، غلبت علي الكاتبة نزعتها الدينية، كأنها توجه قصتها إلي الطفل المسلم فقط. كما أنها ختمت القصة بتحويل أخطاء حسام البسيطة إلي ذنوب حين قالت »لقد ندم علي تصرفاته، والندم أول الطريق إلي التوبة«. التصنيف الديني الذي وقعت فيه الكاتبة نعمات إبراهيم، ربما كان عن غير قصد منها، لكنه بالتأكيد كارثة، لا أعرف كيف لم تلتفت إليها لجنة النشر حينها أو أي مسئول في الهيئة طيلة هذه السنوات، لكن هناك من مؤلفي قصص الأطفال الذين تعمدوا التصنيف علي حسب الجنس في القضايا التي يقدمونها للأطفال، فهناك قصص موجهة للبنات فقط، صحيح أنك قد لا تجد إشارة مكتوبة، لكن الغلاف يعلن ذلك، ويحسمه. في عام 2013، صدرت مجموعة قصصية موجهة للأطفال من 12 إلي 15 سنة، لأبرز الكاتبات وهي نجوي السيد التي رحلت عن عالمنا يناير الماضي، بعنوان (فصل 1/1). في مقدمة المجموعة أوضحت الكاتبة أن أحداث القصص تدور في إحدي مدارس البنات بالصف الأول الإعدادي، وأنها ركزت علي عدد من القضايا المثارة في المجتمع، من بينها ختان الإناث والتحرش الجنسي. لذلك جاء الغلاف الذي رسمه محسن عبد الحفيظ يضم ثلاث بنات يكسو الخجل وجوههن. جاءت قصة الختان تحت عنوان (جمعية إنقاذ الفتيات)، وتحكي عن صديقتين، هما سميرة وعزة، الأولي نجت من فاجعة الختان، أما الثانية فتعرضت له بحكم عادات قريتها. ذهبت سميرة إلي المدرسة وهي ترتجف لما مرت به عزة، التي تم نقلها إلي إحد المستشفيات لإصابتها بنزيف شديد، كاد أن يميتها، وحين لاحظت أبلة كوثر مدرسة العلوم شرود سميرة، وعدم انتباهها لوجودها، عاتبتها، فبكت سميرة، وبعد انتهاء الحصة، طلبت أبلة كوثر من سميرة أن تعتبرها مثل أمها، فتشجعت، وحكت لها ما حدث، فوعدتها المعلمة بأن يكون الختان موضوع الحصة القادمة وبأن ينظموا ندوة كبيرة عن مدي خطورة الختان، لإنقاذ الفتيات من أي ضرر. لم توضح القصة أكثر من ذلك عن الختان، بل كانت نهايتها سعيدة، لقد تعافت عزة، وعادت إلي طبيعتها، كأن انتهاكاً لم يكن. لم يختلف الأمر كثيراّ في قصة التحرش، التي جاءت بعنوان (الأستاذ شاكر). فقد بدأت القصة بوجود ضحايا أيضاً، لم تكن واحدة، أو أثنتين، بل بنات الفصل كله، فقد اعتاد الأستاذ شاكر مدرس الإنجليزي أن يقترب من كل طالبة، ويلمس جسدها، وأحياناً يمد يده إلي خصلات شعرها، وحين فاض بالطالبات، ذهبن إلي أبلة كوثر ليشتكين لها، والتي لم تصدق ما تسمعه منهن، ووعدتهن بالتصرف فوراً، وانتشر الخبر. بعد الفسحة فوجيء الطالبات بإحدي المعلمات التي تصرخ في وجوههن دائماً، وهي أبلة نادية تدخل فصلهن وتسبهن وتشكر في الأستاذ المتحرش. وفي موعد حصة اللغة الإنجليزية دخل الأستاذ شاكر يحمل عصا، وضرب الطالبات عقاباً لهن. بينما ظهرت أبلة نادية في إحدي الرسومات من وراء نافذة الفصل، وهي تقول له: "اكسر رقابهن، بنات ناقصين تربية بصحيح". دخل الطالبات في مرحلة جديدة للدفاع عن أنفسهن، عبر أبلة كوثر، التي لم تجد طريقاً آخر، سوي الشكوي لمديرة المدرسة التي أمرت بالتحقيق في الأمر، لكن النتيجة جاءت منصفة للأستاذ المتحرش، لأن المحقق صديقه، لتتعرض الطالبات لانتكاسة آخري، لكن أبلة كوثر لم تهدأ، وطالبت بإعادة التحقيق وتغيير المحقق، وأخيراً تم انصاف الطالبات، وأصدرت المديرة قراراً