جانب من الندوة احتضنت القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة ندوة لمناقشة الفكر النقدي عند الدكتور عبد المنعم تليمة. أدار اللقاء الدكتور سيد ضيف الله الذي تحدث عن المشوار الإبداعي والفكري الذي مر به تليمة علي مدار سنوات عمره التي قاربت الثمانين إلا قليلا فقال :" نحن اليوم نحتفي بفيلسوف النقاد المصريين والعرب. إن عبد المنعم تليمة الذي تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية عام 1960 ذهب بعد ربع قرن, وبعد أن أصبح أستاذاً بالجامعة، كي ينضم إلي صفوف الطلاب ويحصل علي ليسانس في الآداب التاريخية واليونانية واللاتينية. إنه نموذجا للناقد الذي يحمل رؤية فلسفية أو الفيلسوف الذي يمتلك الحس النقدي ومن عجبٍ أن يكون هذا الناقد الفيلسوف عضواً فاعلاً في الجماعة الثقافية بمعني الكلمة حيث إن صالونه الفكري والأدبي يعد قبلة لكل من يريد إجلاء الصدأ عن عقله والبحث عن المعرفة، كما كان تليمة عضواً مؤسساً لخمسة كيانات ثقافية مستقلة منها: اتحاد الكتاب, الجمعية المصرية للأدب المقارن, الجمعية المصرية للنقد الأدبي, هذا فضلاً عن كونه خبيراً بمجمع اللغة العربية وعضواً بجمعية الدراسات الشرقية, ولذلك فقد كانت كتب عبد المنعم تليمة بوابات معرفية لا غني عنها للباحثين والدراسين للأدب العربي والنقد الحديث وعلم الجمال وأشير تحديداً إلي كتابيه مقدمة في نظرية الأدب, ومدخل إلي علم الجمال الأدبي هذا فضلاً عن كتابه الممتع طرائق العرب في كتابة السيرة الذاتية بالإضافة إلي عشرات الدراسات الأدبية". تحدث بعد ذلك الدكتور عبد المنعم تليمة الذي أفاض في حديث طويل امتد قرابة الأربعين دقيقة تناول فيها مشواره الاجتماعي والفكري والإنساني بوجه عام إذ تحدث عن نشأته وظروف تربيته وارتحاله, وهو لم يجاوز سن العاشرة, إلي القاهرة ومشواره الدراسي وصولاً إلي دراسته الجامعية بكلية الآداب قسم اللغة العربية وتخرجه فيها عام 1960 وتعيينه بالكلية ثم انتقل الحديث إلي الرحلة الإبداعية التي خاضها والمنهج العلمي الذي أسس له واعتمد عليه في معالجته لشتي موضوعات النقد الأدبي. قال: " أفادني كثيراً ما تعلمته في القرية فقد حفظت القرآن وتعلمت القراءات المتواترة. لقد اعتمدت في منهجي العلمي علي ضرورة البحث عن ملامح الجنس الأدبي الذي أعمل عليه أياً كان نوعه فلا يمكن مثلاً أن أتحدث عن الشعر دون تحديد ملامح هذا الجنس الأدبي وسماته وقد فعلت هذا إلي أن انتهيت إلي علم الجمال وانتقلت من رسالة الشعر السياسي إلي نظرية الشعر في النقد العربي الحديث. كانت رحلتي إلي اليابان التي استغرقت عشر سنوات هامة ومؤثرة جداً في حياتي فقد كونت لدي تجربة جديدة وثرية حيث اتسع أفقي الروحي علي ديانات غير سماوية حيث أن نصف سكان اليابان يعتنقون الديانة البوذية التي جاءت إليهم من الهند والصين كما تفتح أفقي علي أسس المحاورة الروحية واطلعت علي تقاليد وعادات وأعراف خطيرة وعلي نموذج حضاري فريد الذي يعتبر جزءا من الحضارة الصينية العظمي التي أوحت إلي بفكرة تأليف كتاب يكون عنوانه تخليص البيان في تلخيص اليابان علي غرار ما فعل الأزهري العظيم رفاعة الطهطاوي في كتابه الهام تخليص الإبريز في تلخيص باريز وعدت من اليابان وانا مشبع بحس روحي ديني حضاري جديد فريد وما زلت". الدكتور صلاح السروي قال : " نحن اليوم في حضرة طودٍ كبير شامخ في حياتنا الثقافية دون مبالغة ودون مراء إذ إن الدكتور تليمة صاحب مشروع نقدي وفكري وفي الحقيقة ليس علمياً فقط لكنه أيضاً سياسي وان كان أداؤه الأكبر في مجال