علي الرغم من أن حقوق الملكية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحقوق الإنسان، فلم يبدأ الأخذ بها في بلادنا إلا في 1954، حين صدر قانون يحمي هذه الحقوق، وينص في إحدي مواده الأخري علي إيداع عدد من نسخ المؤلفات في دار الكتب القومية. ولهذا فإن الكتب التي صدرت بعد هذا التاريخ ولم تودع في دار الكتب تعتبر مخالفة للقانون، يقع أصحابها تحت طائلته، وهي حالات نادرة جداً، لأنه من صالح المؤلفين والناشرين أن يحفظوا في دار الكتب نسخاً مما يصدرون حتي لا تتعرض للضياع إذا نفذت نسخة، ويتيسر للقراء والمثقفين من كل الأجيال المعاصرة والقادمة أن يطلعوا عليها. وحتي قبل صدور قانون الإيداع في مصر، كانت دار الكتب تتلقي باستمرار كل سنة مئات أو آلاف الكتب من مصر وأنحاء العالم، دون أن يكون هناك إلزام يجبر أصحابها علي إهداء الدار إلا رغبتهم في أن تكون أعمالهم في متناول كل من يريدها. ورصيد دار الكتب من الكتب قبل 1954 يشهد بذلك. بل إن من الكتاب المصريين من كانوا يحرصون لهذا الغرض علي إهداء هذه الأعمال ليس فقط لدار الكتب في بلادنا، وانما لمكتبات ومتاحف العالم في الشرق والغرب. ولأن صنعة أو حرفة الكتابة لم تكن تكفل لأصحابها في تاريخها الطويل خفض العيش والحياة الكريمة، وارتبط البؤس في أدبيات اللغة العربية بمن أدركتهم حرفة الأدب. فقد ظلت المطالبة بحفظ حقوق الملكية الفكرية قائمة تخلصا من هذه النكبة أو هذا الابتلاء لأذي يلحق بهؤلاء التعساء الذين يمنحهم الفن ما يعوضهم عن بؤس الحال. وشهدت المحاكم قضايا عديدة للحصول علي حقوق الملكية. وكان أول من كتب في هذا الموضوع، في الصحافة المصرية، الكاتب اللبناني نجيب الحداد في نهاية القرن التاسع عشر، في مقال عنوانه "حق ضائع"، أعيد نشره ثلاث مرات في كتابه "منتخبات نجيب الحداد" الذي صدر في الإسكندرية في سنواته 1905، 1906، 1913، وقرأ قراء "أخبار الأدب" نصه في عدد 21 فبراير 2016 . ومن المقالات المبكرة أيضاً التي تناولت هذا الحق الضائع مقال لمحمد لطفي جمعة نشره في جريدة "البلاغ" في 16 ابريل 1930، ثم أعيد نشره في كتاب "في الأدب والنقد" الذي أعده ابنه رابح لطفي جمعة، وصدر في عالم الكتب 2000، وفيه ينعي محمد لطفي جمعة الجهد العضلي والفكري الذي يبذله الكتاب في التأليف ، ثم يلقون الأمرين في التعامل مع الناشرين الذين يغتصبون حقوق المؤلفين بطرق شتي، ذكر منها شراء أعمالهم بالملزمة، أي بالقطاعي، أو مقابل عدد من نسخ الكتاب بعد طبعه، ومعناه بلا مقابل مادي. ومن هؤلاء الناشرين من يطبع الكتاب أكثر من طبعة دون علم المؤلف، ويكسب منه مبالغ طائلة ، ثم يدعي أنه لم يطبع سوي طبعة واحدة تتكدس في المخازن، متكبداً خسائر فادحة! ومحمد لطفي جمعة (1886-1953) اسم كبير في تاريخنا الثقافي، لم ينل ما يستحقه عما قدمه من أعمال مبدعة. كتب القصة والرواية والمقال والسيرة والرحلات، وترجم العديد من الكتب الأجنبية القديمة والحديثة، وكان علي علاقات قوية مع كتاب عصره في مصر والوطن العربي، كما دخل في حوارات عديدة مع المؤلفات المعاصرة، لعل أهمها كتابه "الشهاب الراصد" (1926) الذي حاول فيه أن يفند ما جاء في كتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) من تشكيك في هذا الشعر. وقد توفي محمد لطفي جمعة بعد مرض طويل تاركاً من المخطوطات مايتساوي في الكم مع ما أصدر في حياته من كتب يقدر عددها بالعشرين كتابا، قام ابنه رابح لطفي جمعة، بناء علي وصية والده، بنشر عدد كبير من هذه المخطوطات والمقالات المتفرقة في كتب. ولايزال في حوزة الأحفاد، بعد رحيل أبيهم، مجموعة من هذه المخطوطات والمقالات الصحفية أرجو أن يوفقوا في تحقيقها ونشرها، استكمالاً لما قام به الأب نحو الجد. وهذا نص مقال محمد لطفي جمعة: