خارج البيت يشبه داخله يعرف هذا جيدًا كلُ الذين يبيتون علي أسرَّة واسعة نصفها خاوٍ والنصف الذي يحملهم يكاد أن يكون فارغًا أيضًا خارجُ البيتِ يشبه داخله لا تعرف أيهما تسرَّب من الآخر أو إليه كأن الشارعَ المظلمَ الصاخبَ الباردَ تسلل من أسفلِ الباب الذي تعمَد إلي إغلاقِه بإحكام بقفلٍ من أعلي ومن أسفل ومفتاحٍ متعددِ الثقوب لا تخلعه من مكانِه إلا لحظاتِ الخروج الطريقُ كله تكثَّف داخل البيت كل التفاصيل صارت مظلمةً وباردةً ومخيفة الألفةُ التي كانت بينك وبين الأشياء تراوغك كشبحٍ طيب تفكر أحيانًا في أن تقف خلف الباب من خارجه تفاجئك أيادٍ عالقةٌ به أعياها الطَرْقُ حتي جفَّت تتطلَّع من ثقبِه السحريّ إلي الداخل تتوقع أن تري لصوصًا مختبئين خلفَ الستائر تلك التي تؤنسُك وتُزيِّنُ الجدرانَ وأنت في الجهةِ المقابلة الآن انكشفتْ لك التفاصيلُ أرجل الكراسي العالية سيقانُ غرباءِ مرّوا ذات حلم ثم تيبَّسوا تلك النقاط المتناثرة علي الحائطِ من أعلي قطراتُ دمٍ جفَّت هنا حدثت جريمةُ قتلٍ قبل أن تخرج بمسافة حياتين المكتبةُ الضخمةُ تبدو كبنايةٍ صغيرةٍ نوافذُها رحبةٌ ومضيئة رؤوسُ الكتبِ تطلُّ منها في مودَّةٍ كسكانِ حيٍّ شعبي طيبين ودودين يرمقونك من خلفِ الباب يتلصصون كالعادة! لكنهم ليسوا أشرارًا تمامًا ربما ملّوا من طول الجلوس في الشرفات بلا طائل أو ربما ألفوك حَدَّ التوحُّد لن تعرف أبدًا من أين تأتيك هذه الأصوات وأنت في الخارج كيف لهذه التفاصيل الساكنة أن تُحدِثَ كلَ هذه الجلبة ! مسرَّات الكبار لا تندهش سيبرع الأطفالُ دائمًا في ابتكار ألعابٍ جديدة تمتعهم وتجمعهم بلغةٍ لا يفهمها سواهم.. الأوراقُ القديمة والأغطيةُ البلاستيكية وبقايا مسراتِ الكبار سيجارةٌ مطفَأةٌ قبل انتهائها بقليل لا يزال علي ثوبها الأبيض ظلالُ شبق وقبلةٌ تحيط العُقبَ برطوبةٍ لن يراها الأطفال سيرون ألوانًا ورمادًا وقطعةً سحرية كان يحتضنها الكبارُ بانتشاءٍ لا يرونه في أعينهم حين العناقِ الصباحي وقبلةِ المساء.. قميصٌ ملونٌ شفاف منسيٌ علي أريكةِ المعيشة ربما يتحول إلي ستارٍ لحكايةِ الأراجوز وإطارُ نظارةٍ منزوعُ العدسات سيبروزُ عينين طازجتي الرؤية وقلمٌ رخيص فرغَ حبرُه وتلون جسدُه الأبيضُ ببقايا أصابعٍ متشبثة قد يُستخدم سِنُّه في إثقابِ ورقٍ مقوي أو في تصويب النشان علي جسدٍ من المطاط وقارورةُ عطرٍ أنيقة قديمةٌ تبكي عند ثقبها آخرُ قطرة حبسها انسدادُ الممر ووهنُ السبابة سيتخيلونها امرأةً بطلةً لحواديتهم المرتجلة.. وسجادةُ صلاة نحلها احتكاكُ الجبينِ المتعرق وضغطةُ القدمين المنهكتين عند السجود سيجعلونَها الأرض تحت ألعابِهم منتهي عالمِهم.