«تنسيق الجامعات 2025»: 12 جامعة أهلية جديدة تنتظر قبول الدفعة الأولى    جدل بين أولياء الأمور حول «البوكليت التعليمى»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير.. أسعار الذهب اليوم السبت بالصاغة محليًا وعالميًا    النائب أحمد السجيني: قيمة خلو الإيجار القديم صحيحة لكنها لا تلغي الملكية    بعد هبوطه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 31 مايو 2025    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نمنح الحصانة لأحد وسنرد على أي تهديد    ترامب يكشف موعد الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة    ترامب: سنفرض زيادة بنسبة 25% على الرسوم الجمركية على الصلب    جراديشار: شاركت في مباراة بيراميدز ولم أكن أعرف أسماء لاعبي الأهلي    «سأصنع التاريخ في باريس».. تصريحات مثيرة من إنريكي قبل نهائي دوري الأبطال    باسم مرسي يوجه رسالة ل لاعبو الزمالك بشأن مباراة بيراميدز في نهائي كأس مصر    ثروت سويلم: رابطة الأندية أخطأت في موعد مباراة الأهلي والزمالك    إمام عاشور يكشف اللاعب الذي يتمنى انضمامه ل الأهلي    على معلول يودّع الأهلي برسالة مؤثرة للجماهير: كنتم وطن ودفء وأمل لا يخيب    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 في الغربية برقم الجلوس.. «الموعد ودرجة كل مادة»    «الطقس× أسبوع».. تقلبات جوية مفاجئة والأرصاد تحذر من الأمطار الرعدية والرياح المثيرة    سوهاج.. خلاف مالي بين شقيقين ينتهي بطعنة نافذة    اليوم.. انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية في جميع المحافظات    ماس كهربائي يتسبب في نشوب حريق بمنزلين في سوهاج    بعد زفافها المفاجئ.. من هو أحمد زعتر زوج أمينة خليل؟ (تفاصيل)    «متقوليش هاردلك».. عمرو أديب يوجه رسائل خاصة ل أحمد شوبير    أفضل دعاء في العشر الأوائل من ذي الحجة.. ردده الآن للزوج والأبناء وللمتوفي ولزيادة الرزق    رئيس «النحّالين العرب»: قطاع تربية النحل يتعرض لهجمات «شرسة» سنويًا لتشويه المنتج المحلى    محافظة قنا: الالتزام بالإجراءات الوقائية في التعامل مع حالة ولادة لمصابة بالإيدز    لا تتركها برا الثلاجة.. استشاري تغذية يحذر من مخاطر إعادة تجميد اللحوم    صحة المنيا تقدم خدمات طبية مجانية لأكثر من 7 آلاف مواطن عبر 6 قوافل    موعد أذان فجر السبت 4 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    شروط ورابط الحصول على دعم المشروعات اليحثية بهيئة تمويل العلوم    حدث بالفن| حفل زفاف أمينة خليل وآية سماحة تُقبل رأس مشيرة إسماعيل    ماذا تعني المشاركة في مسابقة للجمال في الصومال؟    احتجاجات في طرابلس تطالب برحيل حكومة الدبيبة    عاجل|أردوغان يجدد التزام تركيا بالسلام: جهود متواصلة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    حكم مباراة الزمالك ضد فاركو في الدوري المصري    «بيدورو عليا».. تعليق مثير من عمرو أديب بعد تتويج الأهلي بالدوري    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم السبت 31 مايو 2025    تغييرات مفاجئة تعكر صفو توازنك.. حظ برج الدلو اليوم 31 مايو    «قنا» تتجاوز المستهدف من توريد القمح عن الموسم السابق ب 227990 طنًا    5 فلاتر يجب تغييرها