إنا لله و إنا إليه راجعون كلمات أنزلها الخالق في قرآنه فكانت تميمة ضد الجزع من مصائب الدنيا مات الشاعر محمود مغربي , و الموت علينا حق , مات كذلك سنموت جميعا , لكن الفجأة الحارقة الخارقة , لكن الظلام بلا ليل , السيل بلا غمام , مُنطلق الشكاية إلي صخرة الفجيعة للتصادم و النزيف , قابلتُ ذلك الشاعر مرتين أو ثلاث , و كان بيننا حجاب من الغرابة أنّ عبد الرحيم الماسخ لا يستغرب محمود مغربي و العكس , و كان الحوار بيننا مُتقطعا من أطرافه بين حوارات جانبية مُتداخلة معه كلها تنصب في مُجريات أمور الثقافة , الندوات , النشر ...... إلخ , الشاعر محمود مغربي من طينة أرضه أسمر فارع الطول ذو شيبة مبكرة إنه إخناتون جيلنا فكيف يموت , قابلته في المرة الأولي أثناء احتفال بمدينة القصير لتسليمنا جوائز القصير لمعاني الثورة , وجودي فاجأ الكثيرين , عبد الرحيم الماسخ يا للعجب إنه هو صاحب المشاركة المكتوبة بخط اليد علي ورق كشكول مدرسي , قال لي أحدهم : أنا عضو في لجنة التحكيم و قد راهنت ُ الزملاء أن صاحب هذه المشاركة شاعر كبير يمتحن صدق لجنتنا , و لكن محمود مغربي ابتسم لي و قال : أنت قدرنا فأين يذهب الإنسان من قدره , اللقاء الثاني كان مشاركة مني في أمسية شعرية في فرشوط , منذ أيام قليلة رن هاتفي و هو الذي يصيبه البكم بالسنوات الطِوال مُؤكِّدا لي خلوتي المستقرّة باقتدار علي وجهها الأعمي في قاع المُجتمع , علي الجانب الآخر كان محمود مغربي يسألني : من أنا ؟ أجبته : الشاعر محمود مغربي , ففرح و قال : كنتُ أظنك ضعيف الذاكرة و لكن ..... إنه أحد الشعراء النشطين المنتشرين , اجتهاده لا يحتاج منا إلي دليل و لروحه الطالع الأليف جل اهتمام الرضا و الوداعة , تطرّق بيننا الحديث مرات عن ثقافة الجود و المساعدة , عن ثقافة المحبة الخالصة , عن ثقافة الصلاح و المُجاهدة , عنا , فمازالت الشللية و شِباكها تملأ مخارج البحار , مازال التحيُّز الأعمي يغُّير مسار الريح و الضوء , مازال في بلادنا التي نعتز بها ألم عظيم و ظلم كثير , و أيضا خير وفير إذا وجد النفوس المخلصة إدارة كل شيء, تدور الأرض و قد لا نحس , تتزلزل , ترعد , تمطر , لكن الموت و هو تحوُّل ٌ كامل من اتجاه كامل معلوم إلي اتجاه آخر مجهول , الحياة لا تُعرف إلا به , الحياة القصيرة الوديعة تفاجئونا أن لها يداً تمتد لتقطف الزهور من حقل الفجر الندي الحنون تاركة البكاء و اليأس , أنّ لها لساناً حنجرته تمزِّق رنين الأبدية في أذان الأحبة , أخي و حبيبي محمود مغربي مات و أنا في دوري , أخلفَ موعده معي بلقاء جديد أخير نتصارح به أكثر و لا نخاف واجهة العزلة الواطئة , نكتشف تقاربنا من تمايُزنا , نعرف حقيقتنا من وهم الدنيا , القصائد لا تكفي , المقالات لا تكفي , لقد افتقد وجودنا دفئا ً كثيرا أثناء مزيد من الارتحال , هكذا الشعراء مختلفون ليجتمعوا , كلامهم صف بعد صف يكمِّل بعضاً في مواجهة القطيعة و الحرمان , اندفاعا إلي السعادة , ارتقاءً إلي المحبة , وصولا إلي المُثل العليا , مات محمود مغربي كذلك أموت و يموت الناس جميعاً غنيُّهم و فقيرُهم , قويُّهم و ضعيفهم , كبيرهم و صغيرهم , و يبقي الموت سيد الموقف و في مواجهته تماما الكلمة الصادقة , و لذلك لن يموت محمود مغربي شاعراً أخلص لفنه و أعطاه كله لينجو بزمانه كله من إسراف الحياة و بُخلها .