الجامعة لكن أثره تجاوز الجامعة إلي الحياة بشكل عام في الصحافة والثقافة والسياسة فهو واحد من الذين يمثلون إنعطافاً في المكان الذي يوجد فيه فيمكننا بذلك أن نؤرخ للحياة من خلال عبد المنعم تليمة فقد كان وجوده ذا أثر كبير في المعاصرين له سواء كانوا أساتذة أو طلاباً وأعتز أنا شخصياً أن أكون واحداً من بين هؤلاء الطلاب الذين فتح تليمة أعينهم علي عالم جديد لا محدود مليء بالأسئلة والقضايا والمشكلات والممارسات والسلوكيات التي تعلمت منها ما لم أتعلمه من الكتب. إنه طارح الأسئلة الأكبر، المحاور والمناقش والمحلل وهو أيضاً الأب المتبني الذي يتعامل مع طلابه علي أنهم أبناؤه. أنا لا أعتبر عبد المنعم تليمة عالماً وحسب بل هو عالم عامل كما يقول الأقدمون. أري أن تليمة يعد واحداً من مؤسسي الفكر النقدي في مجتمعنا المصري الحديث مع الكبار الآخرين أمثال محمود أمين العالم ولويس عوض. في عالمنا العربي نجد الثقافة العربية تعادي الفكر بشكل كبير ومنذ أن انتشرت المقولات مثل من تمنطق فقد تزندق والفلاسفة متهافتون ونحن دخلنا فلك الأفول ولذلك اعتبر أن اتجاه تليمة إلي الفكر والفلسفة يعد محاولة لإيقاظ عقل الأمة التي نراها اليوم بأم أعيننا وهي تغرق". التقطت الكلمة بعد ذلك د. جهاد محمود، مدرس مساعد الأدب المقارن بكلية الألسن جامعة عين شمس, حيث قالت " إن النقد الحق هو الذي يحقق وظيفته وهو ما فعله ويفعله عبد المنعم تليمة بامتياز حيث إن وظيفة النقد عند تليمة وظيفة حياتية لكنها مغايرة للحياتية التي نعيشها إذ تحاول الغوص في النص الأدبي وتحاول كشف مواطن الجمال فيه. لقد استطاع تليمة أن يحقق ما يصبو إليه الإنسان دائماً وهو الحرية والجمال والحق فالمنهج النقدي عند تليمة يعتبر منهجا ثنائيا في شكله لكنه أحادي في جوهره. لقد فرق لنا تليمة بين الفني والجمالي واستفدت أنا شخصياً من ذلك حينما أصابتني الحيرة في اختيار عنوان لإحدي دراساتي ولم أستطع تحديد أي كلمة أختار الوجود الفني أم الجمال ولكني وجدت ضالتي عند تليمة فقد عرَّف لنا الجمالي بأنه أشمل وأعم من الفني إذ أن الفني تختص به طبقة ليست واسعة من الفنانين بالأساس أما الجمالي فهو يتعدي ذلك ليصير أعم وأشمل. إن عبد المنعم تليمة هو بحق الناقد الذهبي وفيلسوف القرن". تحدث في النهاية الدكتور حسين حمودة فقال " إن عبد المنعم تليمة هو أستاذي ليس لأنه ناقشني في رسالة الدكتوراة ولكن لأنه أستاذ جليل تتلمذنا علي يديه وأنا سعيد للغاية بهذه اللفتة الرائعة الجميلة التي قامت بها الجامعة الأمريكية تكريماً للدكتور عبد المنعم تليمة إذ إن هذه الروح وهذه التقاليد المبهجة قد قاربت علي الاندثار وأسعد كثيراً عندما أجد من يعمل علي إحيائها من جديد. إن الجانبين العلمي والإنساني مترابطان بقوة عند تليمة وقد لمست ذلك من خلال سماعي لمحاضراته من جهة وقراءتي لكتبه القيمة من جهة أخري كما أن أحاديثه لا تقل بحال عن كتاباته. لقد عرفت الدكتور تليمة عندما كان أستاذاً بكلية الآداب جامعة القاهرة وانبهرت به وبقدرته علي الاسترسال في موضوعات مركبة وشائكة لا تتصل وحسب بالإبداع الذي كنت مفتوناً به وبممارسته وبالحديث عنه وإنما تتصل أيضاً بربط ظواهر هذا الإبداع وأنواعه ومجالاته وتحققاته عبر التاريخ بمظاهر الحياة الإجتماعية ومراحلها ربطاً يتعالي علي التوقف أمام الجزئيات ليكتشف ويكشف ما في عمقها وما وراءها فكنت في حضرة عالم الجمال الذي يستنبط ويحلل, العالم الذي لا يتوقف أمام الجزئيات والشكليات والملامح الجزئية العابرة بل يطلب ما وراء الأشياء والظواهر".