أين الصوت النسائي في كتابة التاريخ، وهل لأرشيف النساء خصوصية ما؟ سؤال طرح نفسه بشدة علي المشاركين في ملتقي التاريخ الشفوي في أوقات التغيير الذي نظمته مؤسسة المرأة والذاكرة بالتعاون مع المجلس الأعلي للثقافة، واستمرت فعالياته علي مدار ثلاثة أيام. يهدف الملتقي- حسب قول د. هدي الصدة رئيس مجلس أمناء مؤسسة المرأة والذاكرة- إلي توطيد الصلات بين العلماء والباحثين والطلاب، وممارسة التاريخ الشفوي وكيفية مواجهة التحديات التي تواجه مشروعات هذا التاريخ في أوقات التغيير مع التركيز علي قضايا الجندور. وأن الملتقي يركز علي توثيق السرد الشفوي المتعلق بالثورات في العالم العربي، كما يدعو المشاركين علي النطاق الدولي للمساهمة بتجربتهم في توثيق تجارب الثورات وفترات التغيير في أماكن أخري من العالم. واشارت أيضا د، هدي الصدة إلي أنه حتي نهاية القرن العشرين، لم يتواجد في العالم العربي أرشيف لأصوات النساء، بالرغم من وجود بعض المجهودات للتوثيق، والتي كانت جزءاً من مشاريع بحثية فردية، وأن القرن ال21 شهد تزايداً ملحوظاً في مشروعات التوثيق بشكل عام ولأصوات النساء العربيات بشكل خاص، وقد أدت أحداث كالانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وغزو العراق 2003، وغزو لبنان 2006، ومؤخراً موجة الثورات العربية عام 2011 إلي إحداث تحولات جذرية، كما ساهمت التكنولوجيا الحديثة في إحداث تغييرات في مجال التاريخ الشفوي، وضم ممارسين جدد إليه، وأطلقت مؤسسة المرأة والذاكرة بالتعاون مع الأممالمتحدة الموقع الالكتروني لمشروع "أرشيف أصوات النساء" الذي يقوم علي البحث في أدوار النساء في التاريخ الثقافي والفكري وتوثيق مساهماتهن، بهدف إلقاء الضوء علي دور النساء كناشطات وقائدات ومشاركات في الحركة السياسية الهادفة للتغيير في مصر. وعنوان الموقع هو: http://oralhistoryarchive.wmf.org.eg وفي مداخلة أكد الدكتور محمد أبوالفضل بدران، الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة علي عدم وجود إجابة عن سؤال: أين صوت النساء في التاريخ؟! مشيراً إلي وجود جنس أدبي معرفي يتشكل الآن عبر الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، وهو المدونات التي لم تجد من النقاد ولا علماء الاجتماع والسياسة والتاريخ من يهتم بها ويحللها تحليلاً منهجياً كمصدر من مصادر المعرفة والتاريخ، وأضحت الرواية كنز التاريخ الشفوي مع السير الذاتية وأدب الرحلات، ناقلة روايات شفوية نسائية نحن في أمَّس الحاجة إلي درسها عبر مناهج علمية تجلو غبار التغييب المتعمد لدور النساء في التاريخ وتقزيم أدوارهن في صنع الواقع، ورؤيتهن للواقع الذي عشنه بآلامه وآماله. شهد ملتقي التاريخ الشفوي في أوقات التغيير، الجندور والتوثيق وصناعة الأرشيف مائدتين للحوار والنقاش، جاءت المائدة المستديرة الأولي بعنوان (الأرشيف والسلطة) أعدها د. عماد أبوغازي، وشارك فيها (د. وفاء صادق، د. إنصاف عمر، د. خالد زيادة، د. خلف المجري، د. رؤي غريب، د. غادة طوسون، د. مجدي جرجس، د. نيفين محمد، د. نيقولا ميشيل، د. نيللي حنا، ود. عائشة بالخير)، تناول فيها المشاركون تعريف مصطلح السلطة، وكان يقصد بها هنا سلطة الدولة، وخرجت مناقات المائدة إلي أن علماء الأرشيف التقليديون يرون أن الوثائق التي تحفظ في الأرشيف ينبغي أن تكون ذات صفة رسمية، وأن مفهوم الأرشيف في