"ومع مرور الزمن بقت الحمير المخططة حرة وطليقة في الغابة، والحمير البيضا اللي ما اتاكلش منها اتركب"، في رواية " أغسطس أسفار العبث" مد الكاتب أسامة الشاذلي خط عبث الواقع علي استقامته، لم يخلق عالم "فانتازيا"، أوعالما خياليا مخالفا للواقع كما قد يتوهم البعض، وإنما تصور سيناريو لاستمرارية عبث الواقع، وتخيل تفاصيل مبنية عليه، كأن تؤجر المتاحف لتصبح قاعات أفراح، وأن يتحول المطار إلي مستشفي للأمراض النفسية، وأن يصبح ميدان التحرير مكانا مقدسا يقصده الحجاج، ويصر بعض الثوارعلي وضع دعائم حديدية لأطفالهم حتي تمنعهم من الانحناء، وذلك بعد مرور أكثر من عشرين عاما من الوقت الراهن. القاريء غير المصري للرواية قد يتصور أن الكاتب اختار موضوعا غرائبيا، ودعمه بتفاصيل توصف بال"فانتازيا"، لكن نحن نعلم أن تفاصيل الرواية في معظمها حدثت علي أرض الواقع، مترو مزدحم وخانق أشبه بدائرة لا نهاية لها، جرائم متكررة وغياب لإحساس الأمان، قتيل يسرق أحدهم هاتفه ونقوده ويهرب، حياة تخلو من مظاهر الإنسانية. في لغة شعرية تفيض جمالا نسج الكاتب سردا محكما، واعتمد في شكل روايته علي التأثر بالكتب المقدسة وأسفارها في جزء، وتقنية اليوميات في جزء آخر لكن بمعني مختلف، حيث يدور زمن الرواية في شهر أغسطس بعد حوالي بضعة وعشرين عاما، وتتسلسل الأحداث مع مرور أيام هذا الشهر الذي يمتد ل63 يوما وينتهي بأمر سلطوي. الأبطال حسين وبهاء وخالد ورانده يحكي عنهم المؤلف باستفاضة، ويصور صراعاتهم في ظل واقع متدهور يسير نحو الانهيار بتعمد، والحوار مدهش يتكون من عامية كاشفة عن شخصيات الأبطال تُحَلِّيها الجرأة، كما احتوت الرواية علي بطلين آخرين فؤاد بك مدير أحد مكاتب البريد الذي سرق مرات عدة بنفس الطريقة، ورجل عجوز فضل الكاتب ألا يعطيه اسما، كان هذا البطل هو ما تحتوي حياته علي غرائب، وهو من استطاع أن يكشف لأحد الأبطال أسرار الواقع في بلده. الرواية محملة برموز كثيرة، كما أنها تنقد بجرأة تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وفي رأيي لم يهدف الكاتب فقط إلي تكثيف مرارة الواقع وعبثيته من خلال السخرية منه والمزايدة علي عبثيته بعبثية أكثر إثارة للضحك، وإنما كان له هدف آخر، وهو تقديم مخارج له صاغها في صورة رمزية كأن يستطيع خالد النجاة "في المشرحة فلت برق.. بس البقية صابها الغرق"، وتنتهي الرواية بفوضي متفشية وحدوتة موحية عن غابة يستسلم فيها الحمير ويضحون ببعض منهم، والحمير الذين تمت التضحية بهم هم من ينجون ويتحررون. هذه هي الرواية السادسة للكاتب أسامة الشاذلي وصدرت مؤخرا عن دار نشر الياسمين، وهو روائي مصري، أصدر أولي مجموعاته القصصية باسم "نديم العدم"، وتبعها 2006 بمجموعة "جمهورية الغابة العربية"، ورواية "سيد الاحلام" 2009 ، ثم صدر له عام 2010 رواية "قهوة الحرية"، كما حقق نجاحًا ملحوظًا ببعض المقالات الساخرة المقروءة.