دوريًا للحفاظ على أداء سيارتك    «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام».. فضل العشر الأوائل من ذي الحجة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 31-5-2025 في محافظة قنا    لا تضيع فضلها.. أهم 7 أعمال خلال العشرة الأوائل من ذي الحجة    أسهم تسلا تختم شهر مايو بقوة مع إنهاء إيلون ماسك فترة عمله مع ترامب    خلاف بين ترامب وماسك حول الضرائب أدى لمغادرة الأخير هيئة الكفاءة    التصريح بدفن عاملين سقطا من أعلى سقالة بأكتوبر    اليوم.. محاكمة 6 متهمين في واقعة انفجار خط غاز الواحات    «المصري اليوم» تكشف القصة الكاملة للأزمة: زيادة الصادرات وراء محاولات التأثير على صناعة عسل النحل    شريف عبد الفضيل يحكى قصة فيلا الرحاب وانتقاله من الإسماعيلي للأهلى    بدء تصوير "دافنينه سوا" ل محمد ممدوح وطه الدسوقي في هذا الموعد    مشرف بعثة الحج السياحي: إلغاء ترخيص الشركات السياحية المخالفة للضوابط المنظمة    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. ترامب: سنعلن تفاصيل اتفاق غزة اليوم أو غدا.. إحباط هجوم إرهابى فى روسيا.. وصول مليون و330 ألف حاج للسعودية.. سقوط قتلى فى فيضانات تضرب نيجيريا    فيورنتينا الإيطالي يجدد رسميا عقد دي خيا حتى 2028    تكريم شيري عادل في ختام مهرجان الفيلم للسينما الفرانكوفونية.. صور    وزير التعليم يبحث مع «جوجل» تعزيز دمج التكنولوجيا في تطوير المنظومة التعليمية    تطرق أبواب السياسة بثقة :عصر ذهبى لتمكين المرأة فى مصر.. والدولة تفتح أبواب القيادة أمام النساء    وفد من مسئولي برامج الحماية الاجتماعية يتفقد المشروعات المنفذة بحياة كريمة في الدقهلية    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    الأعلى للجامعات: فتح باب القبول بالدراسات العليا لضباط القوات المسلحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجلك أنت!
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 02 - 2015

في "آليس في بلاد العجائب" تظهر أغنية سحرية لآليس، فتتوصل إلي طريقة قراءتها عن طريق حملها أمام المرآة، لكنها تجد صعوبة في فهم بعض الكلمات، وباستخدام الكلمات التي تعرفها مع أصوات بقية الكلمات غير المفهومة، تصل إلي نتيجة أن "أحدهم قد قتل شيئًا، وهذا واضح في جميع الأحوال". هنا تفعل آليس ما يفعله من يقرأ الرواية في الآن نفسه، تحاول أن تدرك المراد مما يقوله صاحب الكلمات؛ والشيء نفسه ينطبق علي جميع أنواع الأدب الذي هو واحد من صور الفن، وكما قال أوسكار وايلد، فإن "الفنان هو خالق الأشياء الجميلة"، وهكذا يخلق الفنان أو الأديب روايته أو قصته أو قصيدته وينشرها علي الملأ، ليأتي بعدها دور القارئ في تكوين رأيه في العمل الأدبي والمعاني المحتملة له، وما إن كان يحمل أي معني أصلًا. قد يستخدم الكاتب في أدبه تلميحاتٍ ما هنا وهناك، كأن يستعين بكلمة بدلًا من أخري، أو يضع أحداثه في محيط معين كي ينقل المزاج المطلوب إلي القارئ، لكن في كل الأحوال يظل معني النص بعد خروجه من تحت قلم الكاتب تجربة القارئ وحده، فعند قراءة نص أدبي ما، يستطيع القارئ أن يري الأحداث والشخصيات بعين الخيال، وحسب قدر التفاصيل التي يعطيها الكاتب تختلف الصورة التي يراها كل قارئ عن غيره كثيرًا.