بنقل الأستاذ شاكر إلي مدرسة البنين. هذا سرد مختصر جداً لقصة لا يمكنك أن تخرج منها، إلا وأنت تشعر بغصة في القلب. الأسوأ من ذلك، حينما قررت الكاتبة تحليل شخصية أبلة نادية التي انحازت للأستاذ المتحرش، قالت عنها: "داخلها رغبة مجنونة من الحقد والانتقام، كونها ليست علي قدر من الجمال، ولم تتزوج، حيث تعدت الأربعين، كل هذا أسهم في تكوينها المُعقد.. وقد كانت تنحاز للأستاذ شاكر عله يحل أزمة عنوستها ويطلبها للزواج"! ورطتنا الكاتبة هنا في قضية آخري، وهي بناء الطفل علي اعتقاد خاطئ أن كل واحدة لم تتزوج، تحمل بداخلها عقداً كثيرة، وتوصم بلقب عانس، اللفظ الذي نسعي إلي محوه من قاموس المجتمع. نفس المشكلة يقع فيها الكاتب الرجل أيضاً حين يناقش مثل هذه القضايا، يظل يلف ويدور، ونجده في نهاية القصة لم يقدم أي شيء، خصوصاً لو كان الأمر يتعلق بالجنس. ففي السنوات الأولي يصدق الطفل أن والديه جاءا به من السوق. لكن مع الوقت يحتاج إلي أن يفهم، خصوصاً عندما تنجب له الأم أخاً، ويعرف أنه كان موجوداً في بطنها، بحسب خياله، فقد ينزعج ويبكي لأنه تصور أن أمه أكلت أخيه. حاول الكاتب عبد التواب يوسف (1928 - 2015) أن يقدم للطفل إجابة حول الإنجاب، في مجموعته القصصية (آدم وحواء)، والذي قال في مقدمتها إنه موضوع شائك ويحتاج إلي بعض الوضوح والصراحة. لذلك كُتب علي الغلاف أنها قصص للبنات والأولاد. ولم يحدد السن. الحكاية الأولي بطلها الطفل صادق، الذي يجلس كثيراً مع الدادة نعيمة، والتي طالما حدثته عن الحياة، وحين سأله والده عما تقوله، أجاب أنها "تري الحياة مُرًّة وقاسية، خاصة إذا كانت الواحدة بلا زوج". كانت هذه العبارة فرصة للأب كي يحدث ابنه عن كيفية الإنجاب، فأخبره أن النباتات تتكاثر بالتزاوج، وهكذا الطيور والحيوانات، وأن نفس الأمر يحدث مع الناس. فقال الطفل: "أعرف.. أعرف". بعدها، سأل صادق شقيقة الأصغر: "هل تعرف يا سامح ما يحدث عندما يتزوح رجل من امرأة؟"، وكان الأب يراقبهما من بعيد، فأجاب: "طبعاً.. نعيمة حكت لنا كل شيء". انتهت القصة، باحمرار وجه الأب. وفي حكاية آخري، كان هناك طفل عمره ثلاث سنوات، يسأل أمه: لماذا لا يلعب الأولاد بعروسة المولد مثل البنات؟ فأخبرته الأم أن هذا ما اعتاد عليه الناس. فقال لها: "لكنني أريد عروسة، أداعبها،وألاعبها، وأضمها إلي صدري.. وفي المساء تخلع ثيابها مثلي، وأقبلُها، وأقول لها تصبحين علي خير يا حبيبتي". فحذرته الأم بأن يسمع أباه هذا الكلام. وبعد محاولات يائسة في شرائه لعروسة، طلب من أمه أن تصنع له واحدة، فوافقت، وبدأت تسأله عن الهيئة التي يريدها عليها، فأخبرها أنه يريدها هادئة ولها ضفائر سوداء، ثم قال لها: "سوف تكون معي في الفراش دائماً، تقاسمني إياه، مثلكِ وبابا". انتهت القصة، بضحكة رقيقة من الأم. رغم أن عبد التواب يوسف من أبرز رواد أدب الطفل، وفاز بجائزة أحسن كاتب للأطفال عام 1998 وغيرها من الجوائز، إلا أنه لم يقدم إجابة صريحة كما هدف من البداية، ربما لأنه مثل كثيرين يؤمن أن الجنس تابوه لا يجب أن نقترب منه، بل ذكر عبارات قد تجعل الطفل يتعمد ملاحظة ماذا يفعل والداه في الفراش، وهذا الأشد خطورة.. قصة واحدة في مكتبة الهيئة التي تناولت الجنس بشكل واضح، والتي