أوبك تؤكد توقعات نمو الطلب العالمي على النفط لعام 2025 عند 1.3 مليون برميل يوميًا    إحالة 3 متهمين للمفتي بتهمة قتل شخص وإلقاء جثته بمجرى مائي بالقليوبية    التعاون الإسلامي: نثمن جهود مصر تجاه غزة ونطالب بتسريع عمليات إعادة الإعمار    نتنياهو: نستعد لحدوث مفاجأة من إيران    بعد رحيل مودريتش، ترتيب قادة ريال مدريد في الموسم الجديد    بعد حل أزمة الVAR، موعد مباراة أهلي طرابلس والهلال في الدوري الليبي    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن إجراء جولة الإعادة لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 في 5 محافظات    حكاية فلاش باك الحلقة 4، زياد يكتشف تفاصيل صادمة عن علاقة مريم ومروان    1307 مواطنين استفادوا من قافلة طبية مجانية بقرية منشأة شومان في الدقهلية    رحيل الدكتور علي المصيلحي وزير التموين السابق بعد مسيرة حافلة بالعطاء(بروفايل)    مفتي القدس: مصر سند دائم للقضية الفلسطينية منذ النكبة.. والذكاء الاصطناعي أداة لتعزيز الفتوى الرشيدة    تصاعد الصراع وكشف الأسرار في الحلقة الرابعة من "فلاش باك".. أول ظهور ل خالد أنور    نجوى كرم: أتمنى تقديم دويتو مع صابر الرباعي (فيديو)    غدا.. الفرقة القومية للفنون الشعبية تقدم عرضا بمدينة المهدية ضمن فعاليات مهرجان قرطاج بتونس    «اعرف دماغ شريكك».. كيف يتعامل برج الميزان عند تعرضه للتجاهل؟    حكم الوضوء لمريض السلس البولى ومن يعاني عذرا دائما؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    "الوطنية للانتخابات": 516 ألفا و818 صوتا باطلا بنظام الفردي في انتخابات الشيوخ    محافظ سوهاج فى جولة مفاجئة للمستشفى التعليمى للاطمئنان على الخدمات الطبية    نائب وزير الصحة تجتمع بعميد كلية التمريض دمنهور لبحث ملفات التعاون المشترك    ريال مدريد يرفض إقامة مباراة فياريال ضد برشلونة في أمريكا    ديمبلي: التتويج بدوري أبطال أوروبا كان أمرًا جنونيًا    متحدث باسم الخارجية الصينية: الصين تدعم كل جهود تسوية الأزمة الأوكرانية    الرقابة الصحية (GAHAR) تطلق أول اجتماع للجنة إعداد معايير "التطبيب عن بُعد"    منسقة الأمم المتحدة: إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب يعكس اهتمام مصر بالرياضة كقوة ثقافية ومحرك للتنمية    الحسيني وهدان يتوج بذهبية الكونغ فو في دورة الألعاب العالمية    وسام أبو علي يستعد للسفر إلى أمريكا خلال أيام.. والأهلي يترقب تحويل الدُفعة الأولى    رامي صبري وروبي يجتمعان في حفل واحد بالساحل الشمالي (تفاصيل)    رئيس جامعة أسيوط يستقبل محافظ الإقليم لتهنئته باستمرار توليه مهام منصبه    ما الحكمة من ابتلاء الله لعباده؟.. داعية إسلامي يُجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    ضبط سائق لحيازته 53 ألف لتر سولار بدون مستندات تمهيدًا لبيعها بالسوق السوداء في الأقصر    رئيس الأعلى للإعلام يكرم رائد الإعلام العربي فهمي عمر    ما نتائج تمديد ترامب الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما أخرى؟    وزير التعليم العالي يفتتح المجمع الطبي لمؤسسة "تعليم" بمحافظة بني سويف    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا رسميًا    «مصيلحي» و«المصيلحي».. قصة وزيرين جمعهما الاسم والمنصب وعام الموت    غدًا.. قطع المياه عن مدينة أشمون في المنوفية 8 ساعات    خصم يصل ل25% على إصدارات دار الكتب بمعرض رأس البر للكتاب    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وأمطار تصل لحد السيول والعظمى 41 درجة    حجز نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان على حكم إعدامه للقرار    وزيرة التخطيط تشارك في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب والرياضة 2025-2030    "الجمهور حاضر".. طرح تذاكر مباراة الزمالك والمقاولون العرب في الدوري    الوزير يترأس اجتماع الجمعية العمومية العادية لشركة السكك الحديدية للخدمات المتكاملة    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    12 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    رسميًا.. باريس سان جيرمان يتعاقد مع مدافع بورنموث    وزير الصحة يبحث مع المرشحة لمنصب سفيرة مصر لدى السويد ولاتفيا التعاون الصحى    12 أغسطس 2025.. ارتفاع طفيف للبورصة المصرية خلال التعاملات اليوم    الرئيس السيسي يستقبل اليوم نظيره الأوغندي لبحث تعزيز العلاقات الثنائية    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    مصرع طفل غرقا في ترعة باروط ببني سويف    الداخلية تضبط تيك توكر يرسم على أجساد السيدات بصورة خادشة للحياء    انتشال جثمان طفل غرق في بحر شبين الكوم بالمنوفية    "زاد العزة" تواصل إدخال المساعدات المصرية إلى القطاع رغم العراقيل    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    تنطلق الخميس.. مواعيد مباريات الجولة الثانية من بطولة الدوري المصري    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربتي مع ترجمة »لعبة العروش«:ستة أشهر من الإرهاق الممتع!
نشر في أخبار الأدب يوم 30 - 01 - 2016

في صيف 2014 فتحتُ الكتاب الأول من الكتب الخمسة التي صدرت حتي الآن من سباعية «أغنية الجليد والنار»، ولم أستطع التوقف عن القراءة حتي فرغت من الكتاب الخامس. شهران قضيتهما في قراءة ما يزيد علي خمسة آلاف صفحة من المتعة الخالصة التي يعرفها جيدًا الملايين من محبِّي أدب الفانتازيا في العالم، شهران عشتُ خلالهما في العالم الواسع الذي بناه جورج ر. ر. مارتن في ملحمته، وملأه بمئات التفاصيل الثرية عن طبيعته وتاريخه وسكانه وصراعاته، ورسم شخصياته الشبيهة جدًّا بشخصيات عالم الواقع بعنايةٍ شديدة تدفعك إلي الاهتمام بها وبمصائرها حقًّا، وأضاف إليه تشكيلة كبيرة من العناصر الخيالية المثيرة التي قلما تم توظيفها بهذه الحرفيَّة والجاذبيَّة في أدب الفانتازيا الحديث، منذ وضع أبوه الروحي تولكين أسسه الأولي في النصف الأول من القرن العشرين.
تقول القاعدة ذات الاستثناءات القليلة إن الكتاب دائمًا أفضل من الفيلم أو المسلسل، وهو ما ينطبق تمامًا علي هذه الحالة، فعلي الرغم من استمتاعي الشديد بمشاهدة مسلسل Game of Thrones الذي لا يستطيع أحد إنكار أنه إنجاز كبير في صناعة التليفزيون، وعلي الرغم من شهرته الكاسحة في العالم كله، إلا أني لم أتخذ قرار الترجمة إلي العربية إلا عندما قرأتُ الروايات ووجدتُ نفسي منغمسًا في تفاصيلها إلي أقصي حد، وككل من قرأها وشاهد المسلسل المأخوذ عنها بدأتُ المقارنة علي الفور بين العملين، لأجد أن محتوي الروايات أكثر ثراءً جدًّا علي كل المستويات. الأهم من هذا هو أني وجدتُ الترجمة العربية تتدفق في رأسي أثناء القراءة. صحيح أني تعثَّرت في غير موضع لجهلي معني كلمةٍ ما أو عدم استيعابي للتعبير المقصود، لكن بشكلٍ عام كانت الكلمات تتراصُّ في مخيلتي لتشكِّل جُملًا بالعربيَّة رأيتُ أنها محكمة ومترابطة بالفعل، ولن يكون مجهود نقل هذا النص إلي العربيَّة بالصعوبة الشديدة التي حسبها من أقدموا علي هذه الترجمة من قبل ثم تراجعوا، خصوصًا أن لغة المؤلف هي السهل الممتنع، بالغة البساطة في التعبير عن أعقد المشاعر ووصف أصعب الأماكن، وبالغة الجاذبيَّة في الآن نفسه، وهي التوليفة التي تستطيع العربيَّة التعبير عنها ببراعة؛ والعربيَّة لغة شديدة الثراء بالكلمات والتعبيرات التي تتناول الملاحم والصراعات والحروب، بما في هذا من أوصاف للخيول والسلاح والعتاد والقلاع والحصون وخلافه.

هكذا وجدتُ أن أمامي فرصة رائعة لأن يرتبط اسمي بهذا العمل الضخم كما ارتبط من قبل بترجمة »الهوبيت« وثلاثية «سيد الخواتم» لتولكين، علي الرغم من أن ترجمتي للثلاثية لم تُنشر، بينما أبدي من قرأوا »الهوبيت« إعجابهم بالترجمة ورغبتهم في أن أنقل المزيد من الأعمال الفانتازية إلي العربيَّة. اجتمعت إذن كل العناصر التي أراعيها عند اتخاذ قرار ترجمة كتاب: أن تكون لديَّ رغبة حقيقيَّة في ترجمته وأن أري في نفسي القدرة عليها، وأن تكون للكتاب أو مؤلفه قاعدة جماهيريَّة ما تضمن الإقبال علي الطبعة العربيَّة. قلتُ من قبل إنني شغوف بقراءة وترجمة أدب الفانتازيا والخيال العلمي والرعب، وأختلف بشدة مع كل من يدعي أنه أدب تافه أو ليس أدبًا أصلًا، ولا أؤمن بأنه ينبغي أن يكون هناك تعارض علي الإطلاق بين كون كتابٍ ما من الكتب الأعلي مبيعًا واحتوائه علي نص شائق في الآن نفسه، وأقرُّ بأني أحبُّ ترجمته أكثر من ترجمة الأدب الكلاسيكي، علي الرغم من تجاربي العديدة في ترجمته بدوره، ولهذه الأسباب كلها توجهت إلي دار التنوير بعرض ترجمة سلسلة مارتن، وشجعني أكثر اهتمام الناشر بترجمة كتب بهذا الحجم الضخم، وثقته في قدرتي علي تقديم ترجمة تليق به.
طوال الفترة الطويلة التي استغرقها الناشر في الحصول علي حقوق الترجمة بدأتُ في وضع قائمة بالمصطلحات والتعبيرات والألقاب التي سأستخدمها، وتركت لنفسي ملاحظات هنا وهناك، وحددت التهجئة التي سأستعملها في أسماء الشخصيات والأماكن المختلفة، والأسماء التي تستدعي استخدام التشكيل في كتابتها، خصوصًا مع وجود تشابه في نُطق عدد من الأسماء ينبغي الانتباه إليه، وخضتُ نقاشات طويلة مع عدد من الأصدقاء الكتَّاب والمترجمين للتوصل إلي أفضل معني ممكن لكلمة أو تعبير، ودرستُ معاني الكلمات الواردة في اللغات الخيالية التي قدمها المؤلف لأحافظ عليها عندما أنقلها إلي العربيَّة، وأحيانًا كنت أطلب آراء من يتابعون ترجماتي، كما قرأتُ بعض الشيء عن الوقائع التاريخية التي استوحي منها أحداث ملحمته. ثم، بعد سبعة شهور من المنافسة بين عدة دور عربيَّة، حصلت دار التنوير أخيرًا علي حقوق الترجمة مقابل مبلغ باهظ، وقدَّرنا الفترة التي ستستغرقها ترجمة ومراجعة الكتاب الأول، ثم شرعتُ في الترجمة في الحال.
