«الحمد لله الذي أكرمني بحبكم.. فأكرمتم كلماتي وواصلتم كرمها ووفرتم لها طيب الإقامة في منازلكم وأعترف لكم أن كلماتي مثل بناتي أزفها إليكم!! أنا والد الكلمة "العروس" في ليلة زفافها.. أزفها لعريسها وأوصيه بها وأختلي مع نفسي وأبكي لأن كلمات فارقتني ولكن وسط تلك الدموع لايغيب عني الفرح!! أنا الذي احترفت حبكم واحترقت بحبكم وكتبت بمشاعر الرياح والجراح والأفراح، والجرح في ذاكرتي له لون واحد أما الفرح فله كل ألوان قوس قزح!! الحمد لله الذي جعلني موصولا بكم.. وكلماتي صادفت حبكم وصادقت مشاعركم وأصبحت كلماتي منكم ولكم ومثلما كنت لكلماتي الأب والأم أصبحتم أنتم لكتاباتي العائلة والأهل والعشيرة والقبيلة تهدأ عندها كلماتي عندما تخرج مني وتجد سكينتها علي صدوركم وكثيراً ما تغفو بين أحضانكم وتكف عن الكلام بعدما عرفت الغفوة وطعم النعاس بعد طول السهد، كلماتي التي هي منكم ولكم.. اذكروني عندما تقرأوها.. اذكروني مثلما أذكركم كلما أشرف في الليالي القمر أو جلست في ظل الشجر أو توضأت بماء المطر.. الحمد لله فأنا مطمئن علي كلمات جاءت إليكم في هذا الكتاب من بيت الشرف، كلماتي التي في الأزمات لاتعرف الفرار لأنها صاحبة قرار عندما قررت الكلمات أن تكون لكم أنتم وتكون لكم حباً وشجراً وقمراً وعشباً!! هذه الكلمات الآتية لكم في هذا الكتاب من بيت الشرف لم تعرف في عمرها كله أن تفرش شراشفها علي سرير الخليفة لأنها شريفة وتعرف معني الكمال ولاتشتري القبح بالجمال، وأبداً ما عرفت أن تبيع أو تباع بالمال، فكلماتي مهرها الحب وهي أميرة جاءت من اخضرار الحقول.. وعرفت كيف تمشي علي الحصي فوق صهد الرمال والسير في ظلال الجبال.. وبالحب تمد يدها تمسح دموع العشب.. هذه كلماتي الراحلة إليكم إذا أحببتموها فأكرموها.. مثلما أحبتكم.. وكونوا علي العهد بها حباً.. وإذا تعترف في الطريق كونوا الصديق الذي ينهض بها من جديد وإذا طابت لها الإقامة معكم ونسيتني.. فاذكروني وبلغوها عني السلام!! هذه رسالة يرسلها الكاتب الصحفي الكبير "اسماعيل النقيب" من دار الخلد إلي قرائه من خلال المجلد الثاني من الأعمال الكاملة والتي صدرت هذا الأسبوع من الهيئة العامة للكتاب.. كل الشكر للقائمين علي إصدار هذا العمل بهذا الشكل الأنيق الذي يليق بصاحبه وأخص بالشكر الأستاذ محمد عبدالجواد والأستاذ جودة الرفاعي ومصممي الغلاف نائل عيسي ونها مصطفي وعلي رأسهم الأستاذ الدكتور "أحمد مجاهد" الذي تحمس للفكرة ولصاحب العمل.. والحقيقة أن من يكتب عن اسماعيل النقيب يجد نفسه في مأزق خطير أو هكذا أعتقد وفي كل الحالات فرأيي مجروح.. لأن أي كلمات مهما بلغت من قدرة علي التعبير ومهما بلغت مهارة من يكتبها فلن تستطيع أن توفي (النقيب) حقه.. فهو صاحب الكلمة الرشيقة البديعة الطائرة التي تحمل علي أجنحتها ألوان قوس قزح وتمتليء بالمشاعر والأحاسيس التي لايستطيع أن يجاريه فيها أحد.. فقد كانت الكلمة هي حبيبته وصديقته وفرحه وحزن وابتسامته أخلص لها فأخلصت له ومنحته روحها فسعد بها وعاش لها!! "أقول للمحبين" في مقدمة كتابه "ليالي قصر الكلاملك" يقول: هذا الكتاب هو لمحات خاطفة.. هذه اللمحات في مجموعها تكون صورة داخلية لي.. أنا بالطبع لست في محاولة لرسم صورة لنفسي بيدي.. حتي أغلق الباب أمام محاولات لرسم صورة لي بأيدي غيري وهذا ليس وارداً عندي، كل ما أريد قوله هو أن هذا الكتاب هو أنا.. هو أنا بكل طفولتي.. وكل رجولتي وكل عشقي وكل شوقي وكل نزقي وكل ليلي وكل سهري وكل خواطري وكل مشاعري.. وفي هذا الكتاب صورة لبعض انتصاراتي وبعض انكساراتي.. فيه الحكايات وفيه الذكريات التي تقترب من المذكرات وفيه التأملات، وفيه السخرية أكتبها بكل حب القلب إلي المحبين وكنت أحكيها