أتكلم عنا عن العلاقة المباشرة بين كاتب وقارئ يتحدثان اللغة نفسها، فما بالك عندما يتعلق الأمر بمترجم دوره أن ينقل إلي قارئ بلغة أخري أسلوب الكاتب وروح النص وما قد يحويه من معانٍ ضمنية؟
عن نفسي أحاول دائمًا -كمترجم- أن أضع القارئ نُصب عيني، وأن أضع نفسي مكانه لأتصور ما قد يروق أو لا يروق له، وإن كان هذا لا يعني أنني أقيد نفسي طوال الوقت بما يرغب في قراءته، لأني في النهاية أرغب في أن أقدم تجربتي الخاصة في الترجمة، وأن أقدم للقارئ نصوصًا جديدة لكُتاب جُددلم يقرأ لهم شيئًا في الغالب، خصوصًا أني أعد نفسي متخصصًا في ترجمة كل ما يتعلق بكتابات البوب آرت، التي تضم كتابات الفانتازيا والخيال العلمي والرعب، وتحتوي في الآن نفسه علي قيمة أدبية ما وشخصيات تجذب الاهتمام ويمكن للقارئ أن يتفاعل معها. في مصر والعالم العربي ظهر هذا النوع من الأدب علي استحياء في البداية مع كتابات أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق وغيرهما، وسرعان ما انتشر علي مستوي واسع، لدرجة أن معظم من يكتبون للمرة الأولي الآن يجربون أنفسهم في هذا النوع من الأدب (وهو أدب بالفعل في رأيي، رغمًا عن أنف كل من يرفض هذا ويستهين به). المشكلة أن معظم ما يُكتب بالعربية في هذا المجال ردئ بالفعل للأسف، ويشي بأن قراءات هذا الكاتب أو ذاك لم تتعد بضع كتب قليلة في مجال كتابته يحسب هو أنها خلاصة مصادر الإلهام ومنتهاها. انظر إلي الكتب من هذه النوعية التي ستراها في معرض الكتاب هذا العام -ومعظمها صادر عن دور النشر الصغيرة- وستري أن العدد كبير حقًّا، لكن كم كتابًا منها له قيمة بالفعل؟
هنا يأتي دور من هم مثلي ممن يمارسون الترجمة في هذا المجال لتقديم أعمال قيِّمة حقيقية، خصوصًا أننا ننقل نصوصًا آتية من بحر شاسع من أعمال البوب آرت التي تعد اسمًا علي مسمي في الخارج، فالكلمة تعني "الفن الشعبي"، ولم يعد معناها يقتصر علي الحركة الفنية التي بدأت في بريطانيا في مطلع الخمسينات وفي الولايات المتحدة في مطلع الستينات، بل امتد المعني ليشمل الأدب والسينما وغيرهما، وهذا النوع من الأدب شائع جدًّا في الخارج وينافس الكتابات الكلاسيكية ويفوز أيضًا بجوائز مهمة وله الملايين من الأتباع والمتابعين. هكذا أقوم بدوري كمترجم في هذا المجال لنقل بعضٍ منه إلي القارئ العربي.. لكن كيف أنقله بالضبط؟
عن نفسي أمارس الترجمة منذ ثلاثة عشر عامًا كاملة، وقد ترجمت في مجالاتٍ عديدة قبل أن أقرر احتراف الترجمة الأدبية، ومرَّت عليَّ ترجمات قانونية وطبية ورياضية وتاريخية وفلسفية وعلمية، ومارست أيضًا ترجمة الأفلام والمسلسلات، وقضيت عامًا أو أكثر في ترجمة وصفات الطهي والتطريز وموضوعات المرأة والطفل، وخلال كل هذا كنت أحاول -بالتدريج ومع سنين الخبرة والتعلم- أن أوصِّل النص العربي الناتج للقارئ بأسلس طريقة ممكنة، لكن هذا لا يعني أني أركز علي استخدام الكلمات السهلة جدًّا فقط فأقلل من قيمة النص إذا كانت لغته تحتاج أسلوبًا أكثر بلاغة، أو أن أجنح إلي استخدام الكلمات المتكلفة المعقدة في نص لا يحتمل ذلك.
عندما قمت بترجمة رواية "فرانكنشتاين" مثلًا، حرصت علي أن تكون اللغة جديرة بكلاسيكية النص وما فيه من تعبيرات منمقة، وفي الوقت نفسه حاولت قدر المستطاع أن تكون اللغة عصرية تجذب القارئ إلي الرواية ولا تنفره منها، لأن هناك كثيرين يشتكون من أن ترجمات الأعمال الكلاسيكية بالذات معقدة جدًّا ولغتها أصعب من اللازم، والتزمت بالمنهج نفسه عندما ترجمت نصوصًا لفرجينيا وولف ولافكرافت وكافكا وآرثر كونان دويل. لكن عندما ترجمت نصوصًا لتشاك بولانك - كروايتي "الناجي الأخير" و"أغنية المهد"- وجدت أن الرجل يكتب بالعامية الأمريكية، ما يعني أن استخدام العربية الفصحي في الترجمة كلها سيدمر النص تمامًا، فحاولت الموازنة بين الفصحي والتعبيرات العامية التي ليس لها مقابل في الفصحي العربية أصلًا، والشيء نفسه ينطبق علي ترجماتي لستيفن كينج ونيل جايمان ووودي آلن وجورج كارلن؛ وكلٌّ حسب لغته وكيف يمكنني كمترجم التعامل معها وإعادة تشكيلها بعربية سلسة مفهومة.