أقبلتُ علي ترجمة «لعبة العروش» بنوعٍ من الحذر في البداية علي الرغم من كل الإعدادات السابقة، ووجدتُ نفسي أعيد ترجمة أو صياغة عبارات كاملة، ثم أفكِّر في تعبير آخر أجده أفضل من غيره فأعيد الصياغة من جديد، وهكذا مرارًا، وهو ما ينبغي أن يحدث في رأيي مع أي ترجمة، بحيث لا يخرج النص من تحت يد المترجم إلا وهو راضٍ عنه تمامًا، لكني مع مرور الوقت والخوض في الترجمة انغمستُ في الأحداث أكثر وأصبح الموضوع أبسط نسبيًّا، وطوال ستة شهور كنتُ أعمل نحو عشر ساعات بصورة شبه يوميَّة علي الترجمة والمراجعة ومطابقة النص العربي بالنص الأصلي، وهي عملية مرهِقة يعرفها كل مترجم شغوف بعمله، وإن كنتُ أجسر علي القول إن هذه العملية -برغم ما فيها من إرهاق- كانت المادة الخام للمتعة بالنسبة لي، بالذات عند التوقف عند التحديات التي يفرضها افتقار اللغة العربيَّة لمقابلٍ لكلمةٍ ما أو مصطلح من مصطلحات العصور الوسطي الأوروبية (التي تدور أحداث الرواية في أجواء شبيهة بها في عالم خيالي)، والبحث عن مرادف عربي مناسب لتعبير خصَّصه المؤلف لعالم الرواية، فعلي سبيل المثال يُشار إلي الشهر في هذا العالم بأنه دورة قمريَّة، وإلي تفاحة آدم بأنها تفاحة الحلق، لأنه من غير اللائق وضع المرادف العربي المعتاد لها في عالم ليس لآدم وجود فيه، ولم يكن من الجائز كذلك أن أستخدم كلمة ديك رومي في عالم لا توجد فيه كلمة رومي أو حبشي، كما أن تغيُّر الفصول في عالم مارتن يختلف تمامًا عن عالم الواقع، إذ يدوم الصيف والشتاء في هذا العالم سنينًا، ما استدعي استخدام تعبيرات مثل سنين الشتاء أو أطول صيف في ذاكرة البشر. كذلك كان من الضروري أن يكون هناك فارق في اللغة التي تستخدمها الشخصيات المختلفة في كلامها، وحرصتُ علي إبراز الفوارق بين لغات الشعوب المختلفة في هذا العالم، والتي يتم تمييزها في النص الإنجليزي بكتابة الحروف مائلة، فوجدتُ بديلًا لهذا لأنه لا يصلح أن يكون النص العربي مليئًا بأسماء الشخصيات والأماكن المكتوبة مائلةً، وهكذا استعرتُ حرفًا أو اثنين من الحروف الشبيهة بالعربيَّة من الأبجديَّة الفارسيَّة والأورديَّة لكتابة هذه الكلمات، وراعيتُ في الآن نفسه ألا تشتِّت انتباه القارئ أو تجعله يقرؤها بنُطق مختلف.

أثناء العمل كنتُ أنشر مقتطفات قصيرة من الترجمة علي فيسبوك، وأتابع ردود الأفعال ومدي رضا القراء عنها، وأفادتني ملاحظات كثيرة أدلوا بها، منها ما دفعني إلي تغيير رأيي في ترجمة مصطلح ما -مثل منصب يد الملك مثلًا- ومنها ما طمأنني لجودة ترجمتي وتقبلهم لها بترحاب. يعرف كل من يقرأون ترجماتي شغفي البالغ بالفانتازيا، وأثناء عملي علي «لعبة العروش» لم أدخر جهدًا في تقديم أفضل ترجمة ممكنة لها، لأن القارئ العربي يستحق أن يُنقل إليه هذا النص بمستوي يليق بالعمل ومؤلفه، خصوصًا مع ترجمتها للمرة الأولي إلي العربيَّة بعد 39 لغة أخري، وأني قرأتُ في عدة أماكن أن ترجمات أخري لهذه الروايات عانت من مشاكل لم يرض عنها قراؤها، منها الترجمة الألمانية والفنلندية علي سبيل المثال.
كانت ردة الفعل التي وصلتني من القراء ممتازة حقًّا، وأسعدتني للغاية التعليقات شديدة الإيجابية التي تلقيتها، والإعجاب الذي أبدوه بترجمة فقرات بعينها، والسؤال المتكرر عن موعد صدور الجزء الثاني من السلسلة، والرغبة في أن أستكمل ترجمة بقية الأجزاء. كما فوجئت بعد ذلك بأن هناك قراءً أجانب يجيدون العربيَّة وسبقت لهم قراءة الرواية بلغتها الأصلية أبدوا إعجابهم البالغ بالترجمة، مؤكدين أنها حافظت علي روح النص، بل وقال بعضهم إن العربيَّة أضفت جمالًا لا شك فيه علي عدة فقرات أكثر من النص الإنجليزي، وهو أكبر تقدير يمكنني أن أناله بالفعل، ما لم يقرأ المؤلف نفسه الترجمة ويُبدي إعجابه بها!
أعملُ حاليًّا علي ترجمة الكتاب الثاني الذي يحمل عنوان »صِدام الملوك«، وأعملُ عليه بالشغف نفسه الذي صاحبني طوال ترجمة الكتاب الأول، وآملُ أن يُطالعه القارئ العربي بالشغف نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.