النصف الثاني من القرن العشرين قد اتسع ليشمل وثائق لها صفة رسمية حكومية مثل وثائق الأحزاب والهيئات والهيئات الخاصة والشركات والجمعيات الأهلية وأرشيفات الأسر والعائلات، والأرشيفات الخاصة للزعماء والقادة والمفكرين والأدباء والفنانين، وكيف أن الحضارات الإنسانية الأولي عرفت فكرة تسجيل المعاملات في شكل وثائق، ومنذ عرف الإنسان إنتاج الوثائق كانت الوثيقة منتجاً من منتجات السلطة بقدر ما كانت تحمسهم هي ذاتها في إنتاج السلعة. وأكد المشاركون في المائدة أنه مع ظهور الدورل القومية الحديثة في المغرب، بدأ الاهتمام بإعادة كتابة "تاريخ" تلك الدول لتأكيد الجذور البعيدة لها، كما بدأ التاريخ يتحول من سرد للحوادث إلي علم يقوم علي التحليل ويعتمد علي المصادر الأصلية من آثار ووثائق ومرويات، ومن هنا ظهر الاهتمام بإنشاء مؤسسات ثقافية قومية تحفظ هذه المصادر كالمتاحف لحفظ الآثار، والأرشيفات لحفظ الوثائق، والمكتبات لحفظ الإنتاج الفكري. وعقدت المائدة المستديرة الثانية مساء اليوم الثاني لأعمال الملتقي وكانت بعنوان (الأرشيف النسوي وإنتاج المعرفة البديلة) بإعداد د. هدي الصدة.. ومن الأوراق المهمة التي طرحت نفسها بقوة في المؤتمر بحث بعنوان (التأثير التكنولوجي في مشروعات التاريخ الشفهي وأرشفتها)، أوضحت فيه د. أمنية عامر (آداب القاهرة)، أنه قد طال الجدل بين المؤرخين حول أهمية التاريخ الشفهي، وأن حركة تدوين التاريخ الشفهي وتوثيقه قد نشطت منذ بداية القرن العشرين، وأكدت أنه من الضروري النظر إلي الشهادات الشفهية علي أنها منتجات ثقافية مركبة لأنها تجمع بين الذاكرة الفردية والذاكرة الجمعية، وهذا الحد التكنولوجي أسفر عن تراجع كيفي في الوثائث الورقية، ونتيجة للتنوع في أشكال المواد الشفهية كان لابد للمهنة الأرشيفية أن تتضمن قواعد صارمة للانتقاء والتقويم باعتبار أن الأرشيفي ليس مجرد قائم بالحفظ محايد لمضمون الوثائق. وحول التراث الشفاهي وتحديات التحول.. أوضحت د.حصة لوتاه (جامعة الإمارات)، أن كثيرا من الدول العربية اعتنت بإيجاد برامج تحاول من خلالها الحفاظ علي إرثها الثقافي، وأن هذه الجهود واجهت كثيرا من التحديات بعضها يقع في منطلق التصنيف الذي وضع لمفهوم التراث الشفاهي، وبعضها الآخر تجلي في نوعية الباحثين ومنطلقاتهم، ولعل بلداً مثل دولة الإمارات تواجه تحديات كبيرة في هذا المشروع لأسباب بعضها مرتبط بشكل كبير بانتقال مجتمعات تلك الدول من أنماط حياتية معينة إلي أخري.. مشيرة إلي أن بحثها يهدف إلي محاولة التحاور حول مكانة المرأة كفاعل وكمشارك، وكراوية أيضاً للتراث الشفاهي. وأكدت د. حصة أن الإشكالية الحقيقية التي تواجهنا، هي تحويل ذلك الإرث من مناخ الفعل والتفاعل إلي مناخات "القراءة" و"التصنيف". ومن جانبها أوضحت الكاتبة رفيف رضا صيداوي (لبنان)، أن رواية (الطنطورية) للدكتورة رشوي عاشور، صدرت قبل انطلاق أحداث الربيع العربي، إلا أن هذه الكتابات استشرفت تغييراً ما واستخدمت الذاكرة الشفهية في آن معاً، لذا يمكن الاستناد إليها في التقاط دور الذاكرة الشفوية في إنتاج المعرفة بديلة عن تلك المعارف النمطية عن النساء، أما بالنسبة إلي النصوص الروائية، التي صدرت خلال سنوات الربيع العربي فإننا مازلنا في طور البحث عنها، لاختيار ما يمكن أن يكون مناسباً منها في هذا البحث، علي أن تتوافر فيها معايير النضج الفني.