لم أجدها ضمن قصص الأطفال، إنما بين الكتب العلمية والأدبية. القصة من تأليف ساندرين بو، وترجمتها سارة محمد سعد، صدرت العام الماضي ضمن مشروع مكتبة الأسرة واسمها "كم أنا محظوظ". أول ما يجذبك في هذه القصة هي صورها التي رسمها ماريون أربون، والتي تجعلك تظن من الوهلة الأولي أنها تتناول الحب فقط، خصوصاً من سردها الشعري، جاء فيها: "إذا عينا أمي لم تلمع. إذا نبضات قلب أبي لم تُسْرعِ. إذا لم يشغل أبي بال أمي ويتكلم معها (..) إذا لم يتزوجا ويسعدا معا ويذهبا في رحلات. إذا لم يلاحظا وهما علي ضفاف النهر جمال السماء والنجمات. إذا لم يحبا بعضهما جداً". عند هذه المرحلة، يتوقف السرد، وتأتي صورة تعبر عن اللقاء الجنسي يتوهج فيها كل من الحيوان المنوي والبويضة في جسد الأب والأم. ثم يعود السرد مرة أخري ليصف الصور التي عبرت عما يحدث بعد الجنس: "وهناك طبعاً بذور قوية عن غيرها وخطوُها سريع. لذلك تصل أولاً في السباق قبل الجميع. إذا لم تضع البذرة رأسها في البويضة عن غيرها. إذا لم تحتضن البويضة البذرة داخل قلبها. إذا لم يحب أبي وأمي كزوجين بعضهما.. لم أكن لأولد أنا ابنهما". الشيء الوحيد الذي استوقفني في هذه القصة، هو عدم تناسب الرسومات - رغم أنها بديعة - مع المعلومات التي جاءت فيها، فهي قد تجذب أكثر الأطفال في سنواتهم الأولي، والمعلومات قد يستوعبها الأطفال فوق عشر سنوات، وهي القصة الوحيدة التي اضطررتُ إلي عرضها علي طفلة عمرها سبع سنوات، كي أعرف رد فعلها، لم تفهم شيء بالتأكيد، وقالت لي "أنا خفت من الدودة اللي بتعوم في بطننا"، تقصد بالدودة الحيوان المنوي. ملاحظتي هذه، فسرتها إيمان سند، كاتبة قصص الأطفال والرئيس السابق للمركز القومي لثقافة الطفل، التي قالت إننا نستطيع أن نحدد عمر الطفل المستهدف من خلال رسومات القصة، لأن هناك كثيرا من دور النشر التي ترفض تحديد السن علي القصة. وأضافت: "إذا بدأنا من القصة الأخيرة (كم أنا محظوظ)، فهي تستهدف من عمر 7 إلي 10 سنوات، وهي قصة جميلة، وسردها بسيط، لكننا نشعر في منتصفها أن هناك جزءا تم حذفه، لا أعرف إن حدث ذلك من الترجمة، أم أن هذا هو النص الرئيسي". أما المجموعة القصصية (آدم وحواء) فمن رسومتها يتضح أنها موجهة للأطفال أقل من عشر سنوات، ومن حيث التناول، رأت أنها لم تحقق الهدف الرئيسي لها، وهو ما يترك لدي الطفل حالة من الارتباك وعدم الفهم. كما سردت إيمان سند الأهداف التي يجب أن تكون في بال أي كاتب قصص أطفال، وهي الاستمتاع، وإيصال المعلومات، وتعليم الطفل القيم الإيجابية، التي تعد أصعب هدف، لأن هناك من يقع في مشكلة الوعظ المباشر، الذي لا يتقبله الطفل، لذلك يعد تحديد السن قبل الكتابة مهماً، إذ يترتب عليه تحديد الفكرة وطريقة السرد وعدد الكلمات واستخدام اللغة بجانب مراعاة اختلاف الأزمنة. واستكملت: "إذا وجد الكاتب أثناء عمله أن هدفه لن يصل إلي الطفل، يجب علي الفور أن يستخدم وسيلة أخري، كي يتجنب لي ذراع القصة، فهناك بعض كبار السن من الكُتّاب الذين يسردون في قصصهم ذكريات طفولتهم، ولا نستطيع أن نحدد هنا هل القصة ماض أم خيال. فقضية التحذير من ضرر الختان - مثلاً - لا توجه للطفل، بل إلي الآباء، وقضية التحرش لابد أن يتم تناولها دون أن أنقل للطفل