وأرويها علي السامعين المحبين الزائرين في مقر إقامتي المختار وهو قصر الكلاملك الجزء الثاني من بيتي الشهير "بقصر الحرملك" الذي أحيا فيه بالحب مع زوجتي وبناتي بركسام وأميرة الكبيرة وليلي الصغيرة التي أجد منها الحنان الذي ليس كمثله حنان.. ابنتي ليلي القريبة من قلبي هي صغيرة وقلبها كبير.. وأغضب منها كثيراً وأحبها أكثر!! ويضيف: قصر الكلاملك شهير جداً عند أهل الكلام من الصعاليك والظرفاء ومشهور جداً عند أهل الهوي الجميل عندما نتحدث عن مشاهير أهل الهوي في كل العصور وإن كان الكتاب يخلو من سيرتهم لأنها تحتاج إلي كتاب مستقل، وفي هذا الكتاب لمحات أو إشارات ضوء ثقافي شحيح لمن شاء المعرفة وكنت أقولها علي استحياء خشية أن يتهمني أحد بأنني من المثقفين، لأنني لا أريد أن أتحدث علي طريقة هؤلاء أبداً.. كل ما في هذا الكتاب مغلف بالسخرية التي تضيء النفس وتضيء وجهي، وأنا من هذا الكتاب أحكي وأقول عن بعض ليالي السهر والسفر في البلاد البعيدة والقريبة وفي هذه السطور مشاعر حاولت تقديمها بكل حفاوة المشاعر التي تجعلني أقترب من أسلوب الشاعر الذي لايكتب الشعر ولكنه يصوغ المشاعر، حاولت أن أصحب نفسي معكم فيه إلي المنبع.. إلي الأصول.. إلي حيث ينبع النهر.. حيث تجدون في هذا الكتاب كلمات عن الريف وأيام الريف هذا الريف الذي صاغ وجداني في النشأة الأولي لأن القرية تحيا حباً داخل كياني لذلك لاتغيب عن لساني!! "رغبات عاقلة جداً" كتب اسماعيل النقيب تحت هذا العنوان: أعظم شيء أن تعرف ما تريد أن تفعله ولاتفعله!! فأنا مثلاً أريد السفر إلي المجهول، وأريد عاصفة تقتلعني من جذوري أو اعصاراً أعيش معه بالرعب، أو أن أعيش في غابات الأمطار الغزيرة ولا أجد فيها كوخاً يؤويني ويحميني.. وأظل أبحث عن اللاشيء في غابات الأمطار الغزيرة وأريد أيضاً أن أسبح في بحار الظلمات وأنا لا أعرف السباحة،فقط أريد موجات ترفعني ودوامات بحرية تثير خوفي من الغرف والظلام والموت في قاع البحر وحيداً وأريد الحياة في الصحراء وأن أحيا في مناخها القاري.. ويضيف: أبحث في نهارها عن ظلال بلا أشجار ويلفحني صهدها وأقاوم وأحصي حصاها في الليل بعيون لاتري إلا النجوم وأبحث في زمهرير ليلها عن نسيم لا أريده مع صهد النهار، كما أنني أريد احتراف الكلام في البرتغال مع قوم لايعرفون لغتي ولا أعرف لغتهم إنما هو مجرد كلام والسلام مع أقوام يريدون الاستماع ولايفهمون وأعظم ما فيهم أنهم لايقاطعون المتحدث ولا يسألون لأن المتحدث لايهمه الحوار.. أريد أن أحب أريد أن أعشق.. أريد واحدة أحبها وتحبني ويحب نقاتها بعيري علي طريقة العشاق في الجاهلية كما أريد أن أحب واحدة غير كل ما عرفت.. أسكن معها في خندق الجليد وحرارة لقائنا تذيب الجليد أو أركب معها زورق الجمر في نهر يشرق من قاعة ألف بدر ولايهم شكلها شقراء كانت أو سمراء.. المهم أن جاذبيتها تعادل جاذبية الأرض وجاذبية ألف قمر "أريدها تحرك سكوني" أريدها عند اللقاء في خيمة القمر.. وأعرف متي يسقط المطر؟! إلي مجهولة العنوان" كانت الفتيات ينتظرن الباب الذي اشتهرت به يوميات "النقيب" علي أحر من الجمر وكانت رسائل المعجبات بالآلاف وأختار فقرة صغيرة أنهي بها كلامي: حببتي: علمني الحب كيف أقرأ الأشواق في عيون العشاق/ وماذا يكون الحوار بين الماء والنار/ وما هي لغة الصمت الغامض/ عند الانتظار/ وكلمات اليدين وقت اللقاء/ ولكنني فشلت معك/ في معرفة كل الأشياء ومعني الأشياء يا من لاتعرفين في الحب/ صدق العهد والوعد/ وأن المجد كل المجد.. في الود/ وقتلت بيديك الذي لم يولد بعد/ لأنك لاتعرفين معني الصبابة والهيام/ ولا دلال الكلام في لحظات الغرام!! سلام عليك يا اسماعيل يوم ولدت ويوم رحلت وإلي لقاء قريب بإذن الله.