واستطرد مغيث: "يوم المترجم فرصة للقاء المهتمين بالترجمة من ناشرين ومترجمين ومثقفين وقراء، فالترجمة قضية علمية تتضمن موضوعات مثل قضية المصطلح، كما أنها قضية استراتيجية تتضمن ما يتعلق بالخطط والتمويل، وهي أيضا سياسية، لأننا حينما نترجم نمد جسورا مع ثقافات أخري ونهدف إلي التغيير في ثقافتنا المحلية، ولأن الترجمة قضية تتجاوز طبيعتها هموم كل قطر لتصبح إسهاما في القضية العربية بشكل عام، لذلك فالاهتمام بالترجمة هو اهتمام بقضية الوطن بشكل عام". من المغرب، تحدث د.عبد السلام بنعبد العالي عن تنوع قضايا الترجمة حسب المجال الذي تنصب عليه، مؤكدا أنها بمثابة تمرين علي تذوق طعم الكلمات والإصغاء إلي نبرة الألفاظ وإدراك الفروق الدقيقة، وأضاف: "الترجمة والفلسفة في نظري صنوان، لأن الترجمة أداة لتحديد الأصول واللغة والفكر، كما أنها إعادة نظر دائمة في اللغة". ومن جانبه، أشار د.قاسم عبده قاسم إلي أنه يعتبر المركز القومي للترجمة أهم مؤسسة ثقافية في مصر الآن، لأنه يعمل وينتج ويختار بروح علمية جادة لا لبث فيها، أما الترجمة في رأيه فهي: "فعل فيه قدر من التضحية والإيثار، لأن المترجم بإرادته يختار أن يسجن نفسه داخل كتابات مؤلف أو مبدع آخر، خاصة وأنه قد يكون من أصحاب الإبداع في مجالات أخري، فالترجمة في حد ذاتها قاطرة للتقدم ولا يمكن لأمة أن تتقدم دون أن تتلاقح مع أمم أخري ثقافيا وحضاريا، وكل ما أتمناه أن تكون تلك القاطرة أداة حقيقية لرفع مستوي الحياة وتحسينها في وطننا العربي المظلوم، فالترجمة هي الملاذ الوحيد لنا للتخلص من التخلف والفجوة الموجودة بيننا وبين العالم المتقدم". نوقش خلال اليوم في 3 جلسات مختلفة، قضايا هامة تتعلق بثلاثة تخصصات في الترجمة، الأولي هي "الترجمة العلمية"، التي يري د.مغيث أنها تمتلك حظا وافرا لأنها لا يطعن في ضروريتها أحد، ولكنها سيئة الحظ بسبب صعوبتها مما يجعل الكثيرون لا يقبلون عليها. أدار الجلسة د.أحمد شوقي، وشارك فيها كل من: د.عزت عامر، د.محمود خيال ود.أحمد فؤاد باشا. أرجع عامر أساس المشكلات التي نعاني منها الآن في مصر وخاصة في الأرياف والأحياء الفقيرة بالمدن، إلي تسيد الفكر الخرافي والذي يعد أساس الإرهاب، فقال: "حتي الوقت الراهن لا نضع الثقافة العلمية كجزء أساسي من الثقافة العامة، رغم أننا نلمس الآن اهتماما بين الشباب بها، ومصر جديرة باعتبارها الرائدة في معظم المجالات وخاصة الثقافية بأن تصدر علي الأقل مجلة علمية لتزرع تلك الثقافة في عقول الشباب". بينما أكد باشا أنه، رغم أننا مجتمع يعاني من الأمية، إلا أن الشباب لدينا يحب العلم ويسعي لتحصيله. أما خّيال؛ فقال باستياء: "الثقافة للأسف بصفة عامة ينظر لها من قبل الكثير من المسئولين في الدولة أنها أدب ومسرح وفن فقط، أما العلم فلا يدخل ضمن مقومات الثقافة، في الوقت الذي اختلطت فيه الألقاب بين العالم المنتج للعلم والقارئ أو المطلع، فلابد أن تكون الثقافة العلمية جزءا هاما من الثقافة العامة، والتي لا يمكن أن توجد في أي مجتمع إلا لو كان منتجا للعلم". في حين تناولت الجلسة الثانية "الترجمة الأدبية"، وأدارتها د.رندة صبري مشيرة إلي أن الحديث سيكون تحديدا حول الترجمة من العربية إلي اللغات الأخري، فاستعرضت تجربتها في الترجمة للفرنسية، مؤكدة علي ضرورة إعادة اكتشاف جزء كبير من تراثنا الفكري والأدبي ودراسته في ضوء نظريات الأدب الحديث، وهو المحور الذي ابتعد عنه جميع المتحدثين. فمن جانب، تحدث د.عبد المقصود عبد الكريم؛ الشاعر المترجم كما يصف نفسه، عن علاقة المترجم بالمؤلف وأنهما في المقام ذاته، واستطرد: "أنا أزعم دائما أن النص المترجم هو نص مشترك بيني وبين المؤلف؛ خاصة لو كان شعرا، وما أسعي إليه أن يجد مؤلف النص في ترجمتي النسخة التي يتمناها لو أنه كتب نصه بالعربية". أما د.علي عبد الرؤوف البمبي فتحدث عن المعارف الأكثر أهمية بالنسبة للمترجم، وإن كانت في اللغة المترجم عنها أم المترجم إليها، فقال: "معارف كلتا اللغتين في غاية الأهمية، لأن بدونها في اللغة الأصلية لن نستطيع الفهم، وبدونها في اللغة المترجم إليها لن نستطيع التعبير عن رسالة العمل الأصلي، ولكن لو أردنا الأسبقية، فكل المنظرين اتفقوا أن المعارف في اللغة الهدف أهم، لأن الفهم يقتضي جهدا وعملا أقل بكثير عن الجهد الذي يبذل عند صياغة الجمل وكتابتها". بينما أشار د.