أي ألم أو تجربة سيئة، فمن الممكن أن نعلمه من خلال الرسومات والمعلومات البسيطة كيف يحافظ علي جسده، وذلك للولد والبنت معاً". أما بالنسبة لأول قصة؛ (الفار الفرفور وزجاجة الماء المسحور)، فعلق عليها الشاعر وكاتب قصص الأطفال عبده الزراع، كونه أيضاً باحثاً في الفلكلور والأدب الشعبي، قائلاً إن القصة عكست عدم وعي الكاتب بالشكل الكافي فهي مأخوذة من الموروث الشعبي، الذي يعد أحد أهم الوسائط التي يمكن لأي كاتب أطفال أن يستقي منه أفكاره، بحيث يكون قادراً علي تطويرها، وتقديمها بما يراعي المناخ الذي يعيش فيه الطفل، لكن الكاتب جعل نهايتها مأسوية، في حين أن الكتابة للأطفال هي دعوة للابتهاج متابعاً: "اليوم، يقع علي كاتب الأطفال عبئاً كبيراً، لأن الميديا أخذت الطفل منا، وجعلته يبحث بنفسه عن أي معلومة لا نجيب عليها، مثل تساؤلاته عن الله والموت والإنجاب.. صحيح أنه من الصعب الإجابة عليها بشكل مباشر، إلا أن الإجابة يجب أن تكون قريبة من الحقيقة، إضافة إلي تجنب النهايات المفتوحة، مثل التي لجأ إليها عبد التواب يوسف، وهو أستاذنا، لذلك لابد أن يكون الكاتب قريباً بشكل دائم من الطفل، ومطلعا علي اهتمامته وأفكاره، خصوصاً أن في السنوات الأخيرة دخل إلي مجال أدب الطفل عدداً كبيراً من الأدعياء". إذا كانت القصص المذكورة، وغيرها، تعكس كم الأذي الذي قد تسببه للطفل، إلا أنها عكست أيضاً الحالة النفسية لمؤلفيها، وهو ما أوضحه الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي، الذي قال إن الموهبة وحدها ليست كافية لأن يؤلف أي كاتب حكايات للأطفال، لأنه يجب أن يكون تربويا بالدرجة الأولي، وكل النماذج التي تم عرضها ليسوا تربويين، إذ استخدموا العقاب كوسيلة لتعليم الطفل، وهو ما يخلق حالة من الخوف والرعب وعدم التصالح مع النفس، خاصة القصة التي يرفض فيها أعضاء جسد الطفل التعامل معه، وقصة الفأر التي انتهت بالموت، والتي ظهر فيها اكتئاب المؤلف الذي إن لم يكن يرغب في الانتحار فهو يتمني الموت، فكاتب الطفل دائماً ما يكتب عن طفولته، وعن رغباته المكبوتة، وبدا ذلك أيضاً في القصة التي أراد فيها الطفل أن تقاسمه العروسة الفراش، وفي قصة الأب الذي احمر وجهه، فقد نقل الكاتب خجله هو، وخلق شعورا بالحرج وعدم الفهم داخل الطفل، فإن تناول الجنس بهذه الطريقة غير الواضحة، هو اغتيال للبراءة ومصادرة للنمو الطبيعي للنفس والجسد. الأمر نفسه أكدته الدكتورة هبة الله حبيب استشاري الطب النفسي، سكرتير وحدة الطب النفسي للمرأة في الجمعية العالمية للصحة النفسية، بأن الخجل من توضيح المعلومة، يجعل الطفل يعتقد أن الحديث في الجنس عيب، فيلجأ إلي مصادر أخري. قائلة: "يأتي إليّ كثير من الأطفال الذين شاهدوا صورا وأفلاما جنسية، ما جعلهم يتعرضون إلي صدمة، وفي الغالب يؤثر ذلك علي علاقتهم بوالديهم، لذلك يجب ألا تحمل القصص معلومات مغلوطة، وأن يقرأها الطفل بصحبة أمه، أو أن تُناقش هذه القصص في حصص الأحياء بالمدارس". إذا قلنا أن هذا ما وصل إليه أدب الطفل، سنكون أهدرنا مجهود الكثير من الكُتُّاب الذين يقدمون شيئاً حقيقياً، ولا يلتفت أحد إلي أسماؤهم، لكننا لا نظلم الهيئة العامة للكتاب حين نقول إنها ترهب أطفالنا، وتزرع بداخلهم عقد المجتمع.