أحاول دائمًا أن أتابع ردود أفعال من يقرأون ترجماتي علي صفحتي "المُترجِم" علي فيسبوك، ومن خلال هذا يتضح لي نوع النصوص التي تروق لهم أكثر، والنصوص التي قد أنجح في أن أفرضها عليهم مع الوقت، وأستخدم هذا كمؤشر للنجاح والفشل. طبعًا لا ألتزم طوال الوقت برأي القارئ، فأنا في النهاية أترجم ما أحب وأحب ما أترجم، وأحاول أن تكون لمشروعي مساحة في صفحات الفضاء السايبري والصفحات المطبوعة.
من أجل القارئ، علي المترجم أن يملك حسًّا أدبيًّا وفنيًّا، وهذه مسألة مفروغ منها ولا نقاش فيها، وإلا كيف سيشعر بمعاني الكلمات وما يمكن أن يقابلها في لغته أصلًا؟ مجرد إجادة المترجم للغة الأجنبية لا تكفي، بل ينبغي عليه أن يجيد العربية إجادة ممتازة وليس مجرَّد إجادة معقولة، أن يتلاعب بالكلمات، أن يعيد ترتيب الجُمل إذا اضطر بما يناسب النص المقابل في العربية بحيث تبدو كأنها مكتوبة بالعربية أصلاً قدر الإمكان، أن يبحث عن معانٍ مختلفة للمصطلحات المعقدة أو التعبيرات العامية وما يمكن أن يقابلها في العربية. المهم أن يفعل كل ما في طاقته كي يكون النص النهائي مفهومًا للقارئ ومريحًا في القراءة. يجب أيضًا أن يعرف المترجم القواعد الصحيحة للنحو العربي، ولست أقول أن يحفظها عن ظهر قلب بالضرورة، بل أن يقرأ كثيرًا ويري كيف تتكوَّن الجُمل علي نحوٍ صحيح. أنا نفسي لا أحفظ قاعدة واحدة من النحو، وكنت أكرهه بشدَّة طوال أيام الدراسة، لكن من كثرة القراءة والممارسة أصبحت أحس بالكلمات وأكتبها أغلب الوقت بشكلها -وتشكيلها- الصحيح (ومسألة التشكيل مهمة جدًا في رأيي، للتمييز بين المعاني المختلفة للكلمة الواحدة، وأيضًا طريقة نُطق الكلمات والأسماء الأجنبية التي تُكتب بحروفٍ عربية)، ولن يأتي هذا إلا بالقراءة ثم القراءة ثم القراءة. يجب أن يقرأ المترجم كثيرًا باللغتين ليتعوَّد علي المصطلحات والكلمات الغريبة، لتصبح معتادة بعدها عنده، كما أن القراءة ستساعده كثيرًا في تعلم تعبيرات مختلفة، خصوصًا أن كلماتٍ جديدة تظهر كل يوم.
لكن الأهم أن يملك المترجم الموهبة أصلاً. هذه منحة إلهية وليست شيئًا يأتي فجأة، فلا يصح أن يقرر أحدهم فجأة أن يصبح مترجمًا دون أي خبرة أو معرفة سابقة، وطبعًا دون الموهبة التي يجب صقلها طوال الوقت بتعلم أساليب جديدة وتجربة نصوص مختلفة لكُتاب مختلفين من جميع أنحاء العالم. لكن طالما أن لديه حسًّا أدبيًّا وفنيًّا، فهذا يعني أنه علي الطريق الصحيح. قد ينجح أو يفشل، الله أعلم، لكنه يحاول علي الأقل، وللقارئ وحده أن يحكم علي هذا.
الأدب باختصار هو مجموعة من الكلمات التي يضعها الكاتب معًا كي يستمتع بها القارئ ويترجمها ويستوعب معانيها بطريقته الخاصة، وتلك المعاني تأتي من القارئ وحده، فهو من يحكم علي الشخصيات وتصرفاتها، وهو من يتخيل الأحداث والأماكن والأشخاص، وعليه ينبغي علي الكاتب أو المترجم أن يراعي القارئ دائمًا، لأنه في النهاية هو من يحدد -بغض النظر عن النقد والجوائز وخلافه- إن كان هذا الكاتب يستحق أن يُقرأ له بالفعل أم لا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.