مصطفي رياض في النهاية إلي أن الترجمة العلمية وحدها لا تكفي، لأن النهضة لابد أن يكون لها جناحين، يختص أحدهما بترجمة العلم والآخر بترجمة الفكر. بعد انتهاء الجلسة، استضاف منفذ البيع بالمركز حفلات توقيع لبعض الكتب المترجمة فيه. جاءت الجلسة الثالثة والأخيرة حول "ترجمة العلوم الإنسانية"، التي أدارها د.محمد الخولي، وشارك فيها كل من: طلعت الشايب، بشير السباعي، ود.مني طلبة التي وصلت متأخرة مع نهاية الحديث. وضع الشايب في البداية تعريفا لترجمة العلوم الإنسانية بأنه لقاء حي يحدث من خلاله التجاوز والتقدم عند الأفراد والشعوب، لأنها ترجمة لواقع عوالم أخري وتجاربهم ونقله من النطاق المحلي المحدود إلي فضاء أوسع، وأضاف: "مترجم العلوم الإنسانية لا يكفيه إتقان اللغتين، لأنه يتعامل مع مادة مشحونة ثقافيا ومليئة بالتضمينات تصريحا وتلميحا، فلا يمكن لأستاذ في اللغة أو الأدب أو كليهما أي كان حظه من نظريات اللغة أن يُخرج لنا نصا مقبولا دون ممارسة طويلة للترجمة، حيث إنه لا توجد طرق مختصرة لإجادتها وتعلمها". بينما تناول السباعي الترجمة باعتبارها أحد هموم الثقافة، مؤكدا: »إننا اليوم أحوج ما نكون إلي التأطير الثقافي، لأن جانبا كبيرا جدا من موروثنا نستطيع الزعم بأنه صار باليا« في حين استعرضت طلبة ورقتها التي جاءت بعنوان "من حصن بابل إلي بيت الحكمة". أما حفل الختام؛ فأقيم في المسرح الصغير بدار الأوبرا، قدمه د.خيري دومة، وتضمن عددا من الكلمات الهامة التي أراد القائمون علي المركز والمكرمون أن يشاركوا بها الحضور، فعاد د.أنور مغيث إلي عشرين عاما مضت، متذكرا بعدما عاد من باريس، عندما هاتفه د.محمود العالم وأخبره أن د.جابر عصفور يريد لقاءه لاستشارته في الكتب الفرنسية التي يمكن أن يترجموها للجمهور، ومنها كانت بدايته مع المشروع. كما كان الكاتب الصحفي حلمي النمنم وزير الثقافة، شاهدا كذلك علي ميلاد المشروع ومشاركا في عمله لبعض الوقت، فقال: "أشعر الآن أن عشرين عاما من عمري تمر أمامي، قد تكون هناك بعض الملاحظات والسلبيات لأنه لا يوجد عمل كامل، لكننا إزاء مشروع كبير، يفتح أبوابا أمام العقل العربي والمصري لنعرف أحدث ما يكتب باللغات المختلفة، في الوقت الذي كانت فيه معظم الكتب المترجمة تقريبا من الإنجليزية والفرنسية فقط". عقب كلمة الوزير، صعد د.جابر عصفور إلي المسرح ليتسلم درع وزارة الثقافة عن دوره في المشروع القومي للترجمة، والذي دعا الحضور للوقوف دقيقة حدادا علي الأسماء التي يدين لها المركز بالفضل، ثم قال: "لقد كنا مجانين، ولكننا نجحنا، الآن نترك المهمة للأجيال التالية وكل ما نرجوه أن يكونوا مجانين مثلنا وأن يمضوا في الطريق بنفس الدقة والجسارة، وأن يصنعوا عالمهم الخاص ويضعوا لأنفسهم قواعد جديدة". وأنهي بالحديث عن أمنياته: "لا أزال أحلم أن يحقق الجيل الجديد في المركز؛ الترجمة من العربية إلي اللغات الأخري، وأن تكون هناك دورات تدريبية علي أعلي مستوي في الترجمة، وأن تكون هناك استراتيجية واضحة للترجمة بوزارة الثقافة، فالترجمة أصبحت ضرورة حيوية". بينما ألقي د.محمد عناني "رسالة المترجم"، فأفاد بأن: "المترجم يقوم بعملين معا في الوقت نفسه، أولهما عمل القارئ أو المتذوق وثانيهما عمل الكاتب، والمترجم الناجح هو كاتب ناجح يجمع بين الفهم والبيان". وخلال الحفل تم تسليم جائزة رفاعة لكبار المترجمين إلي الدكتور مصطفي إبراهيم فهمي الذي ألقي الضوء علي أهمية الترجمة العلمية وضروريتها، فأخبره د.دومة أنه بدءًا من العام القادم ستكون هناك جائزة خاصة لها، كما تسلم المترجم طارق راشد عليان جائزة الشباب. وبعد عرض فيلم قصير عن المركز القومي للترجمة، وآخر عن المترجم والمبدع الذي رحل عنا خلال هذا العام "خليل كلفت"، كرّم المركز عددا من المساهمين فيه خلال تاريخه وهم المرحوم لمعي المطيعي وتسلمت الدرع ابنته براء المطيعي، د.ماجدة أباظة، د.شهرت العالم، وطلعت الشايب، إلي جانب تكريم المترجمين الكبار د.عبد السلام بن عبد العالي وشوقي جلال. وانتهي اليوم بعرض موسيقي لفرقة التخت الشرقي، إهداء من